المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطريق الآخر..



عيشونة محمود
31/12/2008, 06:45 PM
بقلم : محمود عيشونة

ما يحصل الآن للفلسطينيين الأحرار في غزة لم يكن من قبل الصدفة.. ولن يحصل لولا تخاذل الأشقاء بدءا من الفلسطينيين أنفسهم، مرورا بعرب الجوار إلى عرب شمال إفريقيا والمغرب العربي.. ومن ثم باقي شعوب العالم.. ولن تسفك قطرة دم عربية واحدة .. فإسرائيل وعبر قنوات إعلامها تقول أنها لم تبادر بهذه المجازر إلا بعدما استشارت بعض أنظمتها العربية، لأخذ الضوء الأخضر.. فالشعب الفلسطيني في غزة أراد التغيير وصوت لنظام جديد ، يبدو أنه لا يعجب بتاتا إسرائيل وأمريكا .. وما دام هذا الثنائي المستهتر هو من يقوم بتثبيت الأنظمة العربية ، وضمان بقائها سوطا على أعناق الشعوب .. فالنظام الجديد في غزة بدوره مغضوب عليه لدى هذه الأنظمة، ومن ثم فزواله لابد أن يكون ولو على حساب أرواح الأبرياء . فتارة أمريكا والحلفاء ..وتارة أخرى إسرائيل ومجلس المسخ.. عفوا الحرب .. أو ما يسميه حكام العرب – مجلس الأمن- يتبادلون الأدوار فيما بينهم لضرب أي بادرة وعي عربية إسلامية ، أو نهوض فكر إنساني جديد متحرر من كل قيود التبعية، مؤمن بالحرية نابذا للاستعمار والتوسع والظلم القامع للإنسان..في أي بقعة من بقاع الأرض كافة.. وما تهافت الهواتف العربية أثناء المجزرة وبعدها وتبادل النكات بين الرؤساء والملوك العرب ، والدعوات الشتات لعقد قمة عربية ، وتأخير موعدها أسبوعا ، حتى يتسنى لإسرائيل تهذيب الشعب الفلسطيني في غزة ، وتلقينه درس الديمقراطية في اختيار من يمثله، إلا دليل لكل إنسان يملك ذرة عقل ، ليعي معنى الحرب الحضارية العقائدية الدائرة رحاها ، في كواليس قوى الشر المتحالفة في الغرب والشرق.. فلا يمكن لأي عاقل أن يتخيل أن ما تقوم به إسرائيل، هو عرض للقوة أو شجاعة الشجعان ، لولا تلقيها للضوء الأخضر من هذه القوى المتحالفة.. ولتساءل كيف يمكن لإسرائيل أن تضرب أمة عربية كاملة متكاملة ، في حين عجزت عن ضربها يوم كانت أمة ضعيفة العدد والعدة.. من هنا لا بد للشعوب العربية أن تكف عن النحيب وإطلاق التهديدات الكلامية ، والتفكير في ابتكار طريقة فعالة للنضال من أجل التحرر من حكامها المرتمين صرعى في أحضان المستعمر، ومن ثم رفع ظلم الآخرين عن كاهلها ؟..

إذن من هنا وجب علينا أن ندرك أنه لم تعد بين الحاكم العربي والمحكوم العربي أية صلة ولا قرابة ،غير صلة الانتماء لزمان واحد ومكان واحد.. والمشاهد الناظر بوعي للشارع العربي ، وردة فعله العفوية تجاه ما يحدث للشعب العربي الأعزل في غزة ، واللحم البشري النيئ المداس تحت قدم العسكر الصهيوني الذي لا تربطه بالإنسان سوى ميزة الشبه، يدرك ببساطة أن الأنظمة العربية صارت فعلا عبارة عن شلة برجوازية .. وأوطانها بالفعل عبارة عن مزارع خاصة لأتباعه من السلالة والحواشي.. وأن أجهزته هي مجرد أدوات لتوريث الحكم لا أكثر ولا أقل..من هنا فالشعوب العربية محكوم عليها من الآن فصاعدا بالاعتماد على النفس ، وتحرير رقابها من حكامها أولا.. قبل التفكير في الاتحاد وطرد الغزاة المستعمرين لأوطانهم بشتى فنون الاستعمار.. فالاستعمار مهما كانت درجة وطأته هو نتاج أفعال هذا النظام، الذي لم ولن يتعظ بمجرد إلقاء الخطب والمواعظ والخيم الشعرية.. غزة اليوم ليست في حاجة إلى دعم عربي رسمي ، وشعب غزة ليس في حاجة إلى مسيرات وخطب رنانة ، بقدر احتياجهما لأفعال ميدانية ، وصفعات مادية ملموسة على وجه الغاصب المتفوق خبثا وقوة واقتصادا..
من منا لا يدرك أن الصهاينة يتدفئون بالغاز العربي ، ويتاجرون بالمال العربي ، ويتفوقون بالجبن العربي الرسمي.. من منا لا يعرف أن الحاصل في غزة اليوم هو ثمرة المبادرة العربية المسوقة عربيا .. ومن منا لا يعلم أن الشرعية الدولية التي يتبجح بها حاكمنا العربي ، هي في الأصل نفسها حجة بقائه أزليا ذليلا مهانا .. ومادمنا نعرف كل هذا فالبكاء على حطام غزة، وصور42 طفلا عربيا وهي مخلوطة بإسمنت البنايات لا يجدينا نفعا.. بقدر ما تجدينا خطوات ملموسة في طريق التحرر من طغيان حكامنا.. أصحاب السمو والفخامة والمعالي؟؟.