المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جنس العقل



أدهم مطر
29/12/2008, 01:39 AM
جنس العقل

الفصل الثالت
الجنس في الدماغ

إن ما نحن عليه،كيف نتصرّف، كيف نفكر، ونشعر،ليس محكوماً بالقلب، بل بالدماغ، كما أن الدماغ بحد ذاته يتأثر من حيث تركيبته وعمله، بالهورمونات، وهكذا،فإذا ما كانت بنية وهورمونات الدماغ مختلفة في الرجال عنها لدى النساء،فإننا يجب أن لا نُفاجئ كيف أن الرجال والنساء يتصرّفون بطرق مختلفة.
إن محاولة فهم العلاقات المضبوطة بين بنية الدماغ والهورمونات والسلوك تأخذنا في طريق طويلة إلى اكتشاف الجواب لبعض الألغاز الإنسانية الأكثر إثارة، ولهذا فقد أصبحنا على عتبة ذلك الفهم.
لقد كانت الخطوة الأولى هي الاكتشاف الذي تم تحقيقه في أنه لدى وجود تأثير ثنائي للهورمونات على الذهن، فبينما يكون الدماغ في مرحلة التطوّر داخل الرحم،تسيطر الهورمونات على كيفية تكوين وتوضّع الشبكات العصبية ،ولاحقا، في مرحلة سن البلوغ،فإن تلك الهورمونات ستزور الدماغ ثانية لتشغيل الشبكة العصبية التي كانت قد كوّنتها في وقت سابق، ويمكن تشبيه عملها مثل عملية التصوير الفوتوغرافي: فهي تبدو كما لو أنّها النسخة السلبية التي يتم إنتاجها في الرحم بحيث تتطور فقط عندما تعود تلك الرُّسل الكيميائية في مرحلة المراهقة،حيث تعتمد الاختلافات في السلوك البشري على التفاعل بين الهورمونات وبين الدماغ.
كانت الخطوة التالية تتلخص في اكتشاف حول ما إذا كانت الاختلافات في السلوك بين الرجال والنساء تعود إلى الاختلافات في تركيبة الدماغ لدى كل من الذكر والأنثى ،وهذا ما يؤسّس لاتّصال محسوم بين الهورمونات،والأدمغة، والسلوك.
إلاّ أن تلك لم تكن بالمهمّة السهلة،فحتى معرفتنا الحالية للدماغ – العضو الأكثر تطوّرا من أعضائنا - وفي عدّة أشكال تعتبر معرفة بدائية .
تكمن وظائف أدمغتنا ضمن ثلاث فصوص مؤلفة من كتل النسيج الدماغي ،ومُخوّذة بالجمجمة، وتبدو بشكل يدعو للتشاؤم مثل حبة جوزة مُخلّلة و بشعة.
على الرغم من إن الأدمغة الأنثوية تعتبر أصغر إلى حدّ ما من الأدمغة الذكورية ، لكن ذلك لا يبدو أن لديه أهمية تذكر ، فعمليات التفكير العليا للدماغ - والتي تميّزنا عن الحيوانات الأخرى - توجد في القشرة الدماغية، وبالتحديد في القشرة الرمادية السميكة التي يبلغ حجمها النصف بوصة والتي تغطّي نصفي الدماغ.
لقد تمت مقارنة الدماغ عبر العصور الغابرة من خلال أشياء مختلفة ، فقد قارنوه في القرن التاسع عشر بأحد خطّافات الأنوال الميكانيكية الجديدة ، بينما اليوم فهي محددة، إننا نفكر بموجب شروط الحاسوب.
إن كلّ طراز جديد ينتج فرضية جديدة، والذي يواجه بالمراسلات والتفنيدات النقيضة، لكن مسيرة التقدم تسير ببطء ، مقترحاً تلو مقترح، وجدل تلو جدل ، وهكذا، فإن مجموعة مجرّبة من الاستنتاجات المقبولة والتي منها يمكننا أن نبدأ ببناء قاعدة صلبة أكثر فهماً.
قبل أن ننظر إلى الاختلافات بين الدماغ الذكوري والدماغ الأنثوي ، فإنه يجب علينا أن نفهم التركيب العامّ لدماغ الإنسان، وبعد ذلك يمكننا الغوص لاكتشاف الاختلافات المتعددة في الكمّ الكبير من المناطق الدقيقة للدماغ بين أدمغة الرجال والنساء .
لقد جاءت الأدلّة والبراهين السابقة عن كيفية عمل الدماغ من فحص سلوك الناس المصابين بضرر في أدمغتهم ومن المناطق المختلفة المتعلقة بوظائف سيطرة الدماغ المحددة .
لقد ، أدركوا الآن بأن الجانب الأيسر للدماغ يتعامل بالدرجة الأولى بالقدرات الشفوية والمعالجة المنظّمة المفصّلة للمعلومات،والتي تتلخص بالنطق، والكتابة والقراءة ، هذا فيما يتعلق بشكل كبير بسيطرة الجهة اليسرى من الدماغ ، وبناء عليه، فإن تضرّر الجانب الأيسر للدماغ يسبّب كلّ أنواع المشاكل التي تتعلّق باللغة،كما يسيطر الجانب الأيسر من الدماغ على عمليات التفكير المنطقيّة المتسلسلة .
أما الجانب الأيمن من الدماغ فيعتبر المقرّ الأساسي للمعلومات البصرية والتي تتعامل مع العلاقات المكانية ، وهكذا، فإن الشخص المصاب بضرر في الجهة اليمنى من الدماغ يفقد إحساسه - في أغلب الأحيان - بالاتّجاه، ويصبح عاجزاً حتى عن إيجاد طريقه نحو بيته الخاص، وبناء عليه فإنّ الجانب الأيمن مسؤول عن التقاط الصورة العامة الكبيرة،ونماذج الأشكال الأساسية،كما يسيطر على عمليات التفكير المجردة ،والبعض من استجاباتنا العاطفية.

إن الجانب الأيمن من دماغنا يسيطر على الجهة اليسرى من أجسامنا، كما أن الجانب الأيسر من دماغنا يسيطر على الجهة اليمنى من أجسامنا، وهكذا، فإن أي ضرّر قد يصيب الجانب الأيسر من الدماغ يمكن أن يؤدّي إلى شلل الجانب الأيمن من الجسم، بالإضافة إلى ذلك، فإن الذي نراه بأعيننا اليسرى ، ينشأ في حقيقة الأمر من الجانب الأيمن لأدمغتنا، وكذلك فإن ما تراه العين اليمنى ينشأ من الجانب الأيسر للدماغ .


اكتشاف الاختلاف في الدماغ

إن المعرفة المبكّرة التي انبثقت منها سيطرة أي من المناطق الدماغية على الوظائف قد جاءت في الغالب من مختبر ساحة المعركة تلك .
لقد جاء أحد أضرار علم المنهج، من وجهة نظر علمية، بأن لعبة الحرب بشكل خاص تقريباً هو مسعى ذكوري ، لذا، فقد كانت هناك بيانات نسائية قليلة للغاية في ذلك المنحى، وكما في العديد من الأشياء،فقد جاءت الفرضية السهلة على أنه ما كان حقيقياً وصادقاً عن الدماغ الذكوري ،فمن المحتمل أن يكون كذلك بالنسبة للأنثى.
تعتبر الدراسة المحددة للدماغ الأنثوي حديثة نسبياً ، لكنّه أصبح واضحاً الآن بأن هناك ثمة اختلافات رئيسية في التركيب والتنظيم بين أدمغة كل من الرجال والنساء.
جاءت الإشارات الأولى حول هذه القضية قبل ثلاثين سنة تقريبا، فقد اكتشف العالم النفساني هيربيرت لاند سيلHerbert Landsell " في "باثيزدا Bethesda حيث مركز أبحاث"ميريلندMwryland" بأنه عندما يتضرّر كلا الرجال والنساء، في نفس المنطقة من الدماغ، فإن أثر هذا الضرر يكون بشكل مختلف بين الجنسين، فقد تم اختيار مجموعة من المصابين بالصّرع والذين كان قد تعرّض جزء من أدمغتهم للإزالة- البعض من نصف الكرة الدماغية الصحيحة التي تتعامل مع شكل الأشياء والفراغ الذي تحتلّها.
لقد أثبتت التجارب على أن الرجال المصابون بضرر في الجانب الأيمن من الدماغ يعملون بشكل سيئ في الاختبارات التي تتعلق بالمهارات المكانية، ولكن رغم ذلك، فإن الأداء النسبي لدماغ النساء المتضرّرات بنفس الطريقة قد تأثّر بالكاد،حيث فقد الرجال كلّ قدراتهم لاختبارات معامل الذّكاء المكانية، في حين لم يبد أي أثر واضح على تأثر النساء المصابات بضرر في الجزء الأيمن من أدمغتهن .
انتقل العالم هيربيرت لاند سيلHerbert Landsell " بعد ذاك إلى نصف الكرة المخية الأيسر حيث توجد مهارات اللغة ،وقد استنتج مرة أخرى، على أن الرجال المصابون بضرر في الجزء الجانبي الأيسر قد فقدوا معظم تحكّمهم باللغة؛ لكن النساء المصابات بالضرر نفسه في ذات المنطقة قد احتفظن بغالبيتها، في الوقت الذي عانى فيه الرجال بنسبة تتجاوز ثلاثة أضعاف مرات على الأرجح- فيما يتعلق بمشكلة اللغة من النساء – على الرغم من أنّهن قد عانين من التلف الدماغي في نفس المكان بالضبط .
لقد قاد ذلك" العالم لاندسيلل Landsell " إلى الاستنتاج الذي أصبح مقبولاً الآن،والذي يتلخص في أن ما يتعلق في اللغة والمهارات المكانية لدى النساء يقع تحت سيطرة المراكز الموزّعة في كلا جانبي الدماغ لديهن ، لكن مكان مثل هذه المهارات لدى أدمغة الرجال هو أكثر تحديداً بكثير حيث تحتل المهارات المكانية الجانب الأيمن من الدماغ فقط في حين تأخذ المهارات الشفوية مكانها في الجاني الأيسر للدماغ، وهذا ما أكّدته الدراسات العديدة للنتائج المبكّرة.
يعتبر القسم الوظيفي في دماغ النساء بين جانبي الدماغ الأيمن والأيسر أقل تحديداً بشكل واضح،حيث أن كلا الجانبين الأيسر والأيمن من الدماغ النسائي يشتركان في القدرات الشفوية والبصرية لدى النساء ، في حين أن أدمغة الرجال في المقابل تكون أكثر تخصّصا.
إنّ الجانب الأيسر للدماغ الذكوري يوضع جانبا تقريبا - بشكل خاص- لسيطرة القدرات الشفوية، أما الجانب الأيمن فيختص في القدرة البصرية، فالرجال، على سبيل المثال، يميلون إلى إستعمال الجانب الأيمن من أدمغتهم حين يقومون بالعمل على المشاكل المجرّدة، بينما تستعمل النساء كلا الجانبين، وقد قاست الاختبارات النشاط الكهربائي في أدمغة الأولاد والبنات الذين ارتبطوا بمهمّة عقلية حسابية خارج أشكال ثلاثية الأبعاد يمكن أن تكون مصنوعة من الورق المستوي، وقد كانت النتيجة في أن نصف الكرة المخية في الجانب الأيمن لدماغ الأولاد قد نشّطت بثبات، أما لدى في البنات، فقد حدث النشاط الكهربائي في كلا نصفي الكرة المخية للدماغ ، وقد تفوق الأولاد بشكل أفضل أيضا عندما تم وضع مشكلة بشكل خاص للعين اليسرى – التي تغذي مباشرة نصف الكرة المخية الأيمن المتخصّص.
أما في البنات، فلم يبد للأمر أهمية فيما يتعلق بأي عين – ولذلك فبأي جانب من الدماغ - سوف يتم تقييم المشكلة.
ووجه الرجال باختبار القرار الفني – المتعلق بمهارات الرؤيا المكانية – والتي قد أُضعِفت بشدّة متى أُتلِفت نواة النساء الدماغية الأيمن ،في حين أن النساء المُصابات بضرر مماثل قد كافحن بنجاح .
أظهرت قطعة أخرى من اللغز المُحير بأنه كلما كان الدماغ أكثر أنوثة ،كلما كان انتشار الوظائف في الدماغ أكثر،وقد عُرف هذا الدليل بدراسة النساء المصابات "بمتلازمة ترنر"، فقد وُصفت أولئك البنات المُصابات على أنهن كُن ذوي سلوك أنثوي مُبالغ فيه وقد أظهرت الدراسة بأن الدماغ في هؤلاء النساء كان أنثوياً جداً أيضا في النظام الدماغي ، كما أن الوظائف البصرية ووظائف اللغة قد بعثرت لدرجة أكبر بين الجانب الأيسر والجانب الأيمن من الدماغ في الإناث الطبيعيات.
إن الرجال المعروفون بأنهم كانوا قد تعرّضوا إلى مستوى دون المعدّل من كمية الهورمون الذكوري أثناء فترة الحمل في الرحم،قد وجدوا على أنه يكون لديهم النمط الأنثوي في توزيع المهارات الوظيفية في الدماغ.
لقد أضاف البحث الجديد طبقة أكثر تعقيدا فيما يتعلق باختلافات الجنس بتنظيم عمل الدماغ فقد وُجد على أن كلا من الرجال والنساء يمتلكون منظومة دماغية مختلفة حتى في الجهة اليسرى من الدماغ.
لقد أنجز عالم النفس الكندي البروفسور"دورين كيموراDoreen Kimura "اكتشافه (منذ أن تم تأكيده من قبل العلماء الآخرين) إلى أن وظائف الدماغ التي تتعلّق بميكانيكا اللغة مثل القواعد، النطق والكلام والتهجّئة ،إنما هي مُنظّمة في حقيقة الأمر بشكل مختلف في كل من الرجال والنساء، ففي الرجال تكون هذه الوظائف واقعة في المناطق الأمامية والخلفية للجانب الأيسر من الدماغ، في حين تكون هذه الوظائف لدى النساء أكثر تركيزاً،بل ومركّزة في المنطقة الأمامية من الجهة اليسرى من الدماغ.
كما ويبيًن تخطيط دماغ الذكر المتوسط أو الدماغ الأنثوي على أنه يوجد ثمة نتائج مختلفة في طرق تفكير الرجال والنساء .
لكن السؤال في مدى علاقة الاختلاف في تركيبة الدماغ بالاختلافات التي وُجدت في كل من السلوك والقدرة بين الأجناس ظلت مثار نقاش حادّ بين العلماء ، بيد أننا و بعد التحدّث مع اختصاصيي العالم الرئيسيين،فقد توصّلنا إلى هذه الصورة في فرضياتهم الفاعلة الحالية.
إن ما يجعلنا أفضل في حال واحدة أو أخرى تبدو لكي تكون الدرجة التي تكرّس فيها منطقة معيّنة من الدماغ بشكل محدّد إلى نشاط معيّن، سواء كان ذلك بشكل ضيق أو منتشر.
يعتبر كلا من الرجال والنساء أفضل في المهارات التي تكون خاضعة لسي، لكن المناطق المعيّنة من الدماغ لكن المناطق المختلفة من أدمغتهم هي تلك المُركّزة للأشياء المختلفة، و هذا يعني بأن النمط الذكوري والنسائي لمنظمة الدماغ له الحسنات والسيئات لكلا الجنسين، فالنمط الذكوري ، بوظائف الدماغ الأكثر تنظيماً بشكل محدّد، يعني بأن الذكور لا ينشغلون بسهولة بالمعلومات الزائدة عن الحاجة، بيد أنه رغم ذلك فإن دماغ الإنسان – ذكراً كان أو أنثى - لا يستطيع تحمّل المعلومات أكثر من اللازم، فهناك حدود لكمية قدرة الدماغ التي يمكننا نحن البشر أن نطبقها ونستوعبها بشكل كفؤ.
لقد أظهرت الدراسة التي أُجريت على عازفي البيانو في حفلة موسيقية بأنهم يمكن أن يعزفوا لحنين مختلفين بدقّة، بحيث يعزفون كل لحن على حدة وبيد واحدة،لكن إذا ما حاولوا الهمهمة أثناء العزف فإن دقة اليدّ اليمنى تهبط ، ذلك لأن كلاً من الهمهمة وحركة اليدّ اليمنى تقعان تحت سيطرة الجهة اليسرى من الدماغ، حيث ازدادت قدرة الجهة اليسرى من الدماغ جرّاء تحميلها الكثير من النشاطات التي لا بد لها من التحكم بها لأن تكون منفّذة بشكل آني، ولذلك تكون النتيجة بأن النشاطات لم تُؤدّ بشكل كفؤ ، كما ينطبق ذلك بالنسبة لبقية النشاطات مما يعني بأن الاختلاف في منظومة الدماغ بين كل من الرجال والنساء سوف يقود إلى الاختلافات في الكفاءة التي يؤدّون بعض المهام من خلالها .
تقترح الباحثة الكندية في جنس دماغ "ساندرا ويتلسون Sandra Witleson" بأن هذا الاختلاف قد يجعل الأمر أكثر سهولة على الرجال لأداء نشاطين مختلفين في وقت واحد حالاً، فهي تقترح، على سبيل المثال، بأن قراءة الخريطة والكلام يمكن أن يقوم بهما الدماغ الذكوري في نفس الوقت وبشكل أكثر سهولة بكثير لدى الرجل منه لدى المرأة ذلك لأن كل نشاط يخضع لسيطرة الجوانب المختلفة للدماغ، أما في المرأة فإن نفس النشاطات تقع تحت سيطرة المناطق المنتشرة على كلا الجانبين من الدماغ،إلاّ أن كلا النشاطين (القراءة والكلام) يمكن أن يتداخلا في بعضهما البعض ، ولذلك فهي لن تكون جيّدة في الكلام فيما تخطّط للقراءة في نفس الوقت.
إن الاختلافات في منظومة الدماغ، طبقا للكثير من الأبحاث التي تم تنفيذها ، يعلل أيضاً تفسير التفوق الذكوري في القدرة المكانية، في حين تخضع مهارات المرأة المكانية لسيطرة كلا الجانبين من الدماغ، حيث يكون هناك تداخل في المناطق الدماغية التي تتحكّم بنشاطات الأخرى، ذلك أن "الأنثى تحاول أن تقوم بعمل شيئين في ذات الوقت وفي نفس المنطقة من الدماغ فيما تكون القدرة المكانية تعاني، في حين أن تحديد القدرات المكانية لدى الرجل تكون خاضعة لسيطرة المنطقة الأكثر تحديداً في الدماغ، لذا فهناك فرصة أقل بكثير للنشاطات الأخرى في أن تتدخّل.
كما أن هناك اختلافات أبعد لدى النساء اللواتي يطبّقن وسائل شفوية في أغلب الأحيان لحلّ مشاكل الرياضيات المجرّدة، في حين أن هذه النظرة لن تكون فعّالة بما فيه الكفاية كما هي لدى الذكر الذي يستعمل الجانب البصري الأيمن من الدماغ لحلّ ذلك النوع من المشاكل، وبناء عليه فهو أسرع وأسهل عليه جدا في أن يحلّ مثل هذه المشاكل بمهارات الجانب الأيمن من الدماغ بدلاً من المهارات الشفوية للجانب الأيسر من الدماغ .
إن تفوق النساء في الاختبارات الشفوية يمكن أيضا أن يُوضّح من قبل الاختلافات في منظومة الدماغ التي تتعلّق بمهارات اللغة المتعلقة بالقواعد والتهجّئة ، والكتابة، بشكل أكثر تحديداً في الجهة اليسرى من دماغ المرأة ،في حين أنها تنتشر لدى الرجال في الجبهة الأمامية وخلف الدماغ، ولذلك فعليه أن يعمل بجدّية أكبر من المرأة لإنجاز هذه المهارات.
لقد ناقشنا حتى الآن ما يتعلق باللغة في الغالب والمهارات المكانية،لكن الدماغ يعتبر أكثر من مجرد آلة حاسبة، فهو يقرّر عواطفنا، وقدراتنا للتجاوب معها والتعبير عنها.
لقد درست الباحثة" ساندرا ويتلسونSandraWitleson " كيف يستجيب الناس للمعلومات العاطفية التي تغذي النصف الأيمن من الكرة المخية وبعد ذلك إلى النصف الأيسر من الكرة المخية الأخرى،وقد اعتمدت على حقيقة أنّ الصور البصرية التي قد حُدّدت إلى الحقل الأيمن المختص بالرؤية
من الدماغ يتم إرسالها إلى الجانب الأيسر للدماغ، كما يتم إرسال أولئك الذين تم حصرهم في الحقل الأيسر إلى الجانب الأيمن من الدماغ.
لقد كانت الصور البصرية التي تم استخدامها مشحونة عاطفياً بدرجة عالية،وقد وجدت أن النساء قد تعرّفن على أيّ جانب من الدماغ الذي تم إرسال صور المحتوى العاطفي إليه، وفي المقابل فقد أدرك الرجال المحتوى العاطفي فقط عندما تم إرسال الصور إلى الجهة اليمنى من الدماغ.
وهكذا، فقد استقرّت الاستجابات العاطفية لدى النساء في كلا جانبي الدماغ الأيسر والأيمن، في حين تركّزت الوظائف العاطفية لدى الرجال في الجانب الأيمن من الدماغ فقط.
إن أهمية الاختلافات في منظومة الدماغ العاطفية تصبح أكثر وضوحا في ضوء آخر اكتشاف لاختلافات الجنس في الدماغ، حيث أن تلك الاختلافات تتعلق"بمجموعة كالوسوم corpus callosum "وهي عبارة عن حزم من الألياف العصبية التي تربط جانبيّ الدماغ الأيسر والأيمن، حيث أن هذه الألياف العصبية تسمح لتبادل المعلومات بين نصفي الدماغ ، إلاّ أن تلك المجموعة من الحزم العصبية لدى دماغ الأنثى تختلف عنها في الدماغ الذكوري وقد وجد العلماء في اختبارات عشوائية أجروها على أربع عشرة جثة والتي حصلوا عليها بعد تشريح تلك الجثث بأنه يوجد في أدمغة الإناث منطقة مهمة من مجموعة الألياف العصبية "كاللوسوم"كما أنها تكون أكثر انتفاخاً وثخانة أكثر مما هي عليه في أدمغة الذكور ، وعموماً فقد كان مركز تبادل الرسائل أكبر،وذلك فيما يتعلق بالوزن العام للدماغ في الإناث مقارنة مع مثيله لدى الذكور وبناء على ذلك يمكن أن تتم معرفة تلك الاختلافات بدقة .
إن كلا جانبي الدماغ يتصلان مع بعضهما بمجموعة الألياف العصبية "كاللوسوم"إلا أن تلك المجموعة لديها ارتباطات أكثر تشعباً وانتشاراً لدى أدمغة النساء ،مما يعني بأن هناك مزيداً من المعلومات يتم تبادله بين الجانبين الأيمن والأيسر في الدماغ الأنثوي ، وقد أظهرت آخر الأبحاث بأن الناس الذين يتمتعون بارتباطات كثيرة بين شقّي نصفيّ الكرة المخية، يكونون أكثر لباقةً وأكثر انطلاقاً ، مما يعطي تفسيراً أبعد لمهارات النساء الشفوية .
لكن هل يمكن لمجموعة الألياف "كاللوسوم"أن تعطي جواباً إلى اللغز الآخر المُتمثّل في سرّ الحدس النسائي؟
هل القدرة الطبيعية أوالاستطاعة الفيزيولوجية للمرأة في التواصل المتعلق بكميات أكبر من المعلومات عنها لدى الرجل ما يفسر تأثيرها الساحر؟
منذ أن كانت النساء أفضل عموماً في إدراك الفروق العاطفية الدقيقة فيما يتعلق بالصوت، الإيماء، التعبير الوجهي ، مما يعطي المدى الكامل من المعلومات الحسّية، وبناء عليه ، يمكنهن أن يستنتجن أكثر من مثل تلك المعلومات ، لأنهن أعظم قدرة من الرجال في مثل هذه المعلومات ولأنهن لديهن قدرة أعظم من الرجال لمكاملة ومصالبة كلاً من المعلومات الشفوية والبصرية .
يقترح بعض العلماء بأن الاختلاف في الاستجابة العاطفية بين الرجال والنساء يمكن أن تُوضّح بالاختلافات في تركيبة ومنظومة الدماغ .
ُيبقي الرجل عواطفه في مكانها؛ ويقع ذلك المكان في الجانب الأيمن من دماغه، بينما تنتهي قوة التعبير عن مشاعره في الجانب الآخر ، ويعود السبب في ذلك لأن نصفي الدماغ يرتبطان مع بعضهما بعدد صغير من الألياف العصبية الموصلة قياساً مع ما لدى المرأة، كما أن تدفق المعلومات بين أحد جانبي الدماغ إلى الجانب الآخر يكون أكثر تقييداً،وهكذا فإن الرجل – في أغلب الأحيان – يجد صعوبة في
إبداء عواطفه والتعبير عنها، وذلك لأن المعلومات تتدفّق بسهولة أقل إلى الجانب الأيسر الشفوي من دماغه، إلاّ أن المرأة في المقابل ربما تكون أقل قدرة على فصل العاطفة عن السبب ويعود ذلك إلى طريقة تنظيم الدماغ الأنثوي حيث أنه لديه سعة عاطفية على كلا الجانبين بالإضافة إلى أن هناك المزيد من المعلومات التي يتم تبادلها بين جانبي الدماغ ،كما أن الجانب العاطفي يكون أكثر تكاملاً بالجانب الشفوي للدماغ ، وهكذا، فإنه يمكن للمرأة أن تُبدي عواطفها وتعبّر عن مشاعرها بالكلمات لأن ما تشعر به قد أُرسل عملياً بشكل أكبر إلى الجانب الشفوي من دماغها.
إن الاختلافات في بنية وتركيبة الدماغ والاختلافات التابعة في القدرة والقابلية، يؤثّر في كل من الرجال والنساء إزاء التعامل مع المشاكل والأزمات وذلك بتوظيف أفضل الخواص لديهم.
تدعو الباحثة "ساندرا ويتلسون"ذلك"بالإستراتيجية الإدراكية المفضّلة "والتي تعني بشكل واسع
على أنها تلعب وتؤثر في قواك العقلية .
ترى الباحثة "ويتلسون" بأنه يمكن أن يكون هناك عدد إناث أقل من المُصمّمين الذكور(كعلماء وعلماء رياضيات) لأن الإحساس المكاني الأنوثي يكون أضعف ،ويَمُلن إلى تفضيل "إستراتيجية إدراكية" مختلفة ، وذلك لاستخدام جزء أقوى من أدمغتهن ، وهذا ما يفسر أيضاً اللغز في أن هناك العديد من الموسيقيات الإناث أكثر بكثير من الإناث المُلحِّنات ، وذلك لأنهن يعزفن بالاعتماد على مركز القوى في الدماغ الأنثوي مثل السيطرة على الحركة الرفيعة (الرقيقة) في الأيدي والصوت، كما أن التأليف الموسيقي يتطلّب القدرة على رؤية وإدراك النمط الذي يتضمن قدرة وقابلية رياضية مجردة أولياً كوظيفة للجانب الأيمن من الدماغ .
من الواضح على أن كل من ثقافاتنا وتاريخنا لهم أدوراً هامة ليلعبوها في كل هذا،كما أنه من الواضح أن هناك دور بيولوجي(حيوي – عضوي) أيضاً .
لقد توضّحت الصورة أخيراً لتكشف عن صورة لدماغين مختلفيّ التنظيم ، ومُرتبطان بشكل مختلف في الذكر كما في الأنثى من نوعنا البشري ، كما أن المعرفة تنمو يوماً بعد يوم، وتُظهر كل يوم دراسات جديدة في الصُّحف والمجلات التعليمية والمتخصصة ، حيث تُعتبر هذه المعلومات في غاية الأهمية لأن تعوم في الفضاء الأكاديمي الخارجي ، لأنه يعنينا بالضبط، ويُظهِر كم نحن مختلفون بسبب اختلاف أدمغتنا فقد كانت تلك الاختلافات قد بدأت في الظهور منذ العصور الأولى لوجود البشر.