المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحكومة الملتحية: دراسة نقدية مستقبلية



خالد أبو هبة
25/12/2006, 03:05 PM
الحكومة الملتحية: دراسة نقدية مستقبلية

الرباط / إدريس الكنبوري


الكتاب الحكومة الملتحية : دراسة نقدية مستقبلية
المؤلف د. عبد الكبير العلوي المدغري
الناشر دار عكاظ – الرباط
الطبعة الأولى 17 / 12 / 2006 م

أصدر وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف المغربي السابق الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري كتابا تحت عنوان"الحكومة الملتحية: دراسة نقدية مستقبلية"، مسجلا به عودة إلى الواجهة الإعلامية بعد غيابه فترة طويلة، من خلال قضية هي اليوم على طاولة النقاش، وهي انتخابات 2007 في المغرب واحتمالات فوز الإسلاميين فيها بشكل كبير. وأهمية كتاب المدغري أن صاحبه قضى في وزارة الأوقاف المغربية 19 سنة كاملة مسؤولا عن تدبير الشأن الديني في البلاد في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وفي فترة مهمة جدا من تاريخ المغرب المعاصر وخلال المرحلة الحرجة التي مرت بها الجزائر المجاورة، ويعترف هو شخصيا في الكتاب بهذه الحقيقة حين يقول :" كنا في المغرب ندرك هذه الحقيقة(تحول بعض الإسلاميين إلى العنف) وكانت السلطة المشرفة على الأجهزة الأمنية تدفع في اتجاه المواجهة مع الإسلاميين، ووقعت بالفعل اعتقالات كثيرة في صفوفهم، وكنا ندفع في اتجاه الحوار وأنشأنا جامعة الصحوة الإسلامية لتكون فضاء للحوار مع الجماعات الإسلامية، ومهدنا للتقارب بين القصر وبين الجماعات الإسلامية سواء منها ما تحول إلى حزب أو ما بقي متمسكا بالعمل الجمعوي"
رسالة تهدئة
ويقول المؤلف في مستهل كتابه:"الحكومة الملتحية قادمة بفعل عوامل متعددة، وسوف تكون مقدمة لا أقل ولا أكثر لحكومة أخرى تأتي بعدها على إثر عقود من الزمن تسمى بحق(الحكومة الإسلامية). أما الحكومة الملتحية فلن يكون لها من الإسلام إلا الإسم، لأن الظروف التي تحيط بها لا تسمح لها بتطبيق شيئ من حكم الإسلام ونظامه، وأما الحكومة الإسلامية فسوف تكون ثمرة مخاض عسير، مخاض ثقافي ديني فكري سياسي اجتماعي واقتصادي"، ويضيف قائلا، في نوع من التحذير للإسلاميين بعدم التسرع في الوصول إلى الحكم:"الذي نتوقعه إذا جاءت أية حكومة إسلامية عن طريق الانتخابات في ظل الظروف الراهنة أن لا يكون لها من الإسلام إلا اللحية ( أي المظهر الشكلي ) وستعمل بالتشريع الوضعي، وستلعب لعبة الديمقراطية التي تجعل من البرلمان مجلسا تشريعيا، وستتعامل بالربا، وسوف تستخلص الضرائب من المحرمات كالخمور وغيرها، وسوف تمارس النفاق السياسي المكشوف وتسيء إلى الإسلام أكثر مما تحسن إليه، لأنها من جهة تعجلت الوصول إلى الحكم قبل أن تستكمل أدواته، ولأن الظروف والأوضاع الحالية لا تسمح لها من جهة أخرى بتطبيق أي برنامج إسلامي على فرض توفرها عليه".
الحكومة الإسلامية بالنسبة " للمدغري " هي الحكومة التي تفهم الدين الإسلامي فهما جيدا وتحسن تنزيله في الواقع العملي على الأرض وبين الناس، بما يدفع التهم الباطلة الموجهة إلى الإسلام من أنه يكرس التخلف ويعادي الديمقراطية ويقيد الحريات ويعوق تفتح الطاقات، ولذلك فإن أكبر تحد لأي حكومة إسلامية مستقبلية "هو إثبات نجاعة الإسلام في محاربة الفقر ونجاحه في نشر الازدهار الاقتصادي إلى جانب الفضيلة".
غير أن المؤلف يحاول طمأنة المتخوفين من حكم الإسلاميين ومن تطبيق الشريعة بأن برامجهم مستمدة من القرآن والسنة ولا تبتعد عنها كثيرا، بمعنى أن المرجعيات التي تستند إليها واضحة ومعروفة لدى جميع المسلمين ويسهل التعامل معها أو مناقشتها ، حيث يقول " يمكنني القول وهذا ربما يفاجئ الجميع إن الحركة الإسلامية هي أول حركة عالمية بلا أسرار، وحكومتها ستكون أول حكومة بلا خبايا مستورة، لأن البرنامج والمبادئ والأهداف والتوجهات كلها مسطرة في القرآن والسنة وسيرة الرسول – صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين وأحكام فقه الإمامة وتاريخ الإسلام، وأيضا فإن هذا البرنامج المرسوم في المصادر الدينية الأساسية التي أشرنا إليها سيؤدي في نهاية المطاف إلى ظهور حكومات إسلامية متعددة بدستور واحد"، ومع ذلك فهو يعتبر أن هذه القضية هي قضية نظرية فحسب، لأن الواقع أن العديد من الحركات والأحزاب الإسلامية تفتقد إلى البرنامج السياسي الواضح المستمد من القرآن والسنة، يقول مثلا:" إن القرآن والسنة هما المصدران الأساسيان للبرنامج، ولكن أين هو البرنامج المستمد منهما والمفصل على القضايا والمشاكل والخطط التنموية والاجتماعية والثقافية؟ ليس من السهل وضع هذا البرنامج، وبالتالي فإن الإسلاميين دعاة الحكومة الإسلامية لن يكون لهم مستقبل في المجال السياسي ما لم ينكبوا على إعداد هذا البرنامج، وحتى إذا نجحوا في بلد من بلدان الإسلام بدون برنامج فلن يدوم نجاحهم وسيكون ذلك النجاح شرا من الفشل"، وهي محاولة منه للتفريق ما بين الإسلاميين والإسلام، بخلاف ما يسعى البعض إلى تكريسه في الذهنية العامة للتشكيك في الدين نفسه انطلاقا من أخطاء الإسلاميين، حيث يخلص إلى القول: " نحن نحكم على البرنامج، هل للإسلاميين برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي؟ وهذا البرنامج إذا كان موجودا هل هو مفصل ومدقق ويتضمن اقتراحات عملية لتحقيق الأهداف المتوخاة، وهل هو ممكن التطبيق أم هو عموميات وشعارات وأحلام وأوهام؟ حينئذ لن نقبل أو نرفض الحكومة الملتحية لمجرد أنها ملتحية أو إسلامية، ولكننا نقبل أو نرفض البرنامج ويبقى الإسلام منزها عن العبث وعن الرفض".
نقد وحوار
وينتقد المدغري ازدواجية المواقف لدى بعض الإسلاميين، حيث يقول مثلا:"أما أن يستمر الإسلاميون في الادعاء بأن الإسلام دين سلم وسماحة، ويأتون بالآيات والأحاديث الدالة على ذلك، وفي نفس الوقت يمارسون العنف باسم الإسلام، ويأتون بالآيات والأحاديث التي تبيح ذلك، فهذا هو العبث"، ويرى أن الفكر التكفيري ما يزال منتشرا في أوساط بين الإسلاميين الذين لم يقوموا بعد بمراجعات فكرية دقيقة"مع الأسف فإنه من جملة من يسعى إلى أسلمة المجتمع والدولة جماعات متطرفة وأخرى إرهابية محسوبة على الإسلام، وهم أكبر خطرا وأشد ضررا على الإسلام، لأنهم تلبسوا بالإسلام وتصوروا بصورته وصاروا يتكلمون باسمه"، ويؤاخذ على بعض الإسلاميين صمتهم إزاء ظاهرة التطرف والإرهاب باسم الدين.
ويبدو المدغري داعية مصالحة بين الإسلاميين والحداثيين، من أجل تجنيب المجتمع الإسلامي مستقبلا عواقب المواجهة بين الطرفين في حال انتصار الإسلاميين في الانتخابات وتشكيلهم للحكومة، فيدعو الحداثيين إلى وضع أيديهم" في أيدي إخوانهم الإسلاميين لتخليق المجتمع بخلق الإسلام ورده إلى عبادة الله بأنواع العبادات التي تعبده الله بها،التزاما بالحكم بما أنزل الله". ومن واقع تجربته في الحوار مع جزء من الإسلاميين المغاربة في بداية الثمانينات عندما أنشأ"جامعة الصحوة الإسلامية" للتقريب بين النظام المغربي والإسلاميين وإقناعهم بفائدة المشاركة في العمل السياسي، يدعو المدغري إلى الحوار مجددا مع هذا المكون الأساسي في المجتمع وإتاحة الفرصة لهم للمشاركة في تدبير الشأن العام "ولا ينبغي للمجتمع المدني أن يتخوف من ذلك بل عليه أن يتعامل مع الوضع بكل موضوعية ونزاهة، لا سيما إذا تعلق الأمر بإسلاميين معتدلين مستنيرين ملتزمين بالمبادئ والقيم التي تخدم السلم والمحبة والتعايش والتعاون، غير متعصبين ولا متطرفين ولا منغلقين ولا مغرورين".
ومن نفس موقعه كصاحب تجربة ريادية في الحوار مع الإسلاميين المغاربة، يوجه انتقادا صريحا لجماعة العدل والإحسان وخطابها السياسي الداعي إلى"خلافة على منهاج النبوة"، معتبرا إياه خطابا غير واقعي، حث يقول:" الضرورة الملحة تتطلب تنازلات كبيرة، إذ لم يعد في مستطاع دعاة الحكومة الإسلامية أن يتشبثوا بنظام الخلافة على منهاج النبوة داخل نظام الدولة الحديث، وسيكونون حينئد بين أمرين: إما أن يكتفوا من الحكومة الإسلامية بالإسم فقط، ومن الخلافة على منهاج النبوة بالشعار لا غير، وحينئد لا يكون لحكومتهم وخلافتهم أي مبرر، وسيكونون بمثابة الورم أو الحدبة في ظهر الدولة ما لم يقوموا بالاجتهاد الضروري لتقديم تصور واضح وهيكلة وبناء دستوري للخلافة على منهاج النبوة، وما لم تتوفر الظروف والمناخ الدولي الذي يسمح بذلك"، ومن بين التحديات الكبرى المطروحة على الإسلاميين في رأي الدكتور المدغري القبول بالديمقراطية، يقول:" إن الأمر المحزن حقا هو أن بعض الإسلاميين لا يرون أية إمكانية للجمع بين الشورى والديمقراطية، لأن ذلك في نظرهم ترقيع على ترقيع، ولأن الاختلاف بينهما جوهري، ولا يمكن الجمع بين النظامين والمذهبين والعقيدتين إلا بمسخ الديمقراطية وإخراجها باستثناءات من مسارها، أو بتزوير الإسلام وخرق الشريعة خروقا فاحشة، وهو تلفيق لا يرضى عنه مسلمون مؤمنون ولا ديمقراطيون مقتنعون. ونحن نعتقد أن هذا الطرح لا يخلو من تغليط ومغالطة، ونرجو أن يصح العزم على الرجوع إلى مبدإ الشورى في شكل وإطار ديمقراطي".
حكومة الإسلاميين والحكومة الإسلامية
يرى المؤلف أن العالم الإسلامي سيعرف حكومتين إسلاميتين متتابعتين، الأولى حكومة لها من مظهر الإسلام وصورته أكثر مما لها من حقيقته وهي التي يسميها في الكتاب "الحكومة الملتحية"، وهي في رأيه"حكومة الإسلاميين الذين يتهافتون على طلب الحكم حتى إذا أمسكوا بزمام الحكومة وجدوا أنفسهم عاجزين عن تطبيق الإسلام بحكم الظروف والملابسات والأوضاع التي تحيط بهم وبحكم سوء الاستعداد"، أما الحكومة الثانية فهي الحكومة الإسلامية التي تأتي لتطبيق الإسلام عقيدة وشريعة، وتخلق لنفسها ظروف التطبيق، وتلزم نفسها بدستور جديد يرسم إطارا جديدا للعمل ويجنبها العمل في داخل الإطار القديم. وهاتان الحكومتان ليس من الضروري أن تتبع إحداهما الأخرى مباشرة، مؤكدا بأن الحكومة الثانية لن تأتي إلا بعد عقود.
ويؤكد المؤلف أن الأنظمة القائمة حاليا في العالم الإسلامي إذا استمرت في إهمال المؤسسات المسؤولة عن إنتاج الثقافة الدينية في المجتمع ولم تقم بالتأطير الديني الميداني لشعوبها المتعطشة إلى الإسلام ولم تقم بالإصلاحات الضرورية على مستوى الأحزاب والمجتمع المدني والإعلام ، ومحاربة الفساد والتخلف والفقر والأمية ، وتربية الشعب تربية مدنية ، إدماج الفاعل الإسلامي في إطار عمل ديمقراطي محسوب، وإذا بقيت مقتصرة على السياسات الأمنية القائمة على الردع والزجر، فإن الأمور سوف تنتهي إلى توليد العنف وإشعال نار الفتنة والثورة.

نذير طيار
25/12/2006, 03:27 PM
أخي خالد:
كتاب جدير بالقراءة, لكن هل أجاب صاحبه على السؤال التالي:
مادامت الظروف لاتسمح, هل ينتظر الإسلاميون حتى تتغير الظروف, أم عليهم التكيف الواعي مع الظروف, أم عليهم السعي لإيجاد الظروف الملائمة؟
أعتقد أن التيار الاسلامي ليس كتلة واحدة, كما أن الذين يؤمنون بالعنف معلومون, أما الذين يرفضون استعمال العنف حتى كرد فعل فمعلومون كذلك, والمطلوب اليوم هو تجاوز الدراسات التي تضع الإسلاميين جميعهم في سلة واحدة.
والمطلوب من الإسلاميين الاستفادة من تجارب هؤلاء الذين شغلوا مناصب دينية في حكومات تستعمل الدين لتوطيد أركان الممالك في العالم الاسلامي.

خالد أبو هبة
26/12/2006, 08:03 AM
الأخ المحترم نذير
لماذا لا نعدل السؤال ليصبح كالآتي:
هل تملك الأحزاب الإسلامية - التي تدعي تبنيها الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان- الرؤية والبرامج والأطر والكوادر لتحقيق التكيف الواعي مع الظروف الدولية؟ أم أن الكلمة الأخيرة ستكون للإكراهات الدولية والمحلية؟ وبدل أن تغير هذه الأحزاب الواقع المرير الذي تعيشه المجتمعات الإسلامية، ستجد نفسها مضطرة للتغيير وتقديم التنازلات لتصبح أكثر مأساوية من غيرها..، والمصيبة ستكون أعظم لأنها ستخوض مجال الحكم باسم الإسلام..
إنها مجرد أسئلة للنقاش وتبادل الرأي، علما بأننا كأمة واحدة نؤمن جميعا بوحدة المصير ونبل أهدافنا في التحرر والتقدم وعزة الإسلام والمسلمين..
تحية وحدوية