المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بهلوان البربرية ورقص القِصــــــــــــــــــــــــاصْ..((1))



ياسمين ابن زرافة
23/12/2008, 07:20 PM
بهلوان البربرية ورقص القِِصــــــــــــــــــــاصْ ((1)) و((2))






في المَساء...

والشّمسُ تُحْتَضَرُ في السَّماء...

وقُرصُها المُتَثَائِبُ يَلْتَهِبُ أَحْمَرَ كالمَرْجان بين ثَنَايَا السُّحُب ويَكْرُبُ أن يَنْسَكِبَ في المَغِيب، كنتُ هناك...

قُرْبَ أَسْوِجَةِ الحديقة الخَلْفية للكوخ لابثةً في انتظار هَلَّتِِه عَلَيَّ منذُ الظَّهيرة؛ أُفَرْقِعُ الأصابع بقوة، وأحْرُقُ الأَنْيابَ بعُنْفٍ، وأَسْحَقُ دُون رحمة زُهَيْرات الفُلِّ والبنفسج المحيطة بي؛ بقَدَمٍ تَجُرُّ بقايا صَنْدَل ٍ مطاطيٍّ أسود ليس لي غيْرَه، وأَخْمَصِ أُخرى كنتُ قد خلَّفْتُ صَندَلَها بالدَّاخل حين خرجتُ على عَجَلة ولم أَنْتَبِه.

وكنتُ مُشَتَّتةَ الفِكْر، مُبعثَرةً، بيْن مراقبة طريق الرَّبْوةِ المُقابِلَة لي من جهة، وتتبُّع حركة الفَأْسِ المُتَهَاوِيَةِ على الأرض في تَتابُعٍ من الجِهة المُعاكسة،

والَّتي ما تَوقَّفَ صاحبُنَا الشَّادي بألحان نَشَازٍ عن رَفْعها وخَفْضِها مُنْذُ ساعات الصَّباح الأولى، ولا عن التَّنقُّل بها كالنَّحلة بين الشُّجَيرات والنَّهر والمَزروعات، وأَدْعو الله- وأنا أَلْعَنُ الشَّذى الحِرِّيفَ الرَّائِحَة الَّذي تَفاقَمَ به حَدَّ الجُنُونِ تَوَتَُّري، وخُلاصَةَ ماء البَنَفْسَج الَّتي تَشَرَّبَتْ بها حَوَافُ ثَوْبِي فأثْقَلَتْنِي عن الحَراك، و لامَسَتْ قَطَراتُها ساقَيَّ فما زادَنِي احْتِكَاكُها بِهِما إلا تَبَعْثُرا-أنْ لا تَعْلُوَ الفَأسُ الكَتِفَ، ليَنْقَطِعَ النَّشاز، ويَعُود صاحِبُنا إلى المَنزل فيَكْتَشِفُ أَمْرِي..ثُمَّ أُكْمِلُ المُراقبة من جديد.

ولِحُسْن الحظِّ أنَّ الانتظار ما دَامَ طويلاً، فما هي إلاَّ لَحَظَاتٌ قََلائِل حتَّى لاحَ لي هَيكل مَعْدِنِيٌّ مُسْرِعٌ منْ بعيد، وبَرَقَتْ لي أَنْوارُهُ باهتةً من بين جُذوع الأشجار عريضة الخُصور، وسَرَى دَوِيُّ مُحَرِّكه في أُذُنِي..

ولِلَهْفَتي، أو لِخشْيَتِي من أنْ يسمَعَهُ الأخرُ من هنالك رُبَّما،

وَثَبْتُ فَوْرًا من مَخْبَئي، نَفَضْتُ بسُرْعَة أَتْبانَ العُشِّ الكبير الذي بَنَيْتُهُ، من على رأسي و مِنْكَبي، وكثَوْرٍ هائِجٍ جرَيتُ نَحْوَ السَّيَّارَة، ورَكَضَ الصَّغيرُ بلا اصْطِبار نَحْوَ وِجْهَتِي، واحتَضَنَنِي بِشَوْق وقَبَّلْتُه بحرارة...

وكان الاحْمِرارُ الاحْمِرارُ يَسْتَوْطِنُ أَعْيُني، يَفْعَمُ كَيَانِي، ويَتَراءَى لِي في كلِّ مكان و جانِبِ؛

في المَرْج الأَخضر المُحِيط بِي، في الأُفْقِ البَعِيدِ وفي الغَسَق،

في الشَّمْس المُرْتَحِلَة، والهَواء المُنْعِشِ، وشلاّل المِياه المُتَدفِّق صاخِبًا من وَرائِي، وفي اليَنْبُوع الصَّغِير الَّذي كَثِيرًا ما وَقَتْنا مِيَاهُهُ عَكَّ تَمُوز وأُغُسْطُس فكان لَنا على وَجْهِ المَعْمُورَةِ السّلسَبِيل، وفي الصَّغِيرِ أيضًا؛

في عُيُونِهِ الفَيْحَاء المُسْتَدِيرَة، في وَجْهِهِ النَّيِّر النَّاصِعِ البَيَاض، في أنْفِهِ الدَّقِيقِ وفي فَمِه، وكذلك في الوَجْنَتَيْنِ المُتَكَوِّرَتَيْن المُتَوَرِّدَتَيْن وكامِل الجَسَد..

حتَّى إنَّني كنتُ أسْتَشْعِرُ الحُمَّى وأنتفِضُ من البَرْد، وأُحِسُّني أََغْرَقُ على مَهْلٍ في مُحِيطاتٍ عميقةٍ، غاية في العُمْقِ مِن النَّبِيذِ والخَمْرَة وأَلْوَان شَتَّى مِنَ المُسْكِرات،

وأَيادٍ حَمْرَاء؛ رَفِيعَةُ الأَصَابِعِ، مَلْسَاءُ الرَّاحِ، تَتَقاطَرُ بَنانُها حُمْرَةً تَتَسَابَقُ إلَيَّ لتَنْتَشِلَني، لا، بل لتَزيدَني غَرَقًا على الغرق وتُوغِلَنِي أكثر في عُبَابِ المياه الرَّاكِدَة،

فأسْتَسْلِمُ لها، و أََجِدُنِي أََهْوِي في جُبّ سَحِيــقٍ...سَحِيــق، وفقاقيع ضخمة شَفَّافَة في مِثْلِ لَوْنِ الأُقحوان تَنْبَعِثُ مِنْ فَمِي

وتَنْفَجِر من حَوْلي في تتابع كمُفَرْقَعات المَوالِدِ، مُصْدِرَةً أَصْواتًا رَخِيمَةً سَلِسَةً رَنّانة:

"-بُــقْ-بُــقْ-بُــقْ-بُــقْ..

بُقْبُقْـــ-بُقْبـُــقْ.."

تُسْعِدُنِي، تُبْهِجُنِي، ولا تَزِيدُنِي على السُُّكْرِ إلاَّ غِيابًا عن الوَعْيِ وسُكْرا.

فتَتَفاقَمُ إذْ ذاكَ رَغْبَتِي، ويَشْتَدُّ نَهَمِي وتَعَطُّشِي..لِضَمِّ شيءٍ أَحْمَرَ، لالْتِهامِه، شُرْبِه، أو العَوْم فيه..

شيء كالتُّفاح الأحمر أو العِلّيقْ، كالكَرَز الشَّهي أو الدُّرَّاقْ، كعَسل النَّحْل المُصَفَّى أو الـْ..؟

لسْتُ أَدْري أنا؟ أيّ شَيْء، أيّ شَيْء!

وكنتُ أُشِيحُ بالوَجْهِ عن كُلِّ مَوْجُودٍ هَرَبًا مِنَ الحُمْرَة فيَشُقُّ الوَمِيضُ السَّاطِعُُ بِطانَة جُبَّتِي ويَنْتَشِرُ سَرِيعا مُضيئا في المكان حتى يكادُ يَسْلِبني البصر، فأَفِرُّ منه، لأَصْطَدِمَ من حوله بالاحمرار فأعود إليه، وأبقى..هكذا..

في فرار من السيِّئ إلى أحضان الأسوأ لا أرسو على ميناء!

وكان المَقْصِدُ القَصِيُّ يناديني والصَّخرة المَلساء تُلِحُّ علَيَّ في الإسراع، فاستدرتُ إليه، وشَدَدت يدَه بقوة:

-"هيّا،،،
فإنني أعرف مكانا لا يَسَعُ هَوَامَ الأرض ولا جِنَّة السَّماء اللَّحاق بنا إليه؛ مكانا آمِنًا انتقَيْتُهُ لنا منذ أيام..
أَسْرِعْ..."



الجزء ((2))
وجَرَيْنا معًا، وكنتُ أَلْهَثُ، وهو يَتَصَبَّبُ عَرَقًا، ويضغط على مِعْصَمِي الخَشِن بِكُلِّ ما أُوتِيَ جسدُه النَّحيل المستضعَف من قوَّة ويسألني:
ما الخَطْب؟ لِمَ كل هذا الهلع!؟
فأُجيبُه بأعينٍ جاحظةٍ.. شاخصةٍ.. تُشِعُّ فرحا قُرْمِزيًّا أحمرَ ثم أكمل الرَّكْض،
وهو من الخلف... كالظِّل يتبعني، كالحَمَل الوديع لا يُخالِف لي أَمْرا.
وبعد قُرابة السَّاعة كُناَّ قد وصلنا، وكان الظَّلام قد حَلَّ على الدَّوْحَةِ الخضراء، والقمرُ الباسم قد شرع في نشر وِشَاح نُورِه خافتًا على الأرجاء، وعلى الأشجار الكثيرة المِعْطاء؛
على التِّين، والزَّيتون، والرُّمان، والعنب، فاسحًا المجال واسعًا لخيوط النُّور الرَّفيعة للتَّسَلُّل ما بين الثَّمَرات البرّاقة اليانعة،
والأفنان المتعانقة المتشابكة، والأوراق متباينة الأشكال
والأحجام، والنَّفاذ من بين ثغَراتها، للارتسام فوق بساط الغابة المُعْشَوْشب
وعلى صُخورها عتيقة النَّشْأة-الشّبيهة هي بأهرامات أَجْبان ضخمة تَعَدَّتْ فترة الصّلاَحية بقرون، فَمالَ لونُها إلى صُفرةٍ أَنِيمِيَةٍ خَجْلى تَتَماثل من المرض، وعاثت الجُرذان فيها فسادا فحفرت في أعماقها مغارات طويلة وأنفاقًا متشعِّبةَ المَداخل و المخارج والدُّروب-
وعلى الصّخرة الوَرْدية الملساء أيضا..والتي بَدَتْ تحت نُورِهِ.. كلَوْحة أَجاد أَبْرَعُ الفنَّانِينَ إبْداعها، أو كمَخْدَعِ غَيْلَمٍ عِمْلاق مَهْجُور، مُزَركَش بلَوْنِ الظِّل والنُّور "الـْــــــ-أَحْمَرَيْن".
وكانت أُورْكسْتْرا الضَّفادِع والصَّراصِير في استقبالنا، وفِرَقُ الحشرات المُضيئة المسرحية أيضا في الانتظار، وسَرعان ما اسْتَهَلَّتْ كل واحدة منها الاحْتِفَاءَ بنا على طريقتها؛ فجاء النَّقيق، يَعْقُبُهُ العَزْفُ الحادُّ الجميل، فالوَمِيضُ المُتقطِّع المُتَواتِرُ من بين الصُّخور والأعشاب..، فكان المَشْهَدُ كُلاًّ مُتَكامِلاً لاستعراض الطّبيعة البَهِيج على مَسْرَح الهواء الطَّلق.
وتَضاءل اللُّهاث من بعدهـــــــا ونَضَبَ العَرَق، وعاودني بالسؤال فلم أُجِبْه،،،
بل جلست بهدوء على الصّخرة، سَوَّيْتُ حَوافَ الجُبَّة القبائلية الحَمراء التي كُنت أَرتدي، فكَكْتُ عُقْدَة فُوطَتها "المُزَيَّقَة" ونزعتُها عن خاصِرتي...
وبرِفْقٍ جَذَبْتُه إلَيَّ، وافترشْتُ له الحِجْر الذي أَلِفَهُ واستطاب النَّومَ الهَنيء في أحضانه، وانحنيتُ فوقه، فرأيتُها،
أجل، دُموعَ الفرح وهي تتلألأُ في عيونه...
وأَبْصَرْتُ أَسَارِيرَ الغِبْطة وهي تَكْسُو مُحَيَّاه، فانتهزت الفرصة دون تَرَدُّد،
وبادَرْتُه بالأمر-على طريقتي- فأجابني بالقَبُول
واستكان إلَيَّ ولم يمانع البَتَّة حين عَلِمَ مَطْلبي،
بل وكان يُداعب جَدائلي المتقاطرة زيت زيتون، ويَتَحسَّسُ بالأنامل الطّرية مَسامَ وجهي الجاف المُتصحّر، وتجاعيدَ عُنقي الكهل المُتَرَهِّل مثلما اعتاد أن يفعل قبل النوم؛ فهو يُحِبُّني..يُطيعني..يَأْمَنُني، ولم يعارض لي يوما مهما كان مَطْلَبا..
و كنتُ أضمُّه إلى صدري بقوة..بقوة..وأسْتَنْكِهُ رِيحَهُ؛ ريحَ المدينة العاطرة العالقة في ثيابه و شعره، وأتوارى خلف ظهره في محيطات الاحمرار..،
وأصارع ببَسالة الوميض السّاطع المُنْبثق بتواصُلٍ من داخلي وأََحُولُ دون نصْرِه..ولكنَّني..حين عجزت، وأقررتُ بالهزيمة والفشل وَلَّيْتُ،
عُدْتُ بمراكبي جميعِها إلى المَرافئ..
اقتلَعْتُه بعَناءٍ من حِضْنِي..
أَنْأيْتُه بعُسْر عن صدري..
كنت أُحِسُّه عالقا به مُتَشَبِّثاً لا يَبْغي الفِصال!
كَنَفْخَة الرُّوح في سَكَرات الموت وحَنِينِها إلى حَفْنَة التُّراب،
كبُكاء الجلدِ العَظْمَ وهو يُسْلَخُ عنه!
ثم نظرتُ إليه مَلِيًّا، حدَّقْتُ إليه مُطَوَّلا، قبَّلْتُهُ بحرارة ثم قبَّلته،
وطلع النّهار..
وارتَحَل القمر، واستيقظ الوحش والبشر، وتَغَيَّرَ القليلُ من الكثير والبعض دون الكُلّ وما غاب الاحمرار!
بل ومازال عالِقًا في كل ذرَّة من ذرَّات الهواء وفي كل شيء!
وبزغ قُرْصُ الشَّمس مُلتَهِبًا من وراء التِّلال والجبال مُعْلنًا ميلاد يوم جديد، واستيقظت أنا..وكنت قد بكَّرْتُ بالنُّهوض قبله، بل إنه لم يَغْمَضْ لي جَفْنٌ واحد طوال تلك الَّليلة التي قضيتها متأمِّلة في الطَّلعة الملائكية البريئة، سارحة في بهائها، مسرورة أيَّما سرور برؤيته يَتَوسَّدُ ذراعي هادئا، فلم أَشَأ إزعاجه، وسحبتها بحذر من تحت رأسه وانسحبت من المكان،
وتركته وحيدا هنــــــاك،
مستغرقا في النَّوم لا يَحْفَلُ بالخَلْقِ مِنْ حوله..
و لم أَفْتُرْ عن التَّلَفُّت إلى الوراء كلَّما ازددتُ تَوَغُّلاً في الغابة الخضراء النَّدِيَّة، ولا عن ترديد وَعْدِ التَّزاور على مَسامعي؛ بأن يزورني ليلا وأنا بالنّهار، وبأن أُشَيِّدَ له صَرْحاً هناك يُذَكِّرني به إن مَلَّ وهَجَر،
وعُدت إلى منزلي...
إلى كُوخي الحقير الذي بَدا لي من بعيد كَخَالٍ يُجْهِدُ النَّفْسَ للظُّهور من تحت لِحْْيَة كَثَّةٍ لغُولٍ أَشْعَث -وبالكاد يُرَى!-
أو كمَحْرُوبٍ يقف على قارعة إحدى الصَّحارَى، في واحة منزوية يَتَسَوَّلُ يداً سَخِيَّةً تَجُود عليه بدينار أو دِرهم،
والنّاس تَنْفَضُّ من قبل الوصول إليه شَذَرَ مَذَرَ، وتَتْرُكُهُ وحيدا للنّخيل
والأشجار تحرسُه.
ورجعتُ إليه أُجرجِر الخُطى، حافية الأقدام بعد أن تَمَلَّصَ مِنِّي نَعْلِي أثناء الجَرْي وآثَرَ البقاءَ في الخلاء،،، مُخَضَّبَةَ الوجه والأرجل والأَطْمار بالاحمرار، والفوطةُ الزَّهرية التي كانت تلُفُّني قد صُيِّرَتْ رِزْمَةً صغيرة من ثياب مُبلَّلة تَفُوحُ بريح حادة مميزة، وصارت تَمْتَطي ظهري..
ومررتُ بالحظيرة، فتسابقت طَوائف الدَّواجن المُتَضَوِّرة جُوعًا نَحْوِي
وأَطْربَتْني بالقَطْقَطات..
وتَوَسَّلَتْ إلَيَّ البقراتُ الخمسة والعجلان بالخُوار، ونَبَّ التِّيسُ، وتضرَّعَتْ بالثُّغاء الخِرافُ، وأقبل "مُورِيسٌ" مُبَصْبِصًا بذيله، لاهِثًا في تَوَدُّد، مُؤرجِحا ساجُورَهُ يستعجل الطَّعام..
فسدَّدْتُ إلى وجهه رَكـْـ-لَةً..
جعلَتْه يَتوارى عن أنظاري في لَمْحِ البَصر،
و المسكيـــــــــــــــنْ!
يَنْبَحُ نَبْحًا فظيعا أشبه بالعواء، ويَتَّقِي وابِلَ الحجارة المتهاطل عليه كالقذائف ويركض، حتى اختفى بين الأشجار.
فبَصَقْتُ و أنا أَخْتِمُ بحَجَر تَبَقَّى في يدي، وأُلَوِّحُ بالأخرى في تَوَعُّد:
ـ و أيُّ اسم أَلْيَقُ بك من الْـــــ...كَلْبِ يا ابنَ الكَلْبْ!
أَرِنِي، أَرِني سَحْنــاءَكَ ثانية وسوف ترى..
"تْفُـــوهْ"..
ثم رَدَعْتُ البطَّ والإوَزَّ والدَّجاجات اللامُتَهَيِّبات عن طريقي،،، تجاهلتُ الخُوَار والثُّغاء،،، ثم دفعت الباب المُهَلْهَلَ الذي قَلَّما يُوصَدُ – ولَوْ باللَّيل- ودخَلْت، فكان الكوخ على الحال التي تركته عليها بالأمس أو أَسْوَأ من ذي قبل!
فصناديق الفَراوِلَة المُتَعَفِّنَة تستقبلُك كالفُنْدُقي عند بابه،
والدِّيَكَةُ المُتَناحِرَة في الرِّواق تَخْتال –في السِّلْم- كالأَباطرة، فوق العَتاد، فوق الأثاث، مُتَّخِذَةً من الأَفْرِشَة أَعْشاشًا لها
ولِفَراريجها، ومن أكياس القمح والنُّخَالة المبعثرة هنا
وهنــالك وَلِيمَة، وأيّ وليمة!
وأما الأَواني الفخَّارية المُتَّسِخة بطعام أيامٍ، ففي رحلة استكشافٍ -جميعها- على طُول المطبخ صَوْبَ الغرفة اليَتِيمة المُحاذِية له، مدفوعة بالفضول ربما لزيارة المكان الذي ما زارته منها قبل هذه الأيام غير قِلَّة من المَثارِد
والقِِلاَل عند مَقْدَم الضيوف، أو عند أَلَحِّ ضرورة كيوم مَوْلِد "الصَّغير"..
و تَذَكَّرْتُهُ..!
حين رابَني السُّكونُ المَهِيبُ المُخَيِّمُ على الكوخ وأَوْحَى إلَيَّ هُدُوءُ المكان بغيابه، فمَررت بغرفتي، ورَمَقْتُ الرُّكنَ المقابل للباب منها بنظرة فرأيتُه، هناك؛ في المكان المعهود، مُلْقًى على المَهْد الثَّمين الذي ابْتِيعَ له حتّى قبل أن يولَد، ورَضَّاعَةُ الحليب الفارغة بِيَدِه، يَمُصُّها من حين لآخَر في تَلَذُّذٍ، ثم يَشْخُر شَخْرَةً عميقة ويَغُوصُ في النَّوم، غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بطَنِين الذُّباب المزعج المنهمك في لَعْقِ فُتات الكعك المُبَلَّل الذي كان يُلَوِّث ُ وجهَه وصَدْرَ قميصه الأبيض القطني مُبَلَّل الرَّقَبَة، ولا بالبَلَلِ المُثْقِل لحفّاظاته القُماشية التي تَهَرَّأَتْ بحراشفها فَخِذَاه..،
فدَنَوْتُ منه، وتقَوَّسْتُ فوقه، وجعلتُ أُطِيلُ التَّفَرُّسَ في ملامحه، وأَجُولُ بالأنامل في صفحة وجهه ناعِم المَلْمَس ورَقَبته و أهمس:
ـ "وجهٌ صَبِيحٌ وُضَّاءٌ،
ورَقَبَةٌ غَضَّةٌ و-و-
وِســـــــــادهْ!"
وتناولتها دون تردُّد من تحت رأسه: "لستُ بحاجة لأكثر منها حَجْمًا، فهذه وحدها تكفي"
وهَمَمْتُ بِكَتْمِ أنفاسه لَوْلا أن أَقْبَل َاللَّعينُ الآخر الذي كان قد لَمَحَني أَلِجُ الكوخ من وراء التّل حين كان يَشُقُّ طريق الغابة بحثا عني..، فاختصر الفراسخ الشَّاسعة التي تَفْصِلُنا في بضع خُطًى سريعة وجاء...
يَؤُمُّهُ ضجيج المِنْجَل و الفأس والمِعْوَل...
كالمَسْعُور كــــان،
كوَحْشٍ كــــاسِرٍ أَقْبَلَ، ورَكَلَ الباب المُهَلْهَلَ بقوّة فأيقظ الصغير آااااااااااااااااااااهٍ...وحرمني مُتعة احمرار جديد
!

خليف محفوظ
25/12/2008, 06:28 PM
المبدعة ياسمين ابن زرافة تحيتي

قرأت هذا الجزء الأول فشدني إليه بقوة لغته و سحر سرده

سأتابع بترقب بقية الأجزاء ، و إني أحجز لنفسي مكانا لمأدبتك السردية

تحيتي و تقديري.

ياسمين ابن زرافة
27/12/2008, 01:20 PM
المبدعة ياسمين ابن زرافة تحيتي

قرأت هذا الجزء الأول فشدني إليه بقوة لغته و سحر سرده

سأتابع بترقب بقية الأجزاء ، و إني أحجز لنفسي مكانا لمأدبتك السردية

تحيتي و تقديري.


سلام الله على روائينا..
نتمنى لكم سيدي طيب الحلول في روض سردنا،،وطاولتك محجوزة مجانا من عندنا، ملأى بما طبخت أيدينا...
ونشكركم على رهافة الحس ورقي الذوق،،،
آمل أن يروقك الجزء الثاني لهذا اليوم كما راقكم الأول...
وردي الآخر على تعقيبكم الأول في الطريق إليك فإليكموه سيدي الفاضل
امتناني وترحيبي وعظيم شكري...
ياسمين~~

باسين بلعباس
28/12/2008, 04:37 PM
على الرغم أنني لا أحب القراءة المتسلسلة..
لكن القراءة التي (جازفت بها)شدتني إلى الاستمرار في مداعبة أسطر النص ،شيئا فشيئا..
حتى التهمت ما وجدت،وبقيت عالقا أنتظر ،وهذا ما أخافه كثيرا جدا..
أكره الانتظار..وكذلك أكره الانتظار وأيضا الانتظار لا أحبه..
فهل أنتظر بقية الأجزاء للقراءة..؟؟
سؤال :
هل الرواية مطبوعة..؟
أريدها كاملة للقراءة الواحدة..دون تسلسل..
وربما أجلت ذلك الى ضخ كل الرواية متسلسلة لأاعود إليها..
انطباعي الأول :نص يستحق القراءؤة الهادئة..
فمتى يكون الهدوء؟؟

ياسمين ابن زرافة
28/12/2008, 07:10 PM
على الرغم أنني لا أحب القراءة المتسلسلة..
لكن القراءة التي (جازفت بها)شدتني إلى الاستمرار في مداعبة أسطر النص ،شيئا فشيئا..
حتى التهمت ما وجدت،وبقيت عالقا أنتظر ،وهذا ما أخافه كثيرا جدا..
أكره الانتظار..وكذلك أكره الانتظار وأيضا الانتظار لا أحبه..
فهل أنتظر بقية الأجزاء للقراءة..؟؟
سؤال :
هل الرواية مطبوعة..؟
أريدها كاملة للقراءة الواحدة..دون تسلسل..
وربما أجلت ذلك الى ضخ كل الرواية متسلسلة لأاعود إليها..
انطباعي الأول :نص يستحق القراءؤة الهادئة..
فمتى يكون الهدوء؟؟






السلام عليكم
سيدي باسين..
سيكون لكم ما طلبتم غدا بحول الله..
لأن النص في cd
وسيكون عندكم، لأن الرواية مرشحة للطبع، ولكن لم تطبع بعد،
وبالمقابل لي مجموعة قصصية مطبوعة بعنوان"ورد هشيم" سأبعث لكم عبر البريد نسخة منها بحول الله، متى توفر الظرف..
تحياتي الحارة الحارة
ياسمين~~