المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شعرية التحول في قصيدة:



عبد الحفيظ بن جلولي
24/12/2008, 02:01 PM
شعرية التحول في قصيدة " ضوء على الإيقاع، و.. تحترق الكشوف"*
لغالية خوجة.
عبد الحفيظ بن جلولي/الجزائر.

يتحرك النص، عندما يمتلك مستويات قادرة على أن تجعل القارىء يتحرك داخله عبر التنويع الذي تقدمه المقاطع النصية، من خلال المعنى في صعود و هبوط حركة منتجة للحياة ذاتها في أتون التصور وليد اللغة، و العلاقة الناص/ النص إطار موضوعي لترسيم الحركة في دائرة البنية المهيمنة التي تتمثل في اللغة، وعندما يعتبر البنيويون و منهم دي سوسير أن اللغة بنية فانه "سواء كانت البنية اللغوية أو غيرها هي محور الدراسة... ، فالبنية لابد أن تتصف بالشمولية و التحول... ، اما التحول فيعني أن البنية ليست وجودا قارا و انما هي متحركة دائما"1.
هذه الحياة التي هي مادة الشعر تؤرخ لتحولات ألذات الشاعرة، عبر الانزياح عن خطية الفكروية الشعرية إلى تقلبات المسار الذاتي الشعري، فتقول وعي و لاوعي تحولاتها انطلاقا من إشارات دالة، يمكن محاصرتها من خلال فحص و تمحيص بارقات التجربة الذاتية في سدى النسيج الشعري، ولعلّ نص الشاعرة غالية يتحرك في بعض رؤاه ضمن مجالية التحول.

العنوان / معادل التحول:

يضع العنوان مباشرة الذهن في مستوى انتظار حالة معينة تتأسس شعريا وفق دينامية فنية، ثم بعد ذلك تنطرح إمكانيات تفكيك الحالة الشعرية المتعددة التي تمنحها تعددية مستويات الفكروية الشعرية .
ينغلق النص على عدة مستويات للقراءة انطلاقا من إيحائية العنوان، حيث ينطوي على مستويين ذوا طبيعتين مختلفتين، مستوى بصري و مستوى سمعي، تفاعل المساحتين الادراكيتين، أنتج مستوى ثالثا، هو المستوى الكشفي ( مفهوم صوفي)، مما جعل النص عند تجليه هذا، يتمحور حول موضوعة التحول، تحول ألذات من خلال الاندماج في لحمة النص مما يكسبه- النص- حركية خاصة يؤول من خلالها إلى ألانا، مُنجزا النص /ألانا، و بذلك يصبح النص متحيّزا إلى الجزئي، وتلك من مميزات الشعر الحداثي.
الحفر في مستويات النص يقود الى تعرية جملة مفاهيم تسنّد موضوعة التحوّل عبر التّصعيد الشعري للتجربة الذاتية، فالـ ( ضوء) و لواحقه الدلالية، تعابير معنوية، و(الإيقاع) اكثر انحيازا الى المحسوس منه الى المعنوي، و العلاقة بينهما من خلال النص كشفية ـ تعروية ـ تسلطية (تسليط الضوء على الإيقاع) بما يؤدي سلطة المعنوي على المحسوس، وهو ما يندرج تحت الإفصاح الصّوفي ضمن فضاء النص ، وينتج عن هذه العلاقة ــ تسليط الضوء على الإيقاع ــ تعرية ما كان متخفّيا "و تحترق الكشوف" أو بالمعنى الصّوفي " التجلي" .
من خلال هذه الوظائف الشعرية، تتشكل حالة تتلبس الشاعرة، يكشفها النص وتندرج ضمن المسار الشعري.

نص ألذات ـ محورالحركة/ التحول:

تتأسّس الحركة النصّية عندما تحيل البنية الى تجربة ما، " والفن محاولة مستمرة لاستيقاف الحياة لحظة، محاولة لحصر التجربة في إطار مغلق "2 ، و إذا كان النص فضاء لحصر التجربة، يكون النقد الموضوعي قد أصاب حين اعتبر ان" الأثر وعاء للخلق الأدبي ...، ولكنّه وعاء ذو حركية خاصة به"3
يتوزع النصّ بنيويا الى مقدّمة قصيرة تؤسّس لفضاء التحول ابتداء،ثم يتمفصل عند موضوعة التحول التي يشير إليها بحرفية المفردة الدالة.
تتمثل المقدمة في:
"هل تحسب ظنوني ان الليل رماد
قديم،
أم توقن أحوالي أن الفجر لن يأتي...؟ "
يتمثل المفصل الأول في الجملة الشعرية:
" لا وقتي
يتسع لتحولاتي ولا وقت الوقت.."
بينما يتمثل المفصل الثاني في الجملة الشعرية :
" فيزدهر الكون بالغرابة
و الغرابة
بمتحولاتي.."
ثم يزدان النص عند مقاطع كثيرة بمفهوم التحول، لينتج آلياته الشعرية الدالة على عدم سكون اللحظة الشعرية و قرارها عند ثبوتية الوصف ، تقول الشاعرة :
" ترتجف اللحظات وهي تحبل بي...
ألذلك يتوه الزمان عن منابعه
كلما أولد؟"
انزياح النص الى مفهوم الحركة (التحول) جاء بعد اندغام الانا الشّعري (الذاتي) في اللحمة النصية، و يظهر ذلك من خلال المعطيات الداخلية للنص و خصوصا معطيات الشكل، و بمعاينة الحقل المفرداتي للانا يتبيّن ذلك ( ظنوني، أحوالي، داخلي، أولد ، تفهمني ، جسدي..)..
هذا التلبّس النصّي بالأنا، أحدث تماهيا معنويا، حايث الذات بالمعنى و سار بهما نحو مُدرك التحول، حيث يصبح النص أداة لنقل حقل التحول الى المتلقي عبر وسائط المعنى ، فاللحظة الشعرية التي تتاخم الذات الهاجسة تباغت الزمن ، فتمنحه معنى و تربك فواصله لديمومة الولادة الإبداعية :
" ألذلك يتوه الزمان عن منابعه
كلما أولد؟ "
هذه الديمومة لا تعيد انتاج نفس اللحظة الزمنية ، بل تساهم في بلورة سحرية الزمني و إيغاله في مستحيل الذات :
" خرير لاذع من أقصى المستحيل ،
يتكون.."
لهذا نجد ان المفصل الأول تربط فيه الشاعرة الذات بالوقت (الزمن)، على اعتبار انه متغير، لتأسيس مفهوم التحول، ثم تربط الذات في المفصل الثاني بالغرابة، لإعطاء التحول مدلوله الإبداعي البعيد عن النّمذجة.
صيرورة النص الى الانا الشعري، لا يؤول الى الذاتية بالمعنى العام( السلبي ) ، لان العملية من وجهة نظر النقد الموضوعي تتعلق بالأسلوب الذي هو "ليس مسألة مرتبطة بالتقنية (أي تقنيات الكتابة)، بل انه مسألة رؤية ذاتية (أي وجهة نظر معينة للعالم و الأحداث )"4 ، وهذا ما يساهم في ثراء مفاهيمي و نماء فكروي شعري.

طيفية الزمن/ بنائية التحول:

يُحدث النص انتشاره في دائرة المعنى انطلاقا من مؤشرات ارتكازية في الخطاب تستدعي "مقصدية / نية البات"5، نص "ضوء على الايقاع و تحترق الكشوف " جعل من الزّمن مرتكزا قويا ، قدّم من خلاله مادة شعرية انسيابية صائرة الى الذات ، لبناء تحوّلية ذاتية تزاوج الزّمن و ترسم ملامح ثنائية منزرعة في النص منتجة لدلاليتها في " أفق التوقع"6 ، أي "الإطار الثقافي و الاجتماعي الذي سيقع فيه تلقي الكتاب و قراءته"6.
معاينة بعض المقاطع الشعرية تبيّن أساليب الاغتناء النصّي من خلال التوظيف البانوررامي للزمن في إطار كشف تحولات الذات، وعليه "يكون الزّمن عامل و عنصر قائم بذاته في نطاق النص "7.
ان المقارنة بين الجملتين الشعريتين التاليتين تبيّن مستويين للتنويع الدلالي لموضوعة الزمن:
الجملة الأولى:
" تركض الأبدية إلي "
إشارة رمزية إلى هذا اللانهائي الذي يؤول الى الذات، و الذي لا تدرك فواصله و بالتالي فهو تحوّل مطلق يؤدي مفهوم الزمن المطلق.
الجملة الثانية:
" لعلني أنا التي تأخرت،
كما..،
يتأخر الغيب عن الموت "
امتداد الغيب لانهائي كما الأبدية باعتبارها مجرد غير مدرك، فهي ذهنيا مفتوحة على اللانهائي، وبتأخر الغيب عن الموت الذي هو إعدام للحركة، يصبح التأخر امتداد كما الغيب و الأبدية، لهذا آلت الشاعرة بالتأخر الى الانا نصيا:
" لعلني أنا التي تأخرت،"
لتتقمص امتداد الغيب و الأبدية من جهة، و من جهة أخرى لتحافظ على ديمومة التحول.
يتضح امتزاج بين صيرورتي النص و الانا ، لاستخلاص صورة مبتغاة في إطار التوظيف الزمني الذي اخذ علاميته داخل نص تتعدد مستويات صوره لتركيز حالة التحول ، فتعمد الشاعرة الى الغاء الزمن ليتشكل المطلق ،
"أم نغلق الليل على النهار لتصير
المعاني نبيذية أكثر "
بإزاحة الزمن (الليل / النهار) الى هامش الغلق، تنبثق المعاني بتوصيف غير مدرك يعطي للأشياء أبعادها الجوهرية، و المسافة بين الإلغاء الزمني و صيرورة المعاني تندرج لا محالة ضمن مفهوم التحول الذي يقع فيما يقع على الذات الشاعرة بدلالة الجملة الشعرية،
" لتصير المعاني نبيذية أكثر،"
"الوحد الدلالية "8 التي تقوم بالجمع بين غلق الليل على النهار(المطلق) و النبيذية هي النشوة التي تتحصلها الذات من خلال الإطلاق و التنبيذ، عند مفهوم الإطلاق الزمني يبادر النص الى اسطرة الزمن لتكريس استمرارية الزمن، يبدو ذلك من خلال الجملة الشعرية :
" وتركت للنخيل ظلالي لتكون تمرا
أو أسطورة غائمة، "
اختارت الشاعرة ظلها كموضوع للتحول الى حالة أخرى تختلف عن الذات من حيث الطبيعة، لارتباط الظل أساسا بالزمن فهو يتحول معه هذا من جهة، و من جهة أخرى لتهويم موضوعة التحول، و استمراريتها بطرق شتى مستحيلة الإدراك لتقريب الطبيعتان( الظل و الأسطورة)، أي حتى تلتقي طبيعة الظل التهويمية و طبيعة صيرورته إلى الاسطرة لإنتاج ألاقترابي الأسطوري في المجال التفاعلي مع الأفق الذهني للتلقي.

إدراج التحول / تأثيث المعنى:

"منطلقات المعنى "9 بتعبير بارت، تثير استفرادا خاصا في ذهن القارىء بما ينغلق عليه النص من بنيات و دلالات لا تنفضح الا تأويليا ، و المعنى هو" محتمل كل خطاب"10 .
في أطار المواجهة مع النص ينصبّ الاهتمام على ذلك الاشتباك بين الألفاظ ، التي تشكّل في سياقاتها الجُمَلية وحدات تنحت معالم الخطاب ، و تدفع به الى " أفق التوقع"،" فكل نص إثارة تستلزم تاويلها11، و بالرجوع إلى النص نرصد في بعض المقاطع معان لبعض المفردات ، ترمي إلى تسنيد موضوعة التحول ، فالمقطع الشعري :
" ترتجف اللحظات وهي تحبل بي /1
ألذلك يتوه الزمان عن منابعه /2
كلّما أولد "
بداية،يَنتج عن التقطيع الدلالي للمقطع جملتين شعريتين(1 ـ 2 ) ، المقابلة بينهما تكشف عن تناقض يولّد شيئا من الصراع ، يهدف من خلاله النص ، الإحالة إلى موضوعة التحول ، حيث" ان اخص ما يميز صور التقابل و التنافر و التضاد هو الصراع و التجاذب الناتج عن تناطح كتلتين أو نزعتين في الإنسانية"12 كما يقول د.عثمان حشلاف،
فالجملة الشعرية الأولى (1) توحي بحضور الزمن،
بينما الجملة الشعرية الثانية (2) توحي بغيابه،
و ما بين الحضور و الغياب ، مسافة للتحول تتشكل في السياق ألمفاهيمي" للحَبَل" ، اذ يستشعر الزمن ـ "اللحظات" بتعبير النص ـ قدوم الذات الشاعرة في عملية الولادة ، ثم ينفلت ـ الزمن ـ عن التحديد ـ " يتوه" بتعبير النص ـ عند الحضور الفعلي للذات الشاعرة ، وذلك ما يمنحه في أفق العملية الإبداعية المستمرة معنى، و تستمر هذه الدورية {(مخاض/ حضور للزمن) (ولادة / غياب للزمن)} التي نستدل عليها بالجملة الشعرية :
" كلما أولد "
في التعاطي مع الزمن لتأثيث موضوعة التحول ، عبر المعنى المحال إليه من خلال عملية الولادة، أي ولادة الإبداعية التي تمنح الزمن معناه .
عند الأفق الدلالي لتأويل عملية الإبداعية في ظاهر المقطع الشعري الآنف الذكر،يبرز المقطع الشعري الآتي :
" ليس ذنبي
ان نفختي الأولى لغة غير اللغات"
مفردة النفخة تحيل الى معنى الولادة ،ومن ثم تتشابك الألفاظ لتنجز إحالات متبادلة عبر المعنى ، بمعنى تََمَحوُر المقطع الأول حول الولادة { تحبل ، أولد} و يأتي المقطع الثاني ليكشف طبيعتها{لغة غير اللغات} ، أيضا عند الأفق الدلالي لتأويل الإبداعية/ التحول، يتقدم المقطع الشعري التالي:
"و العواصف المختبئة تتهيأ لمعنى آخر"
انفلات لشرارات تنقذح مؤثِّثة المعنى وفق اندراجا تابعة لما ورد تأويله في المقطعين السابقين،فالعواصف زمنيا هي ما قبل الحدوث ، ونستدل على ذلك من خلال مفردة ( المختبئة) ، و لهذا الماقبل حدوث ، انو جاد،نستدل عليه بالوحدة الوظيفية{تتهيأ لمعنى آخر} ، أي بتعبير النص أيضا "ولادة" ، و الولادة معاناة بدلالة مفردة(العواصف) ، و إبداعية بدلالة الجملة (معنى آخر) .
و هذا ما يؤدي مفهوم التحول ، و الجملة الشعرية :
"يبتكر إشاراته"
تشير الى ذلك و تمنح الولادة الخصوصية الإبداعية في أفق النص.

شعرية التحول/ سريان المعنى:

يقول جوناثان كولر في تقديمه ترجمة كتاب تودوروف "شعرية النثر": ان الشعرية حين تدرس أعمالا محددة فإنما تسعى ليس الى تفسيرها ، بل الى كشف بنى و أعراف الخطاب التي أعانتها على امتلاك ما تملكه من معنى." 13
الترابط بين الشعرية و المعنى هو ما يهب النص تحرره من التناهي الى المباشر، ثنائية الشعرية / المعنى تنأى عن التفسير الى الكشف عن الصيغ الدلالية، فجيولوجية المعنى تمنحه الانتقال الذاتي الى الوعي عبر رابط الذائقة (الشعرية ).
يأخذ النص أبعاد مفرداته الإيحائية ليشكل عالمه الدلالي، و ينغلق على خصوصيته"الأدبية "،ـ أي ما يجعل منه نصا ذا سمةـ التي لا تفصح عن حفرياتها إلا عندما تدرك اللغة على مستوى الوعي (لغة الوعي ) 14التي" لها تنظيم داخلي خاص" 15 .
يرتكز نص"ضوء على الايقاع.." من هذه الزاوية على أعمدة ترفع بنية التحول على أساسات من الشعرية / المعنى .
معاينة المقطع الشعري :
" لا تعرف الشجرة متى تبزغ ورقتها
الأخيرة..
كذا الشعر حين يغتسل بموسيقى
تغتسل بالكلمات، "
لا تنتظم الشعرية في المقطع إلا عند إخضاعها لمستويات من المقابلة تُفعِّل انبثاقات الصور و تفرز امتلاك المعنى ، امتلاكا معرفيا / جماليا بتعبير محمد كامل الخطيب.
مقابلة الشجرة بالشعر و حصر حقليهما المفرداتي يؤدي إلى:
الحقل المفرداتي للشجرة: (الورقة، تبزغ ).
الحقل المفرداتي للشعر: ( الموسيقى، الكلمات).
الجمع في الحقل المفرداتي الأول بين الشجرة و البزوغ، يقيم معناه (الجمع) كلمة الورقة ، كذا الجمع في الحقل المفردات الثاني بين الشعر و الكلمات يقيم معناه كلمة الموسيقى ، فالورقة تحيل الى الشجرة ، ومن ثم يتشكل الحقل المعنوي للطبيعة، و الموسيقى تحيل الى الشعر ، و من ثم يتشكل الحقل المعنوي للأدبية (الشعرية) ، إضافة المنجز الدلالي الى الفعل المضارع(تبزغ ، تغتسل) في سياق الجملتين ، يكشف عن الاستمرارية نحو المستقبل غير المدركة فواصله الزمنية، و بالتالي تتحقق موضوعة التحول في إطار الشعرية/ المعنى .
الانتقال الى الجملتين الشعريتين التاليتين، يمكّننا من التّمييز بين حدّين متضادين يجمع بينهما عامل مشترك واحد:
تقول الشاعرة:
" فترقص الغابات المولودة ـالآن ـ من نبضي.../1
و يرقص الموتى.. " /2
بداية لابد من ان يقع الاستدراك على مفردة الولادة المتكررة في النص، الشيء الذي يبئِر موضوعة التحول.
الجملة الأولى:
الحد الأول: الغابات / حركة.
الحد الثاني: الموتى / سكون.
العامل المشترك: الرّقص / حركة.
الغابات قد تكون ميّتة لكن النص أمعن في إفاضة الحياة عليها باستعمال مفردة المولودة -الآن- ، و مَنَح الولادة معنى بإلحاقها بمفردة" نبض" الآيلة الى الانا الشاعر، أي جاءت بصيغة المتكلم "نبضي" ، وهو ما يضع الخطاب في مستوى معرفية الذات الشاعرة ، يتبيّن مما سبق ان {الموتى} مستوى سكون ،{الغابات} مستوى حركة، الجمع بين الضدين (سكون+ حركة) و إشراكهما بعامل مشترك واحد يتمثل في الرّقص ( حركة) ، الهدف منه إبداعيا إحداث الصراع جوهر عملية التحول، و أيضا ترجيح موضوعة التحول بدلالة عامل الحركة المشترك (يرقص)، و الزمن في ذات المقطع يؤول بالقراءة الى إبرازها(موضوعة التحول) ، فمفردة "الآن " التي تعني الحاضر لا تمتلك مرجعية خارج النص، فالزمن ـ الحاضر ـ نصّي يفيد الاستمرار بسبب فعل القراءة و هو مستوى آخر يدرج التحول ضمن مجالية الشعرية / المعنى.

التحول / توظيف الصّوفي:

يقترب الشاعر من الذاتي لإنتاج النص ذو الدلالات التحولاتية، إذ نجد "الشاعر ينفصل أحيانا عن هذا العالم، و يفرّ إلى ذاته، فالهاجس لديه هو الذات في علاقتها مع الواقع."16
تأخذ الشاعرة من ألذات تقلباتها و حالاتها خلال المسار الفاعل لتشكل التجربة، وفي حميميات الإنجاز الشعري توجه علاقاتها صوب الصوفي لطبيعته المتساوقة ومفهوم التحول، متمسرحة فضاء الذات.
يتمدّد نص "ضوء على الإيقاع، و.. تحترق الكشوف" ليشكِّل مساحة قادرة على التجاوب مع مستويات العنوان ذات البنية التوليدية، فالمستوى" الكشفي " أو بالمفهوم الصوفي " ألتجلياتي"، يبثّ إضاءاته عبر سياقات معنوية إشاراتية تدفع المعنى الى دائرة الموضوعة الأساس، مُعمِّقة الرؤية المؤسِّسة لنص يشتغل على الذات لتأبير الأفق الشعري.
الإضاءة الأولى التي تبيِّن انخراط الشعري في لا محدود الصوفي، تتمثل في المقطع التالي:
" و لن التفت الى ظلي وقد صار/ 1
رموزا و تآويل..
لن التفت إلي، /2
إلاّ،
لأغور في الذي يبصر و لا يبصر.."
بادىء ذي بدءٍ تجدر الإشارة في سياق المقطع الشعري إلى دلالاته الرامية إلى تفعيل عملية التحول في إطار الذات و اندراج ذلك في مجال الانسراح الشعري، فالمقابلة بين الفعلين الواردين في الجملة الأولى تبيّن:الآتي:
لن التفت / نفي في الحاضر يستمر في المستقبل.
قد صار / تأكيد في الماضي.
الاستدلال بالزمن للوقوف على تحوّلات نوعية في إطار الحركة خارج ـ نصّية التي تُسَنِّدها التجربة، و المُفَعَّلة في محيط النص، بدلالات الانتقال الذهني عند القراءة بين مساحتين ادراكيتين، لنفاذ الفعل الإبداعي سواء ابتداء على مستوى ألذات أو بعدها على مستوى النص، فالذي حدث هو امتعاض من واقع ذاتي، و تأكيد الرّغبة في هجره، و الجملة بطبيعة مفردتها تصر على إقحام ألذات / التجربة(التصوف تجربة فردية) أو الحالة/ الماضي ما قبل النص في مجال الصورة الشعرية و هو المراد بالانتقال الذهني، وادماج عنصر التحول كاستنتاج من الحالة.
الجمع بين الجملتين الشعريتين يحيل الى نوع من الفصل المعنوي على مستوى الحقول الدلالية بين زمن التخلي( لن التفت)وزمن التحلي (لأغور)، وذلك لانخراط ألذات في التوهيم خلال الزمن الأول فأسندت الإشارة إلى الظل، و عثورها على الاتساق و التحديد مناط الجوهري فيها خلال الزمن الثاني، و أداة "إلي" تحديد للذات ذهنيا بالإحالة إلى موجود.
المقابلة بين الجملتين الشعريتين تكشف مستويين إدراكيين:

مستوى انفصالي: لن التفت الى ظلي / تخلّي(مفهوم صوفي)
مستوى اتصالي: إلا لأغور في الذي يبصر ولا يبصر / تحلّي(مفهوم صوفي)
فالانفصال جاء في الجملة الشعرية الأولى بعد أن لمست ألذات الشاعرة غربة فضاءها و أشارت إلى ذلك بــ "الرموز و التآويل" ولان الإشارة تفيد التهويم، وظفت الظل كدلالة على تجسيد الانفصال أولا و لتعميق مفهوم التهويم (الرموز و التآويل )الذي يجنح أكثر إلى المجرد ثانيا، و لان طبيعة التخلي انفصالية، عمدت الشاعرة الى فصل الطارىء (الظل) عن الجوهري(ألذات)ـ إذ أن التّخلية في المفهوم الصوفي هي عملية إفراغ ـ لتقريب عملية التحول ذهنيا و جعلها أكثر ملائمة أثناء لحظة القراءة، حيث لايمكن الفصل ما بين الصورة الشعرية المبتعثة ذهنيا لدى المتلقي و المسار النصي / الفكروي.
الاتصال جاء في الجملة الشعرية الثانية و يشير إليه فعل "أغور" الذي جاء بصيغة المتكلم في زمن المضارع، بما يفيد الانتقال (التحول) من زمن مضى اغتربت فيه ألذات، إلى زمن قادم عثرت فيه على هُُويتها، و بالتالي اندمجت فيما يحقق لها الامتلاء، و أحال الخطاب إلى ألذات عبر الإشارة "إليّّ"، لترتيب معنى التحول الذي طال ألذات في جوهرها باعتبار ان ما عبّأها جوهري "يبصر و لا يبصر" و هو تعبير عن اللانهائي و المطلق.

يجد القارىء شيئا من الانتقال المعرفي / الوجداني وهو يلتقط فتوحات نص" ضوء على الإيقاع، و..تحترق الكشوف" لا نه ينطلق منذ البداية متّشحا الانعتاق من سلطة الفكري التجريدية، و الانفتاح على ألاستشرافي الكشفي لاندحار المسعى التراتبي التجميعي في مواجهة المسعى ألتفكيكي الذي يترغّب" القصيدة التي تمسك بالبشارة متنبّئة بصيرورة ما يحدث"17.



الهوامش:
*قصيدة للشاعرة السورية غالية خوجة.
1 ـ دليل الناقد الأدبي/ د. ميجان الرويلي ـ د.سعد البازعي/ ص 70 / المركز الثقافي العربي/ ط ـ3 / 2002 .
2 ـ الكتابة و الإبداع /د عبد الفتاح احمد ابو زايدة / ص39 / منشورات elga 2000 .
3 ـمبادىء تحليل النصوص الأدبية /د.ب بركة ، د ماتيو قويدر ، د هاشم الايوبي / ص25 / مكتبة لبنان / ط 1 ـ2002 .
4 ـ مبادىء تحليل النصوص الأدبية ـ ص25.
5 ـ السيمة و النص السردي / حسين فيلالي / ص37 / رابطة أهل القلم ـط 1 ـ 2003.
6 ـ مبادىء تحليل النصوص / ص37 .
7 ـ مبادىء تحليل النصوص ص80.
8 ـ علم النص / جوليا كريسطييفا / ص 77 / ترجمة فريد الزاهي / دار توبقال.
9 ـ الفوضى الممكنة / عبد الرحيم العلام / دارا لثقافة ـ الدار البيضاء / ص12 / ط1 ـ2001.
10 ـ علم النص / ص 48.
11 ـ كيف تحلل نصا ادبيا / صدوق نور الدين / ص62 / دار القلم ـ لبنان.
12 ـ علامات في الابداع الجزائري / د عبد الحميد هيمة / ص /30 رابطة اهل القلم / ط 2 ـ2006.
13 ـ دليل الناقد الادبي / ص278.
14 ـ مبادىء تحليل النصوص الادبية / ص 30.
15 ـمبادىء تحليل النصوص الادبية / ص 30
16 ـ علامات في الابداع الجزائري / ص26.
17 ـ مقال / الكتابة تقترن بالمسعى التفكيكي / جمال الدين بن الشيخ / جريدة الخبر / 2 0 ـ 06 ـ1998.