المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معنى قولهم "سائر"



جمال الشرباتي
26/12/2008, 07:03 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته







معنى قولهم "سائر"
#################################

يقولون قدم سائر الحاج واستوفى سائر الخراج فيستعملون سائراً بمعنى الجميع وهو في كلام العرب بمعنى الباقي ومنه قيل لما يبقى في الإناء سؤر والدليل على صحة ذلك أن النبي عليه السلام قال لغيلان حين أسلم وعنده عشر نسوةٍ "اختر أربعاً منهن وفارق سائرهن"

أي من بقي بعد الأربع الائي تختارهن ولما وقع سائر في هذا الموطن بمعنى الباقي الأكثر منع بعضهم من استعماله بمعنى الباقي الأقل والصحيح أنه يستعمل في كل باقٍ قل أو كثر لإجماع أهل اللغة على أن معنى الحديث "إذا شربتم فأسئروا "أي أبقوا في الإناء بقية ماء لا أن المراد به أن يشرب الأقل ويبقي الأكثر وإنما ندب للتأدب بذلك لان الاكثار من المطعم والمشرب منبأةٌ عن النهم وملامةٌ عند العرب

ومنه ما جاء في حديث أم زرع عن التي ذمت زوجها فقالت إن أكل لف وإن شرب اشتف أي تناهى في الشرب إلى أن يستأصل الشفافة وهي ما يبقى من الشراب في الإناء


ومما يدل على أن سائراً بمعنى باقٍ ما أنشده سيبويه


ترى النور فيها مدخل الظل رأسه ... و سائره بادٍ إلى الشمس أجمع


ويشهد بذلك أيضاً قول الشنفرى


ولا تقبروني إن قبري محرمٌ ... عليكم ولكن أبشري أم عامرٍ


إذا احتملت رأسي وفي الرأس أكثري .

.. وغودر عند الملتقى ثم سائري


فعنى كل شاعرٍبلفظ سائر ما بقي من جثمانه بعد إبانة الرأس وقد اشتملت هذه الأبيات على ما يقتضي الكشف عنه لئلا يحتضن هذا الكتاب ما يلتبس شئ منه

أما قول الشاعر الأول

ترى النور فيها مدخل الظل رأسه

فلعه أراد به مدخل رأسه الظل فقلب الكلام كما يقال أدخلت الخاتم في إصبعي وحقيقته إدخال الإصبع في الخاتم وقلب الكلام من سنن العرب المأثورة وتصاريف لغاتها المشهورة ومنه في القرآن ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة اولي القوة لأن تقديره ما أن العصبة لتنوء بمفاتحه أي تنهض بها على تثاقل


وأما قول الشنفرى "ولكن أبشري أم عامر" فقد اختلف في تفسيره فقيل أنه التفت عن خطاب قومه إلى خطاب الضبع فبشرها بالتحكم فيه إذا قتل ولم يقبر و أم عامر كنية الضبع والالتفات في المخاطبة نوع من أنواع البلاغة وأسلوب من أساليب الفصاحة

وقد نطق القرآن به في قوله تعالى " يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك " فحول الخطاب عن يوسف عليه السلام إلى امرأة العزيز و قيل بل الخطاب كله لقومه فكأنه قال لا تقبروني إذا قتلت ولكن اتركوني للتي يقال لها ابشري أم عامر فجعل هذه الجملة لقباً لها وأوردها على وجه الحكاية كما قيل لثابت ابن جابرٍالفهمي تأبط شراً يأخذ سيفه تحت إبطه وإنما لقبت الضبع بذلك لأن من عادة من يروم اصطيادها من وجارها أن يقول لها حين يحتفرعنها

ابشري أم عامرٍ
خامري أم عامرٍ

وهي تبتعد منه وتروغ عنه وهو لا يزال يكرر ذلك عليها ويؤنسها به إلى أن تبرز به إليه وتسلم نفيها له ولأجل إنخداعها بهذا القول نسبت إلى الحمق وضرب بها المثل فيه


وأما قوله وفي الرأس أكثري

فإنه عنى به أن فيه أربعا من الحواس الخمس التي كملت بها فضيلة الإنسان وامتاز عن سائر الحيوان وإنما اختار هذا الشاعر تسليط الضبع على أكله وأن لايقبر بعد قتله ليكون هذا الفعل أوجع لقلوب قومه وأدعى لهم إلى الثؤر بدمه وقد فسر بغير ذلك إلا أنا لم نضع هذا الكتاب لهذا الفن فنستقصي فيما .شرح منه وإنما شذرناه بما نظمناه من غير سمطه فيه

###################################
درّة الغوّص في أوهام الخواص

الحريري