المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بغداد.. اطياف الحدائق.. جرح المسرة



عبد الحفيظ بن جلولي
23/12/2008, 08:30 PM
بغداد ..أطياف الحدائق.. جرح المسرّة

عبد الحفيظ بن جلولي/الجزائر.

اسحب زرقة السماء إلى واجهات الخفق المنمّق بالموت
وأتناثر ندفا من أقاويل الرؤى وحدب المجهول الذي سكن القصيد..
إذ يداهمني المقول،
هل تشعر بلوعتي وحرائقي العابرة إلى سراب الفقد؟
ترسمني ريشة سيّدة المنايا كثبانا تحضن نخيل الظلال
والأماكن التي فقدت شكلها في أروقة الحفيف
ومحاجر الأبنية الممتدة في سجون مملكتي الحصينة..
يرقد الموت بأبهى صورة على عيني المتعبتين بالمسافات
يغط في غيابه وينسى الروح معلقة على الساكف تنادي في أحبتها
مغرورقة في عجزها المزود بحنين ممزق
بغداد، سؤال اليتامى على تخوم النسيان
هبل المغبورين على سدة الأرائك الوثيرة الهامدة في حدائق النشوة
يتكلم التاريخ، يبحّ صوته الجهور ويغرز صداه أمنيات للنهوض
تستفيق القصور بكل ألق الخلافة القديمة
وبهو الصّحون حين يلعلع الشعر في زواياها المكينة
وامعتصماه.. تصيح عراق في متاهة الأساطير الدموية
تتحلل الأيادي من فساتين عرسها الآثم، المدجج بصهد سمريات لقيطة
وينهمك الخفق القريب من وريد الذاكرة المفتونة بالتاريخ واللغة
في إشعال فتيل النجدات والصيحات المتاخمة لقرابات خرساء
وامعتصماه.. تتمدد بغداد عند عتبات حلمها المشنوق
هولاكو لم يمر من هنا، لم يدنس فرات ولا دجلة في ليل سرورهما
المعبر خاو، يتمرغ تحت طلقات الرصاص والآهات المجمّلة بباقات الذهول
كانت الأيادي فارغة، تعاف ورود بغداد المتعبة
على جدار الزمن الخلفي، تترصد اللحظات موكب الفتنة
وتدس الزهور لمعتصم على ذؤابات السعف
القهر في ورشات الكلام يبني شوكة المعنى
يحيط بانفلاتات الوجع ويرسم صورة للرفض
مقهى الرشيد، وشارع للوراقين، وفضاءات كبرى لمهرجان أبي نواس
الغرق المقدس في ورطة الصحائف، وحبر الأنوثة الماثل على مغاطس دجلة والفرات
حين تغتسل بغداد في عراء الشمس
يستعدّ البشر لغوايات أصيلة مشبعة بعشق ابدي
تبوح الأجساد في سهدها الماجن على شرفات الحذر
ترقص ذعرا على جماجم الأحبة الذين أفضوا بكوابيسهم وعبروا إلى الصمت
ليت الأمس كان غدا وليت الغد كان حلما وليتني على شاطئ الجسد أصير سطرا
من مرتع الأقاويل ومسرح الأحاجي في الردم البعيد
ينشر الحلاج صورته الغامضة، ويتمدد شهيدا أو زنديقا
يسرق من زمن بغداد هيامه المسرور بالتجلي
ويعود من حيث أقيمت المقصلة
يرش الأجساد الهامدة بالضحك والبكاء من دم صَلبه الشهيد أو الزنديق
بغداد رونق المقامات النغمية
سليلة الاجساد المتعبة بالنفي
السياب، الجواهري، بلند الحيدري، جيكور التي تسنّمت نخيل الغجريات وارتمت حيث نبتت الكلمات والأجساد الفارة إلى كينونة الفقد والعنفوان..
الموت أيها القادم من أوطان غريبة يلحق لعنة بزحفك المدجّج بالخديعة
بلونك المدرّج ببرودات الثلج وانسجان الشمس وشحوب الرمل وبراءة النخيل من الإثمار
في حضرة صمتنا المرفّه بالمقام
والمنابر العتيقة في أصول الحضارة والضيافة والمباهج المدوّنة في ذاكرة الرشيد
يرسو لون الزمن على فجأة الإسطرلاب
يغيب مكر الدواهي
ويسري من جرحي معبر للقاء والبهاءات
وتكون أنت حيث نضجت كينونتك وجها آخر لي في مراياي
استهل برجفك الخافق صدى خطوي في الصباحات والمساءات
لكن في هطول مساءك المعتم
عَدَّ الإسطرلاب قطيرات جرحي الشاخب،
قطرة قطرتان ثلاث قطرات، وما زال..
في متاهة غيمك العقيم صار الإسطرلاب رديفا للقبر،
خنت مراياي إذ أبدلت وجهي بلحد على قارعة الجسد
واركنت هدية الرشيد في جيبك المتاخم لخفق الصدر
وصرت تخلط بين الأنين والخفق ودقات الزمن الذي يهرول بالنبض إلى حافات المدافن
أقف عند غروب المودة، قبالة مسالك شمس توزع عشب المواقد
وفي ليل غربتنا المجيد
نُسوّي سرج أحلامنا كلمات ومعنى لجغرافيا حصيفة
تلمّ من أشلاء البؤبؤ بصمات وتقبس من شرنقة الأسئلة وطنا على مشارف الضفاف
رأيت ما لم يروه وخبرت ما لم يغلب عليه ظنهم
بصرت القادم نافرا من الصدر صوب مثقال الجلجلة
يحمل الإيوان ومباهج الخلافة على سُلّم القصائد
ويغني لمعارج المدن، هياكل السبح في أغوار النشأة العتيقة
ويبني في مسارات النهوض ظلال القناديل المرتاحة إلى حواريها
وجدت في أبهة العرش ريح الصبوات وصليل الأجساد المحنطة بعبق المتون
صهرت في روضة الأنّات مدامع الخروج إلى أوتار الحمراء
وعند العتبات لم تكتمني أندلس شوقها المرير لسيدة الدهور بغداد
تعبت، وفي المغارة صولجان قديم لورد الحضارة
فرحت وفي العدم أشياء لم يبح بها غور المنارة
رجعت ولم يكتمل بعد في طريقي جهبذ المهارة
عُد أدراجك ولا تسأل عن مرقد البيوت والوكنات والعصافير التي لم تودّع مشارق التغريد
عد في غورك البليد فالنص بينونة ذاتي وموسيقى المشي على تربة الميلاد
إن جهلت المدن على خارطة الغدر
فانا المرموز له بالبيان على فواصل الشعر
لا ترتعد منك الفرائص إذ تهمّ بتقديم الولاء لمدخنة الغباء
الحلم المباغت لفوانيس المدى يسير عشقا فوق أمنيات السرمد وغبار المجرات
إذ يعج صدرك بالأثقال والمعدات ورؤى المراضع السخيفة
أجثو على بهو الطفولة، أمص لبن أمي البديعة، اغرف لصدري صنوف الهمسات
واقف من ابعد بعيد ارقب سمت العارفين عند مداخل الزوايا والحوزات
أمد من عيني شعاعا يجلب الملكوت إلى حافات الهدير ومبسط الصلوات
وأطير حماما وصقورا وفنيقا وأسطورة للمنافي ونشيدا رجراجا للنخلات
"فوق النخل فوق، يا با فوق النخل.."
عند غرغرة الليل داهمني الفجر الوليد
كان محفل الأغنيات يطوي الحان ليلته البائدة
وعرش الخجل يحكي سمر الغياب عند منازل القمر
وصوت كوني يزهر في وحدة الرحيل
بغداد من دمع دجلة سوف تعود..

م . رفعت زيتون
24/12/2008, 04:12 AM
..
.

الأخ الكريم

أهلا وبحرفك البهي الرائع

أحييك وأنا في حضرة الألق

وأدعوك إلى نثر المزيد

من عطرك الفواح

في كل البساتين

وخاصة في قسم الخاطرة

لك منا أجمل تحية .... وبانتظارك

..
.

عبد الحفيظ بن جلولي
24/12/2008, 12:38 PM
الاستاذ رفعت زيتون المحترم:
تحية طيبة وبعد،،
شكرا لمرورك الكريم،
وشكرا على الكلمات المشجعة،
دمت رائعا في محراب الحرف ودامت لكم الافراح والمسرات.