المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مزامير إدريس الملياني



إلهام محمد الصنابي
03/01/2009, 09:15 PM
مزامير إدريس الملياني في ديوانه "حدادا علي.."*
إلهام الصنابي


شكلت الأسفار التوراتية ذات البعد الأدبي مصدر الهام مجموعة من الشعراء العرب، ويحظى سفر المزامير بصفة أخص عند الشعراء بالاهتمام الأكبر فهو يشتمل على أروع ما أثر عن النبي داود عليه السلام في جانب الأدعية والتسبيح وغيرها من الأساليب التي تمكن الإنسان من التقرب من الله بتضرع وخشية، فهي تؤسس جوا روحانيا قريبا من جو المتصوفة لحظة الوجد الصوفي، ويعد هذا السفر أكبر الأسفار التوارتية على الإطلاق بحيث يشتمل على مائة وخمسين مزمورا اختلفت من حيث الطول، كما اختلف مؤلفوها إذ اشترك في وضعها كل من داود سليمان وآساف وبني قورح وايثان الازاحي، ورغم تعدد المؤلفين إلا أن المزامير معروفة بانتسابها إلى النبي داود عليه السلام على اعتبار أنه ينسب إليه العدد الأكبر منها، وأما من حيث العناوين فهي مرتبطة في أغلبها بالآلات موسيقية التي كانت مصاحبة للترنيمة، وهي في مجملها تقدم نموذجا للعديد من التعاليم الأساسية لعبادة الله خالق الكون وعالم الأسرار والأفكار والخواطر.
والشاعر المغربي إدريس الملياني واحد من هؤلاء الشعراء الذين أبحروا في تجربة المزامير في ديوانه "حدادا علي.."، فحافظ على البناء الفني ابتداء من العنوان "أناشيد حب لمجد القصيدة وحدادا علي.."، فإذا كان داود عليه السلام قد أنشد مزاميره حبا وتوسلا إلى الله ولمجده وقدرته، فإن الملياني ينشد لله وقدرته وينشد أيضا للقصيدة، وللكلمة المؤسسة للعوالم الإنسانية، فالعتبة الأولى "العنوان" جاء مشتملا على عشر قصائد تنفرد كل واحدة بعنوان مستقل وإهداء خاص، لكنها في مجملها تندرج تحت سياق شعري دلالي واحد اتخذ من المزامير مرجعية أدبية ولغوية.

جاء في العنوان الأول: "أمام خيمة الاجتماع":([1])

لِصغِيرِ المُغنِّينَ هذَا الرِّثاء

عَلَى لحْن أرْغنْ:

تَحنَّنْ حَبيبِي تَحنَّنْ

أَلستَ عَليمًا بِما بِي

وَهذِي دمُوعي

أَمامَك تهْمِي

نَهاراً وليْلاً

أَمامَكَ أمْشي

بِهذا الحِدادِ

وَيمْشي أمَامِي هَواني

* * *

أَمل أذنَيكَ علَىّ

اسْتمِع لِعتَابِي

أَرحْني وَلا تَترُكنِي

وَحيداً أُعَانِي

تَعال سَريعًا

لِينزَاحَ عنِّي عنَائِي


لقد ارتكز الملياني في هذا المقطع وفي غيره –كما سيأتي بيانه- على مزامير داود التي شكلت بالنسبة له أهم اللحظات الصادقة التي يجد فيها الإنسان نفسه أمام قدرة قالت له "كن" فكان بأمرها، والمقطع الشعري منذ بدايته حتى منتهاه تضرع وتوسل إلى الله ليسمع دعاء عبده ويزيل عنه ما به من كرب وضيق، والنص يشتمل على كثير من الجمل التي تكررت في العهد القديم وبالضبط في سفر المزامير والجدول الآتي يبين ذلك بوضوح.

الجملة الشعرية // صفحة الديوان // الجملة المزمورية // رقم إص

-هَذي دُموعِي أمَامك // 13 // -أُعوِّم فِي كلِّ ليلَة سرِيرِي بِدمُوعِي // -6

تَهمِي نهَارا وَليْلا // -صَارتْ لي دُموعِي خُبزًا نهارُا ولَيلاَ. // -42

-أمِلْ بأُذنيْك علَيَّ // 14 // -أمِل إِليَّ أذُنكَ. // -31

-صِرتُ عارًا لمَن حَولَنَا هَزأَة للبَعِيد // 14 // -صِرنَا عارًا عِند جِيرانِنا هُزءًا وَسخْرةً للذِينَ حَوْلنَا. // -79

-صَار عَارا عِند جِيرانِه. // -89 // -تَجعَلنَا عَارا عِند جِيرانِنَا هُزْأَةً وسُخْرةً لِلذِين حَولَنَا. // -44

-وَأدخُل بَيتَك بِالتَّقدمَات // 15 // -أَدخُل إلَى بَيتِك بِمحرَقاتٍ. // -66

-أَصعدُ يَومًا فَيومًا مُحْرَقات // 15 // -أصْعِد لكَ محْرقَات. // -66

-استَجِبْ لنِدائِي // 16 // -انظُر وَاستَجِب لِي يَا رَبُّ. // -13

-استَمعْ لعِتابِي // 14 // -اسْمعْ كلاَمِي. // -17


قدمت المزامير للملياني متسعا من المجال اللغوي فجعل منها مرجعية أساسية في بناء هذا النص الشعري، ومن ثمة فإنه لم يقتصر على جملة واحدة أو عبارة واحدة، بل إنه زاوج بين الاستعارة التركيبية والمعنوية، بحيث نجده في مقاطع من قصيدته يحافظ على البناء اللغوي للجملة المزمورية، كما هو الحال في قوله "أمل أذنيك علي" كما نجده في أحيان أخرى يستمد المعنى، ليترك القارئ أمام انفتاحية الإحالة المرجعية في المزامير، ومثاله ما جاء في قوله "استجب لندائي" بحيث نجد أنفسنا أمام أكثر من جملة إحالية تستجيب للمعنى القريب.

ويبدو أن الملياني قد سار في نهج المزامير من حيث موضوعها الديني الذي يعتمد بالأساس على تقديس الله وتعظيم قدرته، وإلى جانب هذا نجد موضوعا آخر يسير بالموازاة معه، ويتعلق الأمر بموضوع التعاليم الأساسية والمتمثلة في التقدمات والمحرقات، وهي تعد قربانا للإله من أجل محو الخطايا والآثام التي يرتكبها الإنسان، فقد جاء في قصيدة "المائدة" التي جاء في إهدائها "لصغير المغنين هذا النشيد على لحن قيثارة"، يقول:([2])

إِذا جعْتُ تبْسطُ مائِدَةً

منْتَقاةً

تُجاهَ خصُومِي عَليْها

شَهيَّة

كَارْتفَاع السَّماءِ عنِ الأَرضِ

تَبسُط مَائدَة ذَهبِية

لقد وردت في هذا المقطع مجموعة من القرائن الدالة على كرم المُعطي الذي أغدق على المتكلم في القصيدة حتى راح يشدو بعطفه وحنُوِّ قلبه، فهو كريم إلى درجة تجعله يبسط مائدة مليئة بكل ما يجعل العين تشبع قبل البطن، وهي مائدة منتقاة شهية وفوق كل هذا فهي ذهبية تسبي العقول بجمال هيئتها، وهذا ما استدعى افتتاح هذه القصيدة بالفرح والسرور المجسد في لفظة "هَلِّلويَا" التي رددت في أكثر من موضع في المزامير وهي "عبارة عبرانية معناها "سبِّحو يَهْوَه" عبارة للتسبيح والحمد للرب كانت توضع في مطلع المزامير والأغاني أو في خاتمتها كما وردت في سفر الرؤيا... ونسبة إليها سميت المزامير من 112 –118 بالتهليل لأنها مزامير تسابيح وكانت تُرنم في الأعياد والمواسم والأهلة"([3]).

أما بخصوص المائدة المنتقاة التي تغنى بها الملياني فقد جاء ذكرها في المزمور الثالث والعشرين حيث يقول النبي داود عليه السلام "الرَّب رَاعِيَّ فلاَ يُعوِزنِي شيء ٌفِي مَراعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي إِلى مِياهِ الرَّاحةِ يُوردَني(...) تُرتِّب قُدَّامي مَائدَة تُجاهَ مُضايِقِيَّ مَسحْت بِالدُّهنِ رَأْسِي"([4])، يجمع هذا المزمور بين محاور مختلفة موزعة بين الثقة بالرب والاطمئنان إليه، إلى جانب بعض الطقوس اليهودية المتمثلة في التقدمات والمصاعد إلى الهيكل المقدس، وهي نفسها المواضيع التي طرحها الملياني في هذا الجزء، فهو يهدي بادئ الأمر "لصغير المغنين هذا النسيب على لحن قيثارة"، ثم هو يصف الراحة الأبدية التي ينعم بها، إلى جانب ربة بيته الغنية التي تغدق عليه بحيث يجدها إلى جانبه كلما حن إليها أو أحس بالحاجة إليها.

أما إذا نحن انتقلنا إلى العناوين الفرعية المترتبة عن كل عنوان ثانوي للقصيدة، فسنجد أنها كلها ذات طابع ديني توراتي متعلقة بالمؤدين لهذه المقطوعات، وكذلك أسماء الآلات الموسيقية التي تم بها أداء هذه القصائد ذات البعد الديني الطقوسي في العبادة، ويمكن تقسيمها إلى:

-الآلات الوترية: من ذوات الأوتار: عود قيثارة-كنارة-أرغن
-آلات النفخ: البوق-الناي-سكيسية
-آلات الضرب: الطبل
-آلات أخرى: غيطة- عزف الريح.
وهي أسماء آلات منها ما جاء في مقدمات المزامير، ومنها ما جاء في متنها ومنها ما جاء مضمنا في ثنايا العهد القديم والجدول الآتي يوضح هذا الارتكاز المرجعي للملياني على المزامير:

الالة // الأداء الموسيقي في الديوان قصائد الأداء الموسيقي في المزمور/ما يعادله-نوعه // رقم الاصحاح
عود // لصغير المغنين هذا الغزل (للقصيدة تذكير) على لحن عود // لإمام المغنين على العود قصيدة لداود // 53-

قيثارة // لصغير المغنين هذا النسيب على لحن قيثارة // لإمام المغنين على ذوات الأوتار // 4-54-55-76

كنارة // لصغير المغنين بعد الهزيمة هذه الصلاة على لحن كنارة // ذوات الأوتار

ناي // لصغير المغنين هذا المديح على لحن ناي لإمام المغنين على ذوات النفخ // لإمام المغنين على ذوات النفخ لداود // 5-

سكسية // لصغير المغنين هذا العزاء على لحن سكسية // ذوات النفخ

بوق // لصغير المغنين هذا الهجاء على لحن بوق // لإمام المغنين على ذوات النفخ // 5

الطبل // لصغير المغنين هذا النشيد على لحن طبل // ذوات الضرب


يلاحظ من خلال هذا الجدول أن هناك بعض أسماء الآلات التي لم يرد ذكرها في مقدمات المزامير بل منها ما جاءت مجملة في ذكر نوع الآلة ومثاله : القيثارة والكنارة أو الكنور كما يرد في بعض التسميات فقد جاءت ضمن مسمى:

1-على ذوات الأوتار" على اعتبار أن القيثارة هي آلة موسيقية كبيرة الحجم إلى حد ما، متعددة الأوتار وهي آلة قديمة جدا يؤثر أن أول من استعملها هم الساميون والأمر نفسه ينطبق على الأرغن وهو من آلات الضرب ذات ملامس ويعزف عليها بالأصابع أما الكنارة فهي اسم عبري معناه القيثارة.

2-آلات النفخ: لم يرد ذكر الناي والبوق على أحد من المقدمات المزمورية الخاصة بالمؤدين الموسيقين، وإنما جاء مضمنة في الإشارة إلى نوع الآلة "ذوات النفخ"، والآلات النفخية الموسيقية التي جاء ذكرها في المزامير خصوصا، وفي العهد القديم عموما وهي كثيرة منها: ذكر الناي في سفر إشعياء "وَصارَ العُود وَالرَّبابُ والدُّفُّ وَالنَّاي والخَمْرُ وَلائِمَهمْ وَإِلى فِعلِ الرَّبِّ لاَ ينْظُرونَ وَعمَل يَديْه لاَ يَروْنَ"([5])، والناي آلة موسيقية معروفة بكونها عبارة عن أنبوب على جوانبه ثقوب ينفخ فيها بوضع مقدمة الناي على الفم، أما البوق فهو على هيئة قرن كانت معروفة عند اليهود حيث كان ينفخ فيها أيام الأعياد أو عند إعطاء علامة الحرب، وكانت أبواق الكهنة من الفضة.

3-آلات الضرب: لقد انفرد الملياني بذكر الطبل الذي لم يرد ذكره في الكتاب المقدس بالاسم وإنما يمكن إدراجه في خانة الآلات الموسيقية من نوع آلات الضرب مثل الدف.


الهوامش
*-حدادا علي.. لإدريس الملياني، مطبعة النجاح الجديدة، منشورات دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2000.

**- خطأ مطبعي والصحيح "أن".

[1] - أمل دنقل عن التجربة والموقف لحسن الغرفي، مطبعة إفريقيا الشرق، ص: 29-30.

2 - حدادا علي... لإدريس الملياني، قصيدة "أمام خيمة الاجتماع"، ص: 13-14.

3- حدادا علي... لإدريس الملياني، قصيدة "المائدة"، ص: 24.

4 - قاموس الكتاب المقدس www.albichara.org

5- مزمور 23.

6 - سفر إشعياء إصحاح 5.