المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جنس العقل



أدهم مطر
29/12/2008, 01:53 AM
جنس العقل
الفصل الرابع

اختلافات الطفولة

يمتلك كلّ جنس عقله الخاص عند الولادة،كما أن بنية الاختلافات الفطرية في الدماغ تعني على أنه منذ مرحلة الطفولة الأولى وخلال فترة الطفولة التي تتبعها، تتباعد الطرق الذكورية والأنثوية على نحو متزايد.
إن علم الأحياء (البيولوجيا) - مؤكَّداً بالمواقف الاجتماعية التي قد تكون نفسها مستندة على قاعدة حيوية بذاتها – هو ما يحدد قدر الاختلاف بين الرجال والنساء ،ويعطيهم أولويات مختلفة، وطموحات مختلفة ، وسلوكاً مختلفاً .
كما رأينا، فإن دماغ الطفل يولد متحيّزاً جنسياً، على الرغم من خضوعه لبعض الطرق لكي ينمو إلاً أن مخطّط الدماغ الأساسي قد تمّ مسبقاً وكذلك فإن الدوائر الأساسية قد وُضعت.
"هو أو هي" يأتيان إلى العالم مزوّدين ببنية وراثية، ومتوسطة بشكل هورموني ، مع انحياز سلوكي وعينات لنماذج فطرية. "
تنمو الميول الغريزية بشكل أقوى بينما يستجيب الدماغ للعالم الذي يحيط به ،و بينما نحن نسير في طريق النمو و البلوغ ، فإن التفاعل بين إدراكنا و" عضلة " التفكير في الدماغ يؤثّران على تركيبة الدماغ، تماماً كما يحوّل التمرين الرياضي الجسماني أيّة عضلة أخرى.
تطوّر الجرذان أنظمة عصبية أكثر تعقيدا وأثخن وأكبر عندما تبقى حبيسة في الأقفاص مجهّزة بتشكيلة واسعة من ألعاب الجرذان _كعجلات الجري والمتاهات، ولدى تشريح أدمغة الجرذان الأخرى، التي تم إبقاءها أمّا في الأقفاص المغلقة أو في شروط الحرمان الحسّي ، فإنها لا تظهر نفس التطوير المعقّد من الارتباطات في خيوط الدماغ.
وبالمقابل،فإن وظائف الدماغ التي لا تخضع للتمرين تصبح - مثل العضلات القليلة الاستعمال - مترهلة وفي طريقها للضمور، كما أن الافتقار إلى التحفيز الحسّي في المرحلة الحرجة الضرورية أثناء تطور الدماغ،سوف يؤدّي إلى الأضرار الدائمة فيما بعد،فالهريرات التي تمت تربيتها في الظلام لن تتعلّم الرؤية قبل مرور فترة معينة من الوقت.
في البشر أيضا، فإن بنية الدماغ تواصل عملية التطور بعد الولادة، حيث أن كلّ الخلايا الأساسية متكونة هناك منذ البداية، لكنه ، ومع الوصول إلى سنّ الثلاثة أعوام فما فوق، فإن ثمّة ارتباطات جديدة تتشكّل ،بالإضافة إلى ظهور شبكة جديدة من الخلايا .
يحتاج الطفل الذي ينمو إلى النوع الصحيح من التحفيز لتعزيز هذه الجديلة العصبية المتنامية لمهارات الدماغ، مثل الكلام واللغة، وفيما يلي إحدى الحالات الحزينة من الولايات المتّحدة والتي توضّح مدى الحاجة إلى هذه المهارات .


حالة "جينيGenie "

تُظهر قصّة هذه البنت الكاليفورنية بعمر اثنا عشر سنة بأن الدماغ لديها يعمل ، مهما كان فطرياً، يعتمد على التحفيز والتمرين ، بكلمة أخرى ، فإن كانت هناك علاقة بين علم الأحياء (البيولوجيا) والبيئة، فإن أياً منهما لا يمكنه أن يكون المقرّر الوحيد للسلوك.
أمضت " جيني" مرحلة طفولتها الصغيرة بالكامل محجوزة داخل غرفة نوم في ولاية " لوس أنجلوس"، فهي لم يسبق لها أن سمعت كلاماً إنسانياً من قبل ، وبالرغم من عدّة سنوات من التدريب بعد إنقاذها من العزلة، فإنها لم تستطع إحراز أي تقدم في اكتساب مهارة التحدث بشكل صحيح، ويعود ذلك إلى أنها قد افتقرت أثناء المرحلة الحاسمة من تطور الدماغ، إلى التحفيز الضروري، لآلية النطق الفطرية والتي أخفقت من التطور بشكل طبيعي .
تتطور أدمغتنا وعلى نحو نشيط الاستجابة مع التجربة، ذلك لأن أدمغتنا ليست مجرد خزانات أضابير فارغة تنتظر تجربة تعبئتها.
لذا، كيف تتلاءم هذه النوبة من الاختلافات الفطرية في تراكيب الدماغ لدى كل من البنات والأولاد؟
إن اختلافات الجنس في الحقيقة تظهر في عمر مبكّر جداً من حياة المولود حديثاً – في الساعات القليلة الأولى فقط في حالة بعض التصوّرات الحسّية – مما يعني أنه لابدّ أن يكون هناك تحيّز فطري في الدماغ، فاختلاف الجنس الأساسي (التحتي) هو الذي يجعل البنات والصبيان يرون، يشعرون،يستجيبون، ويتفاعلون مع الأشياء المختلفة بطرق مختلفة.
وهكذا ، فإن العالم، ذو الإحساس الواحد، يعني أشياء مختلفة إلى كلّ جنس.
يمكن ملاحظة هذه الظاهرة في مثل هذه المرحلة المبكّرة- بل وتكون واضحة جداً أحيانا - بأن ما يقوّض الجدل في أن المجتمع بعيد عن الجنس، يكيّف هذه الإنحيازات المتأصّلة.

الأطفال الرضّع
آني وأندروAnnie and Andrew

كانت " جيليانGillian " قد صمّمت على مقاومة التبسيط الجنسي عندما تعلّمت بأنها كانت ستصبح أمّاً لتوائم، فهي تودّ تربية هذا التوأم بالتساوي في كل شيء بالضبط ودونما تمييز، دون التقيّد بالتفاهات حول هراء انتقاء الألوان الزرقاء للذكر والألوان الزهرية للبنت ، فساتين جميلة أو رداء العمل، بيد أن ذلك التصميم سرعان ما وقع تحت التحدي، خلال دقائق، من ولادة طفليها
" فقد ولدا بفارق ثلاث دقائق فيما بينهما “ لكن تمت معاملتهما باهتمام كبير بحيث بدا الأمر وكأنهما قد جاءا من كوكب آخر.
كان من المستحيل أن يخلد "أندرو" للنوم في حين كانت شقيقته التوأم "آني" تستسلم للنوم بسهولة، على الرغم من أن أقل كمية من الضوضاء كانت توقظها، فقد كان لدينا هاتفين نقالين معلقان ويتدليان فوق كل سرير، لأننا أدركنا بأنه من المهم تحفيزهم، وكانت النتيجة أن "أندرو" أحبّ ذلك، بل ويمضي ساعات في التحديق إليه، حتى عندما كنت أقوم بتغييره، في حين كانت " آني" أكثر تواصلاً بكثير، على الرغم من أنها كانت تثرثر بعيداً حينما أدخل إلى الغرفة.
خلال بضعة ساعات، تكون البنات الأكبر أكثر حسّاسية من الأولاد لحاسة اللمسّ.
لقد وجدت الاختبارات بين الأجناس فيما يتعلق باختلافات الحسّاسية الكبيرة للمس في الأيدي والأصابع فإنها تقدم اختلافات مميّزة جدا بحيث أن نتائج بعض الذكور والإناث أحياناً لا تتداخل حتى، فالمولود الذكر الأكثر حسّاسية يشعر بشكل أقل من البنت القليلة الحسّاسية.
أما عندما يتعلق الأمر بالصوت، فإن الإناث الناميات يكُن ّ متسامحات بشكل أقل بكثير- ويعتقد أحد الباحثين بأنهن قد " يسمعن" الضجيج مُضخّماً وبشكل أعلى بمرتين بالمقارنة مع قدرة ما يسمعه الأطفال الذكور، حيث تُصبح الرضيعات مهتاجات وغاضبات وقلقات بشأن الضوضاء كما تصبحن متألمات وغير مرتاحات بشكل أكبر من أقرانهن الأطفال الرضّع الذكور.
بيد أن تلكم الرضيعات يُصبحن أكثر راحة و سهولة أكثر بالكلمات اللطيفة الناعمة والغناء وذلك حتى قبل أن يمكنهن فهم اللغة، وهكذا، تبدو البنات أفضل من الصبيان في تمييز المحتوى العاطفي للكلام.
لقد أظهرت الرضيعات الإناث منذ بداية الحياة اهتماماً أعظم في الاتصال مع الناس الآخرين.
و قد دلّت دراسة واحدة على الأقل تم إجراءها على أطفال رضّع بعمر من يومين ولغاية أربعة أيام على أن البنات الرضيعات يمضين على الغالب مرتين أكثر من أقرانهن الصبيان في الاتصال العيني مع شخص بالغٍ صامت، كما وتبدو البنات أطول أيضا من الصبيان عندما يبدأ الشخص البالغ بالتكلّم، في حين بقي مدى انتباه الصبيان على حاله دونما تغيير سواء تكلّم البالغ أم لا، وقد أظهروا تحيّزاً نسبياً نحو ما يمكنهم رؤيته فقط، بدلاً مما يمكن أن يسمعوه.
كما أثبتت الملاحظات على أن البنات الرضيعات يحببن القرقرة والمناغاة مع البشر، في حين أن معظم الصبيان يكونون كثيري الكلام، لكنهم يكونون سعداء على حد سواء بالثرثرة بعيدا عن ألعاب المهد النقّال، أو النظر إلى التصاميم الهندسية المجرّدة، كما أن الصبيان أكثر نشاطاً ويقظةً من البنات، وذلك بسبب الدماغ الذكوري - المُسيّج بالأعصاب- النشط أثناء العمل.
إلاّ أن هذا الانحياز الأنثوي للشخصية يظهر بشكل مختلف، وبطرق أخرى، حيث يمكن لأكثر الرّضيعات في عمر أربعة أشهر، أن يميّزن صور أناس يعرفونهم من صور الغرباء – في حين لا يستطيع في العادة الصبيان الرُّضع ذلك، كما أن الرضيعة بعمر أسبوع واحدة يمكن أن تميّز بكاء طفل رضيع بنفس حجمها من خلال خلفية الضوضاء العامّة ولكن الصبيان لا يستطيعون ذلك أيضاً.
إن هذه الاختلافات القابلة للقياس والإدراك في السلوك قد ُدمغت قبل فترة طويلة من تحيز التأثيرات الخارجية الفرصة للبدء بعملها، فهي تعكس الاختلافات الأساسية في الدماغ المولود حديث الولادة الذي أصبحنا عملياً نعرف كيف ( الكفاءة الذكورية المتفوّقة في القدرة المكانية، المهارة الأنثوية الأعظم في الكلام ).
ولكن حتى أولئك الذين قد يقبلون الدليل العلمي للاختلاف بين الدماغ الذكوري والأنثوي قد يصّرون - بأن تأثير التكيّف، كالتربية والمحيط الاجتماعي ، أكثر فعالية من الترتيب المتميّز للدماغ، كما أنهم سيشيرون لإثبات ذلك إلى أن الأمهات ميّالات تقريباً إلى اللعب مع أطفالهم الذكور أكثر من اللعب مع بناتهن ، حيث يقضين وقتاً أطول في مناغاتهم والتحدث إليهم- ولذلك فإنه لا عجب في أن يستنتجوا بأن كلاّ من الأطفال الرضع - سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً- يتصرّفون، منذ البداية، بطرق مختلفة.
بإلقاء نظرة أخرى، فبالرغم من ذلك، ومع ملاحظة أنه ليست الأم في الحقيقة هي التي تقولب فكرة الجنس الشائعة، لكنها تستجيب إلى الحاجات الفطرية(الغريزية) في ذلك الرضيع؟
كما وأنها تعرف بأنها تحصل على أفضل استجابة لدى احتضانها للبنت الرضيعة، في حين تعرف أيضاً أن سلوك الصبي الرضيع أكثر صخباً، ولذلك فهي تريد تلبية وإشباع تلك الحاجات، وهي تدرك وتُسلّم بأنها إنما تساعد في تزويد هذه المؤثرات المنحازة سلوكياً في دماغ الطفل، تلك المؤثرات السلوكية التي تهيّئ الطفلة الرضيعة الأنثى لكي تكون أكثر استجابة إلى تسكين الضوضاء وتعبيرات الوجوه الرقيقة.
إنّ الطفل الرضيع يمارس قوة علم الطفل، فإذا ما حدث أي شيء، فإن الطفل الرضيع هو الذي يعالج أمه لإشباع حاجاته الفطرية، فكم من الأمهات قد لاحظن مدى التصميم المؤكد لدى أطفالهن منذ الأيام الأولى للرضاعة ؟ على الرغم من أنه لا أحد قد علّم الطفل الرضيع على التصميم، كما أن لا أحد قد علّم الطفلة الرضيعة النموذجية بالمقابل قلّة الكلام.

الأطفال

لقد كنا في حقيقة الأمر قلقين بشأن "أندرو" إلاّ إذا ما تمت مراقبته بشكل دائم، فهو دائم الانشغال في الدخول والخروج في خزانات الملابس، يتلاعب بالأزرار على الطبّاخ، لكنه لم يكن يتكلم كثيراً، في حين أن شقيقته التوأم “آني" مع ذلك كانت تدردش كثيراً، مما جعلنا نعتقد بأن ه قد يكون يعاني من تخلف ما، أو من أي شيء آخر.
يستمر انحياز الدماغ ويقوّى بينما ينمو الأطفال بحيث " يرون" الحياة من خلال ذلك المرشح الدقيق للدماغ والذين يجدون على أنه من الأسهل، والأكثر طبيعية، للاستعمال.
إن ذلك أُثرِتُ في البنات نحو الشؤون الشخصية، على سبيل المثال، تظهر من خلال التجارب، حيث تم إعطاء مجموعة من الأطفال نوع خاصّ بالأحرى من اختبار البصر، فقد نظروا خلال بدعة (صورة) إلى حدّ ما مثل المنظار ثنائي العدستين، والذي يُظهر صورتين مختلفتين في نفس الوقت، في كلا العدستين اليسرى واليمنى للمنظار، وقد كانت إحدى الصور لأشياء مختلفة، والصورة الأخرى لشخص، وقد كانت نفس الصور قد عُرضت على الأطفال في وقت سابق، ولكنه، عندما سئلوا عما رأوا، فقد أعطى كل منهم جواباً مختلفاً، حيث أبلغ الأولاد عن رؤية أشياء أكثر جداً من الناس، بعكس البنات اللواتي أبلغن عن صور الناس أكثر من الأشياء.
كما أن البنات يتعلّمن الكلام في وقت سابق لأنه لديهن منظومة دماغ أكثر كفاءة للكلام، وتقع في النصف الجبهي الأيسر من الكرة الدماغية، بينما وجد على أن نفس الوظيفة في الأدمغة الذكورية تقع في كلتا المنطقتين الجبهية والخلفية – كما أنها أقل فعالية في التوزع.
وهكذا، فإن البنات - بما يتمتعن به من مراكز اختصاصية أفضل للتعامل مع اللغة – ينطقن بكلماتهن الأولى في عمر أبكر من الأولاد، كما ويطوّرن مفردات أفضل من أقرانهن الذكور.
في إحدى الدراسات التي تناولت الأطفال بعمر 2-4 سنوات، فقد تبين على أن البنات على الأرجح سيكُنّ أكثر قابلية وقدرة من الصبيان على إتقان الدقّة المقارنة للقواعد المتطوّرة- مثل الاختلاف بين " أنا فعلت ذلك" وبين " أنا قمت بفعل ذلك" – وكذلك استعمال الزمن المبني للمجهول –
" لقد أُثرِتُ من قبل جيمي ، بدلاً من " لقد أثارني جيمي ".
يكون كلام البنات في عمر ثلاث سنوات مفهوماً بنسبة 99 % - في حين يستغرق الأولاد الذكور معدل سنة أطول (استغرق العالم آينشتاين خمس سنوات حتى استطاع الكلام ) كما تشكّل البنات جملاً أطول وأكثر تعقيدا، وترتكب أخطاء قواعدية أقل، بالإضافة إلى أنهن أفضل في الاختبارات التي تطّلب منهن التفكير بالكلمات قدر ما يمكنهن والتي تتضمن حروفاً أساسية من الأبجدية.
مع مرور الأشهر، وحينما ينتصب الطفل عموديا، يميل الذكور إلى إبداء اهتمام أعظم من البنات في استكشاف زوايا عالمهم الصغير، وتساعدهم كتلة عضلاتهم الأعظم لأن يستكشفوا ويتجوّلوا لأبعد من أخواتهم، كما أنهم يبدؤون في تقليل رحلات عودتهم إلى القاعدة المطمئنة لجحور أمهاتهم.
ولإثبات ذلك، فقد ابتكر العلماء اختباراً جديداً حيث تم وضع حاجز على شكل وتر غير مرئي عبر غرفة الألعاب بحيث يفصل بين الأمّ وطفلها، حيث وقد مالت البنات إلى بلوغ مركز العائق والبكاء في حين قام الصبيان برحلات استكشافية صغيرة إلى حافة العقبة لرؤية ما إذا كان هناك ثمة طريق حوله.
سيستكشف الأطفال العالم من خلال الحدود التي تُهيئها لهم أدمغتهم لذلك، بحيث تلعب بقواهم العقلية، وبتقوية ترتيب القوى الأخرى، مثل الجرذان الفضولية التي زادت استكشافاتهم من قوّة عضلة أدمغتهم.
إن أكثر الأطفال يتوافقون، عقلياً، إلى المفهوم المبسّط للجنس، ولكن ليس ذلك المفهوم المبسّط للجنس الذي يرسمه أو يقتضيه المجتمع التحرّري فالأطفال، في الواقع، يصغون إلى أنفسهم، إلى عالمهم الداخلي الخاص، وإلى الأمور التي تخبرهم أدمغتهم بمدى أهميتها بالنسبة إليهم، كما يستعملون تلك المهارات، ويعودون مرارا وتكرارا إلى تلك الطرق الطبيعية والمفضّلة من النظر إلى العالم، ولذلك يُعتبر الانحراف الجنسي المتأصّل كي يبدو مدعوماً. " يبدو أن الطفل الذكر أكثر قدرة - من الناحية الطبيعية والجسدية - ليورّط نفسه في التجارب التي تشحذ المهارات المكانية لديه، في الوقت الذي تورّط البنت نفسها أكثر في التجارب التي تقوّي المهارات الشخصية الداخلية.
يرغب الأطفال الذكور في استكشاف المناطق، والفراغات، والأشياء، لأن انحياز أدمغتهم يهيّئهم إلى مظاهر البيئة المحيطة بهم.
في حين أن البنات يحببن الكلام والتحدث والاستماع، ذلك لأن أدمغتهن قد ُصمّمت بشكل أفضل لفعل ذلك.

قبل المدرسة

" لقد اعتقدت في إحدى المراحل على أنه لن يكون أمرا آمناً إرسال أندرو إلى زُمرة اللعب،فذلك لن يكون عادلاً مع المعلمين والأطفال الآخرين، فقد كان تدميرياً جداً، وكان أحياناً يكسر قلبي أيضاً، في الوقت الذي ما كان يبدو أن لديه أيّ وقت لي كأمّه، أقسم بأنه كانت هناك أوقات يشعر فيها بسعادة حين يستبدلني بشاحنة "لعبة أخرى."
تختلف الأجناس الطفولية النامية في الطرق التي يلعبون بها، فطبقاً لإحدى الدراسات الإنكليزية فإن قول كلمة "وداعاً" لأمهاتهم في باب المدرسة (يأخذ وسطياً 92.5 ثانية للبنات، 36 ثانية للأولاد) فالأولاد سيتحرّكون نحو ساحة اللعب حيث سيلعبون هناك بشدّة أكثر، ويحتلّون أماكن اللعب بشكل أكبر بكثير من البنات، أما في قاعات دروس الألعاب، فإن الأولاد الذكور سيكونون أكثر اهتماماً بتراكيب كتل الأبنية، و يلعبون بأيّ نوع من أنواع العربات، وفي الحقيقة بأيّ شئ يعمل، سواء كان مقابض الأبواب أو المفاتيح الكهربائية، في الوقت الذي سوف تختار فيه البنات الألعاب التي تتطلب جلوساً أكثر، وإذا كُن يبنين بناء، فسيملن إلى قضاء مدة طويلة، إضافة إلى بناء تراكيب منخفضة، بينما يميل الأولاد الذكور إلى الإطاحة بالأبنية المرتفعة التي في اختلقوها.
إن أي وافد جديد إلى مجموعة اللعب - من كلا الجنس - سيميل إلى أن يكون مُحيّاً بالصداقة والفضول من قبل البنات، في الوقت الذي سيُقابل فيه باللامبالاة من قبل الصبيان، كما سيثير هذا الوافد الجديد إغضاب الأولاد؛ في حين سوف تهتم البنات بالترحيب بالغريب للانضمام إلى مجموعتهن.
عند بلوغ كلا الجنسين (الذكور و الإناث ) بعمر الرابعة، تبدأ البنات وذلك في عادة باللعب على حدى،وبشكل شبه مستقل، وذلك بعد أن يكون قد تأسس شكلهم الخاص للتفرقة الجنسية الطفولية. يميل الأولاد الذكور لعدم مضايقة أنفسهم ،سواء أحبّوا أو لم يُحبّوا ، انضمام أيّ عضو معيّن في المجموعة (عصابة اللعب) إذا ما كان مفيداً ؛ في الوقت الذي تستثني فيه البنات بنات أخريات لمجرد أنهن " لسن لطيفات" في حين توافق البنات على انضمام أطفال ذكور أصغر منهن عمراً إلى المجموعة؛ في حين يميل الصبيان إلى المحاولة للانضمام إلى مجموعات الأطفال الأكبر سنّا.
إن البنات يعرفن ويتذكّرن أسماء زملاء لعبهم؛ لكن الصبيان لا يتذكرون ذلك في أغلب الأحيان، لأنهم سيكونون مُنهمكين في تأليف وتكوين قصص مليئة بالحركة والضرب وأسرى الحرب والخداع وفي المقابل، تركّز قصص البنات على البيت، والصداقة، والعواطف.
سيروي الصبي قصّة السارق، على سبيل المثال، بينما تقصّ البنات نفس الحكاية من وجهة نظر الضحيّة.
تتضمّن ألعاب الأولاد خشونة، وسقوطاً، وتدحرجاً ،بالإضافة إلى الصّراع والاتصال الجسماني , مع تدفق مستمر في النشاط، وإلى فضاء كبير،و فترات أطول من التداخّل والمشاركة ويعتمد ذلك على مقياس نجاح نشاط تدخّل اللاعبين الآخرين، بعد أن ُتحدّد النتيجة بوضوح، وتُميّز الفائزين والخاسرين بشكل صريح ، أما البنات فيلعبن أدوارهن بشكل نموذجي مع مراحل معرّفة بشكل منهجي للعبة بمنافسة غير مباشرة ، وبناء على ذلك فلعبة المربعات، تُعتبر اللعبة المثالية للبنات، في حين تستهوي الذكور لعبة البطاقات .
بالطبع، كلنا نتذكّر، من خلال ساحة اللعب ، البنات والصبيان الذين لم يتوافقوا إلى هذا النمط ، لأنهم ، في الحقيقة، عالقون بدقة ضمن عقولهم لأنهم كانوا مختلفين عن أغلب البنات والصبيان الآخرين، لكنه هناك بشكل مؤكد تقريباً تفسير هورموني لهذه الاستثناءات إلى القاعدة الجنسية العامّة.

حالة " مانديMandy"

ماندي كانت طفلة جميلة بعمر ستّة سنوات والتي لم يبد عليها أنها كذلك ، لكنها سئمت قريبا جدا بالطقوس المعقّدة للوثب (القفز) ،وقد حاولت الانضمام بألعاب كرة قدم الأولاد الذين وافقوا بعد تذمّر على تركها تحافظ على النتائج لأنها كانت جيدة بالأرقام ، لكن " ماندي" أرادت دوراً أكثر نشاطا.
مثل جين، التي قمنا بدراسة وفحص حالتها في الفصل الثاني، فإن " ماندي " كانت حالة من الحالات المصابات بمتلازمة "أدرينوجينتال adrenogenital " وهي حالة يسببها عطل في عمل الكلية، والذي يؤدّي إلى الإفراز الشاذّ لمادة كيميائية مشابهة جداً للهرمون الذكوري ، حيث ينم التعرّض إلى هذا الهورمون، في وقت معيّن من تطور الدماغ، الأمر الذي أعطى دماغ "ماندي" تحيّزاً طفولياً ذكورياً نموذجيا أكثر.
من المحتمل أن البنات يملن أكثر بكثير للعب بألعاب العناية والرعاية، و بالدمى؛ ومع الصبيان ، و لربما قد تصبح مثل هذه الدمى في مخيلاتهن الإنسانية "كغواصين مفجّري قنابل" أو أبطالاً خارقين"، ولدى اللعب بلعبة جديدة كلياً ، فإن الصبيان سرعان ما سيصبّون اهتمامهم لإيجاد استعمالات أصلية وأكثر إبداعا لها حيث تكمن كلمة السر في " الاستعمالات " فالصبيان يهتمّون بوظيفة الأشياء، وكيف تعمل ، وهذا ما يفسر إقبالهم على تفكيك تلك الألعاب بإثارة منتظمة .
إن الاهتمام في لعبة جديدة،و لكن ليس في لاعب جديد ، فهناك مئات من الملاحظات التي تدعم استنتاجاًت أحد أوائل مستكشفي اختلافات الجنس، ذلك (أن الصبيان يهتمّون بالأجسام أوليا أو "الأشياء"، والنشاطات، بينما تهتم البنات بالناس ) .
في إحدى الدراسات التي أُجريت على أطفال الحضانة ، فقد تبين أن العديد من الصبيان قد قاموا بتفكيك اللعب في حين لم تفعل أي من البنات ذلك ، إلاّ أن هذه المهارة تمتدّ إلى ما بعد الدمار المجرّد، فقد كان الصبيان أسرع مرتين من البنات ، وارتكبوا نصف العدد من الأخطاء، في تجميع مناشير التخريم والأجسام الثلاثية الأبعاد الأخرى.
حتى في "الكيبوتز الإسرائيلي" حيث اعتمدت المحاولات المتعمّدة للتقليل من الاختلافات بين الصبيان والبنات، وحيث يعلن المجتمع المُهندَس قابلية تبادل افتراضية للأجناس، وقد وُجد على أنه في كلّ المجموعات العمرية ، بينما تعاونت البنات ،وتشاركن فيه، وتصرّفن بشكل عاطفي ، في الوقت الذي انشغل فيه الصبيان في الأفعال الأكثر عنفاً من النزاع مثل الاستيلاء على لعب الأطفال الآخرين وإجمالا، فقد كان أفراد مجموعة عمرية واحدة على الأقل قد انشغلوا في الأعمال الأكثر عدوانية ، مثل العصيان، والعنف، والإهانة الكلامية.
إن العالم بالنسبة للطفل الذكر هو شيء لا بُدّ من تحدّيه ، واختباره واستكشافه.
إنّ الانضباط في المدرسة هو أمر غير طبيعي بالنسبة إلى الأولاد الذكور.

المدرسة
استغرق " أندرو" وقتاً طويلاً لتعلّم القراءة- ربما كان يجب علينا أن نلاحظ تلك الإشارات في وقت سابق - لكنه على أية حال، نشكر الله بأننا قد تعرّفنا الآن على مشاكل التعلّم ، لكنّني أتمنّى بأن يساعد نفسه، ويعير انتباهاً أكثر،ويركّز أكثر، ما هو هدف الثورة الجنسية بحق السماء، إذا لم يكن أطفالنا ثوريين جنسياً ؟.
تتعلّم البنات القراءة بسرعة أكبر من الأطفال الذكور، الذي، طبقا للحكمة المُستَقبلة ، يجب أن تقوّض أطروحة فِطنة الأولاد الأعظم البصرية.
لقد ساد الاعتقاد ولسنوات عديدة بأن القراءة كانت أساساً خدعة تمييز الرموز البصرية، لكن بضعة روّاد تربويون نجحوا أخيرا في تأسيس أنّ قاعدة تعلّم القراءة لا تكمن في تجربة الرؤية بل في تجربة السمع.
هنا،وكما هو الحال مع تعلّم الكلام،فإن بنية الدماغ الأنثوي يمنح الأفضلية للبنات ، كما أن وظيفة التعلّم هذه تستقرّ في نصف الأيسر للكرة المخية - حيث تمتلك الإناث الفائدة الحيوية في ذلك النصف ، والتي تدعى لديهن " بالإستراتيجية الإدراكية المفضّلة " حيث تكمن قوّتهن العقلية الطبيعية الأكبر، والتي تتلخّص في الاستماع وليس في الرؤية .
يشير بحث اختلاف الجنس بأن الإناث أكثر قدرة على تنظيم وتطوير أنواع المهارات السمعية والمحرّكة المهمة في تعلم القراءة.
تكشف الاختبارات السمعية عن مؤهل مثير لهذه القاعدة العامّة للتفوق الأنثوي، فالصبيان في الحقيقة أفضل من البنات في تمييز الضوضاء الحيوانية - من المحتمل أن يكون ذلك ناتجاً عن الناحية التطوّرية لعصر الصيد- وعلى الرغم من أن الأولاد الذكور طليقي اللسان كما البنات، إلاّ أنه ، وكما هو الحال، فبالإضافة إلى الأصوات التي يسمعونها، إلاّ أنهم يُظهرون قدرة أفضل على تقليد صوت الحيوانات أو السيارات، في حين أن البنات، من الناحية الأخرى، يفضلن اختيار الاتصال البشري الشفوي الاجتماعي ومن خلال نظرة فاحصة إلى ساحة اللعب ، فإننا سرعان ما سنجد على أنه :
تنتشر أسلحة الأولاد الذكور وتمتد أسراب الطائرات، وتئن محرّكاتها وهي تحلق خارج الغيوم الخيالية، في الوقت الذي تجلس فيه البنات في الزاوية، وقد يَكُنّ منهمكات في مناقشة كم يبدو الصبيان سُخفاء .
ليس عدم النضج النسبي للأولاد الذكور هو الذي يؤدّي إلى نتيجة وجودهم ،وفقاً لأحد الاختبارات المتخصصة ، حيث أن أربعة أطفال من بين كلّ خمسة أطفال من الذين يعانون اضطرابات في القراءة مثل عسر القراءة؛ ولا يعانون من أي تخلف ،إلاّ أنه بالرغم من ذلك الضرر التربوي الكبير الذي تم في الماضي من خلال الفرضية القائلة بأن بطء الصبي في تعلم القراءة لابد أنه قد يكون بسبب غباء أو كسل، إلاّ أن حقيقة الأمر غير ذلك،فبينما تستخدم البنات الأداة الصحيحة للقيام بالعمل- مهارات "الاستماع" - حيث الأولاد الذكور يكونون أفضل في مهارات الرؤية،وليس "الاستماع" وذلك ليس طريقة جيدة لتعلّم القراءة كما يقول العالم النفساني الأمريكي " دايان ماك جينيس Dayan McGuiness:
" من الواضح أنّ المعالجة البصرية ليس لها شيء كثير يمكن عمله بمهارة القراءة، وفي الحقيقة فإن الاعتماد القوي على النمط البصري يكون معادياً في أغلب الأحيان للتقدّم في تعلم القراءة".
لقد تفوق الصبيان أولاد على البنات في الاختبارات التي أُجريت حين طُلب منهم أن يضعوا دائرة أو خطاً تحت الحروف الأبجدية المتشابهة المكتوبة كاكتشاف شكل كل حرف "S " في الفقرة المُعطاة ، وذلك ببساطة لأن تلك المهمة كانت مهمّة بصرية،كما أن انحياز أدمغتهم لها ملائم جداً ، لكن البنات يتفوقن على الصبيان في اختبار قراءة قائمة الكلمات ، قد طُلب من الصف الخاضع للتجربة لتمييز الكلمات التي تحتوي الحرف "S " لأن هذه المهمّة هي مهمة "أذنيه" والتي تناسب أدمغتهن ، وهكذا فمن الصعب إيجاد تفسير اجتماعي لهذه الظاهرة.
طالما أن التعليم أساساً يعتمد على نظرية " أنا أتكلّم ، أنت تسمع" فإن ذلك سيولّد انحيازاً نحو تقنية متحيّزة حيال تقنية التعلّم التي تناسب الدماغ الأنثوي ،و يعود ذلك أصلاً إلى مرحلة عمرية محدّدة بالإضافة إلى أن البنات الصغيرات أيضاً سيَكُنّ أكثر ارتياحاً في إطار تربوي حيث يستقبلن معلومات مستعملة،ويتفاعلن مع المعلمين؛ كما ويسألن الكثير من الأسئلة - لكون ذلك يعتبر جزءاً من جهازهن اللغوي - ويقبلن الأجوبة، بيد أن الصبيان الصغار، في المقابل ،يكونون مثل أولئك الجرذان الذكور الفضوليين داخل المتاهة،حيث ينزعون إلى استغلال ميزتهم في الرؤية والتعلّق، ومن جهة أخرى، فقد كانوا أقل اهتماماً بعلاقتهم المفترضة مع مُعلّميهم- بالإضافة إلى أنهم أقل اهتماماً بالمواليد بعمر يوم واحد - كما أن أدمغتهم تنحاز إلى المهارات التي تجعلهم فضوليين للاستكشاف والتعرّف على الأشياء بأنفسهم.
يترجم تفوق ثرثرة الطفلة الأنثى الرضيعة إلى درجة كبيرة من الذكاء في الجانب الشفوي والذي سيكون عالياً في فترة الطفولة التالية، فقد اكتشفت، وتمتعت، وعزّزت فوائد ميزتها في إطار أفضل لمعالجة اللغة، بينما لا يزال الصبي مستمتعاً بعالمه الأكثر ميكانيكية من الأشياء – من حيث شكلها، والفراغ الذي تحتله، وكيف تعمل.
إلاّ أن الصبي سوف يعوّض عن وضاعته في المهارة الشفوية لاحقاً من خلال التفوق الذكوري الملحوظ،حيث سيكون تفوقه – كذكر- من ناحية القدرة المكانية شائعاً عند كلّ الثدييات- حيث يعمل على شكل الشيء،أو على الطريقة الصحيحة لذلك.
في كل الأعمار الواقعة بين ستّة أعوام إلى تسعة عشر عاماً ، فإن ذكور البشر يكونون أفضل من الإناث في تحريك حزمة شعاع الضوء لإصابة الهدف المتنقل ،في حين أن الدراسة التي أُجريت على الذكور ضمن المرحلة العمرية من عمر تسعة إلى عشر سنوات قد أثبتت على أنهم وُجِدوا أكثر مهارة في إعادة إنتاج النمط بعد تسييره على الأرضية ،وكما في الاختبار الذي قامت بإجرائه جمعية أمريكية ،فقد كان الفرق في تفوق الأولاد الذكور على البنات بعيداً في تركيب الأجسام مثل سدادات القوارير وشمعات القدح، وفي الحقيقة ، فإن أيّ والد سوف يعترف بفضول ابنه الذكر
- أثناء فترة طفولته المبكّرة- بالأشياء الميكانيكية.
في هذه الأثناء، دعونا نتعمق في تجارب ساحة اللعب ثانية، لرؤية كيف أن أطفالنا يبدؤون - حين يبلغون العاشرة من أعمارهم – بالنمو بعيداً عن بعضهم البعض ، وذلك حين يشرعون بمزاولة وممارسة وتقوية تلك الكفاءات المتميزة جنسياً والتي وُهبوا إياها قبل ستة أشهر من ولادتهم ، حيث تتجمّع البنات جانباً في المقابل، يستمعن،ويتكلمن مع أصدقائهن، ويتبادلن أسرارهن فيما بينهن،وعندما يتشاجرن - على الرغم من أنهن أقلّ شجاراً غي أغلب الأحيان من الصبيان- فإنهن يتبادلن الشّجار بالكلمات والجدل،وليس بالتدافع أو اللكمات،في الوقت الذي من المحتمل أن تسود فيه إحداهن على نظيراتها، مقابل نظيرها الذكر الشّرس،لكنها تبقى حتى الجزء الأهم من اللعبة، متعاونة،متشاركة، وغير مُنافسة، وعندما يذهبن إلى البيت، قد يبدأن بتدوين مفكراتهن الشخصية بشكل تفصيلي حول أنفسهن وعن أصدقائهن، فهنّ يكبرن في عالمهن المألوف والخاص للاتصال والعلاقات .
ينطلق الأولاد الذكور حول ذلك ، فعدوانيتهم المطعّمة بشكل هورموني قد وجّهتهم إلى ألعاب العمل والمنافسة والهيمنة والقيادة،المراوحة الأوسع، وبشكل أكثر استقلالية وتشوّقاً لمعرفة المكان الذي يسكنه والأشياء الموجودة فيه،حيث أن الطفل الذكر، أراد اللمس ، والتجمّيع، والتفكيك،في الوقت الذي تصبح فيه الأيدي امتداد للعيون ، كما يكتشف عالم الأشياء من حوله ،وذلك من خلال قوة وسائط الجزء التخصصي من شقّ دماغه الأيمن .
في حين يمكن لهذه الهيمنة اليمنى أن تصبح بحدود عمر الستّة، أن تتميّز بشكل تجريبي:
فهو يمكن أن يميّز الأشكال أفضل بكثير بيده اليسرى (تحت سيطرة الجانب الأيمن للدماغ) بدلاً من يده اليمنى ، فهو يبني الأكواخ، والحصون، والمحطات فضائية،الحدائق الخلفية للبيت،وإذا ما احتفظ
بمفكرة، فهي ستكون شيئاً موجز مهتمّاً بخسارة المطواة، أو النتيجة في اللعبة الفائزة، لكنه قد يجعل من المحتمل أن يدوّن لألعاب الكومبيوتر بعد يوم من الإحباط – من التهجّئة والكتابة - فهو يمكن أن ينتظر بالكاد بل ويتحرّق شوقاً لاستعمال مهاراته العقلية الخاصة في شنّ هجوم بمركبته الفضائية المريخية.
بالنسبة إليه، فعالمه يبدو له وكأنه عالم ملئ بالأحداث والاستكشاف والكثير من الأشياء، لكن المدرسة تخبره بل و تأمره بأن يبقى هادئاً ، يستمع، لا يتململ، وينتبه إلى الأفكار، بيد أن كلّ شيء في الحقيقة بالنسبة إليه كما دماغه وجسمه يخبرانه ، بل ويحثّانه على التمرد على أوامر المدرسة .
لقد كنا قد لمّحنا كيف أن الانحراف في التعليم يفضّل الانحراف في العقل الأنثوي - القبول السلبي للمعلومات المتّصلة شفهيا المؤهلة بالسؤال والجواب، يناسب الأنثى بشكل أفضل – وحتى في المهام اليدوية، مثل الكتابة اليدوية، فإنها تناسب المهارات المحرّكة الرفيعة لدى الأنثى ، مقابل الميكانيكا الإجمالية للذكور.
طبقا للدكتور"ديان ماغينيس McGuiness" فإن التعليم تقريبا يعتبر مؤامرة ضدّ الكفاءات وميول تلميذ المدرسة:
" في السنوات الدراسية المبكّرة، يركّز الأطفال على القراءة والكتابة،والمهارات التي تفضّلها البنات بشكل كبير، وكنتيجة لذلك ، يملأ الأولاد الذكور صفوف القراءة العلاجية، حيث لا يتعلمون التهجّي، بل وُيصنّفون كمختلين فيما يتعلق بالقراءة بنسبة إعاقة تفوق أربع مرات مقارنة مع تعلّم البنات.
ُترى ، أكانت هذه الأصناف التأديبية قد وجدت في وقت سابق بحيث كانت ستتضمّن فراداي علماء بارزين مثل Faraday وأديسون Edison وآينشتاين Einstein ".؟؟
إن أكثر من 95 بالمائة من الأطفال من الذين تم تشخيصهم على أنهم شديدو النشاط كانوا من الذكور، وكان من النادر وجود ذلك في البنات.وقد أعطى ذلك التشخيص ما أصبحنا نعرفه الآن حول الدماغ الذكر والانحياز الأنثوي في التعليم، وهكذا فإن إحصائية الإحباط ليست مفاجئة.
تزعم الدّكتورة " ديان ماغينيس McGuiness بأنه و لمدّة طويلة كان ذلك يعتبر السرّ المذنب لأخصائيي التربية:
" إن إخفاء المعرفة التي تتعلّق بكفاءات الجنس المعيّنة في التعلّم قد كانت أسوأ وبشكل أكبر بكثير من أن تكون جيدة، وقد أدى ذلك لأن يسبّب الكثير من المعاناة لدى العديد من الصبيان الذين يعانون عادة من بطء في اكتساب قراءة المهارات، عندما تتم مقارنتهم مع البنات ، كما ويبدو جلياً خُبث الأمر بدرجة أكبر منظر أولئك الصبيان الصغار وهم يتناولون الدواء لعلاجهم من " مرض" ليس له تشخيص صحيح.
يلحق الصبيان بالبنات في النهاية فيما يتعلق بمهاراتهن الشفوية الأساسية، مع أنّهم لن يتمكنوا في أن يكونوا ُطلقاء اللسان تماماً ، بيد أن تلك القدرة تأخذ مكانها الآن بجانب المهارات البصرية والمكانية المتطورة بالكامل .
اعتماداً على اللغة والرياضيات التي تقوم الآن بعملها الاعتيادي، فإن الذكر يمكنه أن يدعو سلطاته الأعظم بنجاح بل وإدراك الأفكار والعلاقة فيما بينها.
في هذه الأثناء، ماذا حدث بالنسبة للأنثى ؟ فهي لم يكن لديها تشجيع للمهارات المكانية، ولا سبب لدعوتها للظهور، غير أنه - و كما سنرى في الفصل القادم - فعندما تصبح الرياضيات أكثر من مجرد السؤال عن المهارات الحسابية المجرّدة، بحيث يجب أن تعمل بالتعرف على ملخّصات الأنماط النظرية،كما يجب عليها – أي الأنثى - أن تنتج و (تجتهد) لتصل إلى مستوى القوى الفطرية للذكور الذين يجلسون بجانبها، فمهاراتهم الشفوية قد شارفت توّاً على مجاراة مهارتهن في ذات المجال أما بالنسبة إلى مهاراتها التصورية الأعلى - مثل الهريرات في الظلام،فهي قد تكتشف بأن تلك الوظيفة قد ضَمُرت.
لذا ، فإن نظام التعليم الذي يميُزّ في أنماطه المبكّرة للتعليم، ضد الذكور، يتحول في مرحلة تالية ليطال البنات، كما أنه كاف لأن يجعل مهندس اجتماعي يشعر باليأس (على سبيل المثال)
بالرغم من أن العديد من المهندسين الاجتماعيين قد يفضّلون رفض الدليل ونتائجه ، لكن كم يمكن أن نغيّر في ذلك النمط،وما هو المقدار اللازم لذلك؟
نظرياً ، يمكننا أن نغيّره بالتأكيد، وذلك عن طريق التلاعب بالهورمونات الجنينية - ليس هناك من صبي صغير لا نستطيع جعل تصرّفاته تبدو كبنت صغيرة، والعكس بالعكس، وذلك بإعطائه الحقنة الملائمة، وكل ما هو مطلوب لتطبيق المبادئ النازية إلى التقنية الكيماوية البيولوجية (الحيوية) للقرن العشرين .
إن أي إصلاح في طريقة التعليم يمكن أن يعوّض للاختلافات المقارنة إلى حدّ ما، فهو قد يعطينا نساء مصمّمات أكثر حتى، أو موظفي خدمات اجتماعية من الذكور، لكن ذلك قد يؤدي إلى التعرف على الاختلافات - التي كان أكثر إخصائيي التربية يمانعون من الاعتراف بها - و درجة التمييز الإيجابي التي تجلب معها مشاكلها الفلسفية والسياسية الخاصة.
نحن لن نغيّر الذكورية الضرورية للأولاد الذكور أو الأنثوية لدى البنات، فكل منهما سوف يمرن العضلات الجنسية للكفاءة العقلية، فهم سيدخلون في عالم ليس مصمّماً بموجب نظرية البعض المتقنة الاجتماعية السياسية، لكن خارج التاريخ وتجربة أجيال الناس الذي كانوا رجالاً ونساءً أمامهم.
إذا كان العالم عالم جنسي، فهو لأن الرجال والنساء هم الذين خلقوه أمامنا وقد تصرّفوا في ما نحن ندعوه بالطريقة الجنسية، وهكذا فلإعادة بناء العالم على تقديرات الخطوط غير الجنسية يحتاج إلى جهود إيجابية، لأنه فعل غير طبيعي، فهو نصيحة اجتماعية وسياسية، لكن النصائح السياسية والاجتماعية لا تنظّم الأدمغة فالهورمونات هي الوحيدة التي تفعل ذلك .
نحن ما زلنا على أبواب المدرسة، والأطفال الآن عبارة عن نساء صغيرات، ورجالاً صغاراً، بالرغم من أنّ المفاتيح العظيمة للجسد لحدّ الآن لم تسحب بعد ، لمنوالات سن البلوغ الذي ومن خلاله سوف يتم إطلاق وتوزيع الهورمونات.
حتى الآن، فقد رأينا التصميم والتطوير من محرّكين منفصلين؛ أما الآن فسنرى ماذا سيحدث عند ما يتم وضع الوقود وإدارة المحرك، فالتغيرات العظيمة والمتميزة وغير القابلة للنقض في الاختلافات بين الذكور والإناث ، وكذلك التغيير الأعظم مازال لم يأت بعد.