المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حذاء القدم أطاح بعقل الرّأس



djaber_n
25/12/2008, 07:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الدّكتور محمد بن قاسم ناصر بوحجام
الجزائر يوم الخميس: 20 من ذي الحجّة 1429هـ
18 من ديسمبر 2008م
http://bouhedjam.maktoobblog.com


حين يبلغ السّيل الزّبى، ويسحق معه السّهل والرّبى، وحين تمتلئ القلوب كمدًا وحسرةً، وتضيق النّفوس ذرعًا بالمؤامرات والاستفزازات، وحين يستفحل الظّلم ويفرّخ، ويطول ليل الضّيم ويَمتدّ، وتتراءى أمارات الفرج والانعتاق ضئيلة…وحين يصمّ الظّالم آذانه، فلا يسمع همسًا ولا جهرًا، وحين يدّعي أنّه يحمي الحقوق وهو يدوس عليها، ويظهر لينًا، وهو يضمر قهرًا، وحين ييأس المقهور والمغلوب والمعتدى عليه من الحصول على مبتغاه بالطّرق الشّرعية، وبالوسائل الحضارية..وحين تسدّ كلّ الأبواب، وتوضع كلّ الحواجز أمام الباحث عن حقّه المسروق، ومطلبه المسلوب... تصبح كلّ الطّرق تؤدّي إلى المبتغى، وكلّ السّبل توصل إلى المنتهى.
إنّ ما حدث للرّئيس الأمريكي قبل أيّام هو رفض فطري للظّلم الممتدّ، وطلب شرعي للحقّ المسلوب. فحين واجه البطل الحرّ الأبيّ " منتظري الزّيدي" الصّحفي المسؤول، والوطنيّ الكميّ، مَنْ سطا على حَقَّه، وقهره في أرضه، واعتدى عليه في حِماه. حين واجهه بالحذاء وهو في أبّهة وهالة من العظمة مع من حوله، وفي عزّة من أمره، وهو يستأسد عليه في عرينه، ويتنمّر عليه في أرضه، ويستنسر عليه في أجواء بلده…وقد طال أمد هذا الإذلال، واستمرّت سنوات هذا الاحتلال، أحسّ الرّجل أنّ الظّلم ضارب بِجرانه في ترابه، وأنّ الظّالمين لا يفكّرون في الرّحيل عن ثراه. قدّم لرئيسهم "بوش" رسالة، فهمها كلّ عاقل لبيب، وفقهها كلّ غافل غرّير، ووعيها كلّ متقاعس عن واجبه نحو وطنه وأمّته وأصوله…وسمعها من تحدّثه نفسه بأن يقترب من حمى الأباة الكماة العتاة. وتأمّلها ونظر فيها وتملاّها كلّ من تُملي عليه شهوته العدوانية أن يجرّب حظّه مع مجربّي الاعتداء على الشّعوب، التي يحسبها ضعيفة، لا تقوى عل الانتصار لنفسها. فيفكّر ويقدّر، ويعيد النّظر في كلّ خطوة يخطوها في هذا السّبيل…قام بما قام به البطل الأصيل، وهو يقول: ألا فليعلم كلّ هؤلاء أنّ الحذاء ينتظره، ومنتظري يتربّص به، وسيزيد في قهر كبريائه وجبروته. وليعلم أيضًا أنّ كلّ حرّ أصيل هو منتظري، وهو الفارس المجلّي المنتظر...
إنّ حذاء منتظري الذي انتظره الأحرار طويلاً، أسرج نور الأمل في النّفوس، من أنّها قادرة على الإطاحة بالكبرياء، وجاهزة لرفع الظّلم. كما أشعل هذا الحذاء نار الانتقام من العدوّ الغاصب، ومن المحتلّ الجبان. فصورة الحذاء الذي انتقل من أسفل رجل الحرّ؛ ليصيب أعلى مكان في جسم الجبان، الذي يتربّع فيه عقله، يبيّن قيمة العقل الذي يملكه عبد الشّهوة، الذي يَمسخه حذاءٌ يطأ الأرض، فيضعه تحته ليكون من الأسفلين. أليس في هذا مساس بحقيقة العقل الذي يزعم أنّه يدير العالم، وأنّه هو محور التّفكير والتّدبير والتّسيير. ألا فليعتبر أولو الألباب. ألا فليتّعظ أهل النّهى… فحذاء منتظري كان أرقى من عقل الزّعيم. إنّ العقل لا ينفع وحده ما لم يُرْبَطْ إلى أخلاق توجّهه:
لا تَحسبنّ العقل ينفع وحــــده ما لم يُرَبَّطْ ربّه بِخــــلاق
هذا على غرار ما قال حافظ إبراهيم عن العلم:
لا تَحسبنّ العلم ينفع وحــــده ما لم يتوّج ربّه بخــــلاق
خاب عقل بوش، ونأت عنه الأخلاق التي تقوده وتقوّمه، فأخطأ وتعدّى، فكان له بالمرصاد حذاء منتظري، الذي أشهد العالم كلّه على خَيْبَتِهِ وسقطته، واستغلّ الإعلام الذي حضر النّدوة؛ لينقل ما يليق بالزّعيم المغرور، من الخسران والفشل والعجز وسوء الفعال.
التقط العالم كلّه هذه اللّقطة، وتندّر بها، واستثمرها في تحليل مواقف من لا يحسب للعواقب حسابَها، ومن لا يقدر للشّعوب قدرها. واستغلّها المقهورون في العالم كلّه، وبخاصّة أهل المنطقة التي ذاقت ويلات الظّلم والقهر... استثمروها لبيان عاقبة الظّالمين، وعقبى الفساد، وخاتمة الطّغاة. كما استغلّوها في التّنفيس عن أنفسهم المصدومة، والتّخفيف عن قلوبهم المكلومة, ليطالبوا مسؤوليهم وأولياء أمورهم بإعادة النّظر في علاقاتهم مع الظّلمة والطّغاة، وفي تقويم علاقاتهم مع من لا يراعي إلاّ ولا ذمّة في الحرمات والحريات والكرامات...
ساد النّفوس ارتياح كبير بالنّجاح في تَجاوز هاجس الخوف من الطّغاة البغاة. وسرت فيها روح التّفاؤل بنهاية دولة الظّلم والقهر.. ودخلتها صفة الثّقة والاعنداد بالنّفس، التي تدفع إلى مزيد من الثّبات في ميدان الجهاد والنّضال، وتدعّ الحرّ دعًّا إلى نبذ الذلّ والهوان والخذلان. مثل هذه المواقف هي بدايات لنهايات سعيدة.
إنّ الحذاء سيصبح رمزًا، يتعلّق به كلّ حرّ أبيّ، ويلتجئُ إليه كلّ من يطلب حقّه غلابًا. وسيصبح بعبعًا، يرهب الأعداء، كما كانت تخيفهم أسلحة الدّمار الشّامل. الني قادتهم إلى حتوفهم، فسيكون الحذاء قائدًا مغوارًا، يدكّ حصون المعتدين، ويزلزل صياصي الطّغاة. فلا عجب أن نسمع أو نفاجأ بحظر الأحذية في الأماكن التي يوجد فيها أمثال هؤلاء الجبابرة الجبناء, فيطلب من النّاس دخول هذه الأماكن حفاة؛ خوفًا من تداعيات الأحذية، وبخاصّة وأنّنا سمعنا ورأينا من بعض القنوات الفضائية المختلفة، تصريحات لمختلف الفئات، من مُختلف الأعمار، أنّها تتمنّى أن تكون " منتظري "، وأن تملك حذاءه؛ لتصيب به كلّ ظالم غاشم معتدٍ على الحقوق...
ما أسماك يا حذاء الكرامة, ما أغلاك يا حذاء الشّهامة, ما أرقاك يا حذاء الثّأر, ما أبْهاك يا حذاء النّصر, ما أنقاك يا حذاء الطّهارة، أبقاك الله نبعًا للتّحدّي والصّمود, وأبقاك مصدرًا للنّخوة والإباء، وأبقاك معلّمًا لطرق الجهاد والنّضال. يستمدّ منك المجاهدون المدد والقوّة في الكفاح. ويأخذ منك الغافلون والجبناء دروسًا في نفض غبار الكسل والوهم والخذلان، والحيانة...
حذاء منتظري سَما به بطـــــلاً إذ مرّغ في الثّرى عقلاً، بدا أَفِنَــا
ذلَّ الزّعيمُ فدارَ جِسمَهُ يتّقي الضْــ ضَربِ المهين لرأس، يَحْتوي عفنَــا
بذاك ألقى على القلوب أمْنًـــا ورا حَةً، فساد الجميعَ ما يزيد هَنَـــا