المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حرب الإبادة النازية فى غزة



الدكتورعبدالخالق جبة
08/01/2009, 12:06 AM
بقلم : دكتور عبدالخالق عبدالله جبه

أستاذ الدراسات الإسرائيلية والعبرية

لم يكن بالإمكان عدم التفكير بآلاف الشيوخ والنساء والأطفال الفلسطينيين في غزة، الذين يسمعون في تلك اللحظات أبواق الإنذار المفزعة ، يرتجفون من الرعب، مشلولون من شدة الخوف، ينتظرون سقوط القنابل من البر والبحر ؛ وقذائف الطيران الحربى من طراز f16 ؛ والمدفعية الثقيلة وأحدث أنواع الدبابات تقتلع الأخضر واليابس ؛ وهم أبناء شعب محاصر منذ أكثر من ثمانية عشر شهرا ؛ يقاوم ببسالة نادرة لم يتوقعها العدو ؛ يقاوم وهو أعزل إلا من الأسلحة البدائية الأولية ويواجة بشجاعة نادرة أعتى قوة عسكرية فى الشرق الأوسط !!!

يقول الناطقون الإسرائيليون : "كان على إسرائيل الدفاع عن نفسها من الصواريخ التي دبت الرعب في البلدات الجنوبية" وكأن ميزان القوى متعادل بين الجانبين . ويقول الناطقون بلسان حماس "كان يتوجب على الفلسطينيين الرد على قتل الأطفال والشيوخ والنساء وشباب المقاتلين داخل غزة" وكأنهم واثقون من نصر الله لهم ... في الحقيقة : إنهار وقف إطلاق النار - وذلك لأنه لم يبدأ أصلا... كان العنصر الرئيسي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة هو فتح المعابر... ولم يتم فتحها سوى لبضع ساعات هنا وهناك... وكان الحصار البري والبحري والجوي الذي طوّق مليون ونصف المليون من بني البشر هو عملية حربية، أصعب من أي قصف أو إطلاق للصواريخ... إنه بمثابة شلّ للحياة في القطاع : فقد قضى على مصادر الرزق ، أدى بمئات الآلاف إلى العيش على حافة الجوع ، دمّر عمل المستشفيات ، شبكات الكهرباء والمياه... من اتخذ قرار إغلاق المعابر – بغض النظر عن الذريعة- تأكد أنه لا يمكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار في ظروف كهذه...هذا هو الأمر الأساسي...

بعد ذلك جرت الاستفزازات الصغيرة من جانب إسرائيل ، لاستفزاز حماس ودفعها إلى الرد... وبعد ما لم يتم إطلاق صواريخ القسام لبضعة أشهر تقريبا، تم كذريعة إرسال الجيش الإسرائيلي إلى القطاع "لتدمير نفق اقترب من الجدار"... من الناحية العسكرية البحتة، كان من الأفضل القيام بنصب كمين في الجهة الإسرائيلية؛ ولكن الهدف كان إيجاد ذريعة لإنهاء وقف إطلاق النار عن طريق عملية، بعدها يتم إلقاء اللائمة على الفلسطينيين... وهكذا، أدت عمليات صغيرة كهذه ، التي قتل فيها أحيانا بعض مقاتلى حماس ، أدت إلى إطلاق مكثف للصواريخ– وعلى حين غرّة، إنتهى وقف إطلاق النار... ماذا كان الهدف؟

أعلنت وزيرة الخارجية فى حكومة تسيير الأعمال الإسرائيلية تسيبى ليفني الهدف بصراحة : القضاء على حكم حماس... هل يمكن ذلك ؟؟ أما وقف إطلاق صواريخ القسام فما هو إلا ذريعة...القضاء على حكم حماس؟ يبدو أشبه بفصل في كتاب "مسيرة الحماقة"... فليس سرا أن حكومات إسرائيل هي التي أسست حكم حماس منذ بدايته... عندما سئل مرة رئيس الشباك الأسبق، يعقوب بري ، أجاب بشكل دبلوماسي : "لم نؤسسها، ولكننا لم نعرقل تأسيسها".... اعتنت سلطة الاحتلال الإسرائيلية طوال سنوات بالحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة... تم قمع أي عملية سياسية أخرى بيد من حديد، وسُمح بالنشاطات التي كانت تجري في المساجد فقط... كان الحساب بسيط وسخيف : كانت منظمة التحرير الفلسطينية تعتبر العدو الرئيسي... كان الزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات فى نظر إسرائيل هو "الشيطان المناوب"... تم الترحاب فى أوساط الأمن الإسرائيلية بالحركة الإسلامية التي حرّضت فى حينه ضد منظمة التحرير الفلسطينية وضد الرئيس ياسر عرفات رحمه الله ...

مع نشوب الانتفاضة الأولى في عام 1987، تحولت الحركة الإسلامية بشكل رسمي إلى حركة حماس (وهو اختصار لـ "حركة المقاومة الإسلامية") وانضمت إلى النزاع... وفي ذلك الحين أيضا لم يعمل الشباك ضدها... طوال عام تقريبا ، عندما تم إعدام أو سجن مجموعة كبيرة من رجال فتح ، لم يتم اتخاذ أي إجراء ضد حماس... بعد نهاية عام فقط ، تم أسر الشيخ أحمد ياسين وزملاؤه ؛ ثم أطلق سراحه ؛ ثم تم اغتياله فى يوم الإثنين 23/3/2003 ... منذ ذلك الحين انقلب الوضع ... لقد تحولت حماس إلى المناضل المقاتل المناوب... كان الاستنتاج المنطقي الذي استنتجته الحكومة الإسرائيلية أنه كان عليها أن تمنح فتح إنجازات سياسية كأنها تثير الإعجاب: إدعاء إنهاء الاحتلال، وادعاء التوقيع على معاهدة سلام ، وادعاء الوعد بإقامة دولة فلسطينية،وادعاء العودة إلى حدود عام 1967، وادعاء تحويل القدس الشرقية إلى عاصمة لدولة فلسطين ، وادعاء الحل المقبول لمشكلة اللاجئين وادعاء إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين. وكأن هذا سيعيق ارتفاع شأن حماس...

ولكن المنطق شيء والسياسة الإسرائيلية شيء آخر... لم يحدث أي من هذه الإدعاءات؛ وخلافا لذلك، أعلن فى حينه أريئيل شارون، بعد اغتيال عرفات بالسم أن أبو مازن هو "طير تافه منتوف الريش"... لن يُمنح أي إنجاز سياسي أبدا. وتحولت المفاوضات، برعاية الأمريكيين، إلى أضحوكة... تم إلقاء مروان البرغوتى ، وهو من أبرز زعماء فتح ، في السجن... وبدلا من إطلاق سراح مكثف للأسرى ، أتت "التنازلات" المهينة... تم إذلال أبو مازن حتى الحضيض، وأصبحت فتح أشبه بالقشرة الفارغة، وأحرزت حماس انتصارا ساحقا في الانتخابات الفلسطينية – الانتخابات الأكثر ديموقراطية التي أجريت ذات مرة في العالم العربي كله.. . عندما قاطعت حكومة إسرائيل الحكومة المنتخبة ديموقراطيا ، وقع الحكم في غزة كفاكهة ناضجة بين يدي حماس... والآن، وبعد كل هذه الأمور، قررت حكومة إسرائيل "القضاء على حكم حماس في غزة" – عن طريق سفك الدماء، وبدخان متصاعد بعملية عسكرية كأنها تدخل فى مواجهة أكبر حرب ضد قوة متوازية أو تفوقها ...الاسم الرسمي للحرب هو "الرصاص المصبوب". ويجدر تسميتها: "حرب الانتخابات". ... رغم أن استطلاعا للرأي أجرته صحيفة "هآرتس" العبرية أظهر أن الجمهور الصهيوني ملّ من "سبع سنوات من إطلاق صواريخ القسام على "سديروت" والمستوطنات المحاذية لقطاع غزة، في ظل عجز الجيش عن التصدي لها، وملّ أيضاً بقاء "جلعاد شاليط" الجندي الصهيوني أكثر من سنة ونصف قيد الأسر لدى المقاومة الفلسطينية". وحسب الاستطلاع الذي نشرت نتائجه على صفحات الصحف العبرية ؛ فإن 46 في المائة من الجمهور الصهيوني يعتقدون بأنه ينبغي على الحكومة الصهيونية أن تدير مفاوضات مباشرة مع حركة "حماس" على وقف النار وعلى إطلاق سراح شاليط... وأظهر الاستطلاع أن "أقل من ثلث الجمهور (28 في المائة) لا يزالوا يعارضون المفاوضات مع "حماس" بصورة مباشرة. رغم ذلك شنت إسرائيل الحرب الشاملة على غزة بسبب قرب موعد الانتخابات الإسرائيلية ... فهى حرب انتخابات كما قلنا ... !!

في الماضي أيضا تم تنفيذ عمليات عسكرية عشية الانتخابات . حيث قصف رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق مناحيم بيجين المُفاعل العراقي خلال المعركة الانتخابية في عام 1981... وعندما ادعوا أنه متأثرباعتبارات انتخابية ، صرخ في اجتماع انتخابي بالحماقة التي كانت تميزه : " أيها اليهود الأغبياء ، هل تعتقدون أنني أرسل الجنود إلى خطر الموت، والأسوأ من ذلك، إلى أن يقعوا فى الأسر في أيدي بشر أشبه بالحيوانات، لمجرد إحراز الفوز في الانتخابات ؟ " ... وانتصر بيجين فى تلك الانتخابات... أما شمعون بيرس رئيس إسرائيل الحالى وكان فى حينه رئيس وزراء فعندما بدأ حملة "عناقيد الغضب" في عام 1996 ضد لبنان ، في أوج المعركة الانتخابية، كان الجميع متأكدين أنه قد فعل ذلك من أجل الفوز في الانتخابات... لكن الحملة فشلت وخسر بيرس الانتخابات ؛ وكان الفوز من نصيب بنيامين نتنياهوالذى شكل الوزارة وأصبح رئيسا للوزراء ...!!!

والآن يعاود وزير الحرب الصهيونى إيهود باراك ووزيرة الخارجية تسيبي ليفي يعاودان الكرّة ذاتها ... وفقا لاستطلاعات رأي الجمهور، ارتفع تأييد باراك خلال 48 ساعة من تلك الحرب بخمسة مقاعد ؛ المذهل أن هذه النسبة تساوى نحو 80 قتيلا فلسطينيا مقابل المقعد الواحد... إلا أنه من الصعب أن تدوس أقدام القادة والجنود على الجثث لأن من شأن الإنجاز أن ينقلب ، في أي لحظة ، إذا نظرالإسرائيليون إلى الحملة أنها حملة فاشلة... وهو المؤكد والمنتظر حتى الآن ... والفشل يعنى عدم تحقيق هدف الحرب المعلن " إسقاط سلطة حماس " ... وعلى سبيل المثال، إذا لم يتوقف إطلاق صواريخ القسّام على سديروت أو بئر السبع... أو إذا كلفت الحملة البرية ضحايا إسرائيلية كثيرة... كما حدث بالفعل منذ اليوم الأول ؛ وحتى كتابة المقال كانت الخسائر الإسرائيلية المعلنة إثنا عشر قتيلا ومائة وعشرة جرحى ؛ وهى خسائر فادحة لو قيست بتعداد السكان ؛ وباعتبار أن الحرب لم تنته بعد ؛ وباعتبار أنها ليست حقيقة تعداد القتلى بالذات ؛ وبالأمل الذى كانت إسرائيل تمنى به المواطنين الإسرائيليين قبل المعركة !!

فى هذه الحرب ؛ تم اختيار التوقيت بدقة... بدأت الحرب بعد يومين من عيد الميلاد، في حين كان زعماء أمريكا وأوروبا يمكثون في إجازة إلى ما بعد عيد رأس السنة الميلادية... كانت التقديرات الإسرائيلية كما يلي : حتى وإن رغب أحدهم في محاولة وقف الحرب، فلا أحد منهم كان سيتخلى عن إجازته... هذا الأمر منح الحرب عدة أيام – الثلاثة أيام الأولى - خالية من الضغوط... وهناك معنى آخر للتوقيت: فهذه هي أيام جورج بوش الأخيرة في البيت الأبيض... بمعنى الاعتماد على ؛ بوش ؛ رئيس أحمق ملطخ اليدين فى العراق وفى أفغانستان بالدم ؛ أن يدعم الحرب ضد حماس... وأما باراك أوباما فلم يتقلد منصبه بعد، وكانت لديه ذريعة متكاملة للصمت يقولها على مضد: "هناك رئيس واحد في المنصب". لا يبشر هذا الصمت ببشرى سارة لإسرائيل فيما يتعلق بفترة تولي الرئيس المنتخب أوباما ؛ والمستقبل غير طيب بالنسبة لإسرائيل ؛ كما توقع الجميع فى إسرائيل ... !!

كان الخط الموجه فى تلك الحرب : عدم تكرار أخطاء حرب لبنان الثانية المخزية بالنسبة لإسرائيل فى يوليو 2006 ... وقد تفذلكوا حول هذا الأمر إلى حد يصل إلى المهانة، في جميع البرامج الإخبارية والبرامج الحوارية ... وجاءت الحقيقة معاكسة : الحرب على غزة هي تكرار يكاد يكون دقيقا للحرب ضد لبنان ... وجهة النظر الاستراتيجية هي ذاتها: دب الرعب في قلوب السكان المدنيين فى غزة بواسطة زرع القتل والدمار بواسطة القصف الجوي والمدفعى وبالمدرعات... في هذه العملية لا يتعرض الجنود لأي خطرسوى خطر المواجهة وجها لوجه ؛ والجندى الإسرائيلى لايرتجل أبدا من الدبابة أو من العربة المصفحة إلا إذا كان واثقا من عدم مواجهة الخصم المقاوم ، وأنه لا يوجد لدى حماس سلاح مضاد للطيران... وكانت التقديرات الإسرائيلية على هذا النحو: إذا تم تدمير جميع البنى التحتية الحيوية في غزة كليا، وفيما لو سادت الفوضى التامة، سيُسقط السكان حكم حماس... عندها سيعود أبو مازن إلى غزة... وهذا التقييم لم يحدث حتى الآن !!! لم تثبت هذه التقديرات صحتها في لبنان... بل على العكس، تكتل السكان الذين تم قصفهم، بمن فيهم المسيحيين، حول حزب الله ، وتحول حسن نصر الله إلى بطل العالم العربي... هذا ما سيحدث أيضا في هذه المرة فى غزة... فالجنرالات هم خبراء في تفعيل السلاح وتحريك القوات، ولكن ليسوا كذلك في علم النفس الجماعي...

وتوقع قادة إسرائيل أن الحصار على غزة أشبه بتجربة سهلة هدفها أن تفحص إسرائيل إلى أي مدى يمكن تجويع السكان وتحويل حياتهم إلى جحيم قبل أن يستسلموا... وتتم هذه التجربة بمساعدة أوروبا والولايات المتحدة... لكن هذا لم ينجح ، بل على العكس من ذلك، فقد قويت حماس وزاد إطلاق صواريخ القسام وجراد... من المتوقع أن لا يكون أمام الجيش الاسرائيلى أي خيار سوى إعادة احتلال قطاع غزة، وذلك لعدم وجود أي طريقة عسكرية أخرى لوقف إطلاق صواريخ جراد والقسام – ما عدا عقد اتفاقية مع حماس، وهذا يتعارض مع نوايا الحكومة المعلنة عند بدء الاجتياح ، كانت كل الأمور منوطة بوضع حماس وقدرتها أمام جنود الجيش الإسرائيلي... لا أحد يمكنه أن يتكهّن بما سيحدث... !!

يوم بعد يوم، ليلة بعد ليلة، بثت محطة تليفزيون الجزيرة صور البشاعة: القصف الجوى والمدفعى وبالمدرعات عشوائى يستهدف المدنيين ومنهم أطفال وشيوخ زنساء ؛ أكوام من الجثث المبتورة، أقرباء يفتشون عن أعزائهم بين عشرات الجثث الملقاة على الأرض ، امرأة تخرج ابنتها الصغيرة من تحت الأنقاض ، أطباء ليس لديهم أدوية يحاولون إنقاذ حياة الجرحى... بالمقابل، بثت محطات التليفزيون العالمية الصور متسلسلة ... يشاهد الملايين من كل أنحاء العالم هذه البشاعة، صورة بعد صورة، يوما بعد يوم... تتبلور البشاعة في مخيلتهم إلى الآبد: إسرائيل المفزعة، العنصرية ؛ البغيضة، النازية ، الاستيطانية الإحلالية وغير الإنسانية... سينشأ جيل كامل من المناضلين والكارهين... هذا هو ثمن باهظ ، ستضطر إسرائيل إلى دفعه إن آجلا أو عاجلا ؛ بعد أن تتمخض الأحداث عن كل النتائج الأخرى المنتظرة أيضا لهذه الحرب العدوانية النازية ...

حين نشاهد المظاهرات في جميع أنحاء العالم وعواصم العالم العربي، يبدوالانطباع بأن جميع هؤلاء يبدون من وجهة نظر إسرائيلية كالبؤساء الحمقى في أفضل الحالات ؛ وكمتعاونين مع مواطنى قطاع غزة... ولكن ستكون لهذه الصورة نتائج تاريخية... لقد بقي في الفضاء العربي بديل واحد فقط للأيديولوجية القومية العلمانية : التطرف القومى العربى ؛ وهذا ما وضح من خلال التضامن الشعبى الجارف فى جميع أنحاء العالم العربى والإسلامى بلا استثناء ... هذه الحرب تؤكد بشكل علنى : أن إسرائيل تخسر فرصتها التاريخية في صنع السلام مع القومية العربية... إن من شأنها أن تقف غدا، وحدها، أمام عالم عربي قومى متطرف...

أحد سائقي سيارات الأجرة في تل أبيب، تحدث يوم الإثنين 5/1/2009 فى الأسبوع الأول من الحرب على غزة فى برنامج "هذا الصباح" من الإذاعة العبرية ، تحدث بصوت منفعل وصاخب : " لماذا لا يتم تجنيد أبناء الوزراء وأعضاء الكنيست، ليؤلفوا منهم كتيبة خاصة ونصبها في مقدمة العملية البرية في غزة ؟ لايمكن أن يحدث ذلك !! نطلب من قادة إسرائيل ما يلي قبل فوات الأوان : وقف المحرقة الوحشية في غزة ؛ هل نسينا ماحدث لنا نحن اليهود فى أحداث النازية أم أننا نطبقها على الفلسطينيين ؛ والانسحاب ورفع الحصار عن غزة فورا ...و إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين وإزالة جميع الحواجز فورا ... هدم الجدار العازل فورا... الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وقرارات الشرعية الدولية وتنفيذها دون إبطاء! وهذا هو الطريق الوحيد كى تعيش إسرائيل حياة عادية كبقية دول العالم ؛ كما أن أمريكا لن تؤيدنا إلى الأبد " !! إنتهى حديث السائق الإسرائيلى !! وهى رؤية تتحدث عن نفسها ولاتحتاج إلى تعليق أو تحليل ... والله ولى التوفيق !!

احمدحامدالسكرى
31/03/2011, 03:10 PM
يؤسفنى أن أقرأ هذا المقال لأستاذ الدراسات الأسرائيلية والعبرية وهو مسروق من مجموعة مقالات للأورى أفنيرى الكاتب الاسرائيلى ، والمقال الأصلى بعنوان الرصاص المصبوب على موقع كتلة السلام على الرابط التالى
http://zope.gush-shalom.org/home/ar/avnery/1231246850/
وهذا نص المقال

الرصاص المصبوب / أوري أفنيري
03/01/09


أنبأت محطة الجزيرة باللغة العربية، بعد منتصف الليل، عما يحدث في غزة. وجّه المصور عدسة الكاميرا نحو السماء المظلمة بالذات. كانت الشاشة سوداء كليا. لم يكن بالإمكان رؤية شيئ ما من خلال الجهاز، ولكن علا منه ضجيج الطائرات – صفير مخيف، مروع، مرعب.

لم يكن بالإمكان عدم التفكير بآلاف الأولاد الفلسطينيين في غزة، الذين يسمعون في تلك اللحظات الصفير المفزع، يرتجفون من الرعب، مشلولون من شدة الخوف، ينتظرون سقوط القنابل.

"كان على إسرائيل الدفاع عن نفسها من الصواريخ التي دبت الرعب في البلدات الجنوبية"، هذا ما قاله الناطقون الإسرائيليون. "كان يتوجب على الفلسطينيين الرد على قتل المقاتلين داخل غزة"، هذا ما يقوله الناطقون بلسان حماس.

في الحقيقة: انهار وقف إطلاق النار - وذلك لأنه لم يبدأ أصلا. كان العنصر الرئيسي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة هو فتح المعابر. ولم يتم فتحها سوى لبضع ساعات هنا وهناك. الحصار البري، البحري والجوي الذي يطوّق مليون ونصف المليون من بني البشر هو عملية حربية، أصعب من أي قصف أو إطلاق صواريخ. إنه بمثابة شلّ للحياة في القطاع: لقد قضى على مصادر الرزق، أدى بمئات الآلاف إلى العيش على حافة الجوع، دمّر عمل المستشفيات، شبكات الكهرباء والمياه.

من اتخذ قرار إغلاق المعابر – بغض النظر عن الذريعة- عرف أنه لا يمكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار في ظروف كهذه.

هذا هو الأمر الأساسي. ثم جرت الاستفزازات الصغيرة، لاستفزاز حماس على الرد. بعد أن لم يتم إطلاق صواريخ القسام لبضعة أشهر تقريبا، تم إرسال الجيش الإسرائيلي إلى القطاع "لتدمير نفق اقترب من الجدار". من الناحية العسكرية البحتة، كان من الأفضل القيام بنصب كمين في الجهة الإسرائيلية. ولكن الهدف كان إيجاد ذريعة لإنهاء وقف إطلاق النار عن طريق عملية، من خلال إلقاء اللائمة على الفلسطينيين. وهكذا، أدت عمليات صغيرة كهذه، التي قتل فيها أحيانا مقاتلو حماس، إلى إطلاق مكثف للصواريخ– وعلى حين غرّة، انتهى وقف إطلاق النار.

ماذا كان الهدف؟ أعلنت تسيبي ليفنيه عنه بصراحة: القضاء على حكم حماس. وقف إطلاق صواريخ القسام ما هو إلا ذريعة.

القضاء على حكم حماس؟ يبدو أشبه بفصل في كتاب "مسيرة الحماقة". فليس سرا أن حكومات إسرائيل هي التي أسست حكم حماس منذ بدايته. عندما سألت مرة رئيس الشباك الأسبق، يعقوب بري، أجابني بشكل دبلوماسي: "لم نؤسسها، ولكننا لم نعرقل تأسيسها".

اعتنت سلطة الاحتلال الإسرائيلية طوال سنوات بالحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة. تم قمع أي عملية سياسية أخرى بيد من حديد، وسُمح بالنشاطات التي كانت تجري في المساجد فقط. كان الحساب بسيط وسخيف: كانت منظمة التحرير الفلسطينية تعتبر العدو الرئيسي. كان ياسر عرفات هو الشيطان المناوب. تم الترحاب بالحركة الإسلامية التي حرّضت ضد منظمة التحرير الفلسطينية وضد عرفات.

مع نشوب الانتفاضة الأولى في العام 1987، تحولت الحركة الإسلامية بشكل رسمي إلى حركة حماس (وهو اختصار لـ "حركة المقاومة الإسلامية") وانضمت إلى النزاع. وفي ذلك الحين أيضا لم يعمل الشباك ضدها. طوال عام تقريبا، عندما تم إعدام أو سجن مجموعة كبيرة من رجال فتح، لم يتم اتخاذ أي إجراء ضد حماس. بعد نهاية عام فقط، تم أسر الشيخ أحمد ياسين وزملائه.

منذ ذلك الحين انقلب الدولاب. لقد تحولت حماس الآن إلى الشيطان المناوب، وأصبحت إسرائيل تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية تكاد تكون فرعا للحركة الصهيونية. كان الاستنتاج المنطقي الذي استنتجته الحكومة أنه كان عليها أن تمنح فتح إنجازات سياسية تثير الإعجاب: إنهاء الاحتلال، التوقيع على معاهدة السلام، إقامة دولة فلسطينية، العودة إلى حدود عام 1967، تحويل القدس الشرقية إلى عاصمة لدولة فلسطين، حل مقبول لمشكلة اللاجئين وإطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين. كان هذا سيعيق ارتفاع شأن حماس.

ولكن المنطق شيئا والسياسة الإسرائيلية شيء آخر. لن يحدث أي من هذه الأمور. خلافا لذلك، أعلن أريئيل شارون، بعد اغتيال عرفات أن أبا مازن هو "صوص منتوف الريش". لم يُمنح أي إنجاز سياسي أبدا. تحولت المفاوضات، برعاية الأمريكيين، إلى أضحوكة. تم إلقاء مروان البرغوثي، وهو من أبرز زعماء فتح، في السجن. وبدلا من إطلاق صراح مكثف للأسرى، أتت "التنازلات" المهينة.

تم إذلال أبي مازن حتى الحضيض، أصبحت فتح أشبه بالقشرة الفارغة، وأحرزت حماس انتصارا ساحقا في الانتخابات الفلسطينية – الانتخابات الأكثر ديموقراطية التي أجريت ذات مرة في العالم العربي. عندما قاطعت حكومة إسرائيل الحكومة المنتخبة، سقط الحكم في غزة كفاكهة ناضجة بين أيدي حماس.

والآن، وبعد كل هذه الأمور، قررت حكومة إسرائيل "القضاء على حكم حماس في غزة" – عن طريق سفك الدماء، وبدخان متصاعد.

كان الاسم الرسمي للحرب هو "الرصاص المصبوب" – كلمتان من أغاني الأولاد الخاصة بعيد الحانوكا.

ويجدر تسميتها: "حرب الانتخابات".

في الماضي أيضا تم تنفيذ عمليات عسكرية عشية الانتخابات . قصف مناحيم بيغين المُفاعل العراقي خلال المعركة الانتخابية في العام 1981. وعندما ادعوا أنه متأثر باعتبارات انتخابية، صرخ في اجتماع انتخابي بالحماقة التي كانت تميزه: "أيها اليهود، هل تؤمنون أنني أرسل الجنود إلى خطر الموت، والأسوأ من ذلك، إلى الآسر في أيدي بشر أشبه بالحيوانات، بهدف إحراز الفوز في الانتخابات؟ لقد انتصر بيغين.

شمعون بيرس ليس بيغين. عندما بدأ حملة "عناقيد الغضب" في العام 1996 في لبنان، في أوج المعركة الانتخابية، كان الجميع متأكدين أنه قد فعل ذلك من أجل الفوز في الانتخابات. فشلت الحملة وخسر بيرس الانتخابات وكان الفوز من نصيب بنيامين نتنياهو.

ويعاود إيهود باراك وتسيبي ليفينه الكرّة ذاتها . وفقا لاستطلاعات رأي الجمهور، ارتفع تأييد باراك خلال 48 ساعة بخمسة مقاعد. نحو 80 قتيلا فلسطينيا مقابل المقعد الواحد. ولكن من الصعب أن ندوس على الجثث. من شأن الإنجاز أن ينقلب، في أي لحظة، إذا اعتبر الإسرائيليون الحملة حملة فاشلة. على سبيل المثال، إذا لم يتوقف إطلاق صواريخ القسّام على بئر السبع. أو إذا كلفت الحملة البرية ضحايا إسرائيلية كثيرة.

تم اختيار التوقيت بدقة من ناحية أخرى أيضا. بدأت الحرب بعد يومين من عيد الميلاد، في حين كان زعماء أمريكيا وأوروبا يمكثون في إجازة إلى ما بعد عيد رأس السنة الميلادية. كان الحساب كما يلي: حتى وإن رغب أحدهم في محاولة وقف الحرب، فلا أحد منهم كان سيتخلى عن إجازته. هذا الأمر منح الحرب عدة أيام خالية من الضغوط.

وهناك معنى آخر للتوقيت: هذه هي أيام جورج بوش الأخيرة في البيت الأبيض. كان بالإمكان الاعتماد على شخص أحمق ملطخ بالدم أن يدعم الحرب بحماس. وأما باراك أوباما فلم يتقلد منصبه بعد، وكانت لديه ذريعة متكاملة للصمت: "هناك رئيس واحد في المنصب". لا يبشر هذا الصمت ببشرى سارة فيما يتعلق بفترة تولي الرئيس أوباما.

كان الخط الموجه: عدم تكرار أخطاء حرب لبنان الثانية. وقد تفذلكوا حول هذا الأمر إلى حد يصل إلى المهانة، في جميع البرامج الإخبارية وبرامج الاستضافة.

الحقيقة معاكسة: الحرب على غزة هي تكرار يكاد يكون دقيقا للحرب على لبنان.

وجهة النظر الاستراتيجية هي ذاتها: دب الرعب في قلوب السكان المدنيين بواسطة زرع القتل والدمار بواسطة القصف الجوي. في هذه العملية لا يتعرض الجنود لأي خطر، ولا يوجد لدى حماس سلاح مضاد للطيران. الحساب: إذا تم تدمير جميع البنى التحتية الحيوية في غزة كليا، وفي حال تسود فيه الفوضى التامة، سيُسقط السكان حكم حماس. عندها سيعود أبو مازن إلى غزة على ظهر الدبابات الإسرائيلية.

لم تثبت هذه الحسابات نفسها في لبنان. بل على العكس، تكتل السكان الذين تم قصفهم، بمن فيهم المسيحيين، حول حزب الله، وتحول حسن نصر الله إلى بطل العالم العربي. هذا ما سيحدث، على ما يبدو، في هذه المرة أيضا. الجنرالات هم خبراء في تفعيل السلاح وتحريك القوات، ولكن ليسوا كذلك في علم النفس الجماعي.

كتبت قبل فترة، أن الحصار على غزة أشبه بتجربة علمية، هدفها أن تفحص إلى أي مدى يمكن تجويع السكان وتحويل حياتهم إلى جحيم قبل أن يستسلموا. تتم هذه التجربة بمساعدة أوروبا والولايات المتحدة. هذا لم ينجح حتى الآن، بل على العكس من ذلك، فقد قويت حماس وزاد إطلاق صواريخ القسام. الحرب الحالية ما هي إلا تتمة لهذه التجربة ولكن بوسائل أخرى.

من المتوقع أن لا يكون أمام الجيش أي خيار سوى إعادة احتلال قطاع غزة، وذلك لعدم وجود أي طريقة عسكرية أخرى لوقف إطلاق صواريخ القسام – ما عدا عقد اتفاقية مع حماس، وهذا يتعارض مع نوايا الحكومة. عند بدء الاجتياح، كانت كل الأمور منوطة بمحفزات حماس وقدرتها أمام جنود الجيش الإسرائيلي. لا أحد يمكنه أن يتكهّن بما سيحدث.

يوم بعد يوم، ليلة بعد ليلة، بثت محطة الجزيرة العربية صور البشاعة: أكوام من الجثث المبتورة، أقرباء يفتشون عن أعزائهم بين عشرات الجثث الملقاة على الأرض، امرأة تخرج ابنتها الصغيرة من تحت الردم، أطباء ليس لديهم أدوية يحاولون إنقاذ حياة الجرحى. بالمقابل، غيّرت (محطة الجزيرة باللغة الإنجليزية وجهها كليا، وقد بثت الصور متسلسلة وخصصت ساعات بث طويلة لنشر دعاية إسرائيلية. من المثير أن نعرف ماذا حدث هناك).

يشاهد الملايين هذه البشاعة، صورة بعد صورة، يوم بعد يوم. تنخرط البشاعة في مخيلتهم إلى الآبد: إسرائيل المفزعة، البغيضة، غير الإنسانية. جيل كامل من الكارهين. هذا هو ثمن باهظ، سنضطر إلى دفعه بعد أن يطوي النسيان كل النتائج الأخرى أيضا .

ولكن أمورا أخرى قد انخرطت في ذاكرة هؤلاء الملايين: صور الحكام العرب البائسين، الفاسدين، الذين لا حول لهم ولا قوة ولا ضمير.

تنتصب أما أعين كل عربي حقيقة واحدة تفوق سائر الحقائق: سور العار.

في أيام الشدة التي يمر بها مليون ونصف المليون من العرب في غزة، كان المخرج الوحيد نحو العالم الواسع هو الحدود المصرية. كان بالإمكان أن تصل الأغذية لبقاء الحياة، والأدوية لإنقاذ الجرحى من هناك فقط. بقيت الحدود مقفلة في أوج الرعب أيضا. سد الجيش المصري الطريق الوحيد أمام الأغذية والأدوية، في حين أجرى الأطباء العمليات الجراحية من دون تخدير.

جالت أصداء تصريحات نصر الله في العالم العربي، من المحيط إلى الخليج: زعماء مصر هم شركاء في ارتكاب الجريمة، متعاونون مع "النظام الصهيوني" بهدف كسر عزيمة الشعب الفلسطيني. يبدو أنه لم يقصد المصريين فقط، بل قصد أيضا سائر الزعماء، بدءا من الملك السعودي وانتهاء بالرئيس الفلسطيني. حين نشاهد المظاهرات في جميع أنحاء العالم العربي، نتلقى انطباعا بأن جميع هؤلاء يبدون من وجهة نظر عربية كالبؤساء الحمقى في أفضل الحالات وكمتعاونين في أسوأها.

ستكون لهذه الصورة نتائج تاريخية. جيل كامل من الزعماء العرب، الجيل الذي يمثل القومية العربية العلمانية، ورثة جمال عبد الناصر وحافظ الأسد وياسر عرفات، قد ينزل عن الحلبة. لقد بقي في الفضاء العربي بديل واحد فقط للأيديولوجية القومية العلمانية: التطرف الإسلامي.

هذه الحرب تكتب العنوان على الجدار: إسرائيل تخسر فرصتها التاريخية في صنع السلام مع القومية العربية. إن من شأنها أن تقف غدا، وحدها، أمام عالم عربية متطرف، حماس للقوّة مئة.

أحد سائقي سيارات الأجرة في تل أبيب، الذي سافرت معه هذا الأسبوع، فكرة بصوت مرتفع: لماذا لا يتم تجنيد أبناء الوزراء وأعضاء الكنيست، ليؤلفوا منهم كتيبة خاصة ونصبها في مقدمة العملية البرية في غزة؟
واخيرا
شكرا يا أستاذ الدراسات الاسرائيلية