المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عتمة المرايا..



عبد الحفيظ بن جلولي
25/12/2008, 03:19 PM
عتمــــة المــــرايا..

عبد الحفيظ بن جلولي/الجزائر.

كيف يمكن للأشياء أن تسأل عن مصيرها المفجع إذا وجدت ذاتها في دوامة ما نسميه مجازا واقعا ...
آن للذات أن تُوقِّع موتهاَ كما وقَّعَتِ البنيوية موت الكاتب، لم يبق إلا موت النص كي ينكشف عمانا و تنكشف طرقنا الواهية نحو الآخر و نحو ألذات..
أعيد السؤال هل من وجود للذات في عصر المزاحمة والتغوُّل والهندسة الاقصائية..
كل شيء قابل للتواطىء في أدغال غابتنا الإنسانية المتوحشة..
الغابة...
تذكرت "6 نزهات غي غابة السرد" لامبرتو إيكو...
لا يمكن أن ندخل الغابة، ونضل الطريق إلى مواقعنا القديمة، إلا إذا كنا فعلا نريد أن نحافظ على ما نسميه مجازا واقعا..
كل الذين صعدوا وتسنّموا ذروة النص تاههوا، وارتحلوا داخل الغابة، بل لم يعودوا..
أعود أو لا أعود، تلك هي المشكلة ؟؟
ما المشكلة إذن ؟
نسيت أني مشكلت المسألة منذ قليل ..
لا مانع من أن أنسى ما دام الواقع مُصِرّ على أن ينساني بل ويميتني..
أَلَمْ يقل ذلك رولان بارت ..
بارت يا صديقي القديم، عمود الإنارة الدائم في باحات الكوليج دوفرانس العتيقة..
فارقتني ذات يوم من صباحات أو مساءات ذاك العام البليد..
دهستك السيارة الملعونة، وقضت على آخر إطلالات الواقع ألغابي اللذيذ كما "لذة النص"..
نسيت أن انزع منك آخر رؤيا للذين لا ينامون، ولا يوقّعون عرائض الموت النصي..
نسيت أن استنبت من رؤاك جينات الاستنساخ البهي في جينوم علاقاتنا الغامض..
إلى من لا يعرفونك..أنت بيان الكتابة الذي لم يعلَّق بعد على لوحات الإشهار..
نسيت وكم يحلو لي النسيان، بل عفوا أن أتذكر وكم يحلو لي التذكر بأني نسيت أن أدس في محفظتك البنية، رسائل الوجود إلى جون بول سارتر..
سارتر، صديقي أيها الجميل في كلمات "الوجود والعدم"، في "الذباب"، في تفكيرنا البسيط حول متاهات النص والأدب والآخرون الذين أحلتهم على رفيقة الدرب سيمون دي بوفوار..
صديقي سارتر، عفوك أيها المريض الطاعن في السن، عفوك، الآخرون لم يعودوا هم الجحيم، أنا صرت جحيما لأنا، خلطتي السحرية هي هذه كي لا أضل طريقي إلى النص..
.. وظلّيت أسير في عتمة الشيء والمرايا التي لا ينعكس على صفحاتها الضوء، فانطفأ " نظام المتخيل"1، وما عدت طفلا..
هل فقدت ظلي ؟
" في شهر مارس
تذهبين إلى القمر
و تتركين ظلك هنا "..
هكذا تكلم غارثيا لوركا في "الكرز المزهر"، أنا لن افقد ظلي يا صديقي مادام الربيع يفتتح مواسم الحب و المرأة وينابيع الرؤيا..
تتحول الأشياء في مساراتها المتعددة إلى غموض، فالربيع لم يعد ربيعا للورود و العشاق ..
ما صار إذا ؟
لقد اِرتجَّت التربة تحت فيض أزهاره، فغدت عنوانا آخر للجمال، تحولت منتوجا في عصر العولمة الطاحن..
العولمة طاحونة القيم، اعرف انه لا جمال عندما يتحول الورد إلى مجرد منتوج..
تتغرب العين في أفلاك الغابة الإنسانية المتوحشة.. تفقد حاستها الى الجمال..
من العين إلى العين، تنسرح قيم النص، ويعود ايكو مبجلا من غابات السرد العصية، و(أتحول طفلا، يصرخ:/ "افتح يا سمسم")2.
أجثو على ركح النص واقتنص أول فرص اللعب مع الأحبة، الكلمات المُثخنات
بلغو الطفولة..
و أصير طفلا بعدما انكسرت مرآتي، وفقدت "نظام المتخيل"..
وأعود الى لعبة المدى، "من الأزل إلى الأبد "3، من النص إلى النص..
بداية ونهاية يقترن المسعى ألاقترابي من النص بالديمومة، و "عندما أفكر في بداية لنفسي لا أستطيع أن أجد بداية لان نفسي متصلة بأول نفس بشرية انوجدت على هذه الأرض"4، هكذا صرخت بأدنى درجات الكتابة مع صديقي نعيمة..
وعندما صدرت مني انتباهة الغفوان، كانت تناغيات ابنتي تشفر آخر رسائل اللعب على تخوم "الموت نصا" مع جواد الاسدي، لملمت أشلاء الكتاب، توسّدت حافة المسرح و تساءلت مع صديقي جواد:
"هل للرصيف قلب؟! "5

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
1 – مصطلح لجاك لاكان.
2- الكرز المزهر، غارثيا لوركا، الأدب الإسباني المعاصر.مترجم .
3- محمد عز الدين التازي، مغارات، رواية.
4 ـ رياض فاخوري، تسعون ميخائيل نعيمة(وقوف في المواجهة).
5 ـ جواد الاسدي، الموت نصا/ حافة المسرح.