المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخوالف ( نزف قلم : محمد سنجر )



محمد سنجر
29/11/2008, 06:50 PM
جلست متحسرا أشاهد مباراة مصر و أمريكا في كأس القارات ،
لأول مرة أجلس بمقاعد المتفرجين ،
مكاني دائما كان بين اللاعبين لا بين المشاهدين ،
لم أحس من قبل هذا الإحساس الغريب ،
تحسست هذا الجبس اللعين الذي غلف قدمي المكسورة ،
تنهدت حسرة و ألم ،
رفعت يدي لأعلى متمنيا سرعة الشفاء ،
تمنيت لو كان في استطاعتي شق هذا الجبس ،
حاولت أن أشغل نفسي بعيدا عن هذه الهواجس التي بدأت تتملكني ،
حولت نظري و فكري إلى جموع المتفرجين من حولي ،
نظرت عن يساري فإذا برجل بدين يرتدي جلبابا يكاد يتفتق عن بطنه المنتفخة ، كأن بطنه تشتكي احتباسا خلف هذه الأزرار التي أحكمت عليها ،
و إذا به و قد أحكم قبضته على دجاجة مسكينة يفترسها بنهم شديد ، بينما قبعت أمام قدميه حقيبة تكاد تنفجر من كثرة ما بها من طعام و شراب ،
نظرت إليه ،
عندما أحس بوجودي نظر إلي و قال و براءة الأطفال في عينيه )
: وشك أصفر ليه ؟ جعان ؟
: لا أبدا ، الحمد لله ، لسه واكل .
( مد يده ( الملظلظة ) إلى حقيبة العجائب ، أخرج بين أصابعه عددا من أصابع المحشي ،
المفاجأة ألجمت لساني ، لم أنبس بحرف ،
فإذا به يبادرني )
: ما بتحبش المحشي ؟ خد ( منبار ) .
( أخرج بعض أصابع ( المنبار ) ،
لم استطع تممييز أصابعه من أصابع ( المنبار ) ،
لم أتمالك نفسي من الضحك ، بادرته قائلا )
: ها ها ، محشي و منبار ؟
: لازم الواحد يعمل حسابه ، الجوع كافر بعيد عنك ،
أقولك ، تضرب ( بيبس ) ؟
( أخرج من الحقيبة زجاجة مياه غازية من الحجم العائلي ،
عندها تملكتني حالة من الضحك الهستيري ، حاولت تمالك نفسي و قلت )
: ها ها هااااي ، لا ، شكرا ، ألف شكر .
( عندها قال و قد سيطر على وجهه خيبة الأمل )
: أنت حر ، براحتك ،
على العموم الأكل مش ها يطير ،
في أي ساعة تجوع اضرب أيدك في الشنطة و طلع اللي نفسك فيه .
: ماشي إن شاء الله ، إن شاء الله .
( حولت نظري عنه ، نظرت عن يميني فإذا بسيدة غاية في الأناقة تجلس بجواري ،
أخرجت السيدة من حقيبتها علبة سجائرها ،
فتحتها ، قربتها من يدي ، قالت هامسة )
: تعفر ؟
: لا شكرا .
: خد خد ، دي مغمسة ( غمزت بعينها ) .
: يا ستي ما بادخنش ، و بعدين يعني إيه مغمسة ؟
: بانجو .
: كده بانجو ؟
: خلاص فهمت ، طب تضرب ( تلك ) ؟
( أخرجت ورقة صغيرة من حقيبة يدها ، فتحتها و إذا بها مسحوق أبيض ، عندها صرخت بوجهها )
: إيه ده كمان ؟
: إنت ها تسيح ؟ ما تخافش دي بودرة .
: ها هاي ، ( صرخت ) ها اقـــابله بودرة ، الله يخرب بيوتكم .
( هرولت بعرجتي هربا من بين حجري الرحى ،
أخذت أبحث هنا و هناك ، وجدت مدرجاتنا و قد امتلأت بنفس الوجوه السلبية القبيحة ، بطون منتفخة ، حقائب متخمة ، قلوب كسولة ، روائح كريهة ، تلوث يملأ المدرجات ،
فجأة صمت أسماعنا هتاف جماهير الفريق المنافس تستهجن ،
عندها نظرت إلى الملعب فإذا بلاعبينا و قد دخلوا و بدءوا عملية الإحماء ،
وقفت متحمسا أصفق و أهلل ،
و إذا بي الوحيد الذي يصفق و يهلل ،
خيم الصمت على جمهورنا الغفير ، لم يحرك أحد منهم ساكنا ،
إلا من صوت غطيطهم الذي ملأ الفضاء من حولنا ، حاولت إيقاظهم من غفوتهم ، صرخت بأعلى صوتي )
ـ أفيقي أيتها الجماهير الغفيرة ،
اللاعيبة بتوعنا نزلوا الملعب ، الماتش ها يبدأ يا عالم يا هوه .
( و لا حياة لمن تنادي ، صرخت و صرخت )
: أمال لو قلت لكم انزلوا العبوا زي جماهير الفريق الصيني ما عملت ، ها تعملوا إيه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
( عندها تجشأت الجماهير بوجهي ، أطلقوا ناحيتي رياح برائحة بطونهم العفنة ، نفث البعض منهم أدخنتهم الخبيثة بوجهي ، ما لبثوا أن قالوا في صوت واحد ممل رهيب )
: بتصرخ ليه يا ابن المكعبلة ؟ ها تطير الحجرين .
: الماتش ها يبدأ يا عالم يا هوه .
: ماتش مين يا با ؟ اللي خادته القارعة تاخده أم الشعور ،
( و إذا بزئير الجماهير الأمريكية الغفيرة يزلزل المدرجات ، نظرت إلى أرض الملعب فإذا بلاعبيهم و قد نزلوا أرض الملعب ،
بدأت الدماء تغلي في عروقي ،
و إذا بجماهيرهم يتركون مقاعدهم ، بدءوا في النزول إلى أرض الملعب ،
أخذت أصرخ و أصرخ )
: أفيقوا ، الجماهير بتاعتهم نزلوا الملعب كمان ،
: ( صرخت ) إنهم يرتدون ملابس اللعب ، عددهم يزداد و يزداد ،
أفيقوا أيها المخدوعون ، أصبح عددهم مائتين ،
ما هذا ؟ إنهم يتزايدون ، أصبحوا ألف لاعب ،
لا لا ، عشرة آلاف ، مائة ألف ...... الجماهير كلها نزلت الملعب .
( عندها صرخ أحد مشجعينا قائلا )
: إبقى اتغطى كويس و أنت نايم يا سوسو ، ها ها هااااي .
( عندها أحسست ببركان انفجر بصدري ،
ضربت يدي في حقيبة صاحبي ، أخرجت منها سكينا ،
بدأت بشق الجبس الذي غلف قدمي ،
عندما نزعته تماما ، وقفت منتشيا للحظة ،
ما لبثت أن نزلت درجات السلم هرولة إلى الملعب ، قفزت السور بيننا و بين الملعب ،
عرجت إلى منتصف الملعب ،
أطلق أحد مشجعيهم صفارته و قد ارتدى ملابس حكم الساحة ،
أحاط بي بعض مشجعيهم و قد ارتدوا ملابس قوات الأمن ،
صرخت فيهم )
: مكاني هنا مش في المدرجات .
( صرخ حكم الساحة )
: طلعوا المجنون ده بره .
( أمسكوا بي ، حاولت الإفلات من بين أيديهم ،
حاولت و حاولت حتى نجحت ،
جريت ناحية حكم الساحة و قد أمسك بالكرة بين يديه ،
ضربتها بقوة بقبضة يدي فسقطت أرضا ،
عندها ركلتها بكل قوة باتجاه مرماهم ، جريت لألحق بها ،
جريت و جريت ، و إذا بهم جميعا ورائي يطاردونني ،
ركضت سنوات و سنوات حتى وصلت أخيرا إلى مرماهم ،
صرخ حكمهم )
: إرهابي ، إياكم أن يصيب مرماكم بهدف ، امسكوه ، اقتلوه ، حرقوه .
( نظرت إلى مرماهم نظرة تحدي ، لملمت ما تبقى بداخلي من إباء ماضي أمة بأكملها ، أمة ما خفضت إلا لباريها الجبين ،
صرخت بأعلى صوتي )
: حريــــــــــــــــــــــــــــة .
( ركلت الكرة بكل ما تبقى لدي من قوة ،
انطلقت كطائرة تتوغل بأعماق مبنى زجاجي هش ، مزقت شباكهم تمزيقا ، دكت حصونهم دكا ، ( صرخت )
: و جــون و جـــون و جــــون و جــــــــــــــــــون
عندها انهالت على رأسي عصيهم و سلاسلهم الحديدية ،
حاول لاعبينا الغلابة انتشالي من بين أيديهم ، لكن ماذا يفعل إحدى عشر لاعبا أمام الملايين من الجماهير ؟
سقطت بين أرجلهم مخضبا بالدماء ،
تمنيت ـ قبل أن أفقد الوعي ـ لو نزلت جماهيرنا الغفيرة لأرض الملعب ،
ترى هل أفاقت الجماهير و نزلت ؟
أم أنهم كالعادة رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ؟