المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الوحدة الضائعة والأُخوّة المفقودة!



خالد أبو هبة
24/12/2006, 07:53 AM
الوحدة الضائعة والأُخوّة المفقودة!

بقلم خالد الشطيبي أبو هبة
رئيس تحرير صحيفة "أهلا وسهلا" الماليزية


الزمان: شهر الله الحرام، ذو الحجة الفضيل..
المكان: أقدس وأطهر بقعة على وجه المعمورة، أوّل بيت وُضع بمكة المكرمة للناس جميعاً (لا للمسلمين فحسب)، مباركاً وهدى للعالمين..
الحدث: مؤتمر سنوي للمسلمين يمثّله موسم الحج، وما أدراك ما الحج..
مناسبة عظيمة تفرض على كل لبيب إفراد حيّز زمني للتأمّل والتمعّن والتدبّر، واستشراف آفاق الدور المفترض والمأمول للمسلمين في العالم، من خلال حدث جلل بحجم موسم الحج. وأيّ مناسبة دينية وسياسية واجتماعية واقتصادية بحجم فريضة الحج؟ إذ يجتمع فيها ما يفوق المليوني حاج من كل الأعراق والجنسيات والأقطار في العالم!
أجدر بهذا الحدث أن يكون رسالة إنسانية ذات مغزى إلى العالم، بأنهم أصحاب حضارة عريقة، ومبادئ وقيم كونية تنشر السلام والأمن والتعاون والتسامح والتقدم والازدهار، بدلاً من أن يتحول حدث الحج إلى خبر عادي تورده وكالات الأنباء العالمية بأنّه تجمّع بشري لطائفة دينية من أجل أداء شعائر خاصة بها!!..
إنّه لأمر يبعث على المرارة والأسى أن يُعتبر الحدث كذلك، في الوقت الذي كان فيه الحج - ولا زال وسيظلّ بإذن المولى عزّ وجلّ- يكتسي أهمية بالغة لدى المسلمين في كل بقاع العالم، إيمانا منهم بمركزية هذا الحدث العالمي في حياتهم.
غنيّ عن البيان، أنّ الدين الإسلامي وبخلاف باقي الديانات السماوية الأخرى، لا تتملّكه إستراتيجية دفاعية حول مصالح إثنية أو فئوية أو عرقية ما، ولا تعصف به هواجس الإحساس بالاندحار والانتكاس في مواجهة رؤى أو منظومات أو ديانات أخرى، بل على العكس من ذلك، فإن المنطلق الذي يُميّز الإسلام هو كونه يرتكز على أبعاد إنسانية وعالمية منذ لحظة البدء ﴿وما أرسلناك إلاّ كافّة للناس بشيراً ونذيراً﴾، ورسالة الحج كانت منذ البداية للناس جميعاً ﴿ وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فجّ عميق﴾، وهو ما يُتيح له التعامل بشكل إيجابي وتفاعلي مع التحولات الكبرى والمستجدات المتلاحقة التي يشهدها الإنسان والتاريخ دون أيّ حرج أو انكفاء ذاتي، وإيصال رسالته الحضارية العالمية- من خلال خطاب إنساني شامل يرتكز على الفطرة القويمة السويّة- إلى العالم بأسره.
هذه الرسالة ذات المغزى والدلالات العميقة بلورتها حجّة المصطفى صلى الله عليه وسلم المعروفة بـ"حجّة الوداع"، حيث جاءت وصاياه البليغة في صيغة رسائل قصيرة المبنى، لكنها شديدة التركيز والأهمية في المعنى، وشاملة في موضوعاتها وأبعادها لأهم مُقوّمات الحياة الإنسانية الكريمة والآمنة: (حرمة الدماء، وتحريم الرّبا، والاستيصاء بالنساء خيرا)، حيث ربط عليه الصلاة والسلام بين حرمة الدماء والأموال وتقريبها إلى ذهن السامعين، بحرمة الزمان (يومكم هذا في شهركم هذا)، وحرمة المكان (في بلدكم هذا)، في سياق توظيف مثالي لعُنصريْ الزمان والمكان لإيصال رسالة الإسلام العالمية إلى الإنسانية جمعاء.
من أبلغ رسائل الحج إلى العالم، الدعوة إلى السلام والأمن على قاعدة التوحيد والإيمان بالله وتحقيق العدل والمساواة، كأسمى قيم خلافة وعمارة الإنسان في الأرض..
من دروس الحج كذلك حثّ المسلمين على التعارف والتآخي والتضامن والتّعاون فيما بينهم..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيانِ يشدُّ بعضُه بعضا).
وفي حديث آخر:( مَثَلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثلُ الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسد بالسّهر والحُمّى). وفي حديث ثالث: (المسلمُ أخو المسلمِ، لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان اللهُ في حاجته، ومن فَرَّجَ عن مسلمٍ كربةً فرّج اللهُ عنه بها كربةً من كرب يومِ القيامة، ومن سترَ مسلماً ستره الله يوم القيامة).
أين نحن اليوم من تعاليم ديننا الحنيف في هذه المناسبة العظيمة الغالية؟ وأين نحن من اغتنام هذا الحدث الفضيل لتحقيق التواصل والتعارف بين مختلف الشعوب الإسلامية أوّلا، والوقوف على أحوال المسلمين ومتابعة أوضاعهم وشؤونهم، ودراسة مشاكلهم وانشغالاتهم كمدخل أساسي لتحقيق الحدّ الأدنى من الأخوة المحمودة والوحدة الإسلامية المنشودة..
سبق للمفكر الإسلامي المُتنوّر الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله - أن أشار في كتابه "علل وأدوية " إلى هذه الحقيقة المُرّة بقوله: "إنّ دراسة أيّ شعب إسلامي أمر إسلامي واجب.. فالمسلمون أمة واحدة..
إنّ رسالة محمد للقارات كُلّها، فكيف نجهل هذه القارات، ولا نعرف ما يُعمرّها من أجناس ومذاهب وفلسفات؟.. ولماذا نلوك بألسنتنا أنّ رسالتنا عالمية دون أدنى اتصال بهذا العالم الرحب؟".
نحن في حاجة لمن يبحث عن الأُخوّة الضّائعة والوحدة الإسلامية المفقودة في وضح النهار، كما حدث للفيلسوف اليوناني عندما كان يبحث عن الحقيقة في كبد النهار وبيده مصباح!!
اللهم ارفع غضبك ومقتك عنّا، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة..
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيّىء لنا من أمرنا رشدا..
ولله الأمر من قبل ومن بعد‍‍‍‍.