المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صورتان على جدار الوحدة



يحيي هاشم
24/12/2006, 06:44 AM
صورتان على جدار الوحدة

انسحب من وسط ضجيج العزف والأغانى ,أعطى ظهره لكل الراقصين والمهنئين , وذهب إلى مقعد فى زاوية غير مرئية فى آخر القاعة حيث يستطيع أن يرى الجميع ولا يستطيع أحد أن يراه .
جلس مسندا ظهره إلى المقعد ناظرا إليها فى انبهار وسعادة ممتزجتين بالحزن والألم .
إنه اليوم الذى يتمناه أى أب , اليوم الذى تصبح فيه إبنته عروس جميل تتغنى الدنيا بجمالها ويحسدها القمر على تألقها النورانى الربانى .
ولكن بدأت المشاعر تثور عليه , اليوم ستودع بيته , وحياته ودنياه وتنتقل إلى دنيا أخرى وحياة جديدة مع رجل اخر فى بيت اخر وحياة أخرى .
آه , زفرها عالية موجعة حارة حتى كاد الجمع الراقص والصاخب أن يسمعها .
- كم أحبك يا إبنتى الغالية
قالها بحروف غير مسموعة متمنيا أن تهب الرياح لتحملها إليها وهى هائمة مع حبيبها فى دنيا جميلة , ولكن للأسف تلك الدنيا لن يكون له دور فيها , دنيا لاتتسع إلا لإثنين فقط ..هى وحبيبها .
عزفت الموسيقى الختامية معلنة نهاية حفل الزفاف وعلى العريس أن يأخذ عروسه إلى منزل الزوجية , قام متثاقلا يجر قدميه الرافضتين الحراك راسما على شفتيه إبتسامة كاذبة محاولا أن يكفكف دموع عيناه التى يبكيها قلبه .
نظر إليها من بعيد قائلا :
- أحان وقت الفراق ؟
هطلت دمعة خائنة كشفت اللثام عن قوته المصطنعة , مسحها بيده مسرعا كأنها العار , وصل إليها كم هى متألقة , شعر بإرتعادة تسرى فى جسدها المرمرى الرائع , فتح ذراعيه لها كما كان يفعل عندما كانت صغيرة , لم تخذله فهى إبنته الصغيرة مهما كبرت , وحتى فى يوم زفافها ستظل إبنته الصغيرة .
ضمها إليه بقوة ناظرا بعينيه إلى زوجها الواقف جواره ينتظره أن ينتهى كى يحملها إلى الجنة المنتظرة , تمنى أن تعود طفلة مرة ثانية , وتمنى ألا تخرج من حضنه أبدا , ولكنه تركها .
شعر باختناق شديد , دموع ثائرة على باب عينيه تريد التحرر من تلك المقلتين المتحجرتين بحجارة لبنية مصطنعة .
أسرع إلى الخارج متعللا بأنه سيعد لهما السيارة , نظرت له وهمست فى أذنه :
- لاتتركنى مهما كان.. أريدك بجانبى حتى النهاية .
لم يستطع التحمل خارت كل قواه , حاول أن يصرخ قائلا :
- أرجوك لاتتركينى , ولكنه لم يستطع .
ضم يدها إلى يده ووقف على الجانب الآخر من زوجها , مشبكا يده بيديها بكل قوة ممكنة .
وسارت هى بين رجل يستعد لأن تدخل حياته , ورجل يستعد لأن تخرج من حياته .
وصلوا الثلاثة إلى السيارة , أصر على أن يفتح لها الباب , وأن يقود السيارة بنفسه .
صرخت رافضة قائلة :
- كيف تفعل ذلك ؟ أتقود السيارة بنفسك ؟
أجابها وهو يقبل يديها :
- أريد أن أوصلك بنفسى إلى المنزل .
نظرت فى عينيه ولم تتمالك نفسها فدخلت فى حضنه قائلة :
- كم كنت أتمنى أن تكون أمى معنا الآن يا أبى !!
إعتصرته الجملة غير المتوقعة نهائيا , ربت على رأسها قائلا وهو يتصنع الإبتسام :
- هيا يا حبيبتى زوجك ينتظرك .
نظرت متعجبة من إجابته , ولكنه لم يعطيها الفرصة للتعجب أو الإستفسار .
فتح الباب منحنيا إنحناءة خفيفة قائلا بلغة نوبية ضحك منها الجميع :
- إتفضلى يا هانم .
دخلت إلى السيارة وكأنها أميرة وبجوارها فارس الأحلام .
دلف إلى المقعد الأمامى ضابطا وضع المرآة بحيث يتمكن من رؤيتها .
فى الطريق مر شريط الذكريات أمام عينيه كما تمر السيارات المسرعة , كانت عيناه حائرة بين الطريق وبينها .
وصلوا إلى المنزل صعد معها , فتح لهما الباب , دخلا , وقف متسمرا أمام الباب ولم يتحرك .
سألته
- ماذا بك ؟ لماذا لم تدخل ؟
نظر اليها طويلا ممسكا بمقبض الباب قائلا :
- هنا ينتهى دورى , أحبك , وداعا .
أغلق الباب خلفه دون أن يترك لها المجال كى تجيبه , لم ينظر لها مع أنه متأكدا أنها فتحت الباب تناديه , كإبن العشرين أخذ يقفز على درجات السلم حتى وصل إلى الدور الأرضى , هنا أدرك أن عمره تعدى الخمسين بثلاث خطوات , شعر بألم حاد فى صدره , دلف إلى سيارته وأسرع إلى منزله .
أغلق بابه وكأنه يغلق على عمر وحياة مضت , شعر أن كل ركن فى المنزل غريب , ولكن الشىء الوحيد الموجود كان رائحتها التى تملأ المكان.
دخل إلى غرفتها , إقترب من فراشها مازال يحمل آثار جسدها .
استلقى مكانها محتضنا الوسادة الصغيرة وترك لدموعه العنان فروت خديه الجافين .
شعر بعطش شديد , دون أن يدرى نادى عليها !
إنصعق من جراء مافعله .
قام من على الفراش .. خلع صورتها الكبيرة , دخل غرفة نومه , علق صورتها جوار صورة والدتها التى رحلت منذ سنوات قليلة .
إستلقى على فراش الوحدة ناظرا إلى الصورتين المعلقتين فوق جدار الوحدة .
شعر ببرودة شديدة , ضم ركبتيه إلى صدره وراح فى سبات عميق .
يحيي هاشم
10/8/2005

محمد ربيع
24/12/2006, 02:59 PM
اضافة إلى جدة الفكرة ..
هناك (حشد كبير ) من الأدب والفن..
وقفت بتضافر خلف هذه الرسالة الانسانية الرائعة ..
الرائع يحيي هاشم حفظه الله
السلام عليكم وبعد :
فلقد أمتعت وعلمت ..
لك وللجميع تقديري واحترامي ..

يحيي هاشم
24/12/2006, 05:21 PM
اضافة إلى جدة الفكرة ..
هناك (حشد كبير ) من الأدب والفن..
وقفت بتضافر خلف هذه الرسالة الانسانية الرائعة ..
الرائع يحيي هاشم حفظه الله
السلام عليكم وبعد :
فلقد أمتعت وعلمت ..
لك وللجميع تقديري واحترامي ..

الأخ الفاضل / محمد ربيع
لك التحيةالتقدير
شكرى لك
يحيي هاشم

اشرف الخريبي
25/12/2006, 12:07 PM
العزيز يحي هاشم

اعجبنى النص ولذا تواصلت معه بحميمة وصدق ورصدك للحظة التى مضت فيها العروس بين
(((رجل يستعد لأن تدخل حياته , ورجل يستعد لأن تخرج من حياته .)))
مع رصد مشاعر الشخصية من الداخل والخارج وان اصطبغ النص بقليل من التقرير والتسلسل المنطقى للأحداث دون صنع مفاجأة كنت اتوقع حدوثها غير ان القصة مضت بشكلها المتوقع
تحياتى لمخزون الخبرة المنقول الينا برهافة ومتعة وسرد رائق شفيف
ولكنه لم يعطيها الفرصة (لم يعطها ) فقط محبة منى

خالص تقديرى

اشرف

يحيي هاشم
25/12/2006, 05:40 PM
العزيز يحي هاشم

اعجبنى النص ولذا تواصلت معه بحميمة وصدق ورصدك للحظة التى مضت فيها العروس بين
(((رجل يستعد لأن تدخل حياته , ورجل يستعد لأن تخرج من حياته .)))
مع رصد مشاعر الشخصية من الداخل والخارج وان اصطبغ النص بقليل من التقرير والتسلسل المنطقى للأحداث دون صنع مفاجأة كنت اتوقع حدوثها غير ان القصة مضت بشكلها المتوقع
تحياتى لمخزون الخبرة المنقول الينا برهافة ومتعة وسرد رائق شفيف
ولكنه لم يعطيها الفرصة (لم يعطها ) فقط محبة منى

خالص تقديرى

اشرف

العزيز / أشرف
لك التحية
عن التقريرية وعدم وجود مفاجأة فالقصة هنا تميل للواقعية فكان يجب أن تتماس مع خط الواقع بعبارات تقريرية حاولت ألا تطغى على النص .
أما المفاجأة فهى ليس لها مكان هنا !!
أشكرك على تلك الملاحظة التى سقطت منى سهوا
تحياتى
يحيي هاشم

الشربيني المهندس
25/12/2006, 05:51 PM
مع استهلال معبر تماما ( انسحب ..) تابعت السطور مع الدهشة فالعنوان الذي اختاره الاستاذ يحي يترك لك حرية الاكتشاف
ومع انني لم أخض هذه التجربة حتي الآن لكنني عشتها تماما من علي الكرسي غير المرئي بزاويته ومع السطور وما بينها حتي نهاية درامية دالة تماما :
(( إستلقى على فراش الوحدة ناظرا إلى الصورتين المعلقتين فوق جدار الوحدة .
شعر ببرودة شديدة , ضم ركبتيه إلى صدره وراح فى سبات عميق ))

يحيي هاشم
25/12/2006, 11:29 PM
مع استهلال معبر تماما ( انسحب ..) تابعت السطور مع الدهشة فالعنوان الذي اختاره الاستاذ يحي يترك لك حرية الاكتشاف
ومع انني لم أخض هذه التجربة حتي الآن لكنني عشتها تماما من علي الكرسي غير المرئي بزاويته ومع السطور وما بينها حتي نهاية درامية دالة تماما :
(( إستلقى على فراش الوحدة ناظرا إلى الصورتين المعلقتين فوق جدار الوحدة .
شعر ببرودة شديدة , ضم ركبتيه إلى صدره وراح فى سبات عميق ))

عزيزى / الشربينى
لك التحية
مفاجأة !!
لم أمر بهذا الموقف أنا أيضا !!
لك التحية والشكر
يحيي هاشم