المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما الذي يُسكت حماس عن الكلام المباح؟



مصطفى عودة
05/12/2008, 11:51 PM
(ما الذي يسكت حماس عن الكلام المباح)

لقد بات واضحا أن "أم العروبة" أضحت تتاجر بسكوت الحركة وظروف حصارها، منتظرة انتفاضة شعبية داخلية ضدها، تريحها من هذا الكابوس، بل باتت تنتظر رفع الحركة الراية البيضاء، والدخول في "مرحلة التدجين" وسياسة "طأطأة الرأس"، حتى لو كان قربان ذلك يوميا أجساد الأطفال المرضى وعبرات أمهات الشهداء المرابطين. ودوام الموافقة على إبقاء معبر رفح الفلسطيني مغلقا حتى الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير، تعني أن مصير مليون ونصف مليون فلسطيني من أبناء قطاع غزة المحاصرين في كفة، والجندي الإسرائيلي في الكفة الأخرى،
تتحامل حركة المقاومة حماس على نفسها، وتلظم جراحها بيدها، وتكبت آهات وجعها النازف جراء سكين التعاطي المصري غير المنصف معها، عبر حالة "اللاحياد" التي تتبعها مصر في علاقتها غير المتوازنة مع الحركة، سواء مع خصوم الحركة أو حتى أعدائها.


ورغم حالة الجفاء النافرة التي تعتمدها السياسة المصرية في تعاملها مع الحركة عبر قصر التعاطي معها من البوابة الأمنية فقط "عمر سليمان"، فيما بلاط ومنتجعات شرم الشيخ مشرعه لغيرها، إلا أننا نجدها تتحامل على جراحها في سبيل المحافظة على ما تبقى من " أنبوب التغذية الوحيد الواصل للقطاع" .


لا ترغب حركة حماس القول للنظام المصري، إنك وسيط غير نزيه في حوارات الحركة مع سلطة رام الله، بخصوص جولات الحوار مع فتح، تتعاطى الحركة مع الموقف المصري إعلاميا، بوصفه "أبو النزاهة وأمها"، ولا ترغب الحركة بالصراخ من حالة الضيم جراء الموقف المصري المؤيد والداعم لشروط الطرف الإسرائيلي، بشأن صفقة الجندي شاليط، رغم علمها أن هناك وسطاء أجانب أكثر حيوية وتقبلا لشروطها من الوسيط المصري.


ولا ترغب الحركة القول للوسيط المصري، إنك أشد وطأة على أخوة الدم والعروبة والإسلام من المحتل الغاصب، فيما له علاقة بالحصار، عبر تفجيرك للأنفاق على رؤوس أصحابها، واعتقالك وتعذيبك لعدد من المجاهدين المشرفين على عمليات تهريب الأغذية والأدوية، ومنعك للقوافل، العبور بدافع الإغاثة، وتزويدك الطرف الإسرائيلي بالغاز المستخدم لإنارة مصانع السلاح وتجارب مفاعل ديمونة، في وقت تحرق فيه أنفاق تهريب حليب الأطفال على رؤوس ناقليها، ولا ترغب الحركة البوح للعالم أنك رفضت رفضا قاطعا مقترحين رسميين (قطري وجزائري)، بإقامة محطة للوقود والغاز قريبة من غزة لتزويد القطاع بالطاقة مجانا.


ولا ترغب الحركة إحراجك عبر وسائل الإعلام والمؤتمرات الصحفية، بكشف خبايا دورك الخفي في إجهاض اتفاق مكة "بالدلائل الدامغة والأدلة القاطعة"، ولا ترغب الحركة كشف دورك التحريضي ونصحك "غير الرشيد" لقيادات السلطة بشأن آليات إجهاض نتائج الانتخابات التشريعية، وسبل تقويض حكومة هنية، للتخلص من إفرازات الواقع الجديد، ولا ترغب الحركة كشف ملامح تحركك، لإضعاف اتفاق صنعاء وتهديدك لليمنيين والسعوديين بصورة مبطنة، أنك "المالك الشرعي والوحيد للملف الفلسطيني".


لم يعد خافيا مصابرة الحركة على أوجاعها، إلى درجة دفعت بالسوريين للحديث علانية للمصريين عن ذلك، ولم يعد خافيا شعور الحركة أنها تدفع فاتورة باهظة جدا من علاقة "المجاملة"، الملتزمة بها حيال "الشقيقة الكبرى مصر"، دون اكتراث من الأخيرة لأوجاع ونزف "الشقيق الأصغر المشرف على الموت".


لقد بات واضحا أن "أم العروبة" أضحت تتاجر بسكوت الحركة وظروف حصارها، منتظرة انتفاضة شعبية داخلية ضدها، تريحها من هذا الكابوس، بل باتت تنتظر رفع الحركة الراية البيضاء، والدخول في "مرحلة التدجين" وسياسة "طأطأة الرأس"، حتى لو كان قربان ذلك يوميا أجساد الأطفال المرضى وعبرات أمهات الشهداء المرابطين.


ودوام الموافقة على إبقاء معبر رفح الفلسطيني مغلقا حتى الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير، تعني أن مصير مليون ونصف مليون فلسطيني من أبناء قطاع غزة المحاصرين في كفة، والجندي الإسرائيلي في الكفة الأخرى، فطالما أن هذا الجندي قيد الأسر، فإن المليون ونصف المليون من الفلسطينيين، يجب أن يكونوا في الأسر أيضا، بموافقة وتطبيق وإصرار السجان الرسمي المصري للأسف.


من المعروف والمعلوم للجميع، أن حركة حماس التزمت الصمت "دبلوماسيا وأدبيا" على كل هذه التجاوزات والخروق، ولا ترغب بالتصعيد، رغم امتلاكها أوراق ربح كثيرة، لكنها ما تزال تؤمن أن للدور المصري أثرا كبيرا على مجريات الصراع، وأن بإمكان اللاعب المصري أن يحرز أهدافا إستراتيجية في حضن المهاجم الإسرائيلي، ويستعيد دور مصر المحوري المؤثر على الساحة الفلسطينية.


إن دوام حالة التحيز التي يتعامل معها الرسميون المصريون مع الحركة وإفرازات واقعها الجديد، بعد فوزها بغالبية أصوات الشعب الفلسطيني في الانتخابات الأخيرة، لا يخدم مستقبل القضية الفلسطينية، ولا يخدم مسارات الحوار المطلوب، بالتالي على القيادة المصرية أن تقر وتعترف بقواعد اللعبة الجديدة وتغير موازين القوى داخل الساحة الفلسطينية، وإعطاء كل طرف حجمه الحقيقي، بعيدا عن لغة الاصطفاف.


لقد أثبتت التجارب أن الشعب الفلسطيني لا يحتمل الضغط، وأنه يمتلك خاصية الانفجار "في كل الاتجاهات" متى شعر بالخطر، وبالتالي يتعين على الأطراف المؤثرة في ملفه، أخذ الحيطة والحذر والتعاطي مع جميع مكوناته، بقدر من التوازن، خشية السحب الخاطئ والمفاجئ لصاعق التفجير.

جهاد السعدي / كاتب فلسطيني
عن العصر