المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القرصنة بين الفعل ورد الفعل



كريم عاطف
22/12/2008, 03:22 PM
بقلم الأستاذ محمد السخاوي
مفكر قومي إسلامي وأمين تنظيم حزب العمل المصري

أصبحت القرصنة الآن من القضايا ذات الأولوية التي تشغل بال العالم، وبالذات القوى الكبرى فيه، كما أنها تشغلنا أيضًا، تشغل القوى الاقتصادية الكبرى في العالم؛ لأنها تمس وتعرقل حرية التجارة وانتقال الأفراد ورؤوس الأموال، وهي مسائل تشكل العمود الفقري للاقتصاد الدولي الراهن، أما بالنسبة لنا ـ مصر ـ فإنها تهدد الملاحة في قناة السويس، أحد أهم مصادر مكونات الدخل القومي المصري، كل ذلك لأن القراصنة يسيطرون الآن سيطرة شبه تامة على مداخل البحر الأحمر ومخارجه.

من الناحية السياسية فإن البحر الأحمر ـ بالإضافة إلى أهميته الإستراتيجية الدولية ـ له أهمية إستراتيجية عربية، فهو بحيرة عربية من الجانبين، وتتحكم الدول العربية في جنوبه وشماله، لذلك نرى الآن صراع استراتيجي حول حمايته من القراصنة؛ لأن من يفوز بحمايته سيحصل على مكاسب استراتيجية واقتصادية وسياسية، الذي يفوز بالحماية سيتحكم في أهم منفذ تجاري دولي، كما سيتحكم في الدول المحيطة بالبحر تمامًا، وللأسف ما زال تحرك الدول الكبرى لملء هذا الفراغ الاستراتيجي في البحر الأحمر يفوق بدرجات كبيرة اهتمامات وتحركات الجامعة العربية ودولها في هذا الاتجاه.

إنهم لم يغتنموا الفرصة لجعل البحر الأحمر من الناحية الاستراتيجية بحيرة عربية تحمي وتقوي الأمن القومي العربي، إنهم يتحركون بخجل لحماية بحرهم ومياههم المهددة أمام قرصنة دولية تريد أن تنهي استراتيجيًّا العلاقة بين العرب وبحرهم بحجة حمايته من القراصنة الصوماليون.
من الناحية التاريخية شاهدنا القرصنة "فعل ورد فعل"، ويتبين ذلك من:

أولًا ـ بدأت القرصنة غربية، بمهاجمة أطراف وسواحل الدولة العثمانية لإضعافها، ونشطت القرصنة المضادة لهذه القرصنة الغربية على سواحل الشمال الإفريقي، وبالذات سواحل تونس والجزائر والمغرب في القرن التاسع عشر، والحقيقة التاريخية هي أن ما قام به القراصنة العرب كان مقاومة للقرصنة والأطماع الغربية في بلاد الشمال الإفريقي العربية، إقرار هذه الحقيقة التي أقرها التاريخ لا يغير حقيقة تاريخية أخرى، وهي فشل هذه القرصنة المضادة في منع احتلال تونس والجزائر وأجزاء كبيرة من المغرب.

ثانيًا ـ بعد يونيو 1967م وهزيمة الجيوش العربية أمام القرصنة الأمريكية الصهيونية، واغتصاب كل فلسطين، واحتلال أجزاء كبيرة من أراضي أربع دول عربية ـ مصر وسوريا والأردن ولبنان ـ ظهرت قرصنة مضادة للرد على الهزيمة والقهر النفسي واحتلال مزيد من الأراضي العربية، لم تكن هذه القرصنة بحرية تدور معاركها في البحر، وإنما كانت قرصنة جوية تدور معاركها في الجو وفي أي مكان في العالم.

هذا المجال العالمي الذي كان مسرحًا لعمليات القرصنة الجوية المضادة كان أيضًا ردًا على قيام المخابرات الصهيونية باصطياد واغتيال الشباب العربي المقاوم في أي مكان من العالم، وبهذه المناسبة تذكرتُ وأذكركم بقيام المخابرات الفرنسية بعملية قرصنة جوية، وخطف قادة الثورة الجزائرية وجميلة بو حريد، هل أُذكركم أيضًا بخطف الملايين الأفارقة وتحويلهم عبيدًا مسخرين؟!

ثالثًا ـ يُطلِق الخطاب السياسي والإعلام الغربي على القرصنة الراهنة في البحر الأحمر "القراصنة الصوماليون"، حسنًا لا بأس، إذًا البداية المنطقية التي تعلمناها من التاريخ للتعامل مع هذه الظاهرة هي الإجابة على سؤالين، الإجابة على السؤالين في غاية الأهمية ليس لمعرفة الأسس اللازمة للتعامل مع ظاهرة القرصنة الراهنة فقط؛ وإنما الأهم أن التاريخ عبرة وسنن لا تتبدل ولا تتحول.

السؤال الأول هو: ما الذي حدث لدولة الصومال؟ والسؤال الثاني: ما الذي فعله الأشقاء العرب لحماية الدولة الصومالية وشعبها؟ إجابة السؤال الأول من وقائع تاريخ الأحداث والعلاقات الدولية الراهنة هي أن أمريكا والصهيونية ومعهما أطراف أخرى غربية وإفريقية قاموا بتدمير الدولة الصومالية، وشكَّلوا وجهزوا ما يسمونه بأمراء الحرب الصوماليين ليساعدوهم في تعميق هذا التدمير والإفساد في الأرض، وكلما نهض الشعب الصومالي وحقق نصرًا على هذا المخطط؛ تحالفت عليه قوى القرصنة الأمريكية والصهيونية والغربية والأثيوبية.

أما الإجابة على السؤال الثاني فهي معروفة لدى القارئ الكريم، وأنا فقط أسجلها وأذكر بها، لم يفعل الأشقاء شيئًا تجاه تدمير الدولة الصومالية وشعبها العربي، كل ما قالوه كلام لا يُسمِن ولا يغني من جوع أو خوف، ولن أزيد؛ لا خوفًا ولكن حتى لا أجرد الحديث من طبيعته.

لذلك فإن القرصنة الراهنة في البحر تطول الجميع ولا تفرق بين الغريب والشقيق، خاصةً إذا كان الشقيق يسهل الأمر على القراصنة بتبنيه نفس مفردات الخطاب الإعلامي والسياسي للقراصنة الأصليين الذين دمروا الدولة والشعب الصومالي.

هذا الحديث يهدف إلى المساعدة في حث الأطراف العربية ـ رسمية وغير رسمية ـ نحو التقدم للإمساك بزمام المبادرة الاستراتيجية للحفاظ على هوية البحر الأحمر، والمصالح الحيوية العربية قبل أن يفوت الأوان، وهو على وشك الانتهاء.

وهذا الحديث ليس فيه أدنى انحياز للقرصنة المضادة؛ لأنها من جنس الفعل التي هي رد فعل له، ولأنها كذلك فإنها فشلت في المواجهة التاريخية للقرصنة الأصلية، وفوق ذلك والأهم أن هناك حركات جهادية عاملة الآن في الصومال مثل المحاكم الشرعية وحركة الشباب الصومالي أدانتا هذا الفعل، وهددت بعمل عسكري تجاهه إن لم يفرج القراصنة عن السفن المُختَطَفَة.

إن ما نريده هو إدراكنا أن المواجهة الناجحة لهذه الظاهرة تكون بعودة دولة الصومال حرة وديمقراطية بدون صيغ وإملاءات جاهزة وبدون هيمنة عليها من أحد، وبأن تقوم الدول العربية والكتاب والمفكرون والمثقفون العرب بدورهم في هذا الاتجاه.

الحل في حرية الصومال والصوماليين، وتركهم يختارون حياتهم دون تدخل، وتطهير البحر الأحمر من أي تواجد أجنبي، الحل في القضاء على الفعل غير المشروع حتى نستطيع أن نقضي على رد الفعل غير المشروع، علينا أن ندقق في الأحداث حتى لا يجرفنا الطوفان أكثر، فإن كانت القرصنة المضادة غير شرعية فهي رد فعل لفعل غير شرعي.