المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الامانة- قصة



علاء الدين حسو
23/12/2006, 10:16 PM
الأمانة..

جلست ، أراقب حركات العصفور ..والعصافير أنواع ..وعصفوري يطلق عليه اسم(بندوق). أمه من عائلة (الكنار).. وأبوه من عائلة (الصقيعي).
أمنني والدي الذي رحل ، على العصفور ، كان أخر العصافير التي يربيها ،و أخر كلمة له :
- ابني أرى في هذا العصفور معلما لك, حافظ عليه..

كأمي كنت لا اهتم بالطيور، ولكني لم أكن اكره الطيور..كنت أرى غضب أمي وتذمرها..وكنت اسمع ضحكة والدي معلقا:
حب العصافير أفضل من حب القطط.
كنت اضحك لان أبي كان يكره القطط.. وعلمت فيما بعد بأنه من يحب العصافير يكره القطط..حتى إن المساعد الذي تعرفت عليه في الجيش قال لي بأنه حرق القطة التي أكلت فرخ من فراخه...

- ماذا ستفعل به؟
التفت إلى زوجتي، وعدت إلى القفص ابحث فيه عن الوصية، عن الدرس، وعدت اسمع:
- لا تقل لي بأنك سترعاه ..أنني اكره الحيوانات..رائحة الريش تضر ولاء ..
رأيت أمي في زوجتي ..ولكنها أصابت هدفا (ولاء) ابنتي تعاني من مرض تحسسي يسمونه ربو الأطفال
- انه من والدي؟

سمعت خطوات ابتعادها، صوت صفق باب المطبخ بقوة، كسر طبق أو فنجان، سحبها كرسي، تشغيل القداحة، تطريش الماء،غوص الأطباق في الماء،دهشت لاهتمامي بهذه التفاصيل وكأن حاسة السمع قويت..وكأن رؤيتي تغيرت ،شعرت بحنان غريب للعصفور.. واكتشفت بأني أحبه من أعماقي.. وجاء صوت زوجتي من الخلف:
- يكون في علمك،لن اصبر..

أمي رائعة، تحب النظافة، وهذا أحد أسباب كرهها للعصافير فالمسامير اللازمة لتعليق الأقفاص تشوه الجدران..وأوراق الجرائد لا تحل مشكلة سقوط الأوساخ على الأرض.لقد صبرت وتحملت.. وكانت تواسي والدي حينما يفقد عصفورا. .. أما زوجتي تهددني بأقسى من ذلك، يعني أنها لن تصبر.ستترك البيت .وربما ستحاربني..

وضعت العصفور على طاولة صغيرة نستخدمها صيفا على البلكون ، وعدت أراقبه علني اكتشف شيئا ما .. كان يقفز من عمود لعمود وينقر الماء واحيانا ينقر من (الدخل) أو (القنبز) .. وعدت إلى مناداتها :
- إنها أمانة يا عزيزتي..
وجاءت قبل صوتها، ورغوة الصابون تنفر من أصابعها:
- أمانة؟.. أية أمانة؟! ..عصفور!؟..

وقلت مقلدا والدي :
- أفضل من القطط.
عادت إلى المطبخ وبقي صوتها الذي قال:
- القطط ستهجم عليك أن علمت بالعصفور.
خوف ثم اكتئاب مر علي متذكرا تلك الليلة ،كنت ادرس استعدادا للشهادة الثانوية ، سمعت حوارا بين والدي وصديق له لم اره بعد تلك الليلة وكان يبكي وأتذكر من الحوار:
والدي: عيب عليك أبو حسن..لا تبكي مثل الصغار.
أبو حسن: كيف لا ابكي..هرة سوداء ابتلعت اعز فرخ عندي..
والدي: عندك غيره
ابوحسن : القطط لا تبارح دارنا ..بات الأمر لا يطاق

الخوف ليس من بكاء صديق والدي وإنما من حركة العصفور الغريبة.. استغربت توقفه عن القفز، الصمت، الإضراب عن الشرب، الأكل،
كأنه يحتضر ..هكذا خيل إلي..احسست بهم شديد من فقده ،إحساس قوي كدخان سيجارة نفذ إلى قلبي وعقلي وناديت على زوجتي:
- العصفور يموت..
لم اشعر بقدومها ببطء ولكني سمعت صوتها:
- أحسن نخلص من المشاكل ..ودنت أكثر ودققت بالعصفور مكلّمة نفسها بسخرية:
- أصبح برقبتنا قتيل..
وعادت إلى المطبخ وتبعها صوتها :
- خذه إلى الحاج حسن.
خطر ببالي الحاج حسن ،صديق أخر لوالدي ويسكن قريب منا ويفهم بالطيور ،إلا أنني تذكرت يوم أرسلني والدي لاستعارة (قمبزا) فإذ بزوجته تصرخ في وجهي وتلعن الساعة التي تزوجت أبا العصافير وساعة العصافير وساعة كل من يحب العصافير ..كان ذلك قبل عقدين من الزمن.. ولكني لا أزال أخاف من تلك المرأة وأتجنبها..

نفخت العصفور فتحرك ريشه ولم يتحرك ..إذا مات ..هكذا قررت ودون أن أتردد ارتديت ملابسي وقبل أن أخرج لمحت زوجتي وقد أنهت غسيل الأطباق وأحضرت إبريق الشاي فتفاجأت بي:
- إلى أين
- سأحضر طبيبا بيطريا

ضحكت زوجتي وكاد الشاي يندلق..جلست على اقرب كرسي واشارت إلى الساعة
- أنصاف الليالي وطبيب للعصفور..
تذكرت أن الساعة العاشرة ليلا، وكون الفصل شتاء العاشرة تعني نصف الليل أو أكثر..ثم التفت إلى زوجتي التي جلست بقرب العصفور وزفرت عليه دخان سيجارتها فانتفض ..
- يبدو انه نائم ..أيقظته
- نائم ؟
- الا تنام العصافير؟.

أسرعت نحو القفص ادقق فيه فوجدته يقفز ثانية ،من عمود لعمود ،ينقر الماء ،القمبز ،ويطرق القفص بمنقاره..
وخيل إلي أن والدي يهتف لي..
- هل تعلمت شيئا.
شتاء 2006

محمد ربيع
24/12/2006, 12:27 PM
" ... وخيل إلي أن والدي يهتف لي : هل تعلمت شيئا ... " ؟


أما أنا فقد تعلمت الكثير ..
أستاذي علاء الدين حفظه الله
سعدت بحصة ثانية في مدرستك ..
فتقبل شكري وتقديري ..

علاء الدين حسو
24/12/2006, 01:48 PM
الاخ العزيز محمد هذا من حسن تواضعكم وبرهان متذوق نعتز به ونكتشفه عنك وبانك متذوق جاد ومبدع يستحق التقدير ..شكرا لك مع تحياتي وبشوق لابداع جديد لجنابكم
علاء

طوبا العبدالله
25/12/2008, 04:13 AM
الله يعطيك العافيه:fl:
قصه رائعه