المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اشياء رخيصة -قصة



خالد السروجي
26/12/2006, 11:29 AM
أشياء رخيصة

- أوووه
عندما جاء زينوها وألبسوها أفضل ما تملك من الثياب ، تلك الثياب التى كانت لا تعدو فى نظر الرجل الغريب أكثر من خرق نظيفة ، ورغم ذلك لم تستطع رثاثة الثياب أن تنال من جمال جسدها الفائر ، ونعومة وجهها المثير . ولم يستطيع الرجل الغريب رغم اشمئزازه من البيت من فيه ، أن يمنع سيل لعابه عندما رأى جسدها ، وكأنه تكوين مرمرى نحته فنان عبقرى وفق مثال أعلى للأنوثة .
كانت أمها تنظر إلى الرجل الغريب بابتسامة متملقة ، بينما تلمع فى العيون فرحة جنونية ، وهى تتبادل مع " زوبة " الخاطبة نظرات ذات مغزى .
أما والدها الذى أنحنى ظهره تحت وطأة ستة أولاد ، فقد أعتدل ظهره وهو ينظر بفخر إلى الرجل الغريب ، وينقل نظره بينه وبين أبنته فى تأكيد على أتتساب على ذلك الجمال الباهر إليه .
وعندما غمز الرجل الغريب إلى " زوبة " الخاطبة بعينيه أرتفعت زغرودتها لتطرق آذان الجيران معلنة قدوم الخير ، ثم أشارت للعروس بالجلوس بجانب عريسها .
أنطلق والدها يحكى للرجل الغريب كيف كان يضن بجمال أبنته على شباب الحارة ، وكيف رفض باصرار أن يزوجها إلى إبراهيم، ذلك الشحات الموظف الذى يحبها ، والذى لم يكن يملك سوى مرتب حكومى حقير ، وسيدفن معه فى فقره جمال أبنته التى لم تخلق إلا للعز . وكانت العروس تستمع وهى شاردة مع خيالات سعيدة ، بينما رائحة كالبنزين تزكم أنفها .
- آآه
جاءوا بالمأذون فى اليوم التالى ، وعلقوا الأنوار على المنزل . وأشترى العريس للجميع ملابس جديدة ، ونفح " زوبة " الخاطبة رزمة أوراق مالية ، أهتزت لها أردافها الغليظة ، وشخلل معها الذهب الذى يملأ ذراعها .
جلس العريس فى الكوشة ولم تفارقه نظرة الاشمئزاز للجميع ، أما هى فقد كانت تعانى من رائحة البنزين التى سكنت أنفها ، رغم غرقها فى خيالات السعادة والثراء .
فى الصباح أستطاع العريس أن يستخرج لها بطاقة شخصية فى ساعات قليلة ، وفى المساء حمد الجميع ربهم لأنها قد تجاوزت السادسة عشر بشهر واحد . وعندما غادر المأذون المنزل ، امتدت يد العريس بلفافة تحتوى على عشرة آلاف جنيه ، أحتضنها الأب فى سعادة ، فلم يكن يتصور أن يتخلص من أحد الأفواه المفتوحة ، ويصبح ثرياُ فى نفس الوقت .
- أوووه
لم تصدق نفسها عندما رأت الشقة التى ستسكنها . بدأ لها البيت الذى نشأت فيه وكأنه لم يكن أكثر من زريبة للبهائم . اكتشفت أن هناك عالم أخر ملئ بالألوان والراحة والشبع . لم تسنح لها الفرصة لدخول المطبخ ، فقد كان الطعام يأتى بالتليفون ساخناً وشهياً . أفهمها أنه لا يريد لأى شئ أن يشغلها عنه ، ورغم أنها كانت تشعر بتعاليه وغطرسته ، ألا إنه كان يتحول فى غرفة النوم إلى عاشق عندما يستذله جمالها .
- آآآه
عندما دخلت عليهم استقبلوها فرحين ، وسألوا عن زوجها . قالت أنه سافر لقضاء بعض المصالح وسيعود سريعاً ، وأنها قررت الإقامة لديهم لحين مجيئه وبعد عدة أيام عم الفرح أهل البيت ، بعد أن أكد الطبيب ثبوت الحمل .. وتنافس الجميع من أجل راحتها ، حتى يجئ بسلام ولى العهد والوريث الشرعى .. وعندما أقترب موعد الولادة ، تساءل الجميع : لماذا لم يجئ ؟
- أوووه
بعد الولادة كان المال كله قد نفد ، والصبر أيضاً .. لقد أحكم الفقر قبضته مرة أخرى بعد اليسر . طال الانتظار ، وأصبحت أمها تطارد ساعى البريد يومياً فى انتظار محموم لرسالة من الأب الغائب .
أفهمها أبوها أنه لم يعد قادراً على إطعام كل هذه الأفواه ، وأن عليها أن تعمل لتنفق على نفسها وعلى أبنها أيضاً ، وأنه ليس لديه القدرة ولا الاستعداد لتحمل هموم جديدة ، بينما ظلت هى ساهمة تفكر فى أى شئ تعمل وهى لا تحمل شهادة ولا تجيد مهنة .
-آآ آآه
شعرت بالارتياح وذلك الجسد الثقيل ينزاح من فوقها ، وعندما امتدت يده إليها بالنقود ، اكتشفت أن لهم جميعاً وجه واحد .

عبلة محمد زقزوق
26/12/2006, 12:55 PM
قصة مؤلمة لواقع أكثر منها إلاما
ولكن من اين اتت رائحة البنزين تلك ؟ ولماذا كانت بالنص ؟
شكرا لجميل السرد الممتع منك اخي الفاضل / خالد السروجي

علاء الدين حسو
27/12/2006, 08:11 PM
اخت عبلة، اظن البنزين دلالة على مصدر الثراء وما الاشمئزاز من الرائحة الا دلالة على الشعور بالغربة والرفض المبطن وسط الاغراءات.. حياك الله خالد... مع تحياتي علاء

ايمان حمد
03/01/2007, 06:54 PM
الأديب الفاضل / خالد السروجى

قصة جميلة هادفة اصابت كبد الحقيقة
مأساه والله يا اخى ما يحدث لأهلنا الطيبين من الفقراء الذين قصمت الحياة ظهورهم
فأضطروا الى بيع بناتهم فى سوق النخاسة !

تجنوا عليهم من اجل دراهم معدودات - وفرح مؤقت لن يدوم وبلا تفكير فى الالم المقيم الذى سيحل ببناتهم المغصوبين على الزواج من الأثرياء العرب ( بيفطروا بترول ومنها كانت رائخة البنزين - قفشة تهكمية وساخرة - هههه )

انها مأساااااه .. وكل منها تنتهى تماما كما وصفتها :

اما بقتل البنت الفقيرة للزوج الذى تكره ان تنظر فى وجهه او الذى يشعرها بالاهانه وانه اشتراها بلا كرامه او تنتهى تماما مثل البطلة هنا

واقول انا لن العن زوبة المجرمة الدلاله - فالحاجة ام الاختراع والقانون لا يحمى المغفلين
وهذه نتيجة الطمع واللا انسانية من الاب الجاهل الذى يهمه المال فقط ولا يدرى او يعى حجم الدمار الذى يزج فيه بنته

اين جمعيات حقوق الانسان من حفظ اعراض البنات اللائى يدفع بهن اباءهن الى الرذيلة او السجن او اللا آدمية ؟ من يحاسبهم ؟ وهل مجتمعنا فعلا اسلامى ؟
ان الاسلام كفل للمرأة حقوقها منذ يوم ولادتها الى مماتها .. ونحن فعلا اصبحنا نكتة - نتشدق بكوننا مسلمين ولا نعى ولا نطبق الدين ولا نقيمه - بل نحن سبب المصائب كلها !

استاذ خالد : قصتك تحتاج دراسة او ندوه نناقش فيها هذه المسائل علنا نكون بهذا فهمنا معنى الادب الهادف ووصلنا بنقاشاتنا الى حلول وتوصيات تلفت نظر من يهمه الامر

احترامى استاذى

عبلة محمد زقزوق
03/01/2007, 10:57 PM
فعلا رمزية يستحق عليها الكاتب القاص الفنان / خالد السروجي التحية
شكرا لكما إخواني في الله أ. علاء الدين حسو وأ. إيمان الحسيني
كما اؤيد اقتراح أختنا إيمان أن فكرة القصة وموضوعها يستحقان منا دراسة أو ندوة .
تقديري وإحترامي

خالد السروجي
05/01/2007, 01:02 AM
الاصدقاء :
عبلة محمد زقزوق
علاء الدين حسو
ايمان الحسيني

شكرا لهذه الاطلالة , وللحوار حول النص ودلالاته
والحقيقة ان القصة تعبر عن واقع مؤلم , لايخص مصر وحدها وانما الطبقات الفقيرة في كل الوطن العربي..انها النخاسة الجديدة . والنخاسة تتخذ مظاهر عديدة بأختلاف الازمنة والبلاد ولكنها توجد دائما ولاننسي تجارة الرقيق الابيض في بنات اوروبا الشرقية بعد سقوط الشيوعية ووقوع شعوب كثيرة تحت وطأة الفقر والجوع
شكرا لكم جميعا
خالد