المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حذاء الزيدي اصدق أنباء من الكتب!



غالب ياسين
20/12/2008, 10:39 AM
لم أكن أمام التلفزيون عندما قام الصحافي العراقي 'منتظر الزيدي' بقذف الرئيس الأمريكي بوش بالحذاء، ومع هذا فقد علمت بالخبر فور قيام زميلنا برفع حذائه، وذلك من خلال عشرات الاتصالات الهاتفية، التي تلقيتها على هاتفي الجوال.
أكثر هذه الاتصالات وصلتني من أهلي بصعيد مصر.. فهم دون غيرهم يقفون على حجم الإهانة التي لحقت بالرئيس الأمريكي، وهم دون غيرهم الأقدر على تثمين هذا الحدث التاريخي، إذ أن مجرد رفع الحذاء، فان الإهانة تكون قد وقعت، ورفعه - مجرد رفعه - جريمة لا يمحوها إلا الدم، وفي حالتنا هذه، ورئيس اكبر دولة يهان على مشهد من العالم كله، فإننا نكون أمام فعل لا يمحوه حتى قتل الرافع، فقد دخل بما فعل التاريخ من أوسع الأبواب، وصارت إهانة المقذوف على كل لسان!.
عندما وصلت إلى منزلي ذهبت إلى الفضائيات الإخبارية: 'الجزيرة'، و' العربية' و'العالم' و'المنار'، و' النيل للأخبار'، وغيرها.. 'الجزيرة' وضعت الخبر على شريط الأخبار، واندهشت لان 'العربية' تجاهلته في شريطها، وربما 'العتب على النظر'، لم اذهب بطبيعة الحال إلى تلفزيون الـ 'بي بي سي' العربي، فقد كان إرساله قد توقف، فعلى الرغم من انهم وعدونا بأن الإرسال سيمتد ليصبح على مدار الساعة، إلا أنهم لم يفعلوا، ولم اهتم، وحسنا أنهم لم يرتكبوا هذه الحماقة، فلا تزال هذه القناة، التي استقبلتها بالطبل البلدي، تراوح مكانها، ولا تزال حتى الآن تبدو في مرحلة البث التجريبي.. محظوظة قناة 'الجزيرة'!.
الفضائية القطرية كانت تبث حلقة من برنامج 'شاهد على العصر' لصاحبه احمد منصور، الذي يلتقي اللواء جمال حماد، احد الضباط الأحرار في مصر، والذي استمعت إليه في حلقات سابقة، فوجدته يفخم في دوره، حتى ظننت انه سيعلن في النهاية انه القائد الحقيقي لثورة يوليو 1952!.
جاء موعد النشرة، واستمتعت برؤية حذاء 'منتظر الزيدي' يطير إلى حيث يقف الرئيس الأمريكي 'فردة' وراء 'فردة' وهو يتفاداه، ثم يبعث بابتسامة صفراء ليداري بها خجله من جراء هذه الإهانة، والتي جعلت من الحذاء أكثر فتكا من كل أسلحته المحرمة دوليا والتي استخدمها في حربه على العراق.
الفضائيات الإخبارية، لم تشف في هذه الليلة غليل المشاهد، ربما لأنها خشيت ان تضبط متلبسة بالشماتة أو السعادة، لكن قيل ان قناة 'الساعة' الليبية أذاعت المشهد بشكل مستمر، وفي اليوم التالي كان زعيم 'الساعة' احمد قذاف الدم في احدى المؤتمرات، وخطب كما الزعماء، وقال سنقاتل، كما لو كان الحذاء حذاءه، وكما لو كان 'منتظر الزيدي' تخرج في مدرسة 'الكتاب الأخضر'، وكما لو ان قذاف الدم نفسه كان نائما واستيقظ، ومبلغ علمي أن الجماهيرية العربية الليبية العظمى قد طلقت هذا الخطاب، منذ أن أعلن الحاكم العسكري للعراق بريمر خبر القبض على الرئيس صدام حسين في مؤتمر صحافي، صفق عقب إعلانه الصحافيون، كما لو كانوا أعضاء في البرلمانات العربية، ولم يتحدث احد وقتها عن تقاليد المهنة!.
بشهادة الشهود، فان قناة 'الحياة' هي من أبلت في هذا اليوم بلاء حسنا، والتي استمر إرسالها إلى ما بعد المواعيد المقررة، وفي برنامجها 'الحياة اليوم' استضافت ثلة من الذين حيوا 'منتظر' على ما يستحق التحية عليه، وقليل من الذين تحدثوا عن شرف المهنة: فلا يجوز للصحافي ان يخرج على الأعراف المستقرة للمؤتمرات الصحافية، ودور الصحافي ان يقف بأدب فيسأل سؤاله، باعتبار ان الأدب فضلوه على العلم، ثم يجلس مؤدبا!.
في الأيام التالية صارت 'تقاليد المهنة' التي انتهك عرضها 'منتظر الزيدي' هي الاسطوانة المشروخة، التي يرددها، الجناح المتأمرك في المنطقة العربية، الذي عز عليه أن يرى سيده يضرب بالحذاء.

اليد الطاهرة

أبلغ استنكار لما فعله زميلنا 'منتظر' هو ما قالته أميرة سعودية في اتصال هاتفي ببرنامج 'الحياة اليوم' من أنها تستنكر ما فعله، لأنه نجس يده الطاهرة بهذا الاعتداء على مجرم الحرب بوش.. 'عافية عليك'. وهذه الأميرة تبرعت بمائة ألف دولار للطلبة العراقيين في الجامعات المصرية، كأول متبرعة في حملة التبرعات التي يتبناها هذا البرنامج، وقد تبادر إلى ذهني سؤال وأنا أشاهد حلقة التبرع: ولماذا لم تقرر الحكومة المصرية إعفاء الطلبة العراقيين من المصروفات؟.. ثم تذكرت ان موقع رئيس الحكومة المصرية شاغر، منذ إقالة كمال الجنزوري!.
ما قالته الأميرة السعودية ذكرني ببيت شعر قديم.
قوم إذا علت النعال وجوههم.. شكت النعال بأي ذنب تصفع!.
لا يسري الأمر على بوش وحده، ولكن يسري على الذين أدخلونا في دوامة 'شرف المهنة' الذي انتهكه 'منتظر' بحذائه، وهم لا يعلمون ان هناك حالات استثنائية في التاريخ لا يتم تقييم المواقف فيها قانونا او بحسب المواثيق.. ان الثورات العظيمة، التي غيرت مجرى الأحداث، هي في الأصل والفصل فعل مخالف للقانون، ومجرم!.
من المؤكد ان 'منتظر' خالف التقاليد الصحافية، لكن هذه التقاليد أصبحت هي الحق الذي أريد به باطل، وهؤلاء الغاضبون لشرف المهنة، لم يهتز لهم جفن، وبوش يخالف قوانين الحروب، ويعامل الصحافيين على أنهم أهداف عسكرية، فلم ينطقوا بشطر كلمة وهو يقصف مقر قناة 'الجزيرة' في كابل. ولم يقولوا: بم، والقوات الأمريكية تقتل مراسل 'الجزيرة' في العراق طارق أيوب. ولم يفتح الله عليهم بشيء وأسبانيا تعامل تيسير علوني على انه مجرم حرب، مجاملة للبيت الأبيض، مع انه لم يقم إلا بدوره كصحافي!.
هؤلاء الغاضبون على تقاليد المهنة التي استباحها 'منتظر' لم يستنكروا قيام الأمريكان باعتقال مصور الجزيرة 'سامي الحاج' في غوانتاناموا ولم يفرجوا عنه إلا بعد سنوات عدة قضاها في هذا المعتقل الرهيب!.
وبالمناسبة فقد شاهدت تنويهات على شاشة 'الجزيرة' لبرنامج عن 'سامي' وحكايته، كأن القوم فيها كانوا ينتظرون رحيل بوش حتى يفعلوا ذلك، وكأنهم كانوا نياما واستيقظوا مؤخرا!.

التقاليد الأصيلة

أعجب ما سمعت في البرامج التلفزيونية، ان صاحبنا خرج على التقاليد العربية الأصيلة التي تحث على إكرام الضيف.. ألطم أنا.. أم تلطمون انتم يا قراء؟!
بوش الذي احتل العراق واستباحه، وانتهك أعراض النساء والرجال في أبي غريب، هو ضيف، وجب إكرامه ومعاملته وفق القيم العربية السمحة؟!
ذكرنا هؤلاء بمن قتلوا الحسين رضي الله عنه، وجاءوا يسألون عن حكم قتل الذبابة في الحرم؟!.
الرئيس الأمريكي عاث في العراق فسادا، ولم يأت إليه ضيفا بل غازيا، ومع هذا يتم استنكار من يعتدي عليه بالحذاء لأنه خرج على تقاليد مهنة الصحافة. ومن هنا فان الصحافي الملتزم بتقاليد مهنته هو هذا الذي يترك من استباح حرمة بيته، لمجرد ان انتصب عندما رآه وقال سنعقد الآن مؤتمرا صحافياً، ولا يكون أمام صاحب المنزل، إلا ان يسأله: لماذا جاء سموك إلى هنا؟، ويجلس، بعد الحصول على الإذن في الأولى وفي الثانية!.
الحذاء اصدق أنباء من الكتب، ونحن في معركة أرادها الرئيس الأمريكي معركة اهانات، ألم يسعوا إلى التشنيع على الرئيس العراقي بقولهم انه كان مختبئا في حفرة، وألم يقدموه على شاشات التلفاز مهزوزا بعد واقعة القبض عليه، وتبين انه كان واقعا تحت تأثير مخدر. بوش كان يهدف إلى إهانة العرب أجمعين، فلماذا يلام باسم التقاليد العربية الأصيلة من أهانه على الهواء مباشرة؟!

أرض ـ جو

قناة 'الحياة' ناقشت في حلقة كاملة وصف فضائية أخرى تصرف 'منتظر' وتأييد الشعوب العربية له، بالتافه، ولم تذكر اسم القناة، ولكن احد المتدخلين عبر الهاتف ذكر اسمها وقاطعه مقدم البرنامج، ولا تثريب على الفضائية الواصفة، فلحم أكتاف صاحبها من المعونات الأمريكية!.
ـ عندما لم اذكر جنسية عبد الرحيم فقراء ومحمد العلمي ، لم يكن هذا تعاليا من مشرقي على الأشقاء في المغرب.. أي ورب الكعبة، فلا يوجد مبرر واحد لهذا التعالي.
ـ أحيانا ينطلق صوت مذيع 'الجزيرة' جمال ريان كأنه مدفع رشاش.. ألفتوا انتباهه إلى أن لدينا أطفالا يفزعون!.
ـ عروض بالجملة على منى سلمان من اجل ان تترك شاشتها المتميزة. وهي عروض تدغدغ مشاعرها بالعودة إلى ارض الوطن.. أتمنى ألا تكرر خطأ حافظ المرازي.
ـ يقول حافظ أن لقبه هو 'المرازي'، وأكتبه كما قاله، لكنه يتحول احيانا إلى 'الميرازي'.. خطأ غير مقصود!.
ـ منذ فترة لم أشاهد ليلى الشيخلي، لكني في الأسبوع الماضي شاهدتها متألقة، إلى درجة أنني لم اعرفها للوهلة الأولى.
ـ قيل أن هالة سرحان عادت إلى مصر ، بعد غياب، يبدو ان القوم عفوا عنها بعد الأزمة التي نشبت بسبب الحلقة التي قدمتها عن 'بنات الليل'، عود حميد!.
ـ تحول بهاء الدين إبراهيم إلى كاتب خصوصي للفنان حسن يوسف، وقد أعلن مؤخرا انه بصدد كتابة مسلسل تلفزيوني عن الشيخ العز بن عبد السلام، أتمنى ألا يكون بطله هو حسن يوسف أيضا، حتى لا يكرر نفسه بعد قيامه بدور الشيخ الشعراوي، والمراغي، وعبد الحليم محمود.

' صحافي من مصر
azouz1966@gmail.com