خليف محفوظ
12/01/2009, 06:08 PM
في المدرسة شاع عني أني بلا أم ولا أهل سوى جد يكاد يموت ، فتحاشاني بعضهم وتعاطف معي بعضهم ، فكرهت استعلاء هؤلاء و أبغضت شفقة أولئك.
وشاع عني أيضا أني أدخن ، فاستدعاني المعلم ، وفتش محفظتي فلم يعثر على شيء ، وسألني عن صحة ما يقال عني فلم أنكر ، أخبرته بأني أدخن مع جدي أحيانا في الليل حول مجمرة الشاي .
وحدق في المعلم مستنكرا
- ولكن ألا يعلم جدك أن التدخين مضر بصحتك ؟!
- يقول إنه يدخن منذ ستين عاما وما ضره .
وعض المعلم على شفته .
في المساء وجدت ببيتنا سعيد القهواجي ، كان جدي يطوف به في البستان ، ويحدثه مشيرا بيده الغليظة إلى الأنحاء ، وسعيد القهواجي يلعب بالنقود في جيبه فتحدث ذلك الرنين العجيب.
وحدثه جدي طويلا في دار الضيوف ، ولم يغادر بيتنا حتى كرهت مكوثه وكرهت الشيب النابت في منخريه الواسعين .
ولما سألت جدي عم جاء الرجل يفعله عندنا لم يجبني ، بل بدا لي في عينيه أنه يعاني شيئا فوق طاقته ، وخمنت أنه العجز الذي أخذ يستولي على قواه ، وأنه ربما يعاني الإحساس بالنهاية فيلحق بجدتي قريبا .
وانتصب أمامي سؤال فظ : ما الحال التي أصير إليها لو مات جدي فجأة ؟
و توسلت إلى الله أن يمد في عمر جدي كما أطال في عمر نوح .
لكن المعلم أحمد حيرني بمقترحه الغريب ، إذ استدعاني في آخر الحصة فسألني عن معاملة جدي لي ، هل يضربني ، ماهي الأشغال التي يكلفني بها ، ؟
ثم وهو يقترب مني أكثر :
- ما رأيك لو تقيم عند الدولة في مركز يجتمع فيه أطفال مثلك ؟ إن في بقائك مع جدك خطرا عليك .
و أدهشني كلامه فاحتججت :
- ولكنه جدي ، ولا يمكن أن أنفصل عنه .
- كلا ، إنه ليس جدك ، أقصد لم يعد ينفعك بقاؤك معه لأنه خرف ، والدخان الذي يعودك على تعاطيه يدل على أنه لم يعد في عقله .
ونظرت في عيني المعلم ، هذا الذي يكلمنا دائما من بعيد ، فأحسست أنه مصر على عرضه فداخلني خوف مبهم . خرجت لا أشعر موقعا لقدمي .
وجدت نفسي منساقا إلى العين من غير أن أدري ، وترقبت هناك أن تطلع المرأة حاملة الجرة فوق رأسها فلم تطلع .
وأسندت ظهري إلى الشجرة ، نفس الشجرة ، شجرة الزعرورالبري ، وغفوت فرأيت نفسي في الحلم جائعا بي شهوة عنيفة للأكل ، فنزلت على أصابع يدي ألتهمها واحدا فواحدا ، وكان ألم طفيف سرعان ما تحول إلى لذة عارمة فالتهمت كفي و ذراعي ، وامتلأ فمي دما باردا ، فاستولى علي شعور طاغ بالحسرة و الندم و الفظاعة ، وحاولت أن أقوم فأقعدني غياب ذراعي و صرخت بقلبي فإذا سحاب إلى جواري ينبح ، و تفقدت يدي فارتحت لسلامتها ، وعانقت سحاب فكان يموء ، يريد أن يقول شيئا ما ، و كنت أموء أنا الآخر ، أريد أن أعرف ، أن أبصر .
في البيت وجدنا امرأة غريبة ، بل عجوزا لا تشبه جدتي في شيء ، وجه أحمر منتفخ مليء بالنمش . كانت منهمكة في إعداد العشاء ، ولما وقع بصرها علي لاح في عينيها التطلع . ونظرت إلى جدي فكان مشغولا بسيجارته فوق حصيرته إلى الجدار . وضعت محفظتي في موضعها المعتاد قرب صندوق جدتي ، وسألت جدي عن العجوز فقال :
- إنها خادمتنا المازية ، جاء بها سعيد القهواجي ، أنا لم أعد قادرا ، و أنت بعد فرخ .
وعندما سألته عم إذا كان سيتزوجها هز رأسه بالنفي و سكت سكوتا ثقيلا.
ناولتنا المازية العشاء وغسلت الصحون في صمت ، ثم سألت جدي إذا لم يعد في حاجة إلى شيء
وخرجت إلى دار الضيوف تجر جسمها الضخم .
ورغم نفوري من وجهها المحمر المنمش إلا أني أحسست بتعاطف معها ، فقد أشاع حضورها أنسا
في البيت ، ثم وهي كالمرتبكة تجمع يديها في حجرها ولا تتكلم تدغدغ إحساسا مبهما في قلبي .
ونشرت الكتاب على المائدة تحت نور قنديل البترول ، بينما جدي غارق في سريره و قد أسدل برنوسه على عينيه فصعب تمييزه أنائم هو أم متظاهر ؟
ورحت أتهجأ الحروف ، و أتهجأ الأشياء ، هذه المازية أين كانت قبل اليوم ؟ ولماذا لا يتزوجها جدي ؟ ولماذا لا تجمعني الصدفة الجميلة ثانية مع امرأة العين ؟ أما المعلم فما كان من حقه أن يحرضني ضد جدي ، ثم ما ذلك المركز الذي حدثني عنه ؟ ومن هؤلاء الأطفال الذين هم مثلي و يقيمون فيه ؟
ونبح سحاب في الخارج نباحا خشنا منكرا ، فتذكرت جدتي و النعش و الحائك الأحمر فاقشعر جسمي فأطفأت المصباح و تكورت في فراشي متوجسا .
"""""""""""""""
لم تتوان المازية في خدمتنا ، تغسل الثياب و تخيطها ، تعد الطعام و القهوة ، تتحرك في خفة عجيبة رغم ضخامة جسمها ، حتى إذا أنهت شغلها جلست منفردة ووضعت خدها على يدها .
كانت تأخذني جلستها المنفردة فأجلس إليها ، فتبتسم لي ابتسامة طيبة سائلة إياي عن دروسي ، مبدية لي أسفها عن جهلها القراءة و الكتابة ، وإلا كانت ساعدتني .
وشعرت أني محل عنايتها فأفضيت لها بما يؤرقني ، سألتها عن أمي ، أعدت عليها حكاية أمنا حواء ، و أمنا خديجة ، عن صورة الحلم ، و إني أنتظرها كثيرا وهي لا تتجلى ، وما الذي علي فعله حتى أبصر بها ثانية ، و أنا لا أحب أن أذهب إلى ذلك المركز الذي سماه لي المعلم ، وأن الله قد أطال في عمر نوح تسعة قرون ، فهل سيطيل في عمر جدي كذلك ، و في عمرك أنت أيضا ، و أني أحبك كما كنت أحب جدتي قبل أن يحملوها على النعش ملفوفة في الحائك الأحمر ،كما أني لا أحب أن أموت، إن الموت ينفر الناس من أحبابهم ، وأنا صرت أخاف جدتي .
كنت أتحدث مهذارا من غير ضبط ، أريد أن أسمعها كل ما عندي ، لكن المازية رفضت أن أتخذ أما غير أمي ، موضحة لي أن كل واحد منا له أمه الخاصة ، و أن أمي قد تكون ميتة ، او متزوجة برجل آخر ، أو متشردة في مدينة ما ، ناصحة إياي أن أقلع عن انتظار الصورة في الحلم .
و أخذت أصابع يدي و راحت تسمي أبناءها الذين ولدوا و ماتوا جميعهم صغارا قبل أن يبلغوا سني ...وزوجها الذي سيق إلى الحرب ضد الألمان ولم يعد ، وهي تنتظره بمزيد من الصبر و الأسى مقتنعة أنه سيعود يوما ، حتما سيعود ، لقد أخبرهابذلك ساعة رحل ، وهو صادق ، فلم يكذب عليها قط .ولهذا قضت العمر تنظف البيوت من دار إلى دار ، ومن حي إلى حي ، إلى أن طرقت باب سعيد القهواجي فأحالها إلى جدي ، وعندما تيأس من لقاء زوجها يكون قد حل بها الموت ، هناك ستلقاه في العالم الآخر ، لأن الله يجمع الناس بمن يحبون سواء في الجنة أم النار ، وأنها كانت جميلة في يوم ما فعرض عليها الزواج كثيرون قبل أن تشيخ فرفضت لأنها تعاهدت مع زوجها ذات ليلة على أن لا يتزوج أحدهما بعد الآخر مهما كانت الحال ، و ...
وكانت هي الأخرى تهذي مهذارة ، فعجبت لما ينطوي عليه صمتها ، لتعلقها بزوجها الغائب ذاك الغياب المظلم ، لأسنانها الغائبة عن فمها المعتم ، لعنقها المنتفخ المطوي المحزز.
ووجدتني مشدودا إليها ، سألت جدي أن يأذن لي بالنوم معها في دار الضيوف ، فلم يقل شيئا ، سكت سكوته الغامض . وفهمت أنه لا يعارض ، ولكنه ليس براض علي ، قرأت في عينيه تلك النظرة التوبيخية ، فهو يلومني في نفسه على أني أهمل تعاليمه ، إذ أعلمني ذات مرة أن الرجل ينام وحده ما لم يكن متزوجا ، فكيف أطلب منه ذاك الطلب المخجل ؟
ومع ذلك أصررت على أن أنام معها .
وقد سعدت بالنوم ليالي مع المازية ، أنتظرها ريثما تفرغ من خدمة جدي و أسبقها إلى دار الضيوف ، فتنتظرني هي بدورها ريثما أراجع دروسي ، ثم أنزلق إلى جوارهافي الفراش وكلي لهفة إلى سماع حكاياتها مسترجعا ذكرياتي مع جدتي .
وتحكي لي ، تلهب مشاعري في عتمة الليل بصوتها الأبح ، عن لونجة بنت الغولة ومحمد ولد السلطان ، عن بقرة اليتامى ، العنزة و الذيب .
حتى إذا أحياها الحكي ولم أنم راحت تغني بصوت خافت عن المجاهدين ، وعن الغائبين ، و الراحلين إلى بيت الله ، و العائدين من الغربة ، عن العمر الذي ينقضي في انتظار الغائب الذي لا يعود .
وتصمت فأناديها فلا تجيب ، وأمد يدي أتحسس وجهها فأعود بأصابعي مبتلة بدموعها الساخنة ، فأدفن رأسي في صدرها و أنام .
"""""""""""""""
في المدرسة أعاد علي المعلم اقتراحه ، شرح لي بالتفصيل ماذا يعني المركز ، ماذا تعني الدولة التي ستتكفل برعايتي إلى أن أصير رجلا ، مبينا لي أن جدي لم يبق له من العمر إلا القليل ، وسيموت يوما و أجدني وحيدا ، مضيفا أنه تحدث في شأني إلى مدير المركز في المدينةالكبيرة ، وقد أبدى استعداده لاستقبالي و إيداعي مؤسسته بين أطفال أمثالي متى شئت .
استوعبت كلام المعلم ، وداخلني شك في إلحاحه فسألته :
- ولماذا أنا فقط الذي أذهب إلى هذا المركز ؟ لماذا لا يذهب عمر ؟ أبوه أيضا شيخ يكاد يموت .
حك المعلم ذقنه وقال :
- عمر له إخوة كبار ، له عمات وخالات و عموم و أخوال ، أما أنت فلا أحد لك .
فصحت محتجا :
- لي المازية ، ولي كلبنا " سحاب" .
نظر المعلم إلي نفس النظرة التي رمقني بها ساعة همس له جدي أول مرة ثم قال :
- عد إلى مكانك.
وعدت تتوزعني الظنون ، فقد أوحى لي حديثه البارد أني وحدي في هذه الدنيا ، منفصل عن كل إنسان . حتى أولئك التلاميذ الذين يزعم أنهم زملائي ليسوا مني ولست منهم ، لا أحد يشبهني ، غنيهم وفقيرهم ، كلهم مدرع بأهل و أخوال ، فنظرت إليهم جميعا بعين الحقد .
"""""""""""""""""""
في منتصف النهار لم أعد إلى البيت لأتغذى ، بل اتجهت إلى مقبرة القرية . كانت محاطة بسياج من أشجار السرو العالية يغشاها السكون ، والعشب اليابس ، و الحصى ، تشقها ممرات ضيقة طرقتها الأقدام بين القبور .
كنت أمشي محاذرا أن أطأ قبرا ما ، إذ قيل إن من فعل ذلك فكأنما هو يدوس على الجمر . كان قلبي يدق بطيئا إذ داخلني شعور غريب برهبة الموت . :كنت أتفحص القبور و أتهجأ شواهدها ،كان بعضها مهملا من الكتابة فأطيل الوقوف عنده ، يشدني إليه أحساس بالمجهول و المبهم ، قد يكون القبر الذي تنام فيه ؟ فقبرها يقينا مجرد من الكتابة ، مجهول ، أليست هي الأخرى مجهولة ، إذن من سيكتب اسمها ؟
وقادتني خطواتي إلى قبر مفتوح ، حفرة مستطيلة داخلها حفرة أخرى أضيق قليلا ، في القاع ضفدعتان ضخمتان كامنتان ، ترى على من سيكون الدور ؟ قد يكون جدي ، أو سحاب .
وخطر ببالي أن أنزل القاع وأتمدد في القبر أقيس جسمي على حجمه ، لكن يدا خشنة قبضت على كتفي ! وكان رجلا ضخما مشوك الوجه بشعر جاف كعشب المقبرة .
- ما الذي تفعله هنا ؟
هربت مني الكلمات و أنا أنظر في عينيه الغائرتين .
-إني أبحث عن قبرها .
- قبر من ؟
- أمي .
و أرخى قبضته عن كتفي .
- ما اسم أمك ومتى ماتت ؟
- لا أعرف
ومسحني بعينيه الفأريتين وفمه المفتوح تماما مثل القبر الواقف على حافته .
- ابن من أنت ؟
- جدي الشيخ مسعود .
وقادني بين القبور يخاطب نفسه في ارتياب :
- لا أعرف للشيخ مسعود ابنا ولا بنتا فمن أين له بالحفيد ؟!
ووقف بي عند قبر كساه الشوك و العشب اليابس .
- هذا قبر العجوز فطوم زوجة الشيخ مسعود ، أعنها تبحث ؟
ووجدت نفسي أنحني على شاهد القبر أمسح عليه بكفي ، ولاحظت أنه خال من الكتابة فأخرجت من محفظتي طباشير و رحت أسطر : " هذه فطوم جدة سعد "
كان الرجل يقف عند رأسي يعتمني بظله ، قال لي :
- سيمحو المطر ما كتبت بعد حين .
ثم ضحك في استخفاف وهو يضيف :
- بل سينمحي القبر كله و يستوي مع الأرض بعد سنين .
نفضت الحصى عن سروالي و قلت :
- ولكني أبحث عن قبر أمي .
فنفد صبره .
- اسمع ، إذا كنت حفيد الشيخ مسعود كما تزعم فأنا أجزم لك بأن لا قبر لأمك هنا ، فأنا أحرس هذه المقبرة منذ الاستقلال ولم أسمع أن جدك دفن هنا غير زوجته ، إني أعرف كل الذين دفنوا هنا بعد الاستقلال ، بل و أتنبأ بالذين سيموتون دوريا ، فهذا القبر المفتوح حفرته للشيخ حمودة ، قد يهلك في رأس الشهر القادم ، لقد عاش ما فيه الكفاية .
كان يتحدث و كأنه عزرائيل ، أنف مفلطح ، وشفة علوية مقوسة مدلاة تكاد تخفي السفلى .
ورأيت رجله الضخمة فوق قبر صغير ، فنظرت إليه مستنكرا ، فكان في عينيه تعبير غريب ، ابتسامة صفراء و تلمظ و حمرة قانية في الأذنين .
تأبطت محفظتي و أطلقت ساقي للريح ، بينما صياحه يلاحقني ملحاحا أن أنتظر.
""""""""""""""""""
عدت إلى المدرسة و قد أراحني أني لم أعثر على قبرها ، إذ ترجح لدي احتمال بقائها حية في مكان ما كما قالت المازية ، رغم إدراكي أن ذاك لا ينفي احتمال موتها في مكان آخر .
في المساء عدت إلى البيت ، لم يستقبلني " سحاب " ، كان ممددا عند العتبة يموء و يرتعد ، و حين وقفت عنده اكتفى بأن رفع إلي رأسه لحظة ثم عاد فطرحه .
قالت المازية إن الدم غمره و إننا لو قطعنا جزءا من ذيله لزايله المرض .لم أسمع لها ، كيف أقطع ذيله الذي يستقبلني به مرحبا كل مساء ؟ دثرته بمعطفي ووضعت أمامه الحليب ، ثم جلست عند رأسه حتى أنهضتني المازية فأدخلتني البيت و أفرغت لي القهوة و الحليب .
لاحظت غياب جدي عن سريره ، فأخبرتني المازية أنه ذهب إلى المدينةولم يعد بعد .
و خرجت إلى " سحاب " فكان الحليب كما وضعته ، وكان المعطف يرتعش فوقه . قبعت عند رأسه ، وجاءت المازية فانضمت إلينا ، قلت لها :
- لم أر إنسانا مثل " سحاب "
فابتسمت في شحوب :
- منذ متى و أنتما صديقان ؟
- منذ كانت جدتي .
و أطرقنا صامتين . كانت تجمع يديها في حجرها تدير إبهاميها حول بعضهما في حركة آلية كصناديق السانية إذ تدور ، قلت لها :
- زرت المقبرة اليوم ولم أعثر قبرها ، قد تكون حية .
وكأنما فاجأتها و قد شرد عقلها
- ماذا ؟ إيه ، ولكن من أين لك أن تعرف قبرها و أنت لا تعرف اسمها ؟
- لقد أكد لي حارس المقبرة أن جدي لم يدفن في المقبرة غير جدتي .
- إذا كانت حية فإنها ستسعى للبحث عنك ولن تكف حتى تلفاك ، سيدلها قلبها عليك .
وعاد إبهاماها يدوران حول بعضهما ، والمساء يرتسم ثقيلا ، قطعان من السحب السوداء ، شعاب تظلم ، أسراب طيور آيبة ، نسمات قارسة تكنس ما صادفها من خفيف الأشياء ، و " سحاب " يموء ، يرتعد ، يدخل بعضه في بعضه ، والمازية أخذها الغيب فلم يعد حاضرا منها إلا الجسم الضخم يتحرك إصبعاه في آلية .
ولمحنا جدي في أقصى الطريق يحث الخطى راجعا ، فقامت المازية توقد المصباح في البيت و تبسط الحصير بينما أخذت أنا " سحاب " إلى كوخ التبن أدثره بمعطفي ، وبشيء من قلبي.
وشاع عني أيضا أني أدخن ، فاستدعاني المعلم ، وفتش محفظتي فلم يعثر على شيء ، وسألني عن صحة ما يقال عني فلم أنكر ، أخبرته بأني أدخن مع جدي أحيانا في الليل حول مجمرة الشاي .
وحدق في المعلم مستنكرا
- ولكن ألا يعلم جدك أن التدخين مضر بصحتك ؟!
- يقول إنه يدخن منذ ستين عاما وما ضره .
وعض المعلم على شفته .
في المساء وجدت ببيتنا سعيد القهواجي ، كان جدي يطوف به في البستان ، ويحدثه مشيرا بيده الغليظة إلى الأنحاء ، وسعيد القهواجي يلعب بالنقود في جيبه فتحدث ذلك الرنين العجيب.
وحدثه جدي طويلا في دار الضيوف ، ولم يغادر بيتنا حتى كرهت مكوثه وكرهت الشيب النابت في منخريه الواسعين .
ولما سألت جدي عم جاء الرجل يفعله عندنا لم يجبني ، بل بدا لي في عينيه أنه يعاني شيئا فوق طاقته ، وخمنت أنه العجز الذي أخذ يستولي على قواه ، وأنه ربما يعاني الإحساس بالنهاية فيلحق بجدتي قريبا .
وانتصب أمامي سؤال فظ : ما الحال التي أصير إليها لو مات جدي فجأة ؟
و توسلت إلى الله أن يمد في عمر جدي كما أطال في عمر نوح .
لكن المعلم أحمد حيرني بمقترحه الغريب ، إذ استدعاني في آخر الحصة فسألني عن معاملة جدي لي ، هل يضربني ، ماهي الأشغال التي يكلفني بها ، ؟
ثم وهو يقترب مني أكثر :
- ما رأيك لو تقيم عند الدولة في مركز يجتمع فيه أطفال مثلك ؟ إن في بقائك مع جدك خطرا عليك .
و أدهشني كلامه فاحتججت :
- ولكنه جدي ، ولا يمكن أن أنفصل عنه .
- كلا ، إنه ليس جدك ، أقصد لم يعد ينفعك بقاؤك معه لأنه خرف ، والدخان الذي يعودك على تعاطيه يدل على أنه لم يعد في عقله .
ونظرت في عيني المعلم ، هذا الذي يكلمنا دائما من بعيد ، فأحسست أنه مصر على عرضه فداخلني خوف مبهم . خرجت لا أشعر موقعا لقدمي .
وجدت نفسي منساقا إلى العين من غير أن أدري ، وترقبت هناك أن تطلع المرأة حاملة الجرة فوق رأسها فلم تطلع .
وأسندت ظهري إلى الشجرة ، نفس الشجرة ، شجرة الزعرورالبري ، وغفوت فرأيت نفسي في الحلم جائعا بي شهوة عنيفة للأكل ، فنزلت على أصابع يدي ألتهمها واحدا فواحدا ، وكان ألم طفيف سرعان ما تحول إلى لذة عارمة فالتهمت كفي و ذراعي ، وامتلأ فمي دما باردا ، فاستولى علي شعور طاغ بالحسرة و الندم و الفظاعة ، وحاولت أن أقوم فأقعدني غياب ذراعي و صرخت بقلبي فإذا سحاب إلى جواري ينبح ، و تفقدت يدي فارتحت لسلامتها ، وعانقت سحاب فكان يموء ، يريد أن يقول شيئا ما ، و كنت أموء أنا الآخر ، أريد أن أعرف ، أن أبصر .
في البيت وجدنا امرأة غريبة ، بل عجوزا لا تشبه جدتي في شيء ، وجه أحمر منتفخ مليء بالنمش . كانت منهمكة في إعداد العشاء ، ولما وقع بصرها علي لاح في عينيها التطلع . ونظرت إلى جدي فكان مشغولا بسيجارته فوق حصيرته إلى الجدار . وضعت محفظتي في موضعها المعتاد قرب صندوق جدتي ، وسألت جدي عن العجوز فقال :
- إنها خادمتنا المازية ، جاء بها سعيد القهواجي ، أنا لم أعد قادرا ، و أنت بعد فرخ .
وعندما سألته عم إذا كان سيتزوجها هز رأسه بالنفي و سكت سكوتا ثقيلا.
ناولتنا المازية العشاء وغسلت الصحون في صمت ، ثم سألت جدي إذا لم يعد في حاجة إلى شيء
وخرجت إلى دار الضيوف تجر جسمها الضخم .
ورغم نفوري من وجهها المحمر المنمش إلا أني أحسست بتعاطف معها ، فقد أشاع حضورها أنسا
في البيت ، ثم وهي كالمرتبكة تجمع يديها في حجرها ولا تتكلم تدغدغ إحساسا مبهما في قلبي .
ونشرت الكتاب على المائدة تحت نور قنديل البترول ، بينما جدي غارق في سريره و قد أسدل برنوسه على عينيه فصعب تمييزه أنائم هو أم متظاهر ؟
ورحت أتهجأ الحروف ، و أتهجأ الأشياء ، هذه المازية أين كانت قبل اليوم ؟ ولماذا لا يتزوجها جدي ؟ ولماذا لا تجمعني الصدفة الجميلة ثانية مع امرأة العين ؟ أما المعلم فما كان من حقه أن يحرضني ضد جدي ، ثم ما ذلك المركز الذي حدثني عنه ؟ ومن هؤلاء الأطفال الذين هم مثلي و يقيمون فيه ؟
ونبح سحاب في الخارج نباحا خشنا منكرا ، فتذكرت جدتي و النعش و الحائك الأحمر فاقشعر جسمي فأطفأت المصباح و تكورت في فراشي متوجسا .
"""""""""""""""
لم تتوان المازية في خدمتنا ، تغسل الثياب و تخيطها ، تعد الطعام و القهوة ، تتحرك في خفة عجيبة رغم ضخامة جسمها ، حتى إذا أنهت شغلها جلست منفردة ووضعت خدها على يدها .
كانت تأخذني جلستها المنفردة فأجلس إليها ، فتبتسم لي ابتسامة طيبة سائلة إياي عن دروسي ، مبدية لي أسفها عن جهلها القراءة و الكتابة ، وإلا كانت ساعدتني .
وشعرت أني محل عنايتها فأفضيت لها بما يؤرقني ، سألتها عن أمي ، أعدت عليها حكاية أمنا حواء ، و أمنا خديجة ، عن صورة الحلم ، و إني أنتظرها كثيرا وهي لا تتجلى ، وما الذي علي فعله حتى أبصر بها ثانية ، و أنا لا أحب أن أذهب إلى ذلك المركز الذي سماه لي المعلم ، وأن الله قد أطال في عمر نوح تسعة قرون ، فهل سيطيل في عمر جدي كذلك ، و في عمرك أنت أيضا ، و أني أحبك كما كنت أحب جدتي قبل أن يحملوها على النعش ملفوفة في الحائك الأحمر ،كما أني لا أحب أن أموت، إن الموت ينفر الناس من أحبابهم ، وأنا صرت أخاف جدتي .
كنت أتحدث مهذارا من غير ضبط ، أريد أن أسمعها كل ما عندي ، لكن المازية رفضت أن أتخذ أما غير أمي ، موضحة لي أن كل واحد منا له أمه الخاصة ، و أن أمي قد تكون ميتة ، او متزوجة برجل آخر ، أو متشردة في مدينة ما ، ناصحة إياي أن أقلع عن انتظار الصورة في الحلم .
و أخذت أصابع يدي و راحت تسمي أبناءها الذين ولدوا و ماتوا جميعهم صغارا قبل أن يبلغوا سني ...وزوجها الذي سيق إلى الحرب ضد الألمان ولم يعد ، وهي تنتظره بمزيد من الصبر و الأسى مقتنعة أنه سيعود يوما ، حتما سيعود ، لقد أخبرهابذلك ساعة رحل ، وهو صادق ، فلم يكذب عليها قط .ولهذا قضت العمر تنظف البيوت من دار إلى دار ، ومن حي إلى حي ، إلى أن طرقت باب سعيد القهواجي فأحالها إلى جدي ، وعندما تيأس من لقاء زوجها يكون قد حل بها الموت ، هناك ستلقاه في العالم الآخر ، لأن الله يجمع الناس بمن يحبون سواء في الجنة أم النار ، وأنها كانت جميلة في يوم ما فعرض عليها الزواج كثيرون قبل أن تشيخ فرفضت لأنها تعاهدت مع زوجها ذات ليلة على أن لا يتزوج أحدهما بعد الآخر مهما كانت الحال ، و ...
وكانت هي الأخرى تهذي مهذارة ، فعجبت لما ينطوي عليه صمتها ، لتعلقها بزوجها الغائب ذاك الغياب المظلم ، لأسنانها الغائبة عن فمها المعتم ، لعنقها المنتفخ المطوي المحزز.
ووجدتني مشدودا إليها ، سألت جدي أن يأذن لي بالنوم معها في دار الضيوف ، فلم يقل شيئا ، سكت سكوته الغامض . وفهمت أنه لا يعارض ، ولكنه ليس براض علي ، قرأت في عينيه تلك النظرة التوبيخية ، فهو يلومني في نفسه على أني أهمل تعاليمه ، إذ أعلمني ذات مرة أن الرجل ينام وحده ما لم يكن متزوجا ، فكيف أطلب منه ذاك الطلب المخجل ؟
ومع ذلك أصررت على أن أنام معها .
وقد سعدت بالنوم ليالي مع المازية ، أنتظرها ريثما تفرغ من خدمة جدي و أسبقها إلى دار الضيوف ، فتنتظرني هي بدورها ريثما أراجع دروسي ، ثم أنزلق إلى جوارهافي الفراش وكلي لهفة إلى سماع حكاياتها مسترجعا ذكرياتي مع جدتي .
وتحكي لي ، تلهب مشاعري في عتمة الليل بصوتها الأبح ، عن لونجة بنت الغولة ومحمد ولد السلطان ، عن بقرة اليتامى ، العنزة و الذيب .
حتى إذا أحياها الحكي ولم أنم راحت تغني بصوت خافت عن المجاهدين ، وعن الغائبين ، و الراحلين إلى بيت الله ، و العائدين من الغربة ، عن العمر الذي ينقضي في انتظار الغائب الذي لا يعود .
وتصمت فأناديها فلا تجيب ، وأمد يدي أتحسس وجهها فأعود بأصابعي مبتلة بدموعها الساخنة ، فأدفن رأسي في صدرها و أنام .
"""""""""""""""
في المدرسة أعاد علي المعلم اقتراحه ، شرح لي بالتفصيل ماذا يعني المركز ، ماذا تعني الدولة التي ستتكفل برعايتي إلى أن أصير رجلا ، مبينا لي أن جدي لم يبق له من العمر إلا القليل ، وسيموت يوما و أجدني وحيدا ، مضيفا أنه تحدث في شأني إلى مدير المركز في المدينةالكبيرة ، وقد أبدى استعداده لاستقبالي و إيداعي مؤسسته بين أطفال أمثالي متى شئت .
استوعبت كلام المعلم ، وداخلني شك في إلحاحه فسألته :
- ولماذا أنا فقط الذي أذهب إلى هذا المركز ؟ لماذا لا يذهب عمر ؟ أبوه أيضا شيخ يكاد يموت .
حك المعلم ذقنه وقال :
- عمر له إخوة كبار ، له عمات وخالات و عموم و أخوال ، أما أنت فلا أحد لك .
فصحت محتجا :
- لي المازية ، ولي كلبنا " سحاب" .
نظر المعلم إلي نفس النظرة التي رمقني بها ساعة همس له جدي أول مرة ثم قال :
- عد إلى مكانك.
وعدت تتوزعني الظنون ، فقد أوحى لي حديثه البارد أني وحدي في هذه الدنيا ، منفصل عن كل إنسان . حتى أولئك التلاميذ الذين يزعم أنهم زملائي ليسوا مني ولست منهم ، لا أحد يشبهني ، غنيهم وفقيرهم ، كلهم مدرع بأهل و أخوال ، فنظرت إليهم جميعا بعين الحقد .
"""""""""""""""""""
في منتصف النهار لم أعد إلى البيت لأتغذى ، بل اتجهت إلى مقبرة القرية . كانت محاطة بسياج من أشجار السرو العالية يغشاها السكون ، والعشب اليابس ، و الحصى ، تشقها ممرات ضيقة طرقتها الأقدام بين القبور .
كنت أمشي محاذرا أن أطأ قبرا ما ، إذ قيل إن من فعل ذلك فكأنما هو يدوس على الجمر . كان قلبي يدق بطيئا إذ داخلني شعور غريب برهبة الموت . :كنت أتفحص القبور و أتهجأ شواهدها ،كان بعضها مهملا من الكتابة فأطيل الوقوف عنده ، يشدني إليه أحساس بالمجهول و المبهم ، قد يكون القبر الذي تنام فيه ؟ فقبرها يقينا مجرد من الكتابة ، مجهول ، أليست هي الأخرى مجهولة ، إذن من سيكتب اسمها ؟
وقادتني خطواتي إلى قبر مفتوح ، حفرة مستطيلة داخلها حفرة أخرى أضيق قليلا ، في القاع ضفدعتان ضخمتان كامنتان ، ترى على من سيكون الدور ؟ قد يكون جدي ، أو سحاب .
وخطر ببالي أن أنزل القاع وأتمدد في القبر أقيس جسمي على حجمه ، لكن يدا خشنة قبضت على كتفي ! وكان رجلا ضخما مشوك الوجه بشعر جاف كعشب المقبرة .
- ما الذي تفعله هنا ؟
هربت مني الكلمات و أنا أنظر في عينيه الغائرتين .
-إني أبحث عن قبرها .
- قبر من ؟
- أمي .
و أرخى قبضته عن كتفي .
- ما اسم أمك ومتى ماتت ؟
- لا أعرف
ومسحني بعينيه الفأريتين وفمه المفتوح تماما مثل القبر الواقف على حافته .
- ابن من أنت ؟
- جدي الشيخ مسعود .
وقادني بين القبور يخاطب نفسه في ارتياب :
- لا أعرف للشيخ مسعود ابنا ولا بنتا فمن أين له بالحفيد ؟!
ووقف بي عند قبر كساه الشوك و العشب اليابس .
- هذا قبر العجوز فطوم زوجة الشيخ مسعود ، أعنها تبحث ؟
ووجدت نفسي أنحني على شاهد القبر أمسح عليه بكفي ، ولاحظت أنه خال من الكتابة فأخرجت من محفظتي طباشير و رحت أسطر : " هذه فطوم جدة سعد "
كان الرجل يقف عند رأسي يعتمني بظله ، قال لي :
- سيمحو المطر ما كتبت بعد حين .
ثم ضحك في استخفاف وهو يضيف :
- بل سينمحي القبر كله و يستوي مع الأرض بعد سنين .
نفضت الحصى عن سروالي و قلت :
- ولكني أبحث عن قبر أمي .
فنفد صبره .
- اسمع ، إذا كنت حفيد الشيخ مسعود كما تزعم فأنا أجزم لك بأن لا قبر لأمك هنا ، فأنا أحرس هذه المقبرة منذ الاستقلال ولم أسمع أن جدك دفن هنا غير زوجته ، إني أعرف كل الذين دفنوا هنا بعد الاستقلال ، بل و أتنبأ بالذين سيموتون دوريا ، فهذا القبر المفتوح حفرته للشيخ حمودة ، قد يهلك في رأس الشهر القادم ، لقد عاش ما فيه الكفاية .
كان يتحدث و كأنه عزرائيل ، أنف مفلطح ، وشفة علوية مقوسة مدلاة تكاد تخفي السفلى .
ورأيت رجله الضخمة فوق قبر صغير ، فنظرت إليه مستنكرا ، فكان في عينيه تعبير غريب ، ابتسامة صفراء و تلمظ و حمرة قانية في الأذنين .
تأبطت محفظتي و أطلقت ساقي للريح ، بينما صياحه يلاحقني ملحاحا أن أنتظر.
""""""""""""""""""
عدت إلى المدرسة و قد أراحني أني لم أعثر على قبرها ، إذ ترجح لدي احتمال بقائها حية في مكان ما كما قالت المازية ، رغم إدراكي أن ذاك لا ينفي احتمال موتها في مكان آخر .
في المساء عدت إلى البيت ، لم يستقبلني " سحاب " ، كان ممددا عند العتبة يموء و يرتعد ، و حين وقفت عنده اكتفى بأن رفع إلي رأسه لحظة ثم عاد فطرحه .
قالت المازية إن الدم غمره و إننا لو قطعنا جزءا من ذيله لزايله المرض .لم أسمع لها ، كيف أقطع ذيله الذي يستقبلني به مرحبا كل مساء ؟ دثرته بمعطفي ووضعت أمامه الحليب ، ثم جلست عند رأسه حتى أنهضتني المازية فأدخلتني البيت و أفرغت لي القهوة و الحليب .
لاحظت غياب جدي عن سريره ، فأخبرتني المازية أنه ذهب إلى المدينةولم يعد بعد .
و خرجت إلى " سحاب " فكان الحليب كما وضعته ، وكان المعطف يرتعش فوقه . قبعت عند رأسه ، وجاءت المازية فانضمت إلينا ، قلت لها :
- لم أر إنسانا مثل " سحاب "
فابتسمت في شحوب :
- منذ متى و أنتما صديقان ؟
- منذ كانت جدتي .
و أطرقنا صامتين . كانت تجمع يديها في حجرها تدير إبهاميها حول بعضهما في حركة آلية كصناديق السانية إذ تدور ، قلت لها :
- زرت المقبرة اليوم ولم أعثر قبرها ، قد تكون حية .
وكأنما فاجأتها و قد شرد عقلها
- ماذا ؟ إيه ، ولكن من أين لك أن تعرف قبرها و أنت لا تعرف اسمها ؟
- لقد أكد لي حارس المقبرة أن جدي لم يدفن في المقبرة غير جدتي .
- إذا كانت حية فإنها ستسعى للبحث عنك ولن تكف حتى تلفاك ، سيدلها قلبها عليك .
وعاد إبهاماها يدوران حول بعضهما ، والمساء يرتسم ثقيلا ، قطعان من السحب السوداء ، شعاب تظلم ، أسراب طيور آيبة ، نسمات قارسة تكنس ما صادفها من خفيف الأشياء ، و " سحاب " يموء ، يرتعد ، يدخل بعضه في بعضه ، والمازية أخذها الغيب فلم يعد حاضرا منها إلا الجسم الضخم يتحرك إصبعاه في آلية .
ولمحنا جدي في أقصى الطريق يحث الخطى راجعا ، فقامت المازية توقد المصباح في البيت و تبسط الحصير بينما أخذت أنا " سحاب " إلى كوخ التبن أدثره بمعطفي ، وبشيء من قلبي.