المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : احتجاج الضوء الشعري في "قمر الأطلس"



حسن العابدي
30/12/2008, 05:47 PM
حســـن العابــــدي
:good:- إضــــــــــاءة:
- بيدي أرسم القـــــــــــــــــــمر
- قــمري... وهنا سمائي ... منزلي ... دمي.
- هي الآن في داخلي تتحول مثل المطر/ وترقص في القلب مثل شعاع القمر.ص14

- يهمنا في هذا المقترب استشراف تخوم ما يؤشر عليه عنوان المقال باحتجاج الضوء الشعري في شقيه الدلالين: الاحتجاجي والضوئي، والمرتبطين كليهما بالشعر كفاعلية/ كمنتوج أو محمول بالنسبة للأول، وكحامل وإنتاج بالنسبة للثاني، وبخاصة في القسم الأول المحلى بطقوس الروح؛ نظرا لما يكتسيه الجانبان من أهمية مزدوجة يتعرف من خلالها الكون الشعري في " قمر الأطلس" بما هو كشف واستبصار.
قمر الأطلس ضوء شعري يستمد طاقته الفنية والانفعالية، الإبداعيةو التخييلية من مثنى حلم غير قابل للتفريد، هو/ هما الذات والواقع :"حلمان في شكل احتجاج الضوء، أو ذهب على لهب يذوب"

فحين تلتحم الذات بالواقع،يبدأ الحلم وتولد القصيدة. ومن اجلها تصرف تلك الطاقة في طقوس احتفالية يستبق مواكبها بوح شفيف شفافية الضوء" يغني من وراء الليل للفجر الجديد.ص85. ويتغنى بقيم جمال ضائعة، بل مفتقدة في تكايا العتمة والتعتيم،وجب ابتعاثها وإعادة استنباتها في تربة "زمان لم يعد فيها مكان لجمال الروح أو روح الجمال".ص4. ضوء يستبدل إيديولوجيا الواقع كزيف وسفول بنبوءات الشعر الصادقة، الكاشفة الفاضحة في آن لمكامن الزيف، وثقافة الحجر والادعاء والتحجيب. من حيث أن" أجمل عالم... هو الذي لم نكتشفه بعد هو الذي نبنيه بالرفض الجميل" في زمن الهوليكانزية الجديدة والتصحر الروحي، وأحدث تقليعات التسيب الوجودي، والتشرذم والبلقنة. فطبيعي إذن أن تركب القصيدة بما هي ضوء/ مرآة غواية الفضح الجميل بحثا" بين الموت عن الميلاد"وبين الحلم والحصار عن دليل إلى غابة فرح زرقاء، كي تتنفس الأضواء من أجوائها وحدها رئة الشاعر هي التي بمقدورها أن تفعل..
وقمر الأطلس هذا مولود شعري مغربي شرعي، تام الخلقة ومعافى، من القطع المتوسط العادي-12 صفحة-، صادر عن مطبعة فضالة بالمحمدية في زينة مظهرا نية آسرة للشاعر عبد السلام بوحجر، بعد متتالية من الإصدارات الشعرية الغنائية والمسرحية الدرامية
غطت العقد التسعيني موصولة بحضور إبداعي يرتد بصاحبها إلى ما قبل هذه الفترة بكثير.
يتوزع المكتوب الشعري-14 قصيدة- موضوعاتيا في هذا القمر الشعري إلى ثلاث تكتلات/مشاهد أو لوحات شعرية متماشجة هي:

-1- طقوس الروح ويشمل أربع قصائد هي : -ا بلاغة الرباب-2- أوراق عاشق الرحيل-3- سفر آخر-4-قالت ، القصيدة المنشورة تحت عنوان أخر هو قمر الربيع.
-2- دفاتر الوطن: ويعتبر من أوفر الأقسام حظا من حيث عدد النصوص التي يحتويها. تستفتحه قصيدة أغنية الشمال ص28 ويذيله"إيقاع من أجل الإنسان".وبين النص الأول والأخير تتسلسل النصوص الخمسة المتبقية تحت إيقاع العناوين التالية: -1- نشيد الولادة بين الحلم والحصار -2- تحت راية الحضور دائما -3- ما قبل الغناء -4- عبور -5- قمر الأطلس القصيدة التي توافقت تسميتها وعنوان المجموعة الشعرية.
-3- دفاتر المنفى، وتمثله ثلاثة نصوص على امتداد كاليغرافي رحب/28 صفحة،تشغلها
القصائد التالية: حوار باريس- عرس سراييفو- ثم أسرار قيثارة المنفى آخر عنقود المجموعة الشعرية.

تحبلت صيغة العنوان تقريرا وبالإيحاء بشحنة دلالية تلبست مشمول القصائد، وهي تخاطبنا بمفردتين لغويتين يبدو للوهلة الأولى إننا نعرف دلالتهما منفصلتين وهما كلمة قمر ثم الأطلس. لكن يكفي أن الشاعر وظف هاتين الوحدتين المعجميتين مضافتين لينقلب تبعا لذلك وضعنا القرائي أمام هذا الإجراء التركيبي الذي استل " قمر" من مجال دلالته التواصلية المألوفة /قمر الدنيا ، فانسل وئيدا بخيوط شعرية إلى مجال كلامي/ كون أضيق/ أوسع شعريا ومبأر هو الأطلس. من هنا تنهض أولى سمات اللغة الشعرية البوحجرية بما هي تكثيف أو إبدال بين وحدات معجمية مأنوسة تركب نسمة السحر وأخلاق الماء. انطلاقا من هذا تتحدد سمات المعجم الشعري التي من طوابعها الاشتغال على دلائل مقدودة من سهول مرتادة ، ريضة، وهو ما يترجم في جانب من جوانبه علاقة الشاعر باللغة وبموجبها تحدد الفاعلية الشعرية بكونها إستراتيجية منفتحة وضربا من اشتغال اللغة على اللغة.
• إفادات القمر والأطلس اللغوية:

• -1- القمر مشتق دلالي من مادة – قمر – بمعنى اشتد بياضه، والقُمْرة لون البياض إلى خضرة. وعبارة –قمر الرجل- تعني تحير بصره في الثلج ولم يبصر فيه. ومن مشمولات مؤدى قمر التداولية، الدلالة على كوكب معروف في المجموعة الشمسية.فهو قمر ب ثلاث ليال إلى آخر الشهر، وأما قبل ذلك فهو هلال، وعند اكتماله يسمى بدرا. والقمران من مثنيات العربية وهما الشمس والقمر على غرار-الأصغران - الأخدعان -الضعيفان-الثقلان- الملوان...-

• يتوسع قطر دلالة القمر ليشمل كثرة الماء والكلأ أيضا.ويعتبر القمر موضوع إعجاب ومثارا للإبداع لدى الشعراء، يتجاوز فيه الشاعر حدود الظاهرة الطبيعية إلى ما وراءها من فكر وتأمل.وشاعرنا بوحجر احد هؤلاء.
هذا وقد تواترت مفردة القمر في كثير من التعابير من حيث أنها أول ما يقتبل القارئ وأخر ما يودعه في الكتاب- فاذهبي بي إلى القمر-/قصيدة أسرار الكون- كالتالي:
- في حراسة القمر ــــــــــــــــ ص8.
- مثل شعاع القمر ـــــــــــــــ ص 14.
- قمر يمسك بالماء ـــــــــــــ ص20
- كالبدر التمام ــــــــــــــــــــ ص25.
- ياقمر الربيع ـــــــــــــــــــ ص26.
- يا قمر الحضور الأطلسي ـــ ص77.
- بدمي ارسم القمرـــــــــــ ص 82.
- في سرير على القمر ــــ ص102. ناهينا عن ابدالات الكلمة المعجمية والسياقية.
* تدور إفادات القمر ومشتقاته في فلك دلالي يتجاذبه محوران:
-1- البياض والوضوح كسمة ثابتة للقمر في استدارته وتحولاته وحالاته ووقت ظهوره. وهذه السمات هي لازم مستعار دالية القمر الشكلية/ الخارجية المنسوبة إلى المنجز الشعري كمدار للقول/مرآة،بما هو احتواء فني كاشف لمظاهر الوجود: الذات والواقع محولا إلى دوال لغوية وتراكيب-تقاليد الوضوح، والفضح الجميل- وهذا عمل مرآوي.
-2- الخصوبة والنماء ويعتبر فائض القيمة الدلالي والرمزي لدالية القمر الأولى المرتهنة بالسياق الشعري كما بالشعر كفاعلية وإضاءة وتخصيب. وبعبارة كمرآة عاكسة ومنعكسة. ويتضح هذا أكثر عند الربط بين دالية القمر السطحية وبين داليته الرمزية المقترنة بالماء والخصوبة /الكلأ " قمر يمسك بالماء".
-* الأطلس:
من أرصدة مفهوم الأطلس المعجمية، المستندات المرجعية التالية:
- دال لغوي يشتق داليته من شهادة ميلاد المنجز الشعري/ 1998، على أرض مغربية "يا قمر الحضور الأطلسي في سماء المغرب يترى" ص.36. ناهينا عن لوحة الغلاف. ويحيل مباشرة إلى جبال الأطلس كتسمية تنسحب بالتوسيع على المغرب ككل.
- والأطلس أيضا تسمية أخرى للذئب الأمعط الأغبر المائل لونه إلى سواد، واسم من أسماء اللص، وهو تارة أخرى من الوحدات المعجمية الضدية المفيدة لمعاني متخالفة مثل الثوب الخلق/ الوسخ وفي نفس الوقت الثوب من الحرير. وفي قاموس المنهل ص78 يتحدد معنى الأطلس ATLAS في جذره الفرنسي من خلال " مصور جغرافي" / مجموعة خرائط /لوحات إضافية في كتاب.
- من خلال الإفادات السالفة ذات البعد الانتشاري/ الضوئي نستشف مدى ما تتمتع به المفردة اللغوية من خصوبة وغنى، هما رأس مال كينونتها اللغوية المفردة، وناتج تاريخ حياتها الشخصية، ولا غرو إذا كانت الدلائل اللغوية تختزن بالقوة او بالفـــعل فـــــي مورثاتها طبقات من المعنى قابلة لاستثمار دلالي ورمزي محايث للإبداع يضاعف الاستعمال الشعري من سيولة أرصدته النووية عندما تتشحن بدلالات جديدة تتخلق من رحم السياق كما هو الشأن مع " الأطلس" وقبلها لفظة قمر.فإذا نحن وصلنا دالية الأطلس المزدوجة بالسياق الشعري أدركنا وبالملموس ما يلابس دالية الأطلس شعريا من تفاقم وتناقض وازدواجية، وغبرة وسواد بمقتضى دالية الذئب المتاخمة لحدود التلصص والِّلصية في فضاء ليلي تضيئه دالية القمر الزمنية. وعليه سنكون موفقين اذا نحن اعتبرنا قصائد الباقة الشعرية الأطلسية مجموعة خرائط مصورة عن الأطلس كجغرافيا ، على صعيدي الاجتماع والسياسة في – دفاتر الوطن- ثم قوميا وإنسانيا –في –دفاتر المنفى- وإذا انضافت إليهما –طقوس الروح- قلنا جماليا وفنيا، ومن نفس الزاويةيمكن النظر الى نصوص المجموعة
- الشعرية بأنها لوحات إضافية/ مشاهد مسرحية في كتاب مسرح قمر الأطلس، الإضافة الشعرية الخامسة إلى البوم التجربة الإبداعية البوحجرية المسكونة بالهاجسين الدرامي المسرحي والشعري الغنائي.
- وإذن فمن جاذبية مدار الإحالات السابقة يستمد المقترح الشعري/قمر الأطلس خلقته الدلالية والفنية المزدوجة الغنائية والمسرحية، وقد جند لها الشاعر من عناصر التدليل الشعري ما يكفي حتى استوى المكتوب الشعري قمرا سويا بعد ثلاثة أيام/ مشاهد مسرحية/أقسام موضوعاتية متآلفة تتراقص أضواؤها في سماء العرس الأطلسي /الركح المسرحي. وعلى إيقاع انعراجات القمر وعروجه تتخلق بؤر ضوئية كثيرة نقتطع منها ثلاثة أقباس تشكل محاور عاكسة لحركية النصوص وهي:

-1- الذاتــــ : البصمة الدامغة لهوية الصوت الشعري بميسم أطرها الرؤياوية والجمالية. ومن الواضح أن الصوت الشعري تحت طائلة توسله بأسماء شخوص إنسانية، فانه يتقمص أانوات مسرود بها ولها بضمائر مختلفة نوعا وعددا، تتماهى مع صوت الأنا الشعرية الساردة، يتخفى وراءها السارد الشعري بأقنعة من نسيج الذاكرة والاسترجاع :
* تقف العبارة بين ذاكرتي وقلبي ها هنا احيا.ص40"
واذا سلمنا بان نصوص المجموعة الشعرية/ قمر الأطلس تتصادى فيما بينها ويرافد بعضها بعضا في إطار تكتلات موضوعاتية من خلال قرائن مقالية لسانية وأخرى مقامية/ أسماء الشخوص مثلا، التي تعين مسار الدلالة، إذا نحن سلمنا، أمكننا القبض على عائدية الضمائر تلك بشكل يسخرها لخدمة قراءة تواصلية. ومن الأسماء الرائجة: عبد الكريم الخطابي، أم سعد، الحسيمة، أسماء، نعيمة، البوسنة، العراق، مديحة، عائشة، أبي ، أمي،..وكلها رموز توحدت بها الأنا الشعرية لتتعدد وتتكاثر/ تتخصب – خيمة تجمع البشر- ص 80. وفي التوحد والتعدد تأكيد على مبدأ الهوية المتجددة التي بقدر ما تستبدل أثوابها تحافظ على جوهرها- تلك عادته في التوحد أو التفرد تلك طريقته في التجدد والاحتراق ص53. من حيث أن الانتصار لمبدأ الهوية" هو انتصار للمنطق والخصوصية والوجود. فمن لاهوية له لا خصوصية له ولا قيمة له أيضا"، وبالتالي لا وجود له أي لا معنى لوجوده مجردا عن الخصوصية، لأن الهوية وجود وكينونة مقترنة بالحركة، وبالحرية التي تعني ممارسة الإنسان لطبيعة وجوده الخاص كما هو وبما هو، نسخة فريدة غير قابلة للاستنساخ:" أن أكون كما أنا.. مرادي أن أعيش كما أريد وأن أعيش شهيد أحلامي على الدرب الجديد.ص 77 ". وذاك من أفدح ضرائب الالتزام المضافة إلى قيمة الحرية.
تعددت المرايا في هذا القمر الشعري وأهمها: مرايا الروح والجمال وتتمثل في ا لعودة إلى متردم الباطن لان الروح شقيقة المرآة في صفائها وتجليها. فإذا كانت المرايا الأخرى تعكس علاقة الأنا الشعرية بالعالم الخارجي، فان مرايا الروح/الشعر آلية لسبر الذات كتجل وفيوض وكشف على نحو ما تقدمه الإشارتان التاليتان
من " حوار باريس " ثم " بالغة الرباب" على التوالي:
- ليس لي في القلب غير القلب.
- في الروح شهوة إلى العناق وعودة حرى إلى الأعماق.
- إنها رغبة جنونية في الارتباط بطفولة الروح، مشمولة باندفاع راشد إلى الاغتراف من مشارع الجمال والصفاء. رغبة تغتذي من ثقافة المكاشفة وترتوي من أثداء الوفاء لشروط التربية والثقافة والحضارة والاجتماع والبيئة:
• واغني لك يا أمي الحبيبة
• كنت نهرا من ضياء وظلال
• فاض الحب الذي أشعل في القلب قناديل الجمال
-2- يا أبي يا نبع عزي وإبائي
قد رأيت الصمت في عينيك يتلو سور الحب الأغر
وأغني لك ياربع الحسيمة فيك عانقت حيا تي
في صدى موجك أبصرت الجمال /ورأيت الشعر في تلك الجبال.

يرتبط مبدأ المكاشفة وهو مبدأ ضوئي – بما هو بوح/إذا نطقت، وسفر بروميثيوسي من أرخبيل الظلمة نحو آفاق الضوء " أمتد عميقا في خلايا الزمن الآتي الجديد" بنشوة محايثة لاتقل ملحاحية وأهمية عن سابقتها، يتوالد منها بشكل إشعاعي خلايا شعور عارم بالانعتاق والطهر/ قلت استرحت ،والتسامي العرفاني/وصلت أم عرفت، وكل هذا في تعطش مستديم إلى مزيد ارتواء من لغة ممتلئة رديف لوجود ممتلئ/ في وجودك الممتد أشعر بامتلاء الروح0/وجدت كل خطاي تسبقني إلى ظل ضئيل.
تشغل نصوص القسم الثاني/ دفاتر الوطن. والثالث/دفاتر المنفى مع شذرات من طقوس الروح ، وظيفة الشهادة على فسيفساء من أحداث وتناقضات شهدتها أواخر الثمانينيات وسنوات العقد التسعيني وطنيا وقوميا، يعتبر تفاقم الأوضاع الاجتماعية والسياسية وطنيا أبرز أعراض تلك الأزمة المتمثلة في الحرمان والقمع وانتعاش دوريات المنع والمصادرة/ منعوني من السفر.
وانطلاقا من واجب الفضيلة الشعرية وتفعيلا لواجب الحق في الحرية" ركب الصوت الشعري أحلام الملايين رافضا ان يحيى بقلب اصطناعي وعين من زجاج في جغرافيا شيء لها ما تشاء السلاحف في عكر الماء.وبلهجة لا تخلو من التعريض بأطروحات قناصي الفرص وسخرية بتجار المبادئ من الساسة والمثقفين في سوق الايدولوجيا السوداء، يقول مقطع من قصيدة قمر الأطلس ص77:
• كل الذين عرفتهم/غنوا قديما للنضال/لكنهم قد أبصروا
في ليلة الزلزال سحر المال يلمع كالبرق/فغيروا ألحانهم
وتكتلوا/وتشكلوا في جوقة الطرب الأصيل.

وعلى غرار نفس الإيقاع، وبرؤيا برومثيوسية قسمت الأنا الشعرية نفسها في جسوم
كثيرة تحسو قراح الحرية في كؤوس الرفض، فجاء صوتها مستمسكا بتلابيب الهوية والوطن/قوارب الموت: إنا هنا باقون ... لا
لن نركب السفن الصغيرة والكبيرة كي نمر إلى مرافئ غيرنا.
يمتد القمر الشعري أيضا ليضيء زمرة من قضايا ذات بعد قومي وإنساني/وطني الإنسان في كل الجهات. ترسم خطوطها العريضة الإشارة التالية من عرس سراييفو:
جسدي أنا/للملايين والوطن الكبير من الوريد إلى الوريد
حتى أرى شمس الأمان.

يشترك عنوانا القسمين الأخيرين من أقسام الكتاب في مدلول كلمة دفاتر وما أضيف إليها/ دفاتر الوطن/المنفى للدلالة على سجلات تعنى بسيرة المكان، وذاكرة المكان الحاضر /الوطن والغائب /المنفى.وإذا شئنا قلنا، تعنى بالمكان كتجربة هو المكان التاريخي المفضي إلى زمن التكلم من كل جهاته/أضوائه وظلاله الماضية والمستقبلية.فتصبح لحظة التكلم هي جماع الأزمنة ومكان الأمكنة وصداها الحاكي. اثنان في واحد وقد تحول الواحد إلى ذاكرةشعرية/ الى مكان شعري/كون شعري تضيئه تجربة الذات حال انقسامها إلى أنوات/النحن/ الأنا/ الهو /الأنت...
• وقد ضمنا زمنا ثم راح وضمنا للصدى
• لنواصل أتعابنا من هنا
هي أنوات/ مرايا متقابلة بها تضاعف الصوت الشعري كما يتضاعف الضوء في سيرورة انتشاره وانكساره. الهوية ضوء والأشياء ظلال وصدى. ومن وجودها المتخارج تنتج الذات صورة لوجودها. هكذا اذن تتحد هوية الصوت الشعري بحسبانها سؤالا عريضا عن الكينونة الحرة " أن أكون كما أنا ، أو لاأكون."

*مرايــا اللــغة وشــعرية الوجــدان :
طقوس الروح تصييغ تركيبي يبتغيا سبر حركية الباطن بكيفية إجرائية/مرآوية يعنيها في المقام الأول الحديث عن الذات بالشعر بصفته كينونة ترادف الذات، كما بالشعر عن الشعر كموضوع للقول فيه داخل جهاز المقول بواسطته/ به، إذ يتحول إلى كينونة دافئة، تشع بالأنس والجمال ، وتنبض بالحلم والحياة. والدفء كما الأنس شرطان ضروريان لإرادة الحياة.
" ففي غياب الرعشة الجوانية لا يبقى من الإنسان سوى الوحش الرابض في أعماقه". يرتبط مفهوم الطقس بالعقيدة الشعرية " أناشيد صلاة" بما هي احتفال باللغة وطريقة في تشغيل دوالها وتصريف أرصدتها، وبما هي أيضا أسلوب في إقامة شعائر الروح في معبد لوجدان ومحراب الحلم:
هاهنا أحيا أنا، في قمة اللحظات مجنونا بحمى الحلم. ـــ ص 40.
فعبر التلفظ" تخرج صفات النفس وتتجلى على هيئة انجاز لغوي
منظور، والتجلي إشراق وبدونهما سيظل الكنز الذاتي مجهولا ،مقبورا في العماء الأبكم.الأمر كله نور و وخروج إلى النور، والنور شرط ضروري للمعرفة ". وسفر دائم بالروح في الروح وبالكلام في الكلام وبالزمن في اللازمان واللامكان :
• يغدو شجر الحلم دليلا
وفضاء ونخيلا/ وجناحا للعبور/ وامتدادا للحضور.

تعتبر القصيدة في جيئها وذهابها حركة مشرعة على اللانهاية هي الرباب" باب يفضي إلى نسائم عليلة تأتي من البعيد".وهي ماهي ، بما هي/أسماء ، عائشة..... إشارات وليست تسمية،لأن التسمية تحديد والتحديد محو لماهية القصيدة وجوهر الشعر الترونسوندونتالي الذي لا يقبل التجوهر، ويتنزه عن التجسيد.يكفي أن تلامس أنامل القصيدة النورانية شغاف الروح لينقدح زنادها نداءات.وحده الأثر او الصدى هو الذي يقبل ذلك في أشباح لغوية ترسم الذات وظلال الكلام بالصوت كما بالإشارة واللحن:

أسماء تجرح القلوب/ بلحنها المصبوب في كأس الأزل
وصوتها المسكوب من نهر العسل
وسحرها الذي يسيل.

-جوهر القصيدة من طبيعة مائية –مصبوب – مسكوب- يسيل-لا طعم له ولا لون أصلا ،ولا شكل ، إلا شكل وطعم وشكل ما يحتويها/ في كأس الأزل. ويتطعم مذاقها/ من نهر العسل.
وجه القصيدة صفحة ماء مباطن لصفحة الروح حالا بحال.
يموقع الشاعر القصيدة أمامه كالمرآة ينظر إليها، يحاورها ويصف ما بداخلها.وهذا الذي بداخلها إنما هو صورة لما يعتمل في دواخله من أصوات وأصداء، من حيث " إن المرآة جسم محدد ذو طبيعة فيزيائية محددة يعكس الأضواء المتجهة إليه في الأجسام الخارجية".وشقيقتها في ذلك القصيدة.وبذلك تكون العلاقة بين الذات والمرآة/ القصيدة علاقة تكييف أشبه بالعلاقة بين مرآتين متقابلتين كلتاهما تعكس الأخرى، مما يجعل فعل الكتابة حالة منبثقة عن تأمل الذات نفسها في مرآة القصيدة. ومن فعل النظر والتأمل ينبعث تبادل الصور على نحو يجعل من القصيدة " أفق انتظار وتوقع" دائم يتجددان باستمرار ويتحولان مثل المطر والضوء:
-هي الآن في داخلي تتحول مثل المطر
وترقص في القلب مثل شعاع القمر.

همس القصيدة عشق يوقظ نار الشوق والوجد وصوتها قوس على أوتار الروح، ومعشوقها قيس هائم على وجهه.. تمتزج الدماء بالأشواق امتزاج الروح بالجسد، حتى لكأن لحظات الشوق متاهة بين عشيقين يستوي في مقامها بذل الدماء ببذل الأشواق، وبذل الكلام بنشوة الصمت:
نظرت في عيونها/ وما رأت دمي الذي أفرغته أمامها في كأسها
بل أومأت برأسها للأرض أن تدور دورتين حول نفسها
في ساعة اللقاء.
وفي لحظات اللقاء وهي لحظات حلول وارتقاء يتوارى الجسد "فيلتقي وحدهما الكأسان"
وتختفي الجدران ويخرج الوقت من وقته والمكان عن جلدته:" ثم أخرج عن يدي وعن حدودي".
هكذا يتحدد أثر القصيدة وتنهض داليتها كخطاب ميتاشعري مقترن بالمرأة العاشقة المعشوقة، ومن هذا الضوء تفكر القصيدة في نفسها كمشروع، بقدر ما ينفتح على الأنثى
كرمز وجاذبية يدخل في حوار مع الشعرية العربية من خلال عناصر بنائية تنتمي إلى معمار القصيدة الأصل. ويتعلق الأمر في هذا السياق بظلال الحنين المكتنفة لقصائد الرحيل وبدائل صورة المرأة في " مشاهد الغزلان" وتمثلات الحبيبة في المواقف الأشد حرجا"يقبلون حد السيف"
بين مد أصداء المنشود كمرجعية وجزر المكتوب كانجاز، يراوح صوت القصيدة متلفعا بدم صاحبها"رسائل حمراء"
" بدمي أرسم القمر" وهل دم الإنسان إلا ضوءه الوحيد كما يقول أدونيس، إذ يتحول إلى مداد:
- يولد في دمي حبر القصيدة قبل أن يمتصه الورق الأصيل.
- ولكني لست أملك شيئا/سوى باقة من قصائد
- مغمسة في مداد الجياع
- -بدمي أرسم القمر.

تلك نتائج سمر عاشق وإطلالة عجلى على تضاريس الكون الشعري في قمر الأطلس من شرفة قراءة أفقية عاشقة...
شكرا لصاحب المنجز الشعري على إمتاعه ومؤانسته وحسه الإنساني الأصيل.



• قمر الأطلس – شعر – عبد السلام بوحجـر
الطبعة 1 يناير 1999 – مطبعة فضالة / المغرب .

جواد وحمو
24/02/2009, 12:31 AM
الشاهق دوما الشاعر حسن العابدي
انصات دقيق لنبض القصيدة في مرايا قمر الاطلس للشاعر العميق عبد السلام بوحجر
لكما محبتي الوارفة
مع احتجاج الضوء على ظلالها

أحمد نمر الخطيب
26/02/2009, 04:01 PM
أخي الملهم الشاعر والناقد المجدّد حسن العابدي
أجدني عاجزاً عن التعبير أمام هذه القراءة المجدّدة، أصدقك القول أخي، إنها من القراءات القليلة اللافتة والرائعة التي لفتت بصيرتي بسياق ما تقدمه من معطيات نقدية عز نظيرها في نقدنا الحالي المستنسخ، أشدّ على يديك وإلى الألق الدائم أيها الصديق

حسن العابدي
01/03/2009, 12:49 AM
- أخي الشاعر أحمد نمر الخطيب

أحييك بصدق وحرارة

وأنا بدوري أصدِّقك لأنني اعلم انك لا تلقي القول جزافا ، وهذا ما يضاعف من مسؤوليتي وينير لي الطريق.
أعتز بك شاعرا مُــــنْــــمازا وقريئا رفيعا. مودتي

عبدالمنعم جاسم
13/05/2009, 02:54 PM
أخي حسن :
قراءة عميقة ، وعميقة جدا ً
شكرا جزيلا على ما تقدمه للنقد من تجديد ..