المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تكوين (1)



محمد صباح الحواصلي
22/12/2006, 10:43 PM
تكوين

محمد صباح الحواصلي

إلى زهرة الأيدل فايس النفيسة
التي لا تنبت إلا في أعالي جبال الألب
إلى أنليزة شتالكنشت.. أمي.
صباح

الولادة

كان الفجرُ رطيبا يتضوع برائحة الآس الأخضر. ومع انسياح الصرخة الأخيرة, التي
اختلطت بغبش الفجر والألم والموت, دوَّت أولى طلقات مدفع عيد الأضحى.

ندت عن ثغر أبيكَ ابتسامة أروع فرحا من الحقول العطشى عندما تستقبل الغيث. هدأت أمكَ مع تراجع الألم, ,وأخذت البهجة تنبض في مقلتيها المجهدتين. كان في بريقهما سؤال, وتأتي الإجابة كونا من ياسمين.

"ألف مبروك.. صبي."

يستفيق عيد الأضحى في أرجاء البيت, وها أنتَ تتنفس عبقَ الفجر الرطيب الممزوج برائحة الآس. كنتَ تبكي بحرقة وكأنكَ قديم عهد بالبكاء. تكاد تكون دون ملامح, كتلة لحمية وردية اللون تحاول أن تكوِّن ملامحها بعد رحلة الخروج والبداية.

أعماقكَ صفحة بيضاء..

وشرعتَ تجري من منبعكَ نهرا يشق طريقه وسط الحقول والصخور ليصبَ في ملوحة البحر الأبدية حيث يختلط باللانهائي.

ابكِ يا صغيري..

ابكِ.. فبكاؤك توقٌ يتخللُ سنابلَ النور ويملأ الأجواءَ بصدى الغبطة.

هي ذي بداية التكوين, كتلة أحاسيس تسعى إلى نضجها.

ابكِ يا صغيري.. فأنتَ لن تكفَّ عن التكوين إلى أن يأتي يوم تختلط فيه مياهك العذبة بملوحة البحر الأزلية.

وتغرقُ في قراركَ سفينة الزمن.

الشرفة

عرفتَ العالم خارج البيت من خلال تلك الشرفة التي كانت على شيء من الاتساع. كان سورها مرتفعا لذا لم يتيسر لكَ أن تعرفَ إلا السماء والأطيار.

رأيتَ السماء واجمة ترعد وتكفهر ولم تعد غيومها – كما عهدتها – بيضاء جميلة, ولا ترى فيها أثرا للأطيار.

وهاأنتَ تقف خلف الزجاج ورأسكَ مرفوع إلى أعلى تنظر إلى الأمطار كيف تهطل. وكنت تتساءل من أين تأتي كل هذه الأمطار التي تضرب الزجاج بعنف؟ ثم أين تلك العصافير المغردة التي لم تكن تبرح شرفتنا؟ وهذه السماء ترى هل ستعود كما رأيتها ذات مرة زرقاء توشيها غيوم بيضاء ناصعة؟

وعندما أتى فصل الربيع عادت السماء ضاحكة دافئة.. وعادت العصافير إلى تغريدها.. وعدتَ أنتَ إلى الشرفة.. إلى ملعبكَ الذي عرفتَ من خلاله أن العالم في الخارج لابد أن يكون كبيرا.. كبيرا. وولد في ذهنك تساؤل: "ترى ما اتساع هذا العالم؟ وكم يحوي من أشياء؟"

وذات صباح وجدتَ سلما مسندا إلى الحائط الذي يفصل بين الشرفة والعالم الخارجي. رحت ترمقه ساكنا وكأنك تنتظر أن تعرف السبب الذي يشدك إليه بفضول. وبغتة, خرجت من سكونك وانفرجت ابتسامة فضول على ثغرك, ثم تقدمت إليه وجعلتَ تتسلقه ببطء وحذر. كنت كلما صعدت بضع درجات تنظر إلى أسفل. نعم كنت ترتفع وكان الخوف يجعلك تشد قبضتك على السلم, إلى أن أشرفتَ على الدنيا.. على تلك الآفاق المذهلة.

ياه.. كم كان فرحكَ رحبا. لقد صدق ظنك أن الدنيا كبيرة.. ولعل أروع ما فيها أنكَ رأيتها أجمل بكثير مما كنت تتصور.

ركن القمر

لأن الليلَ بالغ في عتمته فقد خرجتَ إلى الشرفة لتتفقد القمر والنجوم. راعكَ أن القمر كان غائبا عن ركنه في السماء حيث كنت تلقاه, كلما قصدته, يطل عليكَ بفيضه الفضي. النجوم كما هي منثورة في صمت على صفحة السماء.. متلألئة بيد أنها شحيحة عاجزة عن أن تبدد من غلو العتمة.

ولكن ما شأنكَ وشأن العتمة؟ بعد قليل ستناديك أمكَ وتطلب منكَ أن تأوي إلى فراشك, ولن تفيقَ إلا والعتمة قد تبددت وحل محلها نور الصباح.

ولكن يا صغيري.. أنا أدري ما في أعماقك من قلق. والتمس لك العذر أن نخشى الليل عندما يبالغ في عتمته. أنا أعلم ما يشغلكَ ويقلقك.

أنتَ خائف من أن يكون القمر قد سقط دون رجعة. وقلق أن تبقى السماء عاتمة ولا يطلع الصباح لأنك حينها ستكون وحدك مطوقا بالخوف في غرفة نومك, وإن غالب النوم أجفانك فهذا يعني أنك ستنام دون أن تفيق لأن الصباح لن يفيق.

تناديك أمك:
"إلى فراشك يا صغيري.."

رباه.. وترفع عينيك إلى ذاك الركن من السماء.

"إلى الفراش.. لقد أزف وقت النوم."

كنتَ تتراجع من مكانك وعيناك عالقتان هناك.. في ركن القمر.

ليلتها أطبقتَ جفنيك على خوف جسيم رافقك إلى سراديب الأحلام البغيضة.
ولكن هذا كله لم يعادل فرحك الغامر عندما أفقت مع طلوع الشمس ورأيت النور.

عبلة محمد زقزوق
23/12/2006, 02:23 PM
الـولادة ـ الشرفة ـ ركن الـقمر
مجموعة متكاملة يتكون منها الإنسان من اول الميلاد حتى بداية المعرفة وحب الإستطلاع .
قصص تحفل بالعديد من الصور البلاغية والتي تشي لنا عن تمكن الأديب القاص بلغة السرد دون أن تتسرب خيوط الحقيقة من بين ايدينا نحن القراء .
فائق التقدير والإحترام للسرد والبلاغة بمجموعة تكوين القصصية .

محمد صباح الحواصلي
24/12/2006, 03:56 AM
الـولادة ـ الشرفة ـ ركن الـقمر
مجموعة متكاملة يتكون منها الإنسان من اول الميلاد حتى بداية المعرفة وحب الإستطلاع .
قصص تحفل بالعديد من الصور البلاغية والتي تشي لنا عن تمكن الأديب القاص بلغة السرد دون أن تتسرب خيوط الحقيقة من بين ايدينا نحن القراء .
فائق التقدير والإحترام للسرد والبلاغة بمجموعة تكوين القصصية .

أشكرك أخت عبلة على تعليقك القيم..
من أجل أدباء وقراء من طبقتك, فإنني سأستمر بنشر "تكوين" في منتدى القصة في واتا.. على الأقل أمنح نفسي فرصة أخيرة قبل أن أتخذ قراري الأخير..
مع تقديري
محمد صباح

اشرف الخريبي
25/12/2006, 11:52 AM
الصديق الأعز
تكوين 1 وتكوين 2
وتكوينات اخرى لا تنتهى و لا حصر لها
كلها مكونات للعالم احيانا تبدو صور مزدحمة فى ذاكرة متمسكة بالماضى
واحيانا اخرى تبدو فى صورة الحلم وتتبدى هذه الصور كلها كشرنقات تغزل الوجع
وتقدم العالم شفيفا هادئا ومستنيما وكطفل برئ تأتى اللحظات التى هى اقرب للسهو من الحضور
وتتجلى روح الفجيعة حينا وألم اللحظات حينا اخرى
بين هذه اللحظات التى تتقاسم القصص والحالات تبدو البنية غارقة فى التوصيف التعبيرى
تصنع عالم خاص بلا حدود سوى وجود الذات البديع الذى يحط على الأشياء
ويحاول ان يفهم العالم او يفهمه العالم لا فرق كثير غير ان الرصد الموحى والغارق فى صنع الصورة
بين ضلالة الشعر وهوة الحكى يسقط بينهما فارسا من الزمن الجميل \ الزمن الفائت فى ذاكرة موجوعة بما يكفى هاربة الى الوجه الأخر الذى يصنع ارجوحة الغناء




قلت انى سأقدم دراسة متأملة لمجموعات التى وصلتنا


ولكن
اعرف انه لا صبر لدى



محبتى
اشرف