المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : د.ماجد الحيدر …قصائد مختارة من عيون الشعر الانكليزي



ايناس حمدي
23/12/2006, 02:33 PM
ترجمها وقدّم لها د.ماجد الحيدر …قصائد مختارة من عيون الشعر الانكليزي


مقدمة الكتاب
لا أريد في هذه المقدمة الموجزة أن أضيف شيئاً الى ما بذله السابقون من جهد في التعريف بالأدب الإنكليزي ومدارسه وتاريخه الحافل بالعبقريات من جهة، وبيان الجوانب النظرية لهذا الفن (والعلم) الجميل .. ترجمة الشعر من جهةٍ ثانية. لكنني أريد أن أوضح في عجالةٍ "المنهج" الذي التزمته في إنجاز هذا الكتاب.
وفي يقيني أن القارئ الكريم لا يخفى عليه أن في ترجمة الشعر متعةً ما بعدها متعة،


وعذاباً ما بعده عذاب! أو لنقل إن فيها –أي ترجمة الشعر- عذاباً لذيذاً آسِراً؛ عذابَ أن تنكبَّ على النصّ وتفتح مغاليقه واحداً واحداً. أن تفهم كلَّ معنى خفيٍّ وصريحٍ وكلَّ ظلٍّ لمعنىً خفيٍّ أو صريح! ثم أن تتفاعل مع القصيدة، أن تحبّها .. أو ربما تكرهها! وأن تقاومَ –ساعة تهمُّ بأن تزَّفها في لغتها الجديدة- أن تقاومَ الصراع بين "أمانة" الترجمة –ذلك الشرط الكلاسيكي الصارم- وبين شيطانِ الشعر الذي لا ينفكّ ينتابك ويغريكَ بالصراخ: مالي ومالكَ أيها القاموس! إن هذه القصيدة قصيدتي! نعم قصيدتي وسأكتبها كما أشاء!
والحقُّ أن في قولكَ الكثير من الواقعية والصدق؛ فالفشل أو النجاح في إيصال "رسالة" القصيدة المترجمة تتحمله أنتَ وحدكَ، وإقبال القارئ عليها أو إدباره عنها تتحمل أنت وزره؛ ومخاض استيلاد القصيدة في لغة ثانية أعسر بكثير من مخاض ولادة قصيدةٍ هي بنت بيئتها ولغتها –رأي مجرِّبٍ عانى الأمرّين! والاختيار –حتى الاختيار- أمرٌ ليس بالهيّن الليّن؛ فكم من قصيدةٍ لم أستطع أن أرغم نفسي على ترجمتها لأنني -ببساطةٍ شديدةٍ- لم أتعاطف معها! وكم من قصيدةٍ استعصت عليَّ وتمنّعت ، وأحسستُ بعجزي عن إيفائها مهرها أو أيقنتُ بأني سأقتلها إن ترجمتها رغم أنفها! وكم من قصيدةٍ أحببتها وتغنيت بها المرة بعد المرّة لكنني لم أستطع أن أرغم نفسي على تشريحها وتقطيع أوصالها –أعني تحديد وحداتها البنائية- من أجل إعادة تركيبها في لغةٍ أخرى فآثرتُ أن أشحَّ بها على جلاّسي!
والقصيدة –أي قصيدة- وليدةُ بيئتها مثلما هي وليدة مبدعها .. والشعر الانكليزي لوحةٌ استعارت اصباغها وخطوطها من ميثولوجيا العالم القديم ، من الأساطير والأغنيات الانكلوسكسونية الفجة، من أناشيد الفايكنغ الأشداء، من تاريخ انكلترا القديم والحديث، من رقصات المهاجرين الأُوَل الى القارة الجديدة، من ايقاع الترانيم الحزينة التي حملها العبيد المختطفون من سهول افريقيا وغاباتها الى مزارع القطن والتبغ، من صور الكتاب المقدس وقصصه الغارقة في القدم، من حلقات الطلبة الثائرين الماجنين في أكسفورد وكامبرج، ومن غرف الدرس الفلسفي التي يهطل المطر على شبابيكها الباردة الداكنة!
إن ترجمة الشعر عملٌ إبداعي بالدرجة الأولى، وهي فعل من أفعال التعاطف مع مؤسس النص الأصلي، والمترجم ها هنا واقع في اختيار صعب بين أن يخفي نفسه و"يذيبها" في طيات النص الجديد فيتحول الى جنديٍّ مجهولٍ كما ينادي البعض، نوتيٍّ ينقل هذه البضاعة الثمينة من ميناء لآخر؛ وبين أن يعلن عن نفسه بكل قوة ويضع بصماته الواضحة وأسلوبه وشخصيته على النص البديل ليعيد خلقه في لغة أخرى ووسط ثقافي آخر.
ومن البديهي أن أي متصدٍّ لترجمة الأدب عموما، والشعر خصوصاً، لا بد أن يلمَّ بأكبر قدرٍ ممكن مما أسلفت من تاريخِ وبيئةِ وثقافة الشعب الذي أنتج ذلك الأدب، ناهيك عن القلم/ الانسان الذي أبدعه. وهذا واحد من الأسباب التي جعلت ترجمة هذه الإضمامة الصغيرة من القصائد المختارة تأخذ من الوقت والجهد والتوتر ما يدنيها الى ضربٍ من الرياضة الروحية والعقلية القاسية العنيفة! فلقد راجعت، بأناةٍ وطول بال، المئات من المفردات والتصاوير والمقالات وأسماء الأماكن والأعلام والحوادث التاريخية والمخلوقات الخ معتمداً على كل ما توفر لي من مصادر مطبوعة ومنشورة على صفحات الانترنت لكي أحقق يعضاً مما وضعته نصب عينيّ من توازنٍ عسيرٍ بين "الدقة والأمانة" من جهة، والنجاح في إيصال "روح" القصيدة و"رسالتها" وأجوائها وتفاصيلها معتمدا على تمثل ما يتعلق بها وتستند اليه من خلفية تاريخية وثقافية، مقتفيا في ذلك آثار من سبقني من أساتذتي الأجلاء من الشعراء/ المترجمين ممن تفخر بهم المكتبة العراقية أمثال سعدي يوسف وجبرا ابراهيم جبرا وعلي الحلي وياسين طه حافظ وغيرهم الكثير.
إن مترجم العمل الأدبي، في رأيي ورأي الكثيرين، لا يترجم نصا من لغة الى أخرى، بل "يترجم" ثقافةً الى أخرى، ويزاوج بين طريقتين مختلفتين بهذا القدر أو ذاك في رؤية الحياة وفلسفتها وممارستها والإحساس بها.ومن البديهي أن يتعرض في أثناء ذلك الى مصاعب كبيرة في التعامل مع هاتين الطريقتين الأمر الذي يلجئه في أحيان كثيرة الى استخدام الكثير من الأدوات الفنية وضروب التخلص والتوسع والحذف وغيرها إضافة الى الاستعانة بالهوامش والتعليقات وهو الأمر الذي سلكت فيه طريقاً وسطا بين الإكثار منها والامتناع عنها –كما يحبذ بعض الباحثين في هذا المجال.
ولقد رأيت أن أقدم لكل شاعر في هذه المختارات بنبذة عن سيرته الحياتية والابداعية استقيتها من مصادر متنوعة وأرفقت بها صورة حرصت على الحصول عليها لكل شاعر فوفقت في ذلك إلا في حالة شاعر واحد سيئ الحظ لم أستطع أن أعثر –في كل المصادر العالمية- على صورةٍ واحدة له أو حتى لقبره!
ولم يخضع اختياري للشعراء أو لقصائدهم إلى تسلسل زمني أو تفضيل الدارسين لواحد على آخر لكن الأمر كان نابعاً من اعتبارات أخرى لا تخلو من هوىً شخصي! على أنني آمل أن أتوسع في الأجزاء اللاحقة لأقدم صورةً أكثر شمولاً واتساعا لانطولوجيا الشعر الانكليزي.
إن إسدال الستار على التعريف القديم للشعر (بشروطه اللحنية والشكلية الصارمة) وتحول العالم الى قريةٍ شعريةٍ كبيرة وتعدد مصادر الثقافة المعاصرة وتجاوزها للحواجز الجغرافية والفكرية قد مكنت جميعا من تجاوز الشكوك التي قامت زمنا طويلاً حول جدوى ترجمة النص الشعري وقدرته على العيش والتنفس في بيئته الجديدة، لكن ذلك لا يعني بالضرورة تجاوز القيمة الجمالية التي تشكل جوهر تفرد العمل الفني والإبداعي ويستدعي هذا بالضرورة أن يحاول المترجم –جهد إمكانه- الاحتفاظ بجمال النص الأصلي والتماعاته، وهذا ما حاولته رغم صعوبته فوفقت أحيانا وأخفقت أحيانا أخرى وحسبي من الغنيمة بالإياب!
شهربان
13/6/2006
(1) وليم إيرنست هنلي
Henley, William Ernest(1849-1903) : شاعر بريطاني، وناقد ومؤلف مسرحي ومحرر أدبي ساهم من خلال المجلات التي أدارها في تقديم بواكير أعمال العديد من الكتاب الإنكليز في العقد الأخير من القرن التاسع عشر. أصيب هنلي في طفولته بمرض التدرن الذي أضطر الأطباء لاحقا الى بتر إحدى قدميه ولم يحتفظ بقدمه الأخرى إلا بفضل براعة الطرق الجراحية الحديثة لجوزيف ليستر الذي يعد مؤسس علم الجراحة الحديث. مكث هنلي بعدها في المستشفى عشرين شهرا وهناك بدأ كتابة أشعاره الحرة الانطباعية التي تدور حول حياة المستشفى وهي التي أسست لشهرته الشعرية (نشرت عام 1888 في مجموعته المسماة كتاب الأشعار). وتعود أشهر قصائده وهي القصيدة التي نقدمها للقارئ الكريم الى هذه الفترة (1875). جمعت شاعرنا صداقة حميمة طويلة مع الأديب البريطاني الشهير روبرت لويس ستيفنسون الذي استند على هذا الصديق المعاق المتحمس في رسم شخصية "سلفر جون الطويل" في روايته الشهيرة "جزيرة الكنز". فيما أعد هنلي ونشر عام 1887 كتاب ستيفنسون "الليالي العربية الجديدة".
كان هنلي شغوفا بدراسة تطور اللغة الإنكليزية وساهم في تأليف "قاموس الألفاظ العامية" واشترك في كتابة العديد من المقالات للموسوعة البريطانية. عمل في العقد الأخير من حياته رئيسا لتحرير مجلة "ناشيونال أوبزرفر" التي عرفت -رغم اتجاهها السياسي المحافظ- بتحرر ذوقها الأدبي ونشرها للأعمال الأولى للعديد من الأدباء الذين اشتهروا فيما بعد مثل توماس هاردي، وجورج برنارد شو، و هـ. ج. ويلز، وكبلنغ، وييتس، وكونراد. وقد عرف هنلي شخصيا برعايته السخية وتشجيعه للمواهب الحقيقية المغمورة وهجومه الضاري على أصحاب الشهرة الزائفة. اتسمت سنواته الأخيرة بعدد من الصدمات منها وفاة ابنته الوحيدة وانهيار صداقته الحميمة مع ستيفنسون وقد عاب عليه البعض كتابته لمقالة فاضحة تسيء الى الأخير بعد وفاته، كما يؤخذ عليه تحمسه الشديد للتوسع الاستعماري البريطاني الذي تجلى في عدد من مؤلفاته مثل "أغنية السيف 1892" و"من أجل إنكلترا 1900".
الذي لا يقهر
و. ا. هنلي
خارجا من الليلِ الذي يغطيني
الداجي كحفرةٍ تمتدُ من القطبِ الى القطب
أحمَدُ الآلهةَ أيّاً كانوا
على الهِبةِ العظيمة : روحي التي لا تُقهر.
**
في القبضةِ الوحشيةِ لتقلّبِ الزمان
ما أجفلتُ يوما ، وما جهرتُ بالعويل
وتحت هراواتِ الحظِ التي ما أخطأَتْـني
ها رأسي مغتسلٌ بالدماء، لكنه ما انحنى قط.
**
لا شيءَ غيرَ رعبِ الجحيم
يلوحُ وراءَ ارضِ الغضبِ والدموعِ هذي
بَيدَ أنَّ وعيدَ السنين
يلقاني ، ولسوفَ يلقاني ، رابطَ الجأش
**
لا يُقلقني ضيقُ البوابةِ
أو ما في أدراجِ الكتابِ من ألوانِ العقاب
فأنا سيدُ مصيري
وأنا.. أنا ربّانُ روحي.

http://www.iraqiwritersunion.com/modules.php?name=News&file=article&sid=10707