المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة



بديعة بنمراح
26/12/2006, 12:22 AM
ليلة غاب فيها القمر
قصة قصيرة
بديعة بنمراح
في تلك المدينة النائية ،حيث يغطي الرمل بياض الحقول،وتتدفق واحات كالشمس تخترق سحابا كثيفا،ممتدةعبرالهجير والصمت المقفر وشحوب الطبيعة يلمع سياط التقاليد حادا جارحا ويعتلي الشرف عرشه شامخا بين فخذي المرأة ،زورقي تتقاذفه أمواج القهر ورياح الأغلال وعواصف الأمية،هوذا صوت المرأة قادما من هناك،أنا زوجة شرعية للمطبخ والسرير،وأم لأجيال تتناسل،تتكاثف،تستودع الرمال والحجر والسماء شظايا انسان هشمته عادات مقيتة ، لعالم تسوده أفكار قديمة وعقليات بائدة .
هناك..بين أضلاع جدران أرهـقتها أشعة شموس قاسية،وفي حضن بيت صغير متواضع، في أطراف المدينة، تركن أم أرملة في عقدها الخامس،يرسم شحوب ملامحها امرأة في العقد السادس تضم بين دفتي كبدها ثلاث وردات تسقيهن بسنين عمرها و عرق قلبها،كبراهن بلغت تسعة عشر ربيعاأما الفتاة الصغرى فلاتزال ترتسم على وجهها ملامح طفولة باقية00جمالها هادئ عبرت بحور التقاليد الى شطآن العلم والمعرفة،تحدى عقلها سهوب الحصار وأشواك الجهل00حلمها أن ترسو سفينتها ذات فجر على مرفئ يضيئه الوعي والحرية...
"لالاّ" فطومة الأم حلمها بسيط، أن تعود كل مساء بالخبز و الحنان ،و الأختان الأخريان تظللان على صفية بالرعاية،و ترمقانها بأعين الحب والاعجاب و هي..الضوء المنبثق في ليل الصحراء الطويل، يؤرق بريقه الوحوش الضارية فتأبى الا أن تضغطه بأظلافها الممعنة في العفونة..و سي" قادر" ، رسول الحب والأخلاق و التقوى يبسط يديه على مصراعيها لتضم اليهما الأم يدين أخذت قسوة الطبيعة ، معا يعقدان ميثاقا يوقعان في سطوره الأخيرة بداية نهاية صفية:
ـ لم تودين بيعي يا أمي ؟ ألا تفكرين في مستقبلي؟ و هوألا ترين أن ابنته" زهرة" في مثل سني و الأخرى أكبر مني ؟
و تضم الواحات صوتها لصوت صفية و كذلك الوادي البعيد و النخيل .لكن الزمن القديم يأبى أن يهزمه وليده،هاهو ذا يلملم أطراف ثوبه المهلهل ويهب واقفا ليدافع عن ميراثه
ـ أملي في الحياة أن أفرح بك و بأخواتك يا ابنتي،وسّي" قادر" سيعوضنا عن الضنك الذي عشناه بعد رحيل والدك
تتلالأ دمعات حارة في عيني صفية ،ترنو الى أمها تحمل خلجات قلبها عتابا اليها ..شراعي يتخبط داخل محيط عاصف،لا أريد أن تكوني مع العاصفة علي،أود لويكون حضنك ملجئي من غابة مليئة بالوحوش
تفكر الأم :" ياقطعة من كبدي لم العناد ؟ و الدفء يناديك في حضن رجل.أمك كم حلمت أن تسكن الى صدر رجل بعد والدك،لكنها فزعت على زهرات حياتها أن تمتد لهن يد آثمة،أسكنتهن حنايا الصدر و ظللت عليهن بعشب القلب، وهاهو ذا عطرهن يتوهج شعاعا ورديا يغمر الوجود.." ،ويرفرف فكر صفية بعيدا يطأ مسافات خارج السياج،لاتطالها يد الوحوش،لكن الاسلاك الشائكة العالقة بالوجدان، والخوف الموروث من الآباء والأسلاف يعقلها..تتمنى لو بالامكان ابعاد موعدها مع الموت ..
ـ أريد أن أستمر قي التعليم..لو يمكن أن ننتظر سنتين يا سي "قادر"..ينتظر؟ والرغبة المتوحشة الى الأبد، والعصفورة الرائعة بين يديه ..بالحلال، والجناحان الممتدان في الفضاء أيعاودان الى القفص من جديد لو ذاقا طعم الحرية طوال هذه المدة؟
في اليوم الموعود عقد القران، وكانت ليلة ليلاء،رقص وذبائح وغناء..والعصفورة كئيبة ترثي جناحاها المقصوصان والأحلام..صوتها المبحوح يود لو يلعلع بالغناء لكنه يعود القهقرى فيذبح القلب بسيف القهر والأغلال..يمر الوقت ثقيلا وهما معا،سي "قادر" جبهة عريضة تننضح بالتقوى وحبيبات مرمر تنتقل من اليد اليمنى الى اليسرى مسبحة باسم الواحد القهار،وصفية جسم ممشوق، والوجه قمر علاه شحوب..وفستان أبيض ويدان مغلولتان وقلب موجوع،يقترب منها فيغمرها خوف عميق،يكسف الضوء المشع وهي تفيض ألما يخرج من نبض العيون.كم هو مر ومدمر زمن نعده بثواني الألم ودقائق الغبن..وهي تئن تحت وطأة واجب مقدس يؤديه زوجها الآن، تتذكر صورة الرجل الذي تحلم به ، انسان قوي و صادق يحترم حرية المرأة وحقوفها،يتطلعان معا الى غد أفضل،غد العلم والأفكار الجديدة.
تفيق على أصوات ترن خارج الغرفة تميز صوت عريسها،صراخه مشوب بالألم:
ـ "والو..ما فيهاش.." يختلط الحلم بالكابوس،وبين الاغفاءة والصحو،تتراءى لها أياد سوداء بأظافرعفنة،تريد خنقها،ويسيل دم زكي من الوجه واليدين العاريتين،ويدفع الملاك خارج الغرفة ثم خارج البيت..تختلط الأصوات أكثر فأكثر،يلبس الفضاء قميصا من غيم ويبدو القمر صغيرا وخجلا يخبئ وجهه بصفحة السماء،،وهي..بين العري والبرد والخوف،،تمشي وحيدة آلاف الخطى،تتلفت حواليها،يصرخ داخلها: "عندما نفسك المتلهفة تتخطى زمنك،تمكث حزيناعلى شاطيء بارد بين أهلك وأنت لا تعرفهم،ولكن مهما يكن العام باردا وبلا غناء في وقت ما،فمن حقل أبيض يندفع ورق أخضر وغالبا ما يغني طائر في وحشة"

harjjari
26/12/2006, 01:47 AM
كما عهدنا في نصوصك ؛اللغة سلسة مشبعة بعمق واع لطبيعة الواقع المحجوز تقدمه، البنية السردية مفعمة بالتداعيات ، مثقلة بحمولات فكرية تعانق قضية الإنسان والمرأة تحديدا ..أرجو لك المزيد من التألق
عبد القهارالحجاري

محمد ربيع
31/12/2006, 07:31 PM
" .... عندما نفسك المتلهفة تتخطى زمنك ،
تمكث حزيناعلى شاطيء بارد بين أهلك وأنت لا تعرفهم ،
ولكن مهما يكن العام باردا وبلا غناء في وقت ما ،
فمن حقل أبيض يندفع ورق أخضر وغالبا ما يغني طائر في وحشة .... "
الفاضلة بديعة بنمراح حفظها الله
السلام عليكم وبعد :
فتقبلي تقديري وخالص احترامي والسلام ..

اشرف الخريبي
03/01/2007, 01:08 PM
العزيزة بديعة بنمراح عيد سعيد لك
وكل عام وانت بخير
اعجبنى النص بمكوناته الجميلة وسرده الشفاف المتألق وحرصه على الحكاية ورسم مبدع للشخصيات ومسارها القصصى فى بنية متوازنة وفائقة
بعض الأخطاء الكيبوردية لو صح التعبير ولكنها رغم ذلك لم تفسد العمل
فقط محبة منى
ثم خاج البيت
والو..ما فيهاش
قلبهاكبراهن بلغت تسع عشرة


اشرف الخريبي

بديعة بنمراح
10/01/2007, 09:03 PM
كما عهدنا في نصوصك ؛اللغة سلسة مشبعة بعمق واع لطبيعة الواقع المحجوز تقدمه، البنية السردية مفعمة بالتداعيات ، مثقلة بحمولات فكرية تعانق قضية الإنسان والمرأة تحديدا ..أرجو لك المزيد من التألق
عبد القهارالحجاري

الغالي عبد القهار الحجاري
شكرا لمرورك العطر محبتي

بديعة بنمراح
10/01/2007, 09:12 PM
" .... عندما نفسك المتلهفة تتخطى زمنك ،
تمكث حزيناعلى شاطيء بارد بين أهلك وأنت لا تعرفهم ،
ولكن مهما يكن العام باردا وبلا غناء في وقت ما ،
فمن حقل أبيض يندفع ورق أخضر وغالبا ما يغني طائر في وحشة .... "
الفاضلة بديعة بنمراح حفظها الله
السلام عليكم وبعد :
فتقبلي تقديري وخالص احترامي والسلام ..

الأستاذ المحترم محمد
أسعدني مرورك الكريم مودتي

بديعة بنمراح
10/01/2007, 09:21 PM
العزيزة بديعة بنمراح عيد سعيد لك
وكل عام وانت بخير
اعجبنى النص بمكوناته الجميلة وسرده الشفاف المتألق وحرصه على الحكاية ورسم مبدع للشخصيات ومسارها القصصى فى بنية متوازنة وفائقة
بعض الأخطاء الكيبوردية لو صح التعبير ولكنها رغم ذلك لم تفسد العمل
فقط محبة منى
ثم خاج البيت
والو..ما فيهاش
قلبهاكبراهن بلغت تسع عشرة


اشرف الخريبي


الأستاذ الفاضل أشرف
شكرا لمرورك الجميل..شكرا لاهتمامك بقصتي.ملاحظاتك القيمة أسعدتني.
تحيتي وتقديري