المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قبيلة جزولة البربرية بالأندلس



هشام زليم
08/01/2009, 01:48 AM
بسم الله الرحمان الرحيم. و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه أجمعين.

عنوان البحث: LA TRIBU BERÉBER DE LOS GAZULES EN LA TOPONIMIA HISPANICA
" قبيلة جزولة البربرية في أسماء الأماكن الإسبانية"

صاحب البحث: M.ª Jesús RUBIERA MATA من جامعة Alicante الإسبانية

مصدر البحث: http://www.alyamiah.com/cema/modules.php?name=News&file=article&sid=268


تعريب البحث:

لا تقتصر Alcalà De Los Gazules (قلعة الجزوليين) على كونها بلدة غجرية جميلة, فهي تحمل اسما مطربا يبدو مثيرا للأبيات الرومانسية. لكن لم يتمّ لحد الآن تحديد اسمها العربي –من دون شك qalà تعني قلعة Castillo- من بين الحصون الموجودة بمنطقة شذونة Sidonia أو الجزيرة الخضراء Algeciras(1). للأسف, فالتعريف الوحيد لقلعة كالتي تحمل اسم Los Gazules , الذي قام به هويسي ميراندا Huici Miranda في "روض القرطاس" (2), كان خاطئا كما بيّن ذلك جليّا دون إلياس تريس Don Ilias Teres ؛ فالتعريف كان يقصد (3)Alcala de Guadaira. لكن , إذا كانت تظهر في النصوص العربية "قلاع" قد تكون للجزوليين, فإنها لا تظهر مقترنة بهؤلاء البربر. نريد أن نوضّح اعتقادنا أن Los gazules الجزوليون الذين سمّي بهم هذا المكان, هم أفراد من قبيلة بربرية تدعى جزولة أو كزولة (4), ممّا يدعم بقوة أصل اسم هذا المكان.

إن استعمال اسم المكان كمصدر لدراسة أماكن استقرار البربر بالأندلس هو اكتشاف منهجي كبير لبيير كيشارد Pierre (5)Guichard, و ذلك رغم طرحه مشكلا مهما : فاسم المكان في النصوص الإسبانية الغير مسلمة مختلف عن الفترة المسلمة, حيث يمكنها أن تٌضاف في أي وقت من تاريخ الأندلس. و غياب الاسم من المصادر العربية يمكن أن يكون مؤشرا على استقرار متأخر يعود للفترة المرابطية و الموحدية, و التي لعب فيها البربر دورا مهما جدا, كون المملكتان كانتا بربريتا الأصل.
في هذه السطور, ستساعدنا حولية أدبية عربية على إعطاء تفسير مقبول لوجود الجزوليين بالقلعة و بمناطق أخرى من الأندلس.

سنة 1994, قام محمد بن شريفة بنشر كتاب جد مهم حول حياة و آثار كاتب أندلسي, كان حتى هذه الفترة مغمورا, هو ابن مغاور الشاطبي (6), الذي لازالت أعماله غير منشورة حتى الآن. و مما لا شك فيه, أن عمل ابن مغاور (502-ه587)(1108-1191م) يطرح عدة نقاط مهمة, فالكاتب (ابن مغاور) عاش في شرق الأندلس, في فترة ابن مردنيش التي تميّزت بإعادة التنظيم السياسي و الإداري الموحدي.
سنة 570 ه(1174-1175م) كان ابن مغاور في خدمة الحاكم الموحدي لبلنسية, السيد أبو الربيع ابن عبد الله ابن عبد المؤمن, و انتقل برفقته إلى أشبيلية, حيث التقى بالخليفة يوسف ابن عبد المؤمن. لكن التقاليد الرسمية طالت لمدة طويلة, فأحس ابن مغاور بالحنين لأرضه شاطبة و لأهله, فطلب الإذن بالعودة من أبي الربيع الذي أذِن له, فغادر أشبيلية يوم الاثنين 12 ربيع الآخر 571 هجرية (الخميس 30 أكتوبر 1175م) (7). بعد فترة كتب رسالة يروي فيها تفاصيل كل مرحلة من رحلته (8). يعتبر هذا النص مهما للغاية ويستحق, بالتأكيد, ترجمته للإسبانية؛ لكن سنقتصر في هذه الصفحات على ما يخص موضوع الجزوليين.

أوّل محطة في رحلة ابن مغاور من أشبيلية كانت منطقة ميرانة Mayrâna, و قد عرّفها ابن شريفة على أنها اليوم هي Mairena Del Alcor. منها توجّه إلى أوسونا Osuna. أما المحطة التالية فكانت الأصعب من ناحية تعريف اسمها: "واد الطين" Guadatin و هي غير موثّقة بهذه المنطقة (9). و لعلّها تُعرف اليوم ب "Arroyo Blanco". و أكثر من هذا غرابة, المكان المُسمّى ب"فج المصالب". كذلك مرّ على "صخرة العشاق", هذا المضيق الجبلي الذي شهد سنة 1424م هزيمة غرناطيي أرشذونة على يد حكام أنتكيرة رودريغو نارفييز Rodrigo Narvaez. و سنة 1435م, انهزم هذه المرّة سوتومايور Sotomayor و جيشه على يد الغرناطيين (10). و انتهت المرحلة بلوشة Loja , حيث أصبح الطريق المتّبع معلوما. المرحلة التالية كانت غرناطة و منها إلى واد هويتور سنتيان Huitor-Santillan.

لقد سلك كاتبنا إذن طريق Via Augusta القديمة الرابطة بين قادش و روما, و كانت ذائعة الصيت في الفترة العربية و رابطة بين أندلوسيا و ليفانتي (11). بعدها وصل إلى قادش و منها اتجه إلى بياسة Baza. و عَبر بسطة القديمة وصل إلى القليعة (Cùlar Baza) متّبعا الطريق الذي ذكره الإدريسي بين غرناطة و مرسية (12): بلش (البيضاء أو الشقراء), لورقة, الحامة, ليبريا (Librilla), قنطرة إشقاب ثم مرسية. لمّا اقترب ابن مغاور من ليفانتي Levante بدأ يشتكي من الأمطار و الأوحال, حيث يمكن اعتبار شتاء 1175م ممطرا بشكل استثنائي. التوقّف التالي كان بأوريويلا Orihuela, و بعدها مباشرة وصل للنقطة التي تهمنا بشكل خاص.

من أوريولا توجّه نحو إلخي Elche, حيث واجههم مستنقع وحلي رهيب استصعب عبوره على ابن مغاور و رفاقه –من الممكن أن واد بينالوبي Vinalope قد فاض, فأوقع هذه الكارثة المعتادة خلال قرون, حتى تمّ تهيئته بالقنوات قبل وقت قريب – و بدلا من أن يصلوا إلى إلخي, و تجنبا لفخ المستنقع, غيّروا الوجهة نحو كروبيانتي Crevilllenteحيث وجدوا الطريق المبلّط أو المعبّد, لكن خوف ابن مغاور لم يتلاشى بالكلية حيث وجدوا أنفسهم أمام:
(قباب منصوبة للجزوليين(قباب جزولة) و التي تبدو كمينا بعد مغادرة السكان لها(...))(13). و لم يحسوا بالأمان حتى وصلوا ل كروبيانتي. لقد استمرّ الخوف من الجزوليين في المحطّة التالية من الرحلة, و التي انتهت في بترر Petrer, حيث خُصّص استقبال سيء لقافلة ابن مغاور الصغيرة لأن سكان بيترر : (وصلتهم أخبار وجود الجزوليين, فاعتقدوا أننا طلائعهم, و نظرا لمطيتي و هيئتها, اعتقدوا أنني زعيمهم, فأرسلوا الكلاب في اتجاهنا و أوصدوا الأبواب فلم يخاطبونا إلى من خلف الأبواب أو الشبابيك, خوفا من أن نأتيهم بعذاب سيدنا و ملكنا, أمير المؤمنين ...)(14), في النهاية, جاء رجل من أقصى البلدة, وكان مرافقا سابقا لقائد يُدعى ابن دحنون الذي كان في خدمة ابن مردنيش ثم الموحدين, و تكلّم مع ابن مغاور و استعلم عن هوية المسافرين, فقام بطمأنة جيرانه الذين قاموا بإكرامهم. بعد بترر, اتّبع ابن مغاور المضيق في اتجاهOnteniente , ليصل أخيرا إلى موطنه شاطبة.

من خلال هذا النص المهم, نستطيع أن نستنتج وضعية الجزوليين, المستقرين بقباب بمنتصف منحدر بنالوبيٍ Vinalopé , هذا الوادي الذي شكل منذ ملايين السنين عازلا طبيعيا مرتفعا بين قمم المانش و سواحل البحر المتوسط, و عبره صمم الرومان ممر Via Augusta الذي اضطر لمغادر الخط الساحلي عند مدخل واد خوكار Jucar بسبب صعوبة المرتفعات الجبلية التي تسود الإقليم المسمى اليوم أليكانتي Alicante. هذا المضيق, الروماني ثم العربي, يعود إلى البحر المتوسط عبر المنحدر الذي سادته القلاع خلال العصر العربي: كقلاع : Villena, Sax, Petrer, Elda, La Mola de Novelda, Aspe و Crevillente وصولا إلى Elche. سكان هذه القلاع كانوا دائمي الخوف من وجود المجموعة البربرية, يتوجسون, كما في حالة بترر, أن يكون الجزوليون مبعوثين من طرف الموحدين لعقابهم بسبب تعاملهم مع ابن مردنيش, و حيث 3 سنوات قبل ذلك (في سنة 1172م) استحوذ الخليفة أبو يعقوب على وادي يينالوبي.(15)
لكن الأمور لم تكن على هذا الشكل, فالموظف الموحدي ابن مغاور أحس بنفس الخوف أمام القباب الجزولية المنتصبة قرب Crevillente . و من الواجب ذكر أن الجزوليين تعرّضوا لمذبحة على يد الموحدين بسوس (جنوب المغرب) سنة 1138م, لمّا ثاروا عليهم(16). و من الممكن أن بعض الجماعات من قبيلة جزولة وصلوا إلى الأندلس مع حلفائهم المرابطين, لكن المذبحة المغربية و انتصار الموحدين بالجزيرة الإيبرية أرداهم إلى هذه الحالة المزرية التي وصفها ابن مغاور, فهم يقيمون في أماكن بعيدة عن السكان, و الكل يتوجّس منهم خيفة.

لا نعرف الآن تفاصيل أكثر عن مصيرهم في الحوليات الأدبية, لكن اسم المكان يقترح علينا مسلكا آخر. فداخل حدود بيترر Petrer, ليس في منحدر بينالوبي و لكن في Sierra del Caballo على ارتفاع 800 متر, توجد منطقة تسمى Cachuli (17) التي قد ترتبط بالجزوليين الذين انتهى بهم المطاف لاجئين بأعالي الجبال, لأن وجودهم بالمنحدر يجعلهم في مواجهة عدد كبير من الأعداء. إذا كان هذا الافتراض صحيحا, فإننا نجد أثرا كهذا يتمثل في وجود قبيلة بدوية بالأندلس في القرن 12 ميلادي اسمها Catxola بنواحي Finestrat بالمنطقة الجبلية Marina Baixa بأليكانتي. و هناك كذلك Cazulas بغرناطة قرب الوادي الأخضرRio Verdeو أيضا في أعالي الجبال. الجزوليون المخيفون و المضطَهدون لجئوا إلى الصخور كي يستطيعوا العيش كرعاة لأية ماشية.
هذه الفرضية تمكننا من ملأ فراغ في تاريخ Alcalà De Los Gazules (قلعة الجزوليين). فكما بشرق الأندلس و غرناطة, وُجدت جماعات متفرقة من الجزوليين بحثت عن أعالي الجبال من أجل الاستمرار أحياء تحت حكم الموحدين, كما فعلوا في منطقة Alcalà De Los Gazules الحالية, و حيث لم يتم قبولهم في بترر عكس نواحيها المقفرة التي استقروا بها.
بالقرب من Alcalà De Los Gazules يوجد مكان يسمى حاليا Las Cobatillas, و اسم هذا المكان قد يكون مشتقا من "قبة". و لنا أن نتساءل: هل هذه "القبة" لها علاقة بمعلمة ذات قبة, خزان ماء...إلخ, كما بالنسبة لاسم المكان Sierra de la Alcoba و الذي له ارتباط بقبة هؤلاء البربر الجزوليين. إن مراجعة أسماء الأماكن الإسبانية التي تحوي كلمة Cobatilla تبيّن لنا أنها تقع في السلاسل الجبلية و التلية القليلة و الكثيرة الارتفاع , و كلها توجد بمناطق كانت تابعة للموحدين و احتلت من طرف المسيحيين قبل القرن 13م: Las Cobatillas de Alcalá de los Gazules, Las Cobatillas de la Sierra de la Zarza بين مرسية, غرناطة و ألمرية, Cobatillas ب Sierra de Algaydón بمرسية. قد يكون الارتفاع قليلا لكن لا توجد بالسهول ك Cobatillas قرب Santomera بمرسية, و أخرى بنفس الاسم قرب Guadiato بقرطبة.

بواسطة هذه المعطيات نستطيع افتراض معالم تاريخ هذه القبيلة البربرية بالأندلس: فقد وصلوا رفقة المرابطين و استمروا في حياتهم البدوية, ثم اعتمدوا على النهب منذ الوقت الذي اضطٌهدوا فيه و شٌردوا إلى أعالي الجبال حيث عاشوا حتى قدوم الاحتلال المسيحي. لم يبق من وجودهم سوى ذكرى اسمهم و ربّما طريقة عيشهم بالقباب.

الهوامش:

1) كتاب خوان أبيلان بيريز JUAN ABELLÁN PÉREZ "قادش الإسلامية من خلال نصوصها" . جامعة قادش 1996. و فيه كل النصوص التي تخص إقليم قادش خلال الفترة العربية.
2) نفس المصدر ص 147.
3 (3) ELíAS TERÉS. Materiales para el estudio de la toponimia hispanoárabe: nómina fluvial. Madrid, 1986, págs. 354-355.
(4) G.S. COLIN. El x, II, 539-540, s. v. Djazûla (4)

(5) PIERRE GUICHARD. Al-Andalus. Estructura antropológica de una sociedad islámica en Occidente. Barcelona, 1976.

(6) MUHAMMAD IBN SARIFA. Ibn Mugâiwír al- Šâtibi, hayâtu-hu wa-âtaru-hu. Casablanca,

IBN SARÍFA, págs. 62-63(7)

(8), Texto editado por Ibn tarifa, págs. 169-183. (9) ELÍAS TERÉS. Op. Cit.

(10) LUIS SECO DE LUCENA. Muhammad IX, sultán de Granada. Granada, 1978, págs. 32 y 163.

(11) M. a JESUS RUBIERA MATA. Villena en la calzada romana y árabe. Alicante, 1985.

12) Los caminos de al Andalus en el siglo Xlll. Estudio, edición, traducción y anotaciones por Jassim Abid Mizal. Madrid: CSIC, 1989, págs. 87-88, 151 texto árabe.
(13) Ibn Mugâwir, pág. 180.
(14) Ibn Mugâwir, pág. 181.
(15) RUBIERA. Villena, pág. 56.
(16) G.S. COLIN. Op. Cit.

(17) معلومة زوّدني بها زميلي و صديقي Luis F. Bemabé.

19) معلومة زوّدني بها صديقي و زميلي. Fernando Velázquez.


ردّ أحد القراء الإسبان على هذا البحث:
شكرا على اهتمامكم بشعب مجهول و غامض كالجزوليين. أنا أنتمي لبلدة Alcalà De Los Gazules و أحب دوما ان أعرف جذورها. من فضلكم, إن كانت عندكم معلومات أكثر عن مراجع الأرشيفات و الأماكن أرسلوها لي على العنوان التالي : wens_13@hotmail.com.



عرّبه و كتبه أبوتاشفين هشام بن محمد المغربي.

هري عبدالرحيم
08/01/2009, 02:53 AM
أخي هشام:
موضوعك هذا موضوع ذو أهمية كبيرة، ،نظرا لما جاء فيه من معلومات قيمة، تنفض التراب على صفحات من تاريخنا المنسي، ونظرا للجهد المبذول في العريب.
فكم من جانب منسي من تاريخنا المجيد ينتظر من يزيح عنه التراب، وينبش في خباياه.
فقط أخي هشام، في التعريب، حبذا لو استطعنا تصحيح مفاهيم ربما أغفلها صاحب النص الأصلي أو تعمد ادراجها، ومن هذه المفاهيم هنا على سبيل المثال، مصطلح :"بربري"، فهو مصطلح المحتلين والغزاة، يقصدون به الشعب الهمجي، ونحن حين نتحدث عن شعب سكن ، بل أكدت كل الحفريات أنه شعب سكن منطقة المغرب ( المغرب بمفهومه الإقليمي وليس بمفهومه الضيق الحالي)،لا يمكننا أن نقبل بأية حال هذا التوصيف، ىوبالتالي علينا تعريب المصطلح، أي تصحيحه وجعله مستساغا في ثقافتنا، ولن أجد إلا مصطلح أمازيغي عوض بربري.
تحيتي إليك.