المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحضور الثقافي الإسلامي على الساحة السويدية



محمود الدبعي
03/12/2008, 02:31 PM
:vg:الحضور الثقافي الإسلامي على الساحة السويدية


مما لا ريب فيه، إن من حسنات السويد التي إستقر فيها حوالي نصف مليون مسلم، أنها تمنح االمهاجرين الحق في ممارسة الشعائر الدينية والتظاهرات الثقافية والسياسية، والرياضية والتعليمية، وغير ذلك، ما لم يتعارض ذلك بالقوانين السائدة في السويد، ومثل هذا الحق يكاد ينعدم في الأوطان الأصلية لتلك الجاليات المسلمة، ولا يعدو أن يكون إلا مجرد حلم جميل يراود فئة الشباب التي تحلم بالهجرة الى السويد. إن غالبية هذه الفئة المهاجرة عندما يتسنى لها الاستقرار القانوني ، بعد انتظار طويل، تصاب بالاحباط و خيبة الامل. كأن الظمآن بمجرد ما يرتوي، سرعان ما يتبدد من ذهنه مفهوم العطش! كذلك أولئك المهاجرين بمجرد ما تتسع لهم الدنيا، لا يبالون بما كانوا يفكرون فيه قبلا، فهم مشغولون بمظاهر النعيم والترف، الذي يكتشفونه في العالم الجديد الذي ارتحلوا إليه. و لم تعد فكرة مواصلة التعليم العالي تشغل بالهم ، مع انها ميسرة ، و يحصل الطالب على منحة دراسية و يتاح له المجال للعمل في فترة الإجازة الصيفية.

غير أن ثمة طائفة قليلة من المثقفين العرب والمسلمين لم تتنازل عن مبادئها الأولى، بل طوعت الإمكانات التي توفرها لهم الدولة ، لتخدم بها مختلف القضايا، سواء المتعلقة بإنشاء الجمعيات الدينية، أم المرتبطة بمسارهم العلمي والفكري والتحصيلي، مما تولد عن ذلك، نشوء مصليات و مدارس و منتديات ثقافية ، تتزعمها نخبة مثقفة من المسلمين ، ساهمت، بشكل ما، في تفعيل المشهد الثقافي والديني، فتمكنت من تصحيح جملة من المفاهيم المغلوطة، التي هيمنت على المنظومة الفكرية الغربية، التي لا تنظر إلى ما هو إسلامي ، إلا بنظارة التخلف والتأخر والتشدد! فأثر ذلك بعمق على ثلة من المثقفين والسياسيين السويديين، الذين بدأوا يسلكون نهجا جديدا في قراءتهم للثقافة العربية و الإسلامية واكتسب المسلمون اصدقاء كثر ، ينافحون عن الإسلام والمسلمين بدون مقابل.

إن تأثير الحضور الثقافي الإسلامي، ولو النسبي، على الساحة السويدية ، ناتج عن الإسهام المتنوع لذلك الحضور، لكن هذا الإسهام لا يكون دوما فعالا، فدرجاته تتفاوت، من إسهام مائع إلى إسهام عادي إلى آخر متميز. ناهيك عن تكاثر أصناف هذا الإسهام ومجالاته، غير أن ما يهمنا في هذا المقام، هو ذلك الإسهام الدعوي و التربوي، الذي تقدمه الكثير من المؤسسات الإسلامية ، قاصدة بذلك خدمة القضايا التربوية والتعليمية ، ومن أجل المحافظة على استمرارها في هذه البلاد و نقل الحضارة الاسلامية إلى مختلف شرائح المجتمع السويدي وهذا هو خير ضمانة لذلك الحفاظ وديمومته، وما دام التعليم يعتبر أهم ميدان لتشكل تلك العملية، أصبح في نظر العديد من المسلمين المستقرين بالسويد، أولوية الأولويات، فتكاثفت الجهود، وتضافرت المبادرات، لتشييد المؤسسات التعليمة المختلفة، وهي تستثمر ليونة قوانين السويد التي تحاول بعض الجهات المغرضة التاثير عليها من اجل الحيلولة بين المسلمين واقامة مؤسسات تعليمية خاصة بهم ونقصد بالذات حزب الشعب الليبرالي وبعض السياسيين من اليسار والاشتراكيين ، الذين يصرون على علمانية التعليم وابعاد الدين عن النظام التعليمي.

بدأ هاجس التفكير في تعليم الأبناء، تعليما إضافيا يتوافق وهويتهم العقيدية واللغوية، يسكن نفوس الجالية المسلمة في السويد، وسرعان ما ترجم هذا الهاجس إلى واقع الأمر، فصارت المصليات والقاعات الدراسية المستأجرة فضاء للتعليم الإسلامي الإضافي، الذي راح يتلقاه أبناء المهاجرين في عطل نهاية الأسبوع، غير أن هذا التعليم ظل مرهونا، من جهة، بالمناهج التقليدية المستوردة من الأوطان الأصلية، وهي مناهج مبنية على الحفظ والتقليد، لا تراعي السياق الجديد الذي يوجد فيه أبناء المسلمين بالسويد ، ومن جهة أخرى ظل التعليم الاسلامي يتخبط في أزمة التسيير العشوائي الذي كان يقوم به المشرفون على الجمعيات الاسلامية في مختلف المدن السويدية والذين كان ينقصهم الكوادر العلمية ذات التكوين الكافي، والوعي اللازم بظروف الأبناء النفسية التي تختلف جذريا عن ظروف الآباء، إضافة إلى المشاكل المادية والتجهيزية. ثم، بعد أن تهيأ المناخ نتيجة ، هجرة مجموعة من المثقفين المسلمين الى السويد ، بدأ نشوء الوعي الثقافي لدى الجالية المسلمة وآمنت بجدوائية تطوير المؤسسات الاسلامية و تحويلها من مجرد مصليات تقليدية ترتكز على ممارسة الشعائر الدينية، إلى مؤسسات ثقافية وتربوية تستفيد من المدنية السويدية الحديثة، دون تجاوز لمقومات الهوية الاسلامية، فنشأت مؤسسات تعليمية في عدد من المدن السويدية، أطلقت على نفسها اسم المدارس العربية والاسلامية، حاولت أن تسد بعض الفراغ التعليمي والتربوي الذي يعاني منه ابناء المسلمين، إلا أن ما يؤاخذ عليها هو:
أولا، اقتصارها على إدراج الدين الإسلامي واللغة العربية في مناهجها التعليمية، دون تجاوزهما إلى مسالة تثبيت الهوية المسلمة من خلال تعليم الدين الاسلامي باللغة السويدية للتلاميذ.
وثانيا، حضور الهاجس المادي لدى المشرفين على تلك المؤسسات، مما يجعلها توفر في الطعام و تامين الكتاب ، وتوفير المدرسين المؤهلين.

غير أن الطفرة النوعية التي سوف يقطعها التعليم الإسلامي والعربي داخل السويد، هي التي قام بها صفوة من المثقفين المسلمين من ابناء الرابطة الاسلامية في السويد ، الذين ينحدرون من مختلف التوجهات الفكرية والأكاديمية، عندما بادروا بتأسيس مؤسسة ابن رشد التعليمية والتي ستكون نواه لمعهد شرعي في المستقبل القريب و حصلت ابن رشد على الموافقة من السلطات السويدية في منتصف شهر يونيو 2005، و خصص مبلغ من المال لتطوير هذه المؤسسة الرائدة ولا نرى في هذه الخطوة إلا طفرة نوعية للتعليم الإسلامي والعربي في السويد، وذلك استنادا إلى العناصر الآتية التي تضفي على هذا المشروع الحضاري طابع الفرادة والتميز.

سد الفراغ ومنح فرص التحصيل للجميع
لقد عانت طويلا الجاليات المسلمة التي استقرت بالسويد، من انعدام المؤسسات الثقافية والتربوية، التي تساير النظام التعليمي السويدي ، ذلك لأن التعليم السويدي في اوقات الفراغ ذو طبيعة مغايرة ويقبل علية السويديين بشغف كبير، ويشاركون في الحلقات الدراسية التي تشتمل على كل ما يهم هذه الشرائح المختلفة فهو يقتضي التحدث باللغة السويدية، دون حرمان الاقليات من تعلم لغة الام بل يشجع على تعلمها والتحدث بها الى جانب اللغة السويدية و اللغات العالمية الحية مثل الانجليزية و الفرنسية . و تقدم السلطات السويدية دعما ماليا للمؤسسات التي تقيم حلقات دراسية في مقراتها و لاعضائها و لغيرهم.
لذلك، كانت ولادة مؤسسة ابن رشد في محلها، وما هذه الولادة، بنظري، إلا حصيلة الوعي السليم الذي نشأ لدى مؤسسي ابن رشد لايصال العلوم الانسانية والدينية واللغوية الى تلك الشريحة العمالية التي حرمت من متابعة تكوينها الدراسي، وهذا ما أكدوه في وثيقة العمل التي اعدت لتكون اساسا منهجيا لهذه المؤسسة الناشئة.
ولتكون نبراسا في مجال التعليم في اوقات الفراغ وغرسا للأمل في النفوس بعد ان وجد هذا العدد الكبير من الراغبين في استكمال تعليمهم وصعوبة تحقيقهم لهدفهم هذا.

حيادية التعليم في اوقات الفراغ وتنوع التخصصات
إذا كانت بعض المؤسسات التعليمية الخاصة التي تم تأسيسها بالسويد، اختارت أن تضفي على برامجها التدريسية، منهجية ومضمونا حياديا علمانيا، الا أن بعضها له طابع كنسي ، فإن مؤسسة ابن رشد اعتصمت بالانفتاح على مختلف شرائح المجتمع و عقدت اتفاقية تعاون و تنسيق مع احدى كبريات المؤسسات التعليمية السويدية و يطلق عليه مؤسسة SENSUS ، خصوصا وأن هذه المؤسسة تراهن على جودة التعليم، الخالي من شوائب الأهواء الأيديولوجية، والأغراض الشخصية، فهي، ترغب في الانفتاح على المؤسسات الاسلامية من خلال ابن رشد، و"تحترم خصوصيات الافراد المسلمين , والتنوع الفكري وترفض التفكير الشمولي وتعتمد الاسلوب العلمي"، لذلك فسحت المجال لكل أنواع ومستويات المشاركين في الحلقات التعليمية، وفي شتى حقول العلم والمعرفة، لغوية كانت، أو أدبية، أو تاريخية، أو سياسية، أو قانونية، أو اقتصادية، أو إدارية، أو فلسفية، أو فنية، أو إعلامية، أو معلوماتية، أو غير ذلك. فبالنظر إلى تركيبة المؤسسة التعليمية هذه و طموح ابن رشد لتسير على دربها نخلص إلى أنها من حيث البنية الهيكلية تشتمل عدة فروع. ثم إن اللغة المركزية التي يقدم بها التعليم داخل مؤسسة ابن رشد هي اللغة السويدية بالاضافة الى اللغة العربية.

في الحقيقة، إن أكبر تحد يعيق بزوغ أو ديمومة أي مشروع علمي أو ثقافي إسلامي أو عربي، هو التمويل المادي، فإلى حدود زمن ما قبل أحداث 11 سبتمبر 2001، كانت المؤسسات الإسلامية تستفيد بسهولة تامة من أي دعم مادي يأتي من الخارج، لكن اليوم أصبح هذا من باب المخاطرة والشبهه، لذلك تجد أي مؤسسة إسلامية دينية أو تعليمية نفسها أمام ثلاث خيارات؛ إما خيار التنازل عن استقلالية قرارها لتامين الدعم المالي لانشطتها، ، علها تنال تعويضات مادية خارجية مشروطة، تستطيع بواسطتها تمويل مشروعها الديني و الثقافي، وإما خيار التمويل الذاتي، عن طريق الاعتماد على النفس من خلال اوقاف تجارية، وترغيب المهاجرين في الإحسان إلى هذه المؤسسات. أو انتظار المساعدات التي تقدمها السلطات السويدية والتي لا تغطي بمجموعها 30% من مصاريف هذه المؤسسات.

إن المتصفح للائحة الداخلية لمؤسسة ابن رشد التعليمية ، يجد انها بعون الله ومشيئته سوف تفلح لا محالة في إحداث تغيير جذري بين أوساط الجالية المسلمة في السويد، تغيير يوجههم نحو ترسيخ الهوية الاسلامية، التي تدفق بالمعاني الحضارية النموذجية التي يتوق إليها المجتمع السويدي الذي يؤمن بالتعددية الثقافية. جملة القول، أن الشئ الوحيد الذي يؤاخذ على هذه المؤسسة التربوية الفتية، هي أنها تفتقر للكوادر العلمية المدربة، تركيبة ولغة، شكلا وجوهرا، إدارة وعطاء، ولكن الوقت كفيلا في تجاوز هذه المرحلة فهي تاسيسية و لديها عاما آخر لنصحيح وضعها.


محمود الدبعي