سعيد شقرون
24/11/2008, 12:15 PM
قصة قصيرة . الكوميدور
وصلت مع أبي إلى باب المدرسة .كنت أستبق الخطو علني أصل بسرعة ، أبي يسير خلفي .. كان فخورا بابنه الذي سيحقق حلمه اليوم بدخول المدرسة .. مدرسة متميزة، مختلفة عن تلك التي يلجها أبناء الجيران.. صديقي الترفوس دخل قبلي وحكى لي عنها، نظافة ونظام. أمي رجتني عند الباب قبل خروجنا أن أنظف حالي وأمسح أنفي مما قد يعلوه من مخاط . دخلنا المدرسة . أبي وأنا ،أحسست بخوف ورهبة عجيبين .
فضاء جميل، يعمه صمت مفزع كصمت المقابر.التلاميذ في الأقسام لا نكاد نسمع لهم صوتا.. الأمر مختلف عما كنا نردده في الكتاب حتى تبح حناجرنا.. تحدث أبي مع المسؤول عن التسجيل بلغة لا أفقهها . كنت أراقب فقط الأفواه وهي تتحرك، تنفتح ثم تنغلق ,أيادي تعلو وتهبط.
ابتسم الرجل وصافح أبي الذي غادر القاعة وتركني وحدي أواجه مصيري ..لقد أصبحت رجلا قال أبي وانصرف . شعرت بخدر في مسامي واضطراب لا أعرف مصدره . أخذ الرجل المبتسم يربت على كتفي وسحبني من يدي ثم أخرجني إلى الساحة النظيفة وكأنها غسلت بالماء والصابون. اجتزنا حديقة مشذبة بعناية مفرطة .تعجبت من الأشكال الهندسية المشكلة من الأعشاب الخضراء.
وصلنا رواقا طويلا. أوقفني الرجل عند الباب . دق ثم استأذن في الدخول . دخلت وبقيت واقفا بمفردي بعد أن أغلق الباب ورائي وغادر الرجل . وجدت نفسي في غرفة كبيرة، وأمامي مجموعة الأطفال في مثل سني، يتطلعون إلي بفضول شديد . خجلت من نظراتهم إلى درجة أني كدت أعود من حيث أتيت. سخونة تعلو محياي . وقف لرجل آخر كان قبالتي وأرجعني إلى الخلف. أجلسني بهدوء ثم انسحب للأمام .انقشعت الغشاوة . عدت أتأمل المكان وأتفحص الوجوه .أطفال في مثل سني فلم الخوف قلت في نفسي . كانت وجوههم جميلة وملابسهم نظيفة. لست أدري لم جاء بي أبي إلى هنا ؟ ولم يدخلني تلك المدرسة التي طالما تسلقنا جدارها بعد أن أحدثنا به ثقوبا تساعدنا على الصعود للعب الكرة في ساحتها المتربة .
انتبه الرجل بعد فترة قصيرة إلي ثم كلّم الفصل كله بلسان عربي مبين: إنه زميل جديد . نظر إلي وطلب مني أن أحضر في الغد اللوازم المدرسية وسلّمني ورقة مكتوبة. أخذت الورقة ووضعتها في جيبي، فجأة نظرت فوق السبورة فعاد البصر خاسئا. شعرت بخوف كبير حين اصطدمت عيناي بالصليب المثبت فوق السبورة. انتابني إحساس بالضياع..ماذا أصنع هنا، هذا ليس مكاني قلت.. لكن رائحة طعام شهي تنبعث من مكان ما أذهبت عني بعض الغضب .
تساءلت عن مصدره . ظننت أول الأمر أن منزلا قريبا من المدرسة هو مصدر هذه الوليمة الشهية . أحسست بجوع شديد . الكل ينظر إلى المدرس وهو يشرح الدرس.. تمنيت العودة إلى المنزل لأعب براد الشاي البارد المتبقي مع قليل من الخبز اعتقدت لحظتها أني لم أذق طعم الأكل منذ فترة طويلة . سمعت الجرس يرن ، خرجت مع رفاقي ..ازدادت رائحة الطعام قوة . رأيت الصغار يهرعون إلى مكان ما أو ربما خيل لي ذلك .. تبعتهم إلى مكان أكثر نظافة ورحابة . جلست .تصاعدت الرائحة إلى الخياشيم الكوميدور هذا هو المطعم الذي حدثني عنه صديقي الترفوس ..أكل شهي ومجاني . تحلب فمي حين رأيت قطع اللحم قددا قددا ..شرائح كبيرة ليست كتلك التي تقسمها أمي لنا نحن الأربعة في المناسبات .انتهيت من الأكل، أمدوني بالحلويات والمرطبات ..
عدت إلى البيت متخما أكاد أتمايل من النشوة والفرح. وجدت أمي عند الباب تنتظر قدومي وكأني عائد من معركة. سألني أبي كيف قضيت يومي. أجبته أني لن أعود إلى مدرسة النصارى.. لم يغضب أبي كما اعتقدت . في الصباح أخذني إلى مدرسة أخرى صغيرة وقريبة من منزلنا.
دخلت فصلا ضيقا ومكتظا عن آخره .جلست قرب الباب .. رأيت أطفالا مختلفين عما شاهدته بالأمس . خشيت أن يحرموني من الأكل . نظرت فوق السبورة .كانت هناك صورة تحمل وجها بشوشا وأليفا . شعرت ببعض الأمان ، لم أخف أو أضطرب . كان الرجل الوحيد الموجود معنا يكرر كلاما ونردد من ورائه بصوت مرتفع .أنا لم أكرر ما كان يقول، تعبت كنت فقط أفتح فمي وأغلقه .. أحسست بفراغ في معدتي، ليتهم يحضرون لي وجبة الأمس.
تذكرت الكوميدور فازدادت شهيتي انفتاحا، تحلب فمي.. شرعت أحلم بمأدبة الأمس.. لم تصل إلى أنفي تلك الرائحة الشهية ..صفعة قوية فقط هي التي وصلت إلى وجهي أيقظتني من حلمي الجميل، ما زلت أتحسس أثرها الساخن إلى اليوم.
وصلت مع أبي إلى باب المدرسة .كنت أستبق الخطو علني أصل بسرعة ، أبي يسير خلفي .. كان فخورا بابنه الذي سيحقق حلمه اليوم بدخول المدرسة .. مدرسة متميزة، مختلفة عن تلك التي يلجها أبناء الجيران.. صديقي الترفوس دخل قبلي وحكى لي عنها، نظافة ونظام. أمي رجتني عند الباب قبل خروجنا أن أنظف حالي وأمسح أنفي مما قد يعلوه من مخاط . دخلنا المدرسة . أبي وأنا ،أحسست بخوف ورهبة عجيبين .
فضاء جميل، يعمه صمت مفزع كصمت المقابر.التلاميذ في الأقسام لا نكاد نسمع لهم صوتا.. الأمر مختلف عما كنا نردده في الكتاب حتى تبح حناجرنا.. تحدث أبي مع المسؤول عن التسجيل بلغة لا أفقهها . كنت أراقب فقط الأفواه وهي تتحرك، تنفتح ثم تنغلق ,أيادي تعلو وتهبط.
ابتسم الرجل وصافح أبي الذي غادر القاعة وتركني وحدي أواجه مصيري ..لقد أصبحت رجلا قال أبي وانصرف . شعرت بخدر في مسامي واضطراب لا أعرف مصدره . أخذ الرجل المبتسم يربت على كتفي وسحبني من يدي ثم أخرجني إلى الساحة النظيفة وكأنها غسلت بالماء والصابون. اجتزنا حديقة مشذبة بعناية مفرطة .تعجبت من الأشكال الهندسية المشكلة من الأعشاب الخضراء.
وصلنا رواقا طويلا. أوقفني الرجل عند الباب . دق ثم استأذن في الدخول . دخلت وبقيت واقفا بمفردي بعد أن أغلق الباب ورائي وغادر الرجل . وجدت نفسي في غرفة كبيرة، وأمامي مجموعة الأطفال في مثل سني، يتطلعون إلي بفضول شديد . خجلت من نظراتهم إلى درجة أني كدت أعود من حيث أتيت. سخونة تعلو محياي . وقف لرجل آخر كان قبالتي وأرجعني إلى الخلف. أجلسني بهدوء ثم انسحب للأمام .انقشعت الغشاوة . عدت أتأمل المكان وأتفحص الوجوه .أطفال في مثل سني فلم الخوف قلت في نفسي . كانت وجوههم جميلة وملابسهم نظيفة. لست أدري لم جاء بي أبي إلى هنا ؟ ولم يدخلني تلك المدرسة التي طالما تسلقنا جدارها بعد أن أحدثنا به ثقوبا تساعدنا على الصعود للعب الكرة في ساحتها المتربة .
انتبه الرجل بعد فترة قصيرة إلي ثم كلّم الفصل كله بلسان عربي مبين: إنه زميل جديد . نظر إلي وطلب مني أن أحضر في الغد اللوازم المدرسية وسلّمني ورقة مكتوبة. أخذت الورقة ووضعتها في جيبي، فجأة نظرت فوق السبورة فعاد البصر خاسئا. شعرت بخوف كبير حين اصطدمت عيناي بالصليب المثبت فوق السبورة. انتابني إحساس بالضياع..ماذا أصنع هنا، هذا ليس مكاني قلت.. لكن رائحة طعام شهي تنبعث من مكان ما أذهبت عني بعض الغضب .
تساءلت عن مصدره . ظننت أول الأمر أن منزلا قريبا من المدرسة هو مصدر هذه الوليمة الشهية . أحسست بجوع شديد . الكل ينظر إلى المدرس وهو يشرح الدرس.. تمنيت العودة إلى المنزل لأعب براد الشاي البارد المتبقي مع قليل من الخبز اعتقدت لحظتها أني لم أذق طعم الأكل منذ فترة طويلة . سمعت الجرس يرن ، خرجت مع رفاقي ..ازدادت رائحة الطعام قوة . رأيت الصغار يهرعون إلى مكان ما أو ربما خيل لي ذلك .. تبعتهم إلى مكان أكثر نظافة ورحابة . جلست .تصاعدت الرائحة إلى الخياشيم الكوميدور هذا هو المطعم الذي حدثني عنه صديقي الترفوس ..أكل شهي ومجاني . تحلب فمي حين رأيت قطع اللحم قددا قددا ..شرائح كبيرة ليست كتلك التي تقسمها أمي لنا نحن الأربعة في المناسبات .انتهيت من الأكل، أمدوني بالحلويات والمرطبات ..
عدت إلى البيت متخما أكاد أتمايل من النشوة والفرح. وجدت أمي عند الباب تنتظر قدومي وكأني عائد من معركة. سألني أبي كيف قضيت يومي. أجبته أني لن أعود إلى مدرسة النصارى.. لم يغضب أبي كما اعتقدت . في الصباح أخذني إلى مدرسة أخرى صغيرة وقريبة من منزلنا.
دخلت فصلا ضيقا ومكتظا عن آخره .جلست قرب الباب .. رأيت أطفالا مختلفين عما شاهدته بالأمس . خشيت أن يحرموني من الأكل . نظرت فوق السبورة .كانت هناك صورة تحمل وجها بشوشا وأليفا . شعرت ببعض الأمان ، لم أخف أو أضطرب . كان الرجل الوحيد الموجود معنا يكرر كلاما ونردد من ورائه بصوت مرتفع .أنا لم أكرر ما كان يقول، تعبت كنت فقط أفتح فمي وأغلقه .. أحسست بفراغ في معدتي، ليتهم يحضرون لي وجبة الأمس.
تذكرت الكوميدور فازدادت شهيتي انفتاحا، تحلب فمي.. شرعت أحلم بمأدبة الأمس.. لم تصل إلى أنفي تلك الرائحة الشهية ..صفعة قوية فقط هي التي وصلت إلى وجهي أيقظتني من حلمي الجميل، ما زلت أتحسس أثرها الساخن إلى اليوم.