المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف نتعامل مع العدوان على غزة؟



قدار محمد
13/01/2009, 05:08 PM
كيف نتعامل مع العدوان على غزة؟



لا تزال الحرب الصهيونية القذرة تدور رحاها على أرض فلسطين المباركة، ولا يزال العدو الصهيوني يطلق حممه من البر والبحر والجو، ولا تزال المقاومة صامدة، وهي تقاتل العدو من مكان إلى آخر، وتكبده خسائر جسيمة في العدد والعتاد.
ومع هذه الحرب يحلو للبعض أن يطلق شكوكه بقصد ومن دون قصد ليشكك في المقاومة الإسلامية وجدواها، ويرى أنها لم تقدم شيئًا، ولا يزال بعض أمتنا يصف صواريخها بالعبثية، أو الألعاب النارية، أو بالتي لا تثقب حائطًا، فكيف نتعامل مع الأحداث الجارية؟ وكيف نوظف هذه الأحداث لتقوية إيماننا، وتثبيت إخواننا في المقاومة على أرض فلسطين؟
بالإضافة إلى الدعاء لهم، والجهاد بالمال، ونصرتهم في وسائل الإعلام، وعدم تخذيلهم، والدفاع عن أعراضهم، فإنني أضيف ( للإجابة عن الأسئلة سالفة الذكر ) الأمور التالية:
لا لنشر الأخبار السيئة
يقول ابن هشام في قصة غزوة الأحزاب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث السعدين سعد بن عبادة و سعد بن معاذ ، قال: "انطلقوا حتى تنظروا أحقٌ ما بلغنا عن هؤلاء القوم – اليهود- من نكث العهد، فإن كان حقاً فالحنوا لي لحناً أعرفه، ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس".
فالواجب أن نتلقى المعلومات من مصادرها الصحيحة الموثوق بها، ولا نسمع لما يردده إعلام العدو، أو المتآمرين والمتواطئين معه، أو حتى بعض الذين لا يفهمون طبيعة المعركة بيننا وبين العدو الصهيوني.
تفاؤل لا تشاؤم فيه
يقول الله تعالى: " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون "(الأنبياء: 105).
ولقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتفاءل دوماً ويقول: " الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك " (رواه أبو داود).
وكان عبد الله بن عباس ( رضي الله عنه ) يقول: كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتفاءل ولا يتطير وكان يحب الاسم الحسن " (رواه أحمد وصححه الألباني).
وبعد غزوة الأحزاب قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم" (رواه البخاري).
وعندما علم النبي صلى الله عليه وسلم أن هوازن قد جمعوا له في حنين، وخرجوا عن بكرة أبيهم بعَددهم وعُددهم ونعمهم وشائهم حتى الغنم والنساء والأولاد، قال وهو يتبسم؟ "تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله" (صحيح أبي داود).
واحمل بعزم الصدق حملة مخلص متجــرد للـه غيـر جبــان
واثبت بصبرك تحت ألويـة الهدى فإذا أصبت ففي رضـا الرحمـن
والحق منصـور وممتحـن فـلا تعجـب فهذي ســنـة الرحمن
لكنمـا العقبـى لأهـل الحق إن فاتت هنا كانــت لدى الديـان
بشِّروا ولا تنفروا
كانت البشائر تأتي من النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في مكة وهم يضطهدون ، يرفع بها معنوياتهم، ويطمئن بها قلوبهم، ويثبت بها أقدامهم، يقول خباب بن الأرت رضي الله عنه: "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ، قلنا له : ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو الله لنا ؟ قال : "كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض ، فيجعل فيه ، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين ، وما يصده ذلك عن دينه . ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب ، وما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر ، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ، لا يخاف إلا الله ، أو الذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون" (رواه البخاري).
وانظر إلى حال أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو في الغار، كان يقول للنبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله! لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما" (رواه البخاري).
وفي غزوة بدر نقل النبي (صلى الله عليه وسلم) البشارة لأصحابه، الثلاثمائة وخمسة عشر رجلاً الذين يقفون كالجبال الراسيات أمام ألف من المشركين هم أكثر منهم عدةً وعدداً، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم ): "أبشر يا أبا بكر ! أتاك نصر الله، هذا جبريل على ثناياه النقع".
من المؤمنين رجال
يقول الله تعالى: " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً" (الأحزاب:23).
جاء في التحرير والتنوير لابن عاشور: "أعقب الثناء على جميع المؤمنين الخلص على ثباتهم ويقينهم واستعدادهم للقاء العدو الكثير يومئذ، وعزمهم على بذل أنفسهم، ولم يُقدَّر لهم لقاؤه، كما يأتي في قوله وكفى الله المؤمنين القتال، بالثناء على فريق منهم كانوا وفوا بما عاهدوا الله عليه وفاء بالعمل والنية، ليحصل بالثناء عليهم بذلك ثناء على إخوانهم الذين لم يتمكنوا من لقاء العدو يومئذ، ليعلم أن صدق أولئك يؤذن بصدق هؤلاء لأن المؤمنين يد واحدة.
وأيا ما كان وقت نزول الآية فإن المراد منها: رجال من المؤمنين ثبتوا في وجه العدو يوم أحد وهم: عثمان بن عفان، وأنس بن النضر، وطلحة بن عبيد الله، وحمزة، وسعيد بن زيد، ومصعب بن عمير. فأما أنس بن النضر وحمزة ومصعب بن عمير فقد استشهدوا يوم أحد، وأما طلحة فقد قطعت يده يومئذ وهو يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما بقيتهم فقد قاتلوا ونجوا. وسياق الآية وموقعها يقتضيان أنها نزلت بعد وقعة الخندق. وذكر القرطبي رواية البيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه فوقف ودعا له ثم تلا: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه.
ومعنى صدقوا ما عاهدوا الله عليه أنهم حققوا ما عاهدوا عليه فإن العهد وعد وهو إخبار بأنه يفعل شيئا في المستقبل فإذا فعله فقد صدق." (التحرير والتنوير لابن عاشور).
ويقال إنها نزلت في أنس بن النضر رضي الله عنه، لما انهزم المسلمون يوم أحد وقعد بعضهم محبطاً يائساً ووضعوا السلاح ، بعدما أشيع قتل النبي عليه الصلاة والسلام، مرَّ بهم أنس بن النضر وقال لهم: ما تنتظرون؟ قالوا: قُتل رسول الله، قال: فما تصنعون بالحياة بعده، قوموا فموتوا على ما مات عليه.
وانظروا ماذا فعل الملك المظفر قطز رحمه الله تعالى، عندما اجتاح التتار العالم الإسلامي وقتلوا الملايين من المسلمين، إذْ لما اجتمعت العساكر الإسلامية في الديار المصرية؛ ألقى الله تعالى في قلب الملك المظفر قطز الخروج لقتالهم بعد أن كانت القلوب قد أيست من الانتصار على التتار؛ لكثرة عددهم، واستيلائهم على معظم بلاد المسلمين، التي أصبحت تحت سيطرتهم.
فالتتار الذين اجتاحوا أكثر العالم الإسلامي، ما قصدوا إقليماً إلا فتحوه، ولا عسكراً إلا هزموه، ولم يبق خارجاً عن حكمهم في الجانب الشرقي من العالم الإسلامي إلا الديار المصرية والحجاز واليمن ، وهربت جماعة من المغاربة الذين كانوا بـمصر إلى المغرب، وهرب جماعة من الناس إلى اليمن ، والباقون في وجلٍ عظيم وخوفٍ شديد، يتوقعون دخول العدو وأخذ البلاد.
لقد صمم الملك المظفر رحمه الله على لقاء التتر، وخرج بالجحافل الشامية والمصرية، وسافر إلى بلاد الشام للقائهم، ونزل بـالغور بـعين جالوت وفيه جموع التتر.
وفي يوم الجمعة الخامس عشر من رمضان. اصطف الفريقان، والتحم الجيشان، وتقاتلا قتالاً شديداً لم ير مثله، حتى قتل من الطائفتين جماعة كثيرة، وانكسرت ميسرة المسلمين كسرة شنيعة - كما يقول صاحب النجوم الزاهرة في وصف المعركة - فحمل الملك المظفر رحمه الله بنفسه في طائفة من عساكره، وأردف الميسرة حتى تحايوا ورجعوا.
واقتحم المظفر قطز القتال، وباشره بنفسه، وأبلى في ذلك اليوم بلاءً حسناً، وعظمت الحرب، وثبت كلٌ من الفريقين مع كثرة التتر، والمظفر يشجع أصحابه، ويحسن إليهم الموت، ويكرُّ بهم كرة بعد كرة، حتى نصر الله الإسلام وأعزه، وانكسرت التتر، وولوا الأدبار على أقبح وجهٍ بعد أن قتل معظم أعيانهم، وأصيب قائدهم كتبغانيين، فإنه لما عظم الخطب باشر القتال بنفسه فأخزاه الله، وقتل شر قتلة، وكان الذي حمل عليه وقتله الأمير جمال الدين آقوش الشمسي رحمه الله.
وولى التتار الأدبار لا يلوون على شيء، واعتصمت طائفة منهم في التلِّ المجاور لمكان الوقعة، فأحدقت بهم عساكر المسلمين، وصابروهم حتى أفنوهم قتلاً، ونجا من نجا، وتبعهم الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري في جماعة من الشجعان المسلمين إلى أطراف البلاد، واسترجعوا البلاد والضياع التي أخذها التتر، وقتل منهم مقتلة عظيمة جداً. وهكذا كانت الحال عندما يثبت المسلمون أمام الكفار.
وبعد هزيمة أحد أصر النبي صلى الله عليه وسلم على تحدي قريشاً فذهب بالمسلمين الذين امتلأت أجسادهم بالجراح إلى حمراء الأسد رفعاً لمعنوياتهم، وإظهاراً لقومهم، وإلقاءً للرعب في صفوف أعدائهم، قال الإمام الطبري : إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهباً للعدو، وليبلغهم أنه قد خرج في طلبهم ليظنوا به قوة، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم.
لذا نقول لإخواننا في فلسطين لا تيأسوا ولا تجزعوا، فالله مولاكم ولا مولى لأعدائكم، وقتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار.
إنها الجنة
إن الله تعالى يثيب الطائعين، ويكتب لهم الأجر العظيم، وهذا ما كان يدفع المؤمنين الصادقين إلى العمل والبذل والتضحية والجهاد في سبيل الله تعالى، وصدق الله تعالى إذ يقول: "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ" ( التوبة:111).
وانظر إلى آل ياسر وهم يضطهدون على بطحاء مكة الحارة وعلى الحصى والرمل والصخر الحار، ما كان يثبتهم وهم في استضعاف تحت التعذيب إلا الوعد بالثواب من الله عز وجل : "صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة".
وتأمل كذلك حال الشهداء الذين كانوا يقتلون في سبيل الله، إذْ يضحي أحدهم بنفسه تحت ظلال السيوف، استشعاراً للأجر ورغبة بما أعده الله تعالى لهم من ثواب عظيم، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل".
كان النبي عليه الصلاة والسلام يصبر المصابين في أبنائهم وأهاليهم وأصحابهم، فهذا حارثة رضي الله عنه لما قتل يوم بدر بسهم طائش لا يدرى من رماه، جاءت أمه تقول: يا رسول الله! إن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء ، فقال لها النبي ( صلى الله عليه وسلم) : " يا أم حارثة ! إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى".
إنهاء الخلافات ووأد الخصومات
كتب معاوية إلى ملك الروم الذي أوشك على اقتحام بلاد المسلمين؛ انتهازاً للفرصة بالخلاف بين علي و معاوية رضي الله عنهما، فقال له معاوية في رسالته: والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين! لأصطلحن أنا وابن عمي عليك، ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت؛ فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف، وبعث يطلب الهدنة.. وهكذا كان التوحد في زمن الفرقة عاملاً مهماً من عوامل الثبات.
وهذا المعتمد بن عباد يرسل إلى يوسف بن تاشفين : أيها السلطان! ناشدتك الله إن سقطت إشبيليا لم يبق للإسلام في تلك الجزيرة في الأندلس اسم ولا رسم؛ فالحق بنا وأنقذنا. يقول له وزيره وهو يكتب الرسالة: أيها السلطان! كيف ترسل إلى يوسف بن تاشفين فغداً إذا جاء وانتصر وصار الملك، تصير أنت عنده أجيراً، أترضى بذلك وأنت السلطان؟! فنظر المعتمد بن عباد إليه وقال له: يا هذا! أنت وزيري تنصحني بما يملأني وزراً، والذي نفسي بيده لأن أكون راعياً للجمال عند مسلم اسمه يوسف بن تاشفين خير من أن أرعى الخنازير لألفونسو غداً.
وصدق الشاعر حينما قال:
تأبي الرماح إذا اجتمعن تكسرا ً وإذا افترقن تكسرت آحادًا
النصر لا يرتبط بأشخاص
وهذه سنة الله تبارك وتعالى في خلقه، أيًا كان هؤلاء الأشخاص، وأيًا كانت مواقعهم، ولنا في التاريخ أسوة حسنة.
فهذا نور الدين محمود زنكي الملك العادل ليث الإسلام، وحامل رايتي العدل والجهاد، أظهر السنة وقمع أهل البدعة، شجاع وافر الهيبة، قاد الجموع، وانتزع من الكفار نيفاً وخمسين مدينةً وحصناً، قال: لما التقينا بالعدو خفت على الإسلام فانفردت ونزلت ومرغت وجهي على التراب وقلت: يا سيدي! - يخاطب الله عز وجل - من محمود ؟! الدين دينك، والجند جندك، وهذا اليوم افعل ما يليق بكرمك، قال: فنصرنا الله عليهم.
وفي المعركة قال له الفقيه الشافعي النيسابوري: بالله لا تخاطر بنفسك، فإنك لو قتلت قتل جميع من معك، وأخذت البلاد، وفسد حال المسلمين، فقال نور الدين: اسكت يا قطب الدين! إن قولك إساءة أدب على الله، ومن هو محمود؟! من كان يحفظ الدين والبلاد قبلي غير الذي لا إله إلا هو؟! ومن هو محمود؟! فبكى من كان حاضراً .. رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
فانظر إلى قوله : من كان يحفظ الدين والبلاد قبلي غير الذي لا إله إلا هو، فالنصر لا يتعلق بأشخاص، إنما النصر من عند الله تعالى، وحينما تتضح هذه الحقيقة في نفوس الأتباع والجنود والقادة، تثبت النفوس، وتطمئن القلوب، وترتفع المعنويات.
إن الإسلام كالشمس، إن غربت في جهة طلعت من جهة أخرى، فلا تزال طالعة، وإن مات فرد من أفراده أقام الله من المسلمين من يجبر النقص ويسد الثغرة: "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" [الصف:8].
إن هذه الأمة قادرة بإذن الله على تعويض النقص الذي يطرأ عليها، ولقد تبدلت أحوال وبقيت هذه الأمة، لو أن أمةً أخرى شُنَّت عليها الغارات التي شنت على هذه الأمة لاندثرت منذ زمن بعيد، ومع ذلك فإن مصير الإسلام غير مربوط برجال أو أفراد معينين، ولا جماعات معينة، إنه دين أنزله الله ليبقى لا ليندثر وليظهر لا لينمحي، وقد يموت شخص فتحيا أمة:
إذا مـات فينا سيد قام سيد قئول لما قال الكرام فعول
إن هذه الأمة معطاءة ولود، إذا سكت منها صوت خلفه أصوات، وإذا مات خطيب خلفه خطباء، وإذا استشهد مجاهدٌ خلفه من يحمل الراية ويهاجم الأعداء، وهذا وعد الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" (حديث صحيح)، فيحيي ما اندرس من الدين ويعيده صافياً نقياً.
وقال عليه الصلاة مبيناً أن الله يجعل في الأجيال من يقوم بالدين: "لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته" (رواه الإمام أحمد، هو حديث صحيح). وقوله (لا يزال) أي أن هناك توالي في العملية، وهناك شباب قادمون وأجيال ستأتي، غرس يغرسه الله عز وجل: "وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ" [محمد:38].
إحسان الظن بالله تعالى
فمن واجبات الإيمان وكمال التوحيد أن يحسن العبد المؤمن الظن بالله رب العالمين، أن الله ناصر هذا الدين ومعز أولياءه ومذل أعداءه، وحسن الظن بالله مبني على العلم بالله عز وجل ومعرفة أسمائه وصفاته العلى.
يقول الله تعالى في الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني". ( رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه)
وفي صحيح مسلم وغيره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، أنه سمع النبي ( صلى الله عليه وسلم) قبل موته بثلاثة أيام يقول: " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل ".
وقد ذم الله نفراً من المنافقين تخلفوا عن الجهاد في أُحد وقالوا لمن رزقه الله الشهادة من المؤمنين لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، كما ذم الله تعالى الذين دارت بهم الظنون حينما وقع ما وقع من الهزيمة فقال جل وعلا فيهم: ﴿... وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾[آل عمران:154].
وقد ذكر الله عز وجل أن المشركين والمنافقين هم أصحاب الظنون السيئة بالله عز وجل وبدينه ورسوله وأوليائه ، حيث يظنون بأن الله سبحانه لا ينصر رسوله والمؤمنين وأنهم سيقتلون وأن أمرهم سيضمحل ويزول وذلك لكراهيتهم للحق والإيمان ولكثرة ما يرون من الأعداء الذين يحاربون الإسلام والقرآن والرسول فيظنون بالله الظن السيئ ، قال تعالى عنهم: ﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ﴾[الفتح:6-7].
لقد قال بعض المنافقين حين رأوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذاهباً إلى عمرة الحديبية مع أصحابه رضوان الله عليهم: "أيظن محمد أنه سينجو من قريش، وإذا هادنته قريش فإن القبائل المحيطة به لن تتركه ثم من ورائهم قوى كسرى وقيصر". فقال سبحانه راداً على هذا الظن السيئ: ﴿ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ... ﴾[الفتح: 7].
وقد بين الله تعالى في سورة الفتح هذا المعنى الذي يعتلج في صدور المنافقين والمشركين فقال: ﴿ بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً. وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً﴾ [الفتح:12-13].
فمن ظن أن الله لا يعز جنده ولا ينصر أولياءه فقد ظن بالله ظن السوء، ومن ظن أن قوى البغي والعدوان العالمية اليوم لن تنهزم وتزول وأن سيطرة الكافرين ستستمر على المسلمين إلى الأبد فقد ظن بالله ظن السوء، ومن ظن أن التمسك بالدين وتنفيذ أحكامه تعصب وهوس لا معنى له، وأن ذلك يجلب عليهم المصائب والكوارث دون طائل، وأنه سيغضب أمريكا فقد ظن بالله ظن السوء، ومن ظن بأن العزة والنصر والظفر تنال من غير الله عز وجل فقد ظن بالله ظن السوء.

--------------------------------------------------
المشرف العام على الموقع الإلكتروني إسلام تايم
ورئيس مركز التفكير الإبداعي

شادي علي
13/01/2009, 08:26 PM
الاخ الفاضل ,,,,
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اعتقد لو ان الامة العربية تفهم هذا المقال جيداً ...
لما و صلنا الى ما وصلنا اليه الان...
ان ما يحدث للامة جمعاء في هذا الوقت العصيب هو و بلا شك
بعدنا عن الدين الاسلامي
تحياتي

قدار محمد
14/01/2009, 11:09 AM
الاخ الفاضل ,,,,
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اعتقد لو ان الامة العربية تفهم هذا المقال جيداً ...
لما و صلنا الى ما وصلنا اليه الان...
ان ما يحدث للامة جمعاء في هذا الوقت العصيب هو و بلا شك
بعدنا عن الدين الاسلامي
تحياتي



بارك الله فيك...لكن في مجتمعنا وجدنا الكثير هذه الايام من يشكك في المقاومة والمجاهدين ...فوجب علينا الآن اشاعة ثقافة الامل والتفاؤل....وهذا ما تفطنت اليه المقاومة ند اليوم الأول....
تحياتنا ودمتم سالمين