المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ترجمة كتاب الأربعين حديثا النووية إلى الأمازيغية السوسية (تَاشْلْحِييتْ)



محمد بن أحمد باسيدي
03/10/2006, 09:53 PM
إخوتي الأفاضل
أحيييكم و أدعوكم إلى إثراء الحوار عن هذا الجانب من ثقافة أمتنا المتنوعة. ونحن في أمس الحاجة لإشاعة ثقافة الحوار الراقي الذي يعبر فيه كل مشارك عن رأيه بكل حرية لكن بمسؤولية تنم عن الوعي والمروءة و مناصرة جميع قضايا الأمة بلا استثناء.
و إلى القراء الأعزاء الجزء الثاني و الأخير من الموضوع السابق.
_____
محمد المختار السوسي والثقافة الأمازيغية -ترجمة كتاب الأربعين حديثا النووية إلى الأمازيغية السوسية-
3- الترجمة الأمازيغية السوسية للأربعين حديثا النووية
دفعت أهمية كتاب الأربعين حديثا محمد المختار السوسي إلى العناية بترجمته إلى الأمازيغية السوسية "تاشلحيت" سيرا على نهج من سبقه من العلماء والدعاة والوعاظ الذين تصدروا لترجمة كتب العلوم الشرعية إلى الأمازيغية منذ القديم، وقد كان هذا الاتجاه راسخا في أسرة العلامة السوسي الإلغية السعيدية الدرقاوية إذ أقدم والده الشيخ الحاج علي الدرقاوي الإلغي على ترجمة باب العبادات من كتب الأمير المصري كما ترجم أخوه كتاب "رياض الصالحين" للإمام النووي وباب العبادات من رسالة ابن أبي زيد القيرواني وكتاب "نور اليقين في سيرة سيد المرسلين" لمحمد الخضري في السيرة النبوية.
أ‌- أسباب الترجمة
بدأ العلامة السوسي ترجمته كتاب الأربعين حديثا بمقدمة ذكر فيها أسباب تصديه لترجمة الكتاب وهكذا سار على منهج القدماء في التأليف فاستهل بحمد الله على نعمة العلم، وثنى بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: "أَرْتْحْمَدْغْ إِيرْبِّي أََرَسْ تْشْكَرْغْ لِّيغْ يِّي يُوفْقْ أَيَلِّيغْ سَّنْغْ إِيمِيكْ لْعِيلْمْ هَاتينْ لْفَاضْلْ نْرَبِّي كَايْكَا آرْتْ يَاكَّا إِيوَنَّا موتيرا، ضَالْبْغْ إِيَرَبِّي أَيَزَّالْ فَالنَّبِي رسول الله سيديسْ نْكُويَاْنْ، إِيسَلْمْ فَلَّاسْ إِيفْكَاسْ لْوَسِيلا إيِرْضو فَايْدَّارْسْ أُولاَ لاصْحَابَانْسْ أُولا كولّو ماتت إِيتابْعَانْ سَلْخِيرْ".
معناه: أحمد ربي وأشكره لما وفقني لتعلم بعض العلم، وكل ذلك من فضله يؤتيه من يشاء. وصلى الله وسلم على النبي رسول الله سيد العالمين وأسأله أن يؤتيه الوسيلة وأن يرضى على آله وأصحابه وكل من اتبعه بالخير".
وبعد هذا الاستهلال انتقل المترجم إلى بيان أسباب تصديه للترجمة، وهي:
- ما ورد في فضل حفظ أربعين حديثا، ثم أهمية كتاب الأربعين حديثا، فقال: إيلا يا لكتاب إيلا كيز سْنَتْ إيدا عْشْرينْتْ دْ سْنَاتْ غْ إيوالِيوْن ن رْسول الله إِيفُولْكِي باهرا، أُورَاك إيكَا ما دور إيتْسْنْ أوموسلم. إينا لْبَعْضْ لْعُولَمَا، إِيلاغ لحديث: ونّا إيسنّ ربعين غْ إيواليْونْ نرسول الله أرتيد إيتْبْعاتْ ربي غْ كْرْ لعولما يوم القيامة، غيكان إيكَات لحال أشكو إيقادا نيت غْ لباركة نغيكان إيغ تيسن يان. لمتابان إيسركتن يا لعالم أراستننين سيدي يحيى النّواوي".
معناه: وقفت على كتاب فيه اثنان وأربعون حديثا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يغفل عنه، قال بعض العلماء ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء. وذلك الكتاب ألفه عالم اسمه يحيى النووي"
- شغف أخت العلامة السوسي السيدة يامنة بنت الحاج علي الدرقاوي بالمعرفة الشرعية خاصة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ورغبتها في الاطلاع على بعض حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وانشغال زوجها – وقد كلبت منه ترجمة الأربعين حديثا – عن إجابة طلبها مما حدا بالعلامة السوسي لمبادرة بالاشتغال فيه، قال: "أيي نيت باهرا إيسنكرن سغونشكن أيليغ تيويغ أتكغ دواوال إيشلحين إيس زريغ للا يامنة أولتما تمييل سلخير تحوبو أدستان. تكاتين تضالب ياد لفقيه سيدي محمد أوحمد أركازنس آداس تيك دوشلحي ولكن أورديت ياغ إيريغ أكيز سكرغ لخير غيكان بهرا إيريغ أستعاونغ أد تفهم ليمور ندين أست إيعاون ربي س لفاضلنس".
معناه: "والذي دفعني حقا إلى ترجمة هذا الكتاب إلى تاشلحيت أنني رأيت للا يامنة أختي دأبها الميل إلى الخير ومحبة العلم والمعرفة، وكانت طلبت من الفقيه سيدي محمد بن أحمد زوجها أن يترجمه ولكنه كثير المشاكل، ورغبت أن أسدي لها هذا المعروف، وأن أفوز بأجره، وأمر آخر أني رأيتها تعرف سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وقد سرني ذلك منها جدا ورغبت في إعانتها لفهم أمور الدين ليعنها الله بفضله".
وفي آخر المقدمة أشار العلامة السوسي إلى منهجه في الترجمة إشارة مقتضبة فقال: "هايي راد بدوغ غ تفسير لحاديتان آر نفلاس تزايادغ ما يتبيان لمعنى د غايلي كولو تحتاجا لوقت، أدنغ إعواني ربي".
معناه: "وها أنذا أبدأ تفسير تلك الأحاديث وأزيد عليها ما يبين المعنى وما يحتاج إليه زمننا هذا، فليننا الله".
ب‌- وصف المخطوط
وردت نسبة مخطوط ترجمة الأربعين حديثا النووية إلى العلامة محمد المختار السوسي ضمن مؤلفاته تحت عنوان: "مترجم الأربعين النووية" وورد في التعليق عليه: "للنووي ترجمته على اللهجة السوسية لإحدى أخواته المتحفزات إلى المدارك"(1).
وقد ألف المترجم هذا النص إبان نفيه إلى مسقط رأسه دوكادير إلغ، ورد آخر نص الترجمة قوله: "كيغتين آدلي أوريغ كيز كرا أماس نتاريخ نتزا ووسان غ وايور نرجب أجغت أيليغت كملغ غاساد لي إيكان ويس مراوغ وايور ندو لقيعد غو أسكاس 1357".
معناه: "كنت فيما مضى كتبت شيئا من هذا الكتاب بتاريخ تسعة أيام من شهر رجب وتركته حتى أتممته اليوم الذي هو العاشر من شهر ذي القعدة عام 1357".
أما النسخة المخطوطة التي بين أيدينا فهي مصورة بوساطة الأستاذ عبد السلام لسان الدين ابن أخي المؤلف الفقيه عبد الله بن الشيخ علي الدرقاوي، ورد في آخرها: "كتب هذه الأربعين النوويات المختاريات عبد الله بن سيدي الحاج علي الدرقاوي لأخته للا يامنة التي كانت السبب في تكوينها شلحية، كتبت من خط المؤلف في أول أيام جمادى الثانية عام 1362هـ".
تقع هذه النسخة التامة المكتوبة بخط واضح جميل في خمسين صفحة من القطع المتوسط في كل صفحة 20 سطرا وفي كل سطر 8 كلمات، والنص مضبوط بالشكل التام، وقد راجع الناسخ نسخته تدل على ذلك التصويبات القليلة التي وضعها على هوامش الصفحات مشيرا إليها بعلامة الإلحاق من صلب النص على شكل خط من الكلمة في النص إلى التصويب في الهامش.
وخلاصة القول إن هذه النسخة جيدة امتازت بدقة المراجعة خاصة أن ناسخها له باع طويل في ترجمة الكتب العربية إلى الأمازيغية السوسية، فقد ترجم كتاب "رياض الصالحين" للإمام النووي وقسم العبادات من رسالة ابن أبي زيد القيرواني، و"نور اليقين في سيرة سيد المرسلين" لمحمد الخضري، (2)مما جعل نسخته هذه متميزة بقلة الأخطاء.
ج- منهج الترجمة
ذكرنا فيما سلف أن المترجم العلامة محمد المختار السوسي أشار باقتضاب إلى منهجه في الترجمة، فقال إنه عمل على نقل المعنى وتبيينه مع ما يقتضي ذلك من زيادة ما يحتاج إليه للإفهام والبيان، أي أن الترجمة عنده ليست نقلا حرفيا للنصوص ولا تحويلا أمينا للمعنى الدقيق من لغة إلى لغة، وإنما مدارها الحرص على إيصال المعنى وإبرازه للمتلقي المباشر للنص المقصود بالترجمة، وهي أخت المترجم وبعدها عامة المغاربة الذين يتحدثون الأمازيغية السوسية ولا يتقنون العربية، والقصد تمكينهم من فهم بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبر تجاوز حاجز اللغة واستيعاب المعاني السامية الثاوية فيها، خاصة الأحاديث التي تمثل أساس الدين وعماده كالتي ساقها الإمام النووي في كتيبه هذا.
هكذا يصبح غرض الترجمة هو نقل المعاني وإبرازها بما تقتضيه من إيضاح، فتغيب الترجمة الحرفية ويصبح الهاجس الملح إبراز المعنى خاصة إذا تعلق الأمر بنصوص الوحي التي يكون الغرض من بيانها دفع المتلقي إلى الأخذ بها في عقيدته وسلوكه وأخلاقه، كما أن الترجمة هنا تتعلق بنقل النص من بيئة إلى بيئة أخرى، من بيئة المعرفة العلمية الرصينة المعتمدة على اللغة العربية إلى بيئة الدعوة والوعظ والإرشاد باللغة الحميمية اليومية وهي الأمازيغية السوسية: تاشلحيت. إن هذا كله يقتضي التصرف وعدم الارتباط بالترجمة الحرفية واستهداف نقل المعاني واضحة بينة بربطها بفكر المتلقي وبيئته المعيشية لتكون قريبة من فهمه واستيعابه، وهكذا يمكننا أن نسمي هذه الترجمة: ترجمة تأويلية أو تفسيرية وهي "التي لا تأخذ بعين الاعتبار حرفية النقل ولا الحدود الضيقة للمعنى، ولكنها تهدف لتقريب المعنى بوضوح إلى المتلقي يلغة أخرى متوسلة بكافة طرق الإيضاح كالاستطراد والنقل من مصادر أخرى والاستدلال العقلي المنطقي أو العاطفي الوجداني"(3).
وقد فطن العلماء في سوس لهذا الأمر فكانوا يسمون نقل النصوص العربية إلى تاشلحيت تفسيرا، قاصدين أن المترجم لا يقوم بالترجمة الدقيقة وإنما يعمد إلى تفسير النص العربي قرآنا كان أم حديثا أم فقها أم غير ذلك..باللغة الأمازيغية. قال الإمام الحسن بن مسعود اليوسي في جوابه عن سؤال من الفقيه امحمد بن محمد بن عبد الله السملالي (ت 1122) حول تفسير القرآن بالأمازيغية: "أما تفسير القرآن باللغة البربرية فلا بأس مع وجود شرطين: أحدهما تحري الصدق والتحصن بجنة لا أدري، والثاني التبحر وحصول المعرفة التامة بالمراد، مع معرفة موضوعات الألفاظ العربية القرآنية، وتحقيق حقيقتها ومجازها وتصريحها كنايتها، وغير ذلك..مع معرفة تطبيق ذلك على الألفاظ العجمية التي يقع التفسير بها لئلا يقع الخطأ في إيراد لفظ مكان لفظ لا يرادفه، وذلك محتاج إلى معرفة تامة، وفطنة قوية وهو أمر صعب، ومن صعوبته يوجد فحول المفسرين يتبع بعضهم بعضا في كثير من العبارات والأحوط مع ذلك أن يسرد تفسيرا من التفاسير السهلة، ثم تفسير ألفاظ المفسر لا ألفاظ القرآن"(4).
وإذا أمعنا النظر في عمل العلامة محمد المختار السوسي في ترجمة كتابي الأربعين حديثا النووية وجدناه قد سار على هذا المنهج فتوسع في التفسير والبيان مستندا إلى معرفته الواسعة بعلم الحديث وقد كان درسه في رحلته العلمية في مساجد مراكش والدار البيضاء وفي دروسه الوعظية في الحلقات الإذاعية بالرباط...
ويمكننا إيراد نماذج من نصوص التوجه التفسيري في الترجمة عند العلامة السوسي من مخطوط ترجمة الأربعين حديثا النووية، كما يلي:
* الحديث الأول ونصه: "عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
ترجمه العلامة السوسي كما يلي: "إنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إيتكان لعمل لي يسكر بنادم دا النييت، أور أيتصاحا إيكولو ما يكان يان أبلا غايلي إينوا إقصت، حتى أمودوا لي دسكرن إمدو كالنرسول اللاة ليغد فاغن غ مكة س لمدينة أوريلي لجاز أنس أبلى إيوانا إينوان إيسيكا أمودو يان وين ربي واحدوت أكولو إيصفو لقصد س ربي أما ولى دكا إيمودن إيتابعا دونيت د تيجار أنس نغ كرا نتماغرت توشكاد غ مكة س لمدينة إيتا بعاتيد أست ياوي، هاتين كرا يكان لاجر أورتيوي أشكو دو نتس دلهوا إيخفنس كايسلا ون زا إيران ربي هاتي نتنكا أراسلا إينووت غلومونوس كولو غيكتان أسئينا رسول الله غاين أفنان العولما لا بودان نييت غ لعملكولو وإنا سران كينت لوضو أولا التيموم أولا الغوسل أولا تازاليت أولا أوزوم أولا زكا أولا الحيج أولا الصادقا أولا تاوادا أولا تاكونوي أولا تانكرا اولا كرا إيلال غايان أيوف ونا إيسن لمعنى لحادينان أراس بدا إيتصاحا لاجر حتى غو أمتشونس أولا تكوننس أولا غ ليتيها لنس، إيغوكان إيقصد أيقوّوسْ غيكان سباب أيليغ آس كولو كان لا عمالنس لعيبادا، أداغ إيوافق ربي سغيكان. نان لعولما ليغ كولو هاجرن لا صحابا نرسول الله غ مكة س لمدينة، يلي كيزن يا لخلق كاتيد يوين غ مكة س لمدينة إيسد إيتبعايات تامغرت غ إيمو سلمن تهاجرد حنى نتات إيرا أسنياوي غيكان أف إينا رسول الله لحدايثان".
المعنى: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما يتأسس العمل الذي يقوم به الإنسان على النية، ولا يحصل لكل أحد إلا ما نوى وقصد، حتى الهجرة التي قام بها الصحابة من مكة إلى المدينة ليس أجرها إلا لمن نوى الهجرة لله وحده، وأن يصفو قصده لله، أما من سافر واتبع دنياه أو تجارته أو امرأة هاجرت من مكة إلى المدينة اتبعها قاصدا الزواج منها، فليس له أي أجر، لأنه إنما اشتغل بدنياه وبهوى نفسه، أما من قصد الله فإنه يتوجه إليه في جميع أموره كلها، هكذا قال رسول الله، ولذلك قال العلماء لا بد من النية في العمل أيا كان من وضوء أو تيمم أو غسل أو صلاة أو صيام أو زكاة أو حج أو صدقة أو سفر أو نوم أو يقظة أو غير ذلك، ولذلك فإن من يعرف معنى هذا الحديث يحصل له الأجر حتى في مأكله ومنامه وزواجه، إذا كان قصده أن يتقوى بذلك لعبادة ربه، فتكون كل شؤونه عبادة حتى إذا ذهب للسوق أو اشتغل بالحرث أو الحصاد أو البناء، أو كل ما شابه ذلك، فالواجب على المؤمن أن لا يفرط في النية الحسنة في كل أموره كيفما كانت، وكثير من الناس يعتنون بالنية فكان ذلك سببا في أن أضحت كل أعمالهم عبادة لله، وفقنا الله إلى ذلك، قال العلماء سبب هذا الحديث أنه عندما هاجر صحابة رسول الله من مكة إلى المدينة كان فيهم رجل ما خرج من مكة إلى المدينة إلا إتباعا لامرأة مسلمة مهاجرة يريد الزواج بها".
من خلال هذا النموذج الممثل لمنهج العلامة السوسي في الترجمة التفسيرية نستخلص أن عمله قد ارتكز على جملة أمور هي:
- نقل المعنى بأمانة تامة، فليست الترجمة التفسيرية مجالا لتغيير المعنى أو الزيادة فيه أو النقص منه خاصة أننا أمام ترجمة الوحي، ولا يقدم على ترجمته إلا من آنس من نفسه القدرة العلمية والمعرفية واللغوية، وتحري عدم تغيير المعنى والعمل على نقله للمتلقي بأمانة دون أدنى لبس، وكما نرى فقد وفق العلامة السوسي في ذلك.
- التوسع في الشرح والتوضيح إبرازا للمعنى وإيضاحا له، لذلك نرى العلامة السوسي يتبع ترجمة الأحاديث بشرح معانيها وقد أشرنا إلى أن الترجمة عند العلامة السوسي تعتمد على نقل المعنى ليس من لغة إلى أخرى بل أيضا من بيئة علمية معرفية عربية مدونة إلى أخرى حميمية شفوية أمازيغية، فكان لا بد من الاستعانة بأمثلة توضيحية من البيئة المحلية، فنجده يشرح معنى النية في العمال كلها معددا أنواعها من حرث وحصاد وزواج وتيمم ووضوء ..وغير ذلك، وكما في الحديث الثالث حيث يتوسع في شرح معنى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله.. (5) أو في الحديث الخامس وهو يذكر بعض البدع الرائجة عند الناس حول الجنائز واعتقاد الصالحين وعاشوراء.. (6)
- ربط الحديث المترجم بالواقع وتنزيله عليه، باستخلاص أحكامه الفقهية، لتجاوز المعرفة الحديثية إلى العمل، عبر إقناع المتلقي بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، بواسطة الإفهام والتوضيح واعتماد أسلوب الإقناع المنطقي بالاستناد إلى أدلة خارج نص الحديث مثل أقوال العلماء. وأسلوب الإقناع العاطفي الوجداني مثل النصح والدعاء.
إضافة إلى ما سبق من ملاحظات منهجية، نجد العلامة محمد المختار السوسي قد سار في ترجمته للأربعين حديثا النووية على المنهج البنائي التالي:
- حافظ على الترتيب الأصلي للأحاديث في النص الأصلي.
- أورد الأحاديث مرتبة مرقمة، الحديث الأول ثم الثاني والثالث وهكذا حتى الحديث الثاني والأربعون الأخير.
- حذف رواة الحديث الذين أوردوا نصوص الحديث في كتبهم المختلفة والذين أورد الإمام النووي أسماءهم، وذلك لعدم حاجة المطالع الشلحي الأمازيغي لذلك السند لأن غرضه فهم النص والانطلاق منه إلى العمل الصالح، لا التمرس في معرفة الرواة ومراتبهم.
4- قيمة الكتاب
أشرنا في ما قبل إلى قيمة كتاب الأربعين حديثا للإمام النووي وعناية المسلمين عامة والمغاربة خاصة به، ولا شك أن هذه الأهمية لا تقل بالنسبة للترجمة الأمازيغية السوسية للكتاب التي نهض بعبئها العلامة محمد المختار السوسي خاصة أنها ترجمة اعتمدت المنهج التفسيري الذي يعمل على نقل معنى الحديث إلى تاشلحيت ثم تفسير معناه وتوضيحه وإبراز ما فيه من أحكام فقهية ومن مبادئ عقدية ومعاني سلوكية عملية بقصد دفع المتلقي بعد الفهم والاستيعاب إلى التأسي والعمل، لذلك نقول إن قيمة هذه الترجمة تبرز من خلال أمرين أساسيين:
- أولهما من شخصية المترجم العلامة السوسي المتضلع من اللغة ثم من علم الحديث بعد ما درسه على علمائه الكبار بالمغرب وأجازه فيه غير واحد منهم، ثم إتقانه التام للسان الأمازيغي مما جعله يتجاوز بسهولة تامة صعوبة الترجمة ونقل المعاني من لغة إلى لغة أخرى حينما توفر له الإتقان التام في اللغتين العربية والأمازيغية السوسية. إضافة إلى ذلك نجد الحضور القوي للشخصية العلمية والفكرية للعلامة السوسي الذي أتاحه التفسير والشرح وإيراد الأمثلة، مما مكنه من طرح آرائه الإصلاحية وأفكاره السلفية الأصيلة الداعية إلى الارتباط بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والإحسان في الاعتقاد والعمل والسلوك، ومحاربة البدع والتنطع في الدين.
- ثانيهما من أهمية الكتاب واهتمام العلامة السوسي بترجمته دون غيره من كتب الدين والعلم، وقد قدم مبررا لذلك وهو كونه رأى أخته السيدة يامنة حريصة على معرفة أمور الدين، فكان أن اختار لها كتابا جامعا لأسس الدين كما حددها النبي صلى الله عليه وسلم واضحة صافية لتتأسى بها. وهنا يكتسي هذا الكتاب المترجم قيمته، إذ يظهر المنهج الذي اعتمده علماء سوس عبر تاريخ المغرب لتبصير الناس بدينهم متجاوزين بسهولة حاجز اللغة عبر التلقين الشفوي للعقيدة والفقه والسلوك والأخلاق للأميين على الخصوص في مجالي الوعظ، وعبر الترجمة التي يتم تداولها بين فئات من الذين يستطيعون قراءتها لأنفسهم أو قراءتها وإعادة تفسيرها لغيرهم، وغالبا ما يكون هؤلاء من القيمين على المساجد من وعاظ وأئمة وخطباء..
هكذا نرى من خلال هذا العرض السريع، أن إقدام العلامة محمد المختار السوسي على ترجمة كتاب الأربعين النووية يندرج ضمن عمله المتكامل في خدمة المعرفة الإسلامية أسوة بسلفه من العلماء السوسيين وبوالده الحاج علي الدرقاوي وأخيه عبد الله، كما يندرج ضمن رؤيته الفكرية العامة التي ترى أن الانتماء اللغوي لا ينبغي أن يطرح إشكالا ما بالنسبة لطائفة كبيرة من المغاربة الذين لا يعرفون اللغة العربية، ويحول دون ارتباطهم بدينهم وتمسكهم بمقوماتهم العقدية والسلوكية، وتشبثهم بتراثهم العربي الإسلامي العريق دون تفريط في خصوصياتهم الثقافية وتنوعهم اللغوي الذي يجعل اختلافهم تآلفا وتنوعهم تكاملا صاغته مجريات التاريخ وأحكمت عراه مقتضيات عقدية التوحيد وأبرزت مظاهر نبوغه لغة القرآن الكريم.
الهوامش:
(1)- دليل مؤلفات ومخطوطات العلامة رضا الله محمد المختار السوسي، ص: 20.
(2)- ترجمة نور اليقين في سيرة سيد المرسلين إلى الأمازيغية السوسية لعبد الله بن علي الدرقاوي، المهدي بن محمد السعيدي، إسهام في ندوة مناهج البحث في السيرة النبوية التي نظمتها شعبة الدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير يومي مارس 2004.
(3)- المترجم نفسه
(4)- المعسول 5/52.
(5) - مترجم الأربعين حديثا النووية، ص: 11- 12
(6)- المصدر نفسه، ص: 14- 15.
المهدي بن محمد السعيدي
نقلا عن:
http://www.islam-maroc.ma/ar/detail....d=1142&z=4&s=4
http://www.islamweb.net/ver2/Archive...rt.php?id=4344
_______
تحية تراثية
محمد بن أحمد باسيدي