المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العبقرية من الممنوعات ! بقلم / أسماء عايد



أسماء عايد
23/12/2008, 04:01 PM
العبقرية من الممنوعات
تم نشرها بجريدة " العرب اليوم " الأردنية

الكاتب الساخر: أوسكار وايلد، عندما وصل إلى ميناء نيويورك، سأله أحد الضباط: هل معك ممنوعات؟ قال: نعم، عبقريتى.
ويُحكى أن الشاعر الرسام: جان كوكتو، عندما أُختير عضوا فى الأكاديمية الفرنسية، كان لابد أن يرتدى الزى الرسمى - البدلة والسيف والبرنيطة والنياشين-. وفي يوم الإحتفال، جلس إلى جواره جنرال أمريكى، فسأل هذا الجنرال، كوكتو: هل هذا الزى الذى ترتديه هو لسلاح الصاعقة الفرنسية؟!
فقال كوكتو بهدوء: إنه زى العبقرية! فنهض الجنرال ورحل!!
أما المخرج السينمائى، والرسام، والنحات: سلفادور دالى يقول عن نفسه: أنا عبقرى الفضائح .. أنا أكبر عبقرى فى هذا الزمان وأسوأ رسام عرفه التاريخ!
العبقرية: حالة إنسانية فريدة، متعددة الجوانب. فهي تمازج بين الذكاء، والموهبة، والجرأة فى إقتحام مجالات جديدة لم يسبق لأحد إقتحامها. والجديد: غالبا ممنوع، وعليه علامات استفهام كثيرة.
احضر ورقة، وقلم لنرسم سويا مثلث العبقرية، عناصره الثلاثة كافية لإيجاد شخصية العبقرى وإكتمالها من الداخل. وهي :
1 ) الإستعداد الوراثي .
2 ) البيئة المناسبة.
3 ) إدراك المسؤولية.
ولإكتمال صورة العبقرى من الخارج، وتسهيل مهمته الإنسانية، سيكون رائعا وجود عنصر مختلف و هو :الزمن المناسب، وتوافر قدر من الشهرة. فبدون شك يوجد حاليا كم هائل من العباقرة يعيشون علي كوكب الأرض، ولكننا لا نعرف منهم غير واحد، أوإثنين؛ بسبب قلة الإنتشار، وضعف المؤسسات الداعمة لهؤلاء - خاصة في العالم العربي -. فقد جرت العادة على تشجيع وقبول الأشياء الروتينية، و منع ومقاومة الطفرات الفكرية.
فـإكتشاف العباقرة يحتاج لبحث مستمر خاصة أنّ؛ العبقرية لا يمكن إكتشافها من مجرد التصرفات العادية، ولا من ملامح البشر. رغم أنه قد ظهرت محاولات كثيرة للإستدلال علي " عبقرى المستقبل" بملاحظة الصفات المشتركة بين " عبقارة التاريخ ".
وهناك الرأى الذى نقله العقاد فى عبقرية عمر، عن العالم الإيطالى لاومبروز وملخصه: أن العبقرى دائما على طرفى نقيض، فهو إما طويلا أو قصيرا. إما إصلع، أوغزير الشعر. وإما سريع الغضب، أو مفرط فى الهدوء.
وتشير أبحاث عالم الوراثة الروسى: فلاديمير ايفرويمسون - الذى درس الحالة الصحية لأكثر من 400 عبقرى - إلى أن هناك خمسة مستلزمات مرضيّة على الاقل تكررت لدى معظم العباقرة وهي :
1- إرتفاع نسبة حمض البوليك في الدم .. ومثال ذلك كولومبوس و بيتهوفن و مايكل أنجلو.
2- زيادة إفراز الأدرينالين كمحفز للنشاط الذهنى، والبدنى. والذين يملكون هذه الصفة يتميزون بطول و هزال فى الأطراف كإبراهام لنكولن و شارل ديجول.
3 - المزاجية المتقلبة مع القدرة على متابعة فكرة معينة.
4 - القدرة على كبت الرغبات و تحويلها كدافع للعمل!.
5 - الجبهة العالية وتحدبها للخلف، دليل على العبقرية المتمردة كنابليون وشكسبير!
و الآن ..أتعرف ما السبب الذى يجعل معظم العباقرة يعانون من إهتزازت نفسية؟!
من الأمثلة على ذلك: إدجارآلان بو, الكاتب الأميركى العبقرى الذى أثرى التاريخ الإنسانى بالعديد من المؤلفات الفريدة، والقصائد الرائعة، والمقالات النقدية التى تتميز بالعمق التحليلى. ولكنه كان يعانى من الكآبة والجنون، وإدمان المشروبات الكحولية، إلى حين وفاته في الأربعين من العمر.‏‏
إسحق نيوتن العالم الفذ الذى كان من أبرز عباقرة القرن السابع عشر والذى أحدث ثورة فى الفيزياء واكتشف نظرية الجاذبية: كان يعانى من الجنون المؤقت وقد هدد مرة بقتل والديه، وإحراق المنزل فوق رأسيهما!

السبب تم تفسيره فى العديد من النظريات . أدقهم - من وجهة نظرى - نظرية البروفيسور تيل وايك من معهد علم النفس بالولايات المتحدة ، حيث أكد وجود علاقة بين العبقرية والجنون كما قال: يتميز العباقرة بقدرتهم على إقامة روابط بين أحداث، وإتجاهات غير متوقعة. والذين يعانون من أمراض عقلية يقيمون روابط غير متوقعة، أوغير مناسبة بين أحداث الحياة اليومية, وهذه النظرية تفسر السبب الذي يجعل معظم العباقرة فى عصرنا الحاضر من النوع الذى يعانى من إهتزازات نفسية.

قبل مدة صدر كتاب فى الولايات المتحدة يكشف أن: نوبات الجنون يمكن أن تصيب البشرية جمعاء فى وقت واحد!. لكن بالتأكيد؛ ليس كل مجنون كان عبقريا! فـكثيرون من عباقرة الفن والأدب من أتباع السوريالية، وتيار الشعور، أوالمونولوج الداخلى حسب تعريفات علم النفس - والدادائية - :حركة ثقافية انطلقت من سويسرا أثناء الحرب العالمية الأولى كتعبير عن معاداتهم للحرب. هم فى الواقع مجانين يزعمون أنهم عباقرة!

ربما يدخل ضمن هؤلاء هتلر المصرى: أحمد ، أو مستشار مصر الأعظم كما يناديه الناس فى شوارع القاهرة. فى ساعات الصفاء يقول هتلرعن نفسه: أنا بروفيسور فى علم الذرة و قد حصلت علي شهادة عليا من ألمانيا، و يرى هتلر أن مؤامرات اليهود ضده، حالت دون عمله بالجامعات المصرية، والعالمية. و يقول هتلر الألمانى عندما كان صغيرا، شاهد الطبيب اليهودى وهو يحقن والدته بحقنة خاطئة، فتسبب فى وفاتها على الفور أمام عينيه. فكبر وكبرت معه عقدة وكراهية اليهود. أما أنا فقد اتهمونى ظلما أثناء دراستى فى ألمانيا : بقتل زوجتي بغاز سام من إختراعى.

صديقى القارئ: ما رأيك؟ .. هل تفضل أن تحيا حياة تلقليدية روتينية؟ أم قررت الإبحار فى حياة العباقرة؟!
إذا سألتنى رأيى فسأخبرك بما يتردد فى أعماقك الآن " الحياة: مُضحكة، مُبكية دوما، ومجنونة أحيانا، فلما لا أحاول! " هذه دعوة منى إلى الجنون .. إلى العبقرية.


بقلم / أسماء عايد

شكرا لكم علي المتابعة الجميلة :)