المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أدب السجون -1



مجدى أحمد حسين
22/12/2008, 08:53 AM
من مذكرات السجن فى قضية يوسف والى نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة السابق قائد التطبيع مع اسرائيل وقد حبست فى هذه القضية بتهمة سبه وقذفه بالخيانة العظمى :
تسابيح .. وصداقة مع الزبالين .. وعتاب لمحمد السيد سعيد
الجمعة 2 يونيو 2000
الساعة 10.15 مساءاً
الحمد لله رب العالمين ..ها نحن نمضى في الشهر الثالث من السجن وعادة أشعر بالسعادة عندما يبدأ شهر جديد .. وأرى في ذلك تأكيداً ملموساً لمس اليد ، أن الزمن يمر .. والأيام تطوى .. في سفرنا .. وأن إشراقة كل يوم جديد، هو اقترب من موعد الخروج .. ونحن في الأساس نسير في حياتنا على الأرض في سفر شاق طويل .."يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه" نعم كلنا نكدح في طريقنا إلى الله ..فاما شقي وإما سعيد .."فأما من أوتى كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً وينقلب إلى أهله مسروراً وأما من أوتى كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبوراً ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسروراً إنه ظن أن لن يحور،بلى ان ربه كان به بصيراً"
ورغم اننى أتوق للعودة إلى أهلي ..فاننى في كل يوم أشعر بسكينة أكبر من اليوم السابق.. وكأنني سابح في الأفلاك العلا ..كأنني رائد فضاء ولكن بلا حبل يربطني بمركبة الفضاء ..أسبح في فضاء الكون..أسبح بحمد الله ..معي ما يكفيني من الأكسجين .. وزاد الطريق لا ينفد ،واستمتاعى بالتفكر في خلق السموات والأرض وذكر الله ،يتزايد،ولا أعلم إلى أين سأصل .. فى هذه المسيرة إلى الله ..فكلما تصورت اننى بلغت الذروة في حب الله ... أجدني في اليوم التالي .. اشد حباً لله .. وأنا أعيش لحظات لم أعشها في حياتي من قبل.. وهذه نعمة من الله وفضل.. ومع ذلك فاننى أحب أن أخرج من السجن اليوم قبل الغد .. وهذه هي المفارقة العجيبة .. فأنا خارج السجن لا أجد متعة الاعتكاف إلا قليلا.. في غرفة مكتبي ..(مكتب والدي غفر الله له واسكنه فسيح جناته ،وأبره في قبره ...وألحقني به على خير)..في هذه الصومعة أقرأ وأبحث وأقلب المراجع عندما يهجع أهل منزلي.. عدا أحمد الذي يثابر على الانترنت !!وأقلب في كتاب الله عندما يستشكل علىّ أمر،وربما أظل أقرأ فيه ..بعيداً عن موضوع البحث.. والعجيب اننى ما بحثت في أمر مهما بدا دنيوياً وسياسياً ومادياً .. إلا وجدت آية كريمة على الأقل تنير طريقي ..وأنا أكاد اعرف القرآن بمعانيه من كثرة التلاوة ..ولكنني لم أنعم بنعمة حفظه كله ..ويساعدنى علي البحث أننى عندما عندما أتذكر معنى آية معينة يكفى أن أتذكر كلمة واحدة فيها حتى أعثر عليها ..بقاموس عبد الباقي الذي لا شك أخذ أطناناً من الثواب أو هكذا أحسب ولا نزكى على الله أحداً، من كثرة المؤمنين الباحثين الذين استفادوا من معجمه المفهرس للقرآن ..ومع ذلك يحدث أن أكون خارج بيتي لكتابة المقال في مكان أكثر هدوءاً وبعيداً عن التليفونات أو الزيارات المفاجئة ..وأنسى أن أصطحب معي المعجم المفهرس ومع ذلك فاننى أعثر بنفسي على الآية المستهدفة لاننى أعرف مكان كثير من الآيات بالتقريب في القرآن .. ربما أعرف السورة التي توجد بها .. بل يكفى أن أتذكر موضعها هل في أول الصفحة أو في منتصف الصفحة أو في آخرها ..(وفقاً للمصحف المطبوع في مجمع الملك فهد وهو لا يفارقني أينما رحلت) حتى أعثر عليها بقليل من الصبر ، وفى زيارتي قبل الأخيرة في طهران وكانت عقب الانتخابات التاريخية التي نجح فيها خاتمي ، كنت في الفندق أكتب رسالتي لإرسالها بالفاكس للجريدة ..وكنت أعثر على الآيات المستهدفة بهذه الطريقة .
والحقيقة اننى إذا نظمت حياتي في السجن ..خاصة إذا استطال ..فاننى يمكن أن أحقق حلمي في حفظ القرآن الكريم كله ..فالقرآن عدد صفحاته 604، وإذا كنت أحفظ الآن حوالي 100 صفحة أو أقل إذا استبعدت الآيات المتناثرة.. يبقى حوالي 500 صفحة. وإذا حفظت كل يوم صفحة فان الأمر لا يحتاج أكثر من عام ونصف عام .أما الآن فلم أحفظ سوى صفحة واحدة في سجني هذا بشكل منظم ولكنني حفظت عدداً لم أحصيه من الآيات المتناثرة من كثرة التلاوة وسماع التلاوة في محطة القرآن الكريم .وتحدث معي أشياء عجيبة فأنا فى تلاوتي القرآن أصل بدون تدبير إلى السور التي تستحب قراءتها يوم الجمعة ..ليلة الجمعة أو خلال يوم الجمعة ، كذلك فقد أذيعت في الراديو سورة يوسف 4 مرات حتى الآن وقد فتحت الراديو مرة وكان المقرئ يتلو آيات السجن .. وفى مرة من أشد فترات حزني ،فتحت محطة القرآن الكريم.. وبمجرد إدارة قرص الراديو كان المقرئ يقول "فان مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً" من سورة الشرح فانشرح صدري وهكذا فان السجن يمكن أن يكون كالقبر – روضة من رياض الجنة أو هكذا أحسب أو هكذا أشعر ..والله هو المطلع ..وهذا هو مجرد مبلغ علمي .. وما أتصوره وكل ما أتمناه أن يتقبل الله تقربي إليه ..وأن يرفع عنى ذنوبي وسيئاتي ليس فقط بسبب هذا السجن الظالم ، ولكن بسبب الشتائم المقذعة التي قيلت في حقي في كبريات الصحف من أراذل الناس ..الذين لا يفيق بعضهم من السكر ولا يترك رذيلة إلا ليتقلب في أحضان رذيلة أخرى..وهذا ليس رجماً بالغيب ولا استنتاجاً ، فهؤلاء يمارسون الرذيلة علناً ..وأمامى شخصياً فعلى الأقل رأيت بعضهم في بعض المحافل يعبون من الخمر عباً .وهم لا يراعون حتى وجودي بالسجن ، ولا أنتظر منهم تضامناً رغم أن نفس الأقلام فعلت ذلك عندما أمرت بذلك في مناسبة سابقة .هذه الشتائم الوقحة ضدي (وأنا المتهم بالسب والقذف في أمور سياسية)
لا تؤثر فىّ كثيراً ، وأحياناً لا أقرأها أصلاً حتى لا أنفعل بخطاب الجاهلين ،خاصة وأنني لا أملك الرد عليها ، وهذه هي النذالة فعندما أكون حراً يعمل هؤلاء الجبناء حساباً لقلمي اللاذع في الحق ..ويعرفون أن بيوتهم من زجاج ، وان كاتب مثلى- لا يراعى الحسابات الشخصية والتوازنات التافهة - يمكن أن يسبب لهم ألماً شديداً ، رغم اننى والحمد لله لم أتورط في معارك شخصية.. ولكن مجرد كشف انحرافات وفقاً لمبادئ عليا محددة.
غاية ما هناك أنني لا أحارب كل المفسدين دفعة واحدة وهذا من حسن الفطن ، ولكن إذا تصور مفسد انه يمكن أن ينال من الحزب والجريدة..فاننى أفتح النار عليه بلا هوادة.. ويقيض الله لي من يمدني بالمستندات ضد هذا القلم أو المسئول الفاسد.
ومع ذلك من المكابرة أن أقول أن هذه الشتائم وأقلها العمالة لجهات أجنبية لاتحزننى . ولاحظوا أن التهمة الأساسية الموجهة لي من هؤلاء الأنذال اننى استخدمت تعبير الخيانة بناء على حيثيات من المستندات قوامها مئات الصفحات.أما هم فيتهموني بالعمالة لجهات أجنبية ..رغم أن عملاءهم يزورونني في بيتي ويعلمون كيف أعيش ..وليس لديهم أى دليل أو مستندات أو شاهد ...وقد قالها من قبلهم وزير الداخلية السابق فكانت نكتة ، لأنه وزير الداخلية وعليه أن يبرهن على ذلك بأي شكل ..وأذكرأن أحد الكتاب ( د. رفعت سيد أحمد ) هو الذي رد غيبتي ، لأنه تصادف أن كان حاضراً لقائي مع السفير الإيراني في دمشق وهو شخصية دينية قيادية مهمة في إيران وليس مجرد سفير ، وكان رأى أحد المصريين الحاضرين للقاء أن تبتعد إيران عن الحكومة المصرية استمساكاً بالنقاء الثوري الإسلامي ، وكان رأيي معارضاً لذلك ودعوت إلى التقارب المصري – الإيراني لمصلحة الأمة العربية-الإسلامية وهذا ما يحدث الآن الحمد لله .
أقول أن الادعاء بأن هذه الشتائم لا تؤثر فىّ تماماً من المكابرة، فاننى أحزن بلا شك ، وأحتسبها عند الله ، وأتذكر كيف كان الرسول عليه الصلاة والسلام يحزن وكان الله عز وجل يواسيه في القرآن الكريم (ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون) النمل 70
(قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) الأنعام 33
بأبي وأمي أنت يا رسول الله ..وقد اجترأوا عليك ...وأنت سيد الخلق ...فمن أكون؟!
نعم فإذا كانوا لم يراعوا حقاً لله ولرسوله ..فكيف يراعون حقاً لعبد فقير مثلى . وأنا أستهزئ بفكرة رفع دعوى سب وقذف..لان المسألة أكبر من ذلك ،ولأنني أعرف أن هناك قضاة في النار ولأنه ليس من مبدئى حبس الصحفيين حتى وإن كانوا أنذالاً..
*******************************
اليوم كان يوم الجمعة ..صحوت كالمعتاد حوالي الثامنة صباحاً،وبعد حصولي على الأرغفة الثلاثة لم أبارح زنزانتي حتى صلاة الجمعة ..وفى الصحف تسير الأمور كما هو معتاد وعلمت برفض القضية الخاصة بتنازع الاختصاص ،وكنت بالأمس بعد أن أعطيت أملاً لصلاح وعصام ،قرأت في الأحرار أن نيابة النقض كتبت تقريراً ضدنا ،فذهبت إليهما وسحبت تفاؤلي وقلت أن تقرير نيابة النقض يؤخذ به على الأغلب ، ففكوا الأمتعة واسترخوا!!!وبالفعل لم أكن قلقاً ليلة أمس غاية ما هنالك انني استمعت للإذاعات الثلاث . مونت كارلو – صوت أمريكا- لندن ولم أجد فيها شيئا عن القضية أو غيرها .فأمضيت ليلتي في قراءة أشياء خفيفة وبعض المراجع الثقيلة حتى صلاة الفجر..ونسيت تماماً حكاية القضية . لم أجد في الأهرام إلا عمود سئ لمحمد السيد سعيد زميلي ودفعتي بالكلية ورغم انه بدأ بالاعتراض على تجميد الحزب وإغلاق الجريدة ..إلا انه كتب بعد ذلك حيثيات متكاملة لحل الحزب !! إنك لا تهدى من أحببت لقد رأيت في محمد منذ التقينا عام 1968 معدناً وطنياً ،وروحاً إنسانية ..وإن كانت معذبة بحكاية الصراع الطبقي ..ورغم مرور 32 عاماً على لقائنا الأول فإن محمد السيد سعيد لم يتغير موقفه من الدين ..ورغم تجاوزه للماركسية الا أن
ذلك كان إلى مدرسة حقوق الإنسان وفقاً للمفاهيم الغربية ،وعموده اليوم فيه اجتراء وتجاوز وانكار لهذه المبادئ الليبرالية ..ولا أدرى حقيقة على أي أرض يقف الآن ولكن ضميري مستريح إزاءه فأنا لم أقصر معه قدر الطاقة ..وبذلت أقصى جهدي ليكون الود متصلاً والحوار.. ولكنه ظل متعالياً كما هي عادته وأسلوبه في الحوار منذ 1968 ، رغم طيبته الشديدة ..ومع ذلك ورغم أنفه فإنني أدعو الله له بالهداية .
والوفد كان بها مقال جيد لعلى سلامة، والأحرار كانت رائعة كعادتها، فقد تحول كتاب "الشعب" إليها واستضافت اليوم عبد الرحمن بن لطفي عضو لجنتنا التنفيذية في مقال جيد جداً عن أعشاب البحر ،و د.محمود حماية وهو من كتاب جريدة الشعب وإن لم يكن عضواً بالحزب، وكان مقاله أروع مقال قرأته له على الإطلاق ..وكان عن أعشاب البحر وباقي سموم وزارة الثقافة .كذلك واصل سليم عزوز اهتمامه بقضيتنا ورغم انتقاده أحيانا لعادل حسين بصورة غير لائقة ،إلا أن موقفه العام كان مبدئياً،وأهم من ذلك إصراره على مواصلة الكتابة في الموضوع .ولا أملك إلا تسجيل تحية له في هذه المذكرات.
ووفقاً لما جاء في المصور ومايو(أعرف عن مايو من ملخص حسنين كروم في القدس العربية للصحافة المصرية ..ويبدو أن حسنين كروم هو القارئ الوحيد المتطوع لمايو) فإن خبر الجمهورية أمس عن وصول الوساطات إلى طريق مسدود في أزمة الحزب، يبدو صحيحاً،أي وساطات ياسادة ؟!ومع من ؟؟ مع كومبارس الفن حمدى أحمد وقواعده من عمال دار التحرير برئاسة سمير رجب أما إدريس المجهول الذي كتبت الجمهورية اليوم أسماء جناحه فلم نجد فيهم عضواً واحداً بالحزب!! صحيح اللي اختشوا ماتوا.
أما أسوأ ما في صحافة اليوم فهو جريدة آفاق عربية الصادرة 1/6/2000 لاننى ما كنت أتصور أن يكون هكذا تضامن صحيفة الإخوان المسلمين معنا..فلا يوجد شئ في الصفحة الأولى ..وهناك موضوع فاتر عن إغلاق الصحف في صفحة 4 ، ومقال فاتر في الصفحة الأخيرة ...إنها لم ترتق إلى مستوى الأحرار والحقيقة والوفد والعربي ..وحسبنا الله ونعم الوكيل.
الإفطار اليوم كان بيض وزارة الداخلية الذي أقليه بنفسي واستمتع بأكله رغم أنه بالهرمونات ..وتشطيب المواعين كان على أعلى مستوى ، وكنت ما بين قراة الصحف ، وكتابة تبييض شكوى لرئيس الجمهورية عن وضعنا في السجن بصورة غير قانونية ، والمفترض أن أسلمها غداً للمأمور وما بين تلاوة القرآن حيث ختمته اليوم بجزء عم ، حتى كان النداء عن وصول عربة الزبالة ،وأنا أسعد بقدومها لأنه بدون ذلك اضطر لحمل الجردل إلى مقلب الزبالة مباشرة خلف العنبر ،ولأنني في أول العنبر وعلى الناصية مباشرة ، فأنا عادة أهرول بجردلى ..قبل أن يأتى النبطشية بعبوات القمامة من باقي الأود (بالمناسبة الأودة كلمة تركية وتعنى غرفة) وهذا اليوم وجدت "روماني" يهرول ناحيتي والشاويش يصيح عليه ممنوع الدخول إلى العنبر ..والتقى روماني بى في منتصف طريقي بين الزنزانة وعربة الزبالة وهى مسافة قصيرة ، لكى يوفر علىّ المشوار ويحمل جردل قمامتي ليلقيه بنفسه في العربة ، قلت للشاويش لا عليك إنه صديقي أتى ليحمل الجردل ...ولم يفهم الشاويش أي صداقة تلك التي تربطني بهذا الصبي المسيحى ؟! كنت بدأت أشعر بتزايد مودة رومانى لى ،إذ أصبحت ابتسامته عريضة أكثر كل يوم عن اليوم السابق ...ولكن حبه زاد اليوم بطفرة ملحوظة بهذه الحركة التي فعلها وقد بدأت علاقتنا عندما طردت النبطشى اللئيم وأصبحت نبطشى نفسي ورفضت أن يخصص أحد لحمل زبالتي ...لأن الحكاية متستهلش وهى كلها 10 خطوات .ومع ذلك وبدون قصد منى يبدو أن هذا المشهد كان مؤثرا مع انني أرى أن هذا هو الوضع الطبيعي ..وقد لاحظت ذلك عندما انتزع منى شهبندر التجار الجردل ذات مرة وألقي القمامة بنفسه في العربة ، وهو يقول لي بانفعال أنت تشيل زبالة ؟! ومرة أخرى عندما أقترح الصول مفتاح أن يرميها بنفسه ولكنني رفضت بشدة حرصاً على مركزه كمسئول عن العنبر.وأنا لا أسعى للتظاهر بأي شئ . بل أتصرف بصورة فطرية ،ولو كان النبطشى مستقيماً ومستمراً معي لما رميت زبالة ولا غسلت مواعين ..ولكن الأمور هكذا سارت بصورة طبيعية ، وشعرت بلذة الوحدة ولم أرد البحث عن نبطشى جديد يدس أنفه في حياتي داخل مملكتي ..ويخدش وحدتي واعتكافي ، المهم عندما طردت النبطشى اللئيم ...بدأت ألقى جردل القمامة بنفسي وأعود لأضعه تحت الصنبور لأطهره قدر الطاقة،في أول مرة وجدت وسط أكوام الزبالة على العربة ،طفل جميل وجهه مشرق يبتسم ..قلت في نفسي..يخلق الحي من الميت ..وسط هذه القمامة، والرائحة التي تزكم الأنوف ..يظهر هذا الوجه المضئ يبتسم . في المرة الثانية تلقف منى الصبي الجردل وأفرغه وأعاده لي ، واكتشفت أنه ما زال مليئاً ببعض القمامة ..فمارست عليه هوايتي المفضلة الجديدة (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر) وقلت له ألم تسمع عن حديث رسول الله "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" فتلعثم الصبي ولم يدر ما يقول..فأدركت سريعاً الموقف وقلت له :هل أنت مسلم ؟! قال : لا قلت : مسيحي قال : نعم ..قلت (مبتسماً ابتسامة عريضة حتى لا أترك في نفس الصبي شيئاً): مرحباً بك .وعدت إلى زنزانتي وأتمتم لنفسي: لا شك أن المسيحية تحض أيضاً على إتقان العمل!!
في المرات التالية: كان الصبي يفرغ الجردل بإتقان ويتأكد من عدم ترسب أي شئ في قاعه ..ويشير إلى بأن الجردل فارغ تماماً ، وكنت ألوح له بعلامة النصر!!
في مرة تالية سألته عن اسمه ، قال روماني ..قلت له اسم مبتكر!! في مرة تالية وجدت صبياً أخر معه أقل ملاحة قلت له : من هو؟قال أخي:علاء. في مرة تالية سألت والده الذي يسوق العربة..لماذا سميته روماني ؟! قال على اسم واحد :قلت : هل هو اسم قديس؟! قال:نعم في مرة تالية ..وجدت طفلاً ثالثاً وسألته ما اسمك قال : محمود قلت: مش معقول انك تسمى ابنك محموداً ، قال هو ليس ابني بل ابن الجيران..قلت له : كم ابن لديك؟ قال: سبعة قلت شيئاً أقرب ما يكون إلى التعبير الأمريكي واو wow!! قال:معلهش الجهل يا بيه .قلت:جهل إيه أيها الساذج هذا أحسن شئ عملته في حياتك!! وضحك الرجل من الأعماق ..واليوم هرول روماني الىّ بالصورة التي رويتها ..وحب الأطفال لك مسألة تحدى ..فإذا لم يحبك الطفل فالعيب فيك، ولذلك سعدت جداً بحقيقة أن روماني بدأ يحبني .
Xxxxxxxxxxxxx
ما تزال أحداث اليوم وتأمله لم تنته ، ولكنني أصبحت متعباً من الكتابة.. وأختتم بدعاء اليوم..فتحت القرآن الكريم الآن بحثاً عن دعاء للوالدين..فوقعت عيني أولاً على هذه الآيات :
"وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على كل ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون ، وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودون في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ، ولنسكننكم الأرض من بعدهم ، ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد، واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد) صدق الله العظيم إبراهيم 12-15
أما الدعاء الذي فتحت سورة إبراهيم أولاً بحثاً عنه فهو :
(رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ، ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) إبراهيم 40-41
ثم وجدت في السورة الآيات التالية
(ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) إبراهيم 42
(فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام) إبراهيم 47
(هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب) إبراهيم 52 الآية الأخيرة من السورة .

itesal
22/12/2008, 11:22 AM
مقال رائع يجمل كثيرا من المشاعر ، ادعو الله لك بالتوفيق