المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في نص (متاهة الثيران) لشريف صالح



فيصل عبد الوهاب
14/12/2008, 07:51 PM
متاهة الثيران – شريف صالح


ـ تصور .. رجل آخر يشاركنا الحياة أنا وزوجتي!
ـ رجل!
ـ نعم.
ـ لم يخطر في بالي أبداً أن يحدث ذلك.
ـ رأيته بنفسي يتلصص علينا ونحن نمارس الجنس.
ـ وهل يشعر باللذة وهو يتلصص؟
ـ لا أعرف.. لكنه يراني وأنا أفتح لها "السوتيان" الأسود من الخلف
فيندلق ثدياها في عيني، كما في عينيه. ويسمعني وأنا أسبها في حالة
خاصة جداً بألفاظ بذيئة.
ـ ألفاظ بذيئة مثل ماذا؟
ـ ستمنع الرقابة نشرها لو قلتها!
ـ هل كانت عارية وأنت تسبها؟
ـ لن أُخفي عليك.. نحن الاثنان كنا عاريين تماماً.
ـ أمر مربك أن نجد أنفسنا عراة أمام شخص مجهول لا نعرفه
ـ لقد كان يراقبنا في لحظاتنا الحميمة.
ـ هل كانت اللحظة حميمة جداً؟
ـ جداً.. لأبعد مما تتخيل.
ـ ربما أدخلته زوجتك خلسة إلى الغرفة.
ـ لو كنت متأكداً أنها هي التي أدخلته لطعنتها بالسكين في بطنها.
ـ الحمد لله أنك لست متأكداً!
ـ أنا متأكد من وجوده.. رأيته بعيني يتصرف بجرأة غريبة وندية
ولا يبالي بوجودي.
ـ ماذا يفعل بالضبط؟
ـ يتحرك طول الليل في الشقة على أطراف أصابعه وأكذب أذني مرات
حين أسمع لهاثه المكتوم وخواره الذي يشبه خوار ثور
ـ ولماذا يلهث ويخور وهو لم يفعل شيئاً سوى التلصص؟
ـ لا أدري!
ـ هل تشعر بوجوده في اللحظات الحميمة فقط؟
ـ لا.. عندما تشاجرنا أمس، كالعادة، رأيته.
ـ ولماذا تشاجرتما هذه المرة؟
ـ ليس هناك سبب يستحق.. هي عادت من الخارج متنمرة، تقذف
الأطباق برجلها وترفع صوت محمد منير لأبعد مدى في أغنيته السخيفة
"خايف أوعدك ماوفيش.. أقولك فيه تلاقي مافيش"، كلما ناديت عليها ترفع
صوت الغناء أكثر.
ـ ربما لم تسمعك.
ـ لا.. سمعتني لكنها تتدعي أنها لم تسمعني.
ـ هل شتمتها؟
ـ شتمتها فتركت غرفة النوم وذهبت دون كلام لتنام في "غرفة الغضب"،
فكلما غضب أحدنا من الآخر يذهب للنوم فيها وحده.
ـ يعني لديكما غرفة للحظات الحميمة وغرفة للغضب!
ـ نعم.. كي نؤجل أي نقاش حتى تهدأ أعصابنا، كما نصحتنا صديقتنا
المشتركة.
ـ وهل ظهر هذا الرجل الغامض في الغرفة التي تنام فيها أنت أم في
الغرفة التي تنام فيها زوجتك؟
ـ ظهر في الغرفتين.
ـ كيف؟
ـ سأحكي لك.. رأيت زوجتي من الباب الموارب تمر في الصالة بعدما
ارتدت ثوباً قصيراً شفافاً يكشف عن فخذيها ثم .....
ـ معقول! ترتدي مثل هذه الثياب وهي غاضبة!
ـ لا يذهب ظنك بعيداً.. هي تحب النوم بلا ملابس تقريبا.. ونحن نتشاجر
كثيراً لكننا نثق في إخلاصنا لعلاقتنا ثقة عمياء.
ـ ألا تشك أنها تخونك؟
ـ من رابع المستحيلات أن أتصور أن زوجتي تذهب إلى الغرفة الأخرى
كي يطالع رجل غريب فخذيها العاريين!
ـ هذا يعني أنها إنسانة عفيفة وبريئة، فما المشكلة إذن؟!
ـ المشكلة أن زوجتي أثناء النوم تتحول إلى امرأة عنيفة وهائجة.
ـ كيف؟
ـ ترفس برجليها وتقذف من يقترب منها بأي شيء..من يومين قذفتني
وأنا نائم إلى جوارها بساق الأباجورة فأصابتني بجرح فوق حاجبي
الأيسر. انظر
ـ فعلاً، هذا جرح غائر!
ـ أثناء الهياج وهي نائمة في غرفة الغضب سمعتها بأذني فجأة وهي
تضحك وتتغنج.
ـ وماذا فعلت؟
ـ تصورت أنها طريقة جديدة لجذب انتباهي كي أذهب إليها ونتصالح
على الفراش بدل الجدل والمناقشات العقيمة التي تبدد طاقة
الأزواج دون فائدة.
ـ فكرة رائعة.. كيف خطرت على بالك؟
ـ تعلمتها من المعالجة النفسية صديقتنا المشتركة.
ـ هل ذهبت إليها مباشرة بعدما سمعتها مهتاجة و تتغنج؟
ـ طبعاً.. لكن حين ضغطت على مقبض الباب بهدوء وأنا أسير على
أصابع قدمي، فوجئت بيد قويه ترده في وجهي من الداخل.
ـ أوف! الرجل الغامض كان معها في الفراش وهي مهتاجة؟!
ـ يده قوية.. ربما أكثر صلابة من يدي.
ـ ماذا فعلت؟ جئت بسكين المطبخ؟
ـ ضغطت مرة أخرى على مقبض الباب بإصرار أكبر.
ـ العاهرة اللعينة! هل شتمتها؟
ـ لا.. شتمته هو.
ـ ماذا قلت له؟
ـ كلام بذيء جداً لا أستطيع ذكره.
ـ ألم تنجح في اقتحام الغرفة؟
ـ تقريبا أصبح الباب موارباً مناصفة بيني وبينه؟
ـ كيف كان وضع زوجتك؟
ـ ماذا تقصد؟
ـ أقصد.. هل صرخت؟
ـ كانت خائفة جداً.. ومرعوبة.
ـ حتما خائفة منك.. تعتقد أنك ستقتلها هي وعشيقها!
ـ فعلاً كنت مستعداً للقتل... كنت مجنوناً هائجاً.. لو أمسكت بهما
لقتلتهما.
ـ حمداً لله أن هذا لم يحدث.
ـ تخيل.. من شدة تدافعنا بالأيدي والأكتاف أنا وهو على جانبي الباب
صرنا نلهث بصوت مسموع مثل ثورين في مصارعة.
ـ و زوجتك.. ماذا فعلت؟
ـ قفزت من الفراش عارية ومنكوشة الشعر.. اختفت في مكان ما.
ـ ألم تر وجه الرجل؟
ـ لا.. كان مقنعاً بقناع أبيض سميك.
ـ لو صوبت له لكمة مناسبة لخر صريعاً وانكشف أمره.
ـ كنت مشوشاً وعاجزاً عن التصرف.. جسدي ينتفض من الرعب .. من
المفاجأة.. من الذهول.. أرتعش كأن أحداً صعقني بالكهرباء.
ـ وماذا حدث بعدها؟ هل هرب الوغد الجبان؟
ـ لا أعرف ماذا جرى. أغمى علي من الإجهاد والصدمة.
ـ أسوأ إغماء للرجل.. أن يحدث وهو يطعن في شرفه ورجولته!
ـ للأسف!
ـ ألا تتذكر حتى لون عينيه من وراء القناع؟
ـ كل ما أتذكره أنني وجدت نفسي في الفراش في غرفة النوم وحدي.
ـ من أعادك إلى الفراش؟
ـ لا أتذكر.. كان جسمي كله ينتفض مصعوقاً، أصرخ على زوجتي
بلا توقف:"سعاااااااد"
ـ هل جاءت إليك؟
ـ لا.. لكنني شممت رائحتها.. وسمعتها تغني في الحمام أغنية
هادئة مرحة.
ـ لم تخبرني أنها تغني أغنيات مرحة!
ـ هي تغني في بعض الأحيان خصوصاً بعد ممارسة الجنس معاً.
ـ هذا معناه أنها سعيدة معك.
ـ أنا لم اقل إنها ليست سعيدة!
ـ لماذا إذن تشك أنها تخونك مع شخص آخر؟
ـ لا أشك فيها.. لكن كان هناك رجل كما قلت لك.. رجل يتلصص علينا
ويختفي في غرفتها وهي نائمة.
ـ لماذا تركته يهرب ولم تقبض عليه؟
ـ ألا تفهم؟ كنت مستلقياً في فراشي.. مغمى علي.. وبعدما انتبهت قليلا لم
أجد صوتي.. أو ربما كان يصدر دون أن أسمعه.. مجرد مواء مكتوم مثل
ذبذبات تهتز مع اهتزاز جسدي المشلول عن الحركة.
ـ هل أنت متأكد أنه لم يرش على أنفك رذاذاً مخدراً غيبك عن الوعي؟
ـ لم أكن غائباً عن الوعي تماماً بل كانت أعصابي تنتفض لكنني مكبل لا
أقوى على الحركة. أصيح بأعلى صوتي. ولا أدري ماذا تفعل زوجتي
في الغرفة الأخرى مع رجل غريب!
ـ لكنك قلت إنها كانت في الحمام تغني أغنية مرحة.
ـ كنت بين اليقظة والنوم ولست متأكداً أين كانت بالضبط.... لكن رائحتها
المثيرة عالقة في أنفي.
ـ سواء أكانت تغني في الحمام أم عارية في غرفتها مع رجل غريب.. من
الواجب عليها أن تأتي لإنقاذك!
ـ الرجل الغريب هو الذي جاء إليّ.
ـ يا له من شهم! هل رأيته بعينيك يخرج من غرفة زوجتك؟
ـ لا.. رأيته مباشرة في الغرفة التي كنت نائماً فيها.
ـ ألم تتعرف عليه بعد الإفاقة؟
ـ بدا ملثماً.. طويلاً وجسده بالكامل مغطى بقطع قماش بيضاء كثيرة
وكثيفة في كل مكان. أربطة بيضاء شفافة كأنه نجا من حادث مروع وإن
لم يبق فيه شبر واحد سليم. كان له رأس إنسان على جسد ثور أبيض
ـ ألم تلتق عيناك في عينيه؟
ـ عيناه كانتا عميقتين وسوداوين.. كان يبحلق فيّ وينقض علي.. يمسكني
من ذراعي ويهزني عنيفاً كي أتوقف عن الصياح، وأنا عاجز عن
الحركة لا أكف عن المواء والصراخ المكتوم:" أنت مين؟"
ـ هل خشيت أن يقتلك؟
ـ كنت كالمصاب بالحمى.. أرتعش بشدة وأشعر بالتنميل في يدي، وهو
بصعوبة يزحزحهما ويفردهما بعيداً عن التصاقهما بجسدي المتوتر
المتشنج.. وكلما نظرت في عينيه أصرخ:"أنت مين"؟
ـ هل تعتقد أن رجلاً كان مع زوجتك في غرفة نومها سيخبرك باسمه
بهذه البساطة؟
ـ أعرف أنه لن يخبرني باسمه.
ـ إذن، ما فائدة السؤال و الصراخ في وجهه وأنت مستسلم هكذا بين
يديه؟
ـ كانت حيلة.. على أمل أن تسمعني زوجتي وتأتي لتعرف من هذا
الغريب الذي يراقبنا ويعيش بيننا!
ـ وهل سمعتك بعد كل هذا الصراخ؟
ـ نعم.. جاءت بسرعة وضمت رأسي إلىّ صدرها العاري وهي تتعوذ
بالله من الشيطان الرجيم. احتضنتني بقوة فتسرب إلى جسدي المرتجف
دفء جسدها.
ـ وأين ذهب الرجل؟
ـ أنا نفسي سألتها هذا السؤال.
ـ ماذا قالت؟
ـ الإجابة المتوقعة من أي زوجة مخلصة:"صدقني يا حبيبي.. لا يوجد أحد
غيرنا في الشقة.. هذا كابوس يا حبيبي" أشعلت أباجورة صغيرة فوق
الكومودينو وناولتني كوب ماء ثم سحبت الغطاء على جسدي كله.
ـ ولماذا لم تنم معك في الفراش وأنت في هذه الحالة؟
ـ قبلتني في خدي وطلبت مني أن أغمض عيني وأنام. كانت مازالت
غاضبة.. عادت للنوم وحدها في غرفة الغضب.
ـ ألم تشعر بوجود الرجل بعد أن استيقظتَ واستوعبتَ ما يدور حولك؟
ـ لا.. لكن سمعت زوجتي تضحك وتتغنج
ـ تتغنج مرة أخرى!
ـ هذه المرة كانت في الصالة
ـ لماذا لم تخرج وراءها؟
ـ كانت محاصراً في متاهة واسعة من الغرف.. وحولي عشرات
الثيران البيضاء.. تحاصرني.. تفر في عتمة المتاهة ..
ـ قلت إنه رجل واحد.. نصفه ثور ونصفه إنسان!
ـ لا أعرف عددها.
ـ وماذا حدث لزوجتك؟
ـ كنت أسمعها تتأوه.
ـ وهل سمعته يلهث ويخور؟
ـ من؟
ـ الرجل الثور.
ـ لا.. لم أسمع سوى صرير باب الشقة.
ـ يُغلق أم يُفتح؟
ـ يًغلق ويُفتح.. ألا تسمع؟
ـ أسمع ماذا؟
ـ دبيب الحوافر والخوار.. مجموعات أخرى من الثيران البيضاء..
انظر.. إنها قادمة .. تجري وتنتشر في المتاهة.





قراءة في نص متاهة الثيران لشريف صالح - فيصل عبد الوهاب

يمكن تفسير النص ببساطة على أنه يتحدث عن شخصية استحواذية obsessive وهو رجل تستحوذ عليه فكرة أن زوجته تخونه مع شخص آخر. ولكن يمكن تفسير النص بمستوى سايكولوجي آخر .
في قصيدته ( أغنية حب لألفريد بروفروك) يستخدم الشاعر ت..إس.إليوت تقنية المنولوغ الدرامي لإيصال فكرته عن معاناة الإنسان المعاصر. يخاطب بروفروك نفسه المنشطرة ويتحدث معها كشخص آخر مستقل بذاته ويطلق النقاد على الشخص الآخر أيضا ب ( المستمع الضمني) ويشترط فيه أن يكون صامتا. ويصف المحللون النفسيون هذه الشخصية بأنها شخصية ازدواجية أو شيزوفرينية.
وفي نص ( متاهة الثيران) يوجه الراوي ( شخصية المتكلم أو الشخص الأول) كلامه إلى شخص آخر ولم يكن مستمعا مثل ( المستمع الضمني) في قصيدة إليوت بل محاورا يمثل الذات العاقلة في شخصية المتكلم ويصطلح النفسانيون عليه بالأنا Ego( وهو مركز الشعور والإدراك والتعقل ويمكن القول أنه الشخصية الشعورية التي يتمثل فيها فعل الإرادة.) . تتحدث هاتان الشخصيتان عن شخص ثالث مفترض ( هو الشخص الصامت في هذا النص) حيث يمثل الذات غير العاقلة في شخصية المتكلم . ويصطلح علماء النفس (الهو Id ) على هذا الجانب من الشخصية (وهو جانب لاشعوري لا يعترف بالأخلاق ولا القيم الاجتماعية ولا المنطق ويمكن القول أنه الصورة البدائية للشخصية).
يتركز الصراع هنا بين شخصية المتكلم والشخص الثالث ( أي الشخصية الحيوانية) التي لا تجد قبولا لدى شخصية المتكلم باعتبارها تمثل سطوة الغريزة. إن تجسيد هذه الشخصية وربطها بالثيران للدلالة على احتقار هذا السلوك الحيواني ( ولا يخفى ما لهذا الاحتقار من مرجعيات دينية وتأسيسات تربوية) كما لا يستبعد هنا الإحالة الأسطورية (أسطورة المونيتور) ونذكر في هذا المجال ما تفوه به هاملت ضد عمه كلوديوس حيث شبهه ب (ساتير satyre ) المكون من نصفين الأعلى بشري والأسفل حيواني (بساقي معزى) للدلالة على شهوانيته.
أما الشخص الثاني فقد كان يبدو حياديا وعلى الرغم من أنه يمثل الذات العقلانية في شخصية المتكلم إلا أنه كان يحاكمه بهدوء ويبرز سلبياته . كما أنه يمثل المرجعية الاجتماعية والدينية والثقافية لشخصية المتكلم ، ويصطلح النفسانيون على هذا الجانب من الشخصية بالأنا العليا superego (وهو يمثل سلطة الضمير). وحسنا فعل كاتب النص بأنه لم يجعل الصراع قائما بين الشخصين الثاني والثالث بل جعله بين الأول والثالث كي يكون أكثر إقناعا من الناحية الأدبية . فالصراع قائم ضمنيا بين الشخصين الثاني والثالث وساحة الصراع هو الشخص الأول الذي انشطرت شخصيته إلى شخصيتين متمثلتين في الشخصين الثاني والثالث نفسيهما. إن موضوعة الصراع بين الروحي والجسدي تظل قائمة أبدا باعتبارها نبعا ينهل منه المبدعون ويجسدونها بأشكال مختلفة ..ولعل آخر ما قرأنا في هذا الصدد هو ما جاء في نص ( متاهة الثيران) . وقد يثير العنوان إيحاءٌ ميثولوجيا عن أسطورة المينوتور الأغريقية ولكن هذا يحيلنا إلى التفسير الأول عن الشخصية الأستحواذية حيث يسيطر الشك على شخصية المتكلم .تبقى مسألة تجنيس النص حيث قال البعض أنه ينتمي إلى الدراما لا إلى السرد وكان يمكن تصنيفه إلى ( مسرحية ذات فصل واحد) لانعدام السرد فيه ، ولكن ذلك لا يغير من إبداعية النص مسرحية كان أم قصة.