المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حين تنكشف الذات ينهزم الكلام



عزُ الدينْ جوهري
02/01/2009, 10:10 PM
رجيم الكلام.. حين تنكشف الذات ينهزم الكلام


عز الدين جوهري
كأنها الباحثة في صفاء الكتابة بعيداً عن الحذلقات والنظريات، أو قل: السير ضدّ التيار والخروج على القانون؛ خروج الفطرة للفطرة، أو أنها الموهبة في صفائها الأول، موهبة الطفل الذي يشعل الحرائق ويعيد اكتشاف النار ويُلسع المرّة تلو المرّة، أو أنها العودة إلى الحالة الأولى، الحالة السحرية، التعاويذ، سجع الكهان... من هنا لا غرابة أن تكون رواية «رجيم الكلام» للكاتبة الكويتية فوزية شويش السالم، الصادرة حديثاً لدى «دار أزمنة للنشر والتوزيع»، تميمة وتراتيل في مواجهة الموت الذي هو نبض القلب وحركة الشمس. إنها كاتبة أرضية، كائن يلتصق بأرض تقذف من نبعها كلّ مخلوق، مهنتها أن تمقت الادعاء والدجل، والكلام الرجيم: «ومضيت بذهول الدوي ورجيم الكلام» (ص 265). يبدو أن السالم تكتب رواية متلعثمة ومرتبكة وعفوية حدّ الصمت، عفوية لأنها تكتب هذه المرّة فتبدو وكأنها المفعول به. ولهذا فإن تجربتها أفقية، ونصوصها لهاث مفردات؛ المفردات المتجاورة، أما الجمل فتبدو بَرقية، كل جملة بمعزل عن الأخرى على مثال ما تكون كل مرحلة منعزلة عن الأخرى. لهذا فإننا أمام هذه الرواية (التي هي سير) نبدو وكأننا أمام أصوات عدّة، وليس أمام صوت واحد نرصده من خلال خيط الحرب والموت والحبّ، أو قل نرصده من خلال السيرة المفجعة: سيرة الوطن (الكويت). وطن تقول عنه: «عانت أشجاره من العطش والملوحة وسخام الحرائق والبارود... أرصفته اشتكت من النتانة وأكوام النفايات، وأسراب الحشرات والذباب...»، أو قل الكويت التي رزحت ردحاً من الزمن تحت نير الاحتلال زمن النظام العراقي البائد: «الكويت المحتلّة... المدجّجة بالجنود والسلاح والعتاد والموت المجاني... الكويت التي لم يبقَ من سكانها إلا ذرة تقف على أنف الوحش» (ص 29). أما خيط الموت الذي ينهي في ومضة «أسرار» المناضلة والبطلة والشهيدة، والتي تقول عنها الراوية: «فتاة معجونة بحب الناس... مرتبط قدرها بقدرهم... وهناك موعد محمول في صدر الغيب ينتظرها... ينتظر وصولها في الميقات المحـــدد»
(ص 38).
خيط الحب
أما خيط الحبّ فإنه يمتدّ إلى رجل حياتها، والذي أنهاه الموت. رجل «لن يكبر أبداً... رجل سيبقى في السادسة والثلاثين إلى الأبد...» (ص 144). الرجل الذي كانت عشر دقائق فاصلة بين حياته وموته، بين عنف دفق الحياة وعدمية الموت وهشاشته. إن هذه الدقائق العشر كانت كافية بأن تحوّل حياتها: «عشر دقائق حوّلت مجرى حياتي إلى مسار غير متوقّع... انقلبت بي رأساً على عقب» (ص 144).
تلك هي السمات البارزة التي تدور حولها أحداث الرواية. رواية تبرز فيها الكاتبة «عضلاتها» من خلال قدرتها على التنويع وتطويع أدواتها، أو قلْ أدوات الكتابة لتشتغل في مناخات شتّى، ذلك أن الكتابة هي الشعر والسرد والتاريخ والفكر والفلسفة والدين والأسطورة، ولهذا لا نستغرب اعتبار بعض النقاد أعمالها السردية أوتوبيوغرافية في شكل روائي. واللافت للنظر أن الكاتبة تتحدّث عن ستّ سير هي كل الرواية، لكن داخل هذه السير الستّ نلحظ أنها لا تتحدث إلا عن ثلاثة نماذج كما أشرنا سابقاً: الوطن، أسرار، وزوجها. أما سيرة الكتابة فهي فصل آخر يحملنا إلى الجذور الأولى التي بدأت من خلالها الكاتبة رحلتها مع الكتابة، والتي تبدو فيها مدافعةً عن هذا النمط الذي فتحت فيه الباب على مصراعيه لتلقي كلّ أنواع الكتابة تقريباً.
فوزية شويش السالم تنتمي بهذا المعنى إلى أولئك الكتّاب الذين عاشوا الضياع والألم والتمزّق والانكسار الذي يصادف الكاتب في تلك اللحظة العصيبة التي يفتقد فيها الوطن والحبيب وكل من ضحّى بحياته لقاء أن ننعم نحن بالدفء والأمن والسكينة.

عزُ الدينْ جوهري
07/01/2009, 09:42 PM
ولأنها باحثة في صفاء الكتابة، جاء رجيم كلامها، صفعة كأنها في وجه السديم