المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إعادة نظر



محمد حسام الدين دويدري
15/01/2009, 01:11 PM
إعادة نظر

محمد حسام الدين دويدري

كأنّ الزمان غريب عن هذا الزمان، شعاراتٌ برّاقة بلا ظلال؛ فوق الرؤوس ما تزال، خفاقة منذ زمن، قوانين دُوَليّة ومجالس وهيئات ومنظّمات، وجمعيات متخصصة في شؤون حقوق الإنسان ورعاية الطفولة...، ومع كل هذه اليافطات العريضة المزركشة ما تزال تصفعنا الصور الهمجية بقسوة. فهل تصدّقون أننا في القرن الحادي والعشرين الذي يتشدّق الفاعلون في رسم ملامحه بادّعاءات الحضارة والتحضّر والرفاهية...؟!. بلى... نحن في قرن التحضّر المتفاخر بعريه من كلّ ادّعاءات التوازن والعدالة والقيم؛ وهاكم المثال: مع استمرار منع قوات الاحتلال للطواقم الطبية الإسعافية من الوصول إلى ضحايا القصف الهمجي للمناطق السكانية في غزة الصامدة تَمَكَّن أحد تلك الطواقم من الوصول إلى منزل مُهَدَّم ليجد مجموعة من الأطفال المُنهَكين فوق جثة أمهم الشهيدة؛ وقد مضى عليهم أيام وهم على ماهم فيه من قهر وخوف وجوع. ونقلت وكالات الأنباء عن شهود عيان أنَّ جنود العدو يقومون باقتياد المدنيين في أطراف غزّة إلى معسكرات مكبلين معصوبي الأعين بادعاء أنهم مقاومون، ثم يقومون بإطلاق النار عليهم، كما أقدمت وحدة من الجنود على جمع مازاد على مئة من أهالي حي السلاطينً في أحد المنازل ثم قامت بقصف المنزل على رؤوسهم...، وفوق كل ذلك تابعت القوات الصهيونية قصف الأحياء السكنية براً وبحراً وجواً مستخدمة قنابل الفوسفور الأبيض المحرّمة دولياً دزن اكتراث بكل القيم والقوانين التي لم تمنعها من قصف المساجد والمدارس والجامعات والمستشفيات وسيارات الإسعاف بل وحتى القبور؛ مستفيدة من الصمت الرسمي الدولي والتمزق والعجز الرسمي العربي الذي بات مثار استغراب واستهجان الشارع العربي من المحيط إلى الخليج.
لقد وجد المواطن العربي نفسه أمام جملة من الحقائق التي فرضت نفسها بقوّة على أرض الواقع لتضع تفسيرات منطقيةً لما يحدث في بعض مواقع صنع القرار العربي والدُوَلي. ولا شكّ في أنّ المواطن العربي قد صدمته تلك المواقف المخزية التي اتخذتها بعض السياسات السائرة في ركب الاستسلام؛ ابتداءً بامتناع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية عن التعاون مع الحقوقيين الفلسطينيين الساعين لمقاضاة قادة الكيان الصهيوني المجرم؛ وكذلك اعتراض ممثل السلطة الفلسطينية على اقتراح سوريا أمام منظمة دول عدم الانحياز بطلب تعليق عضوية دولة الكيان الصهيوني في هيئة الأمم المتحدة، وانتهاءً بالضغوط المستمرة على الفصائل الفلسطينية المجاهدة لقبول المبادرة المصرية على علاتها كما يريدها الصهاينة، وكذلك السعي إلى إعاقة عقد القمة العربية الطارئة ورفض قطع العلاقات مع الكيان المصطنع الغاصب. وفي إطار تلك الحقائق والصدمات راح العقل العربي يبحث وسط التساؤلات المُرّة عن الخلاص متفحصاً حقيقة تلك الكيانات والتحالفات والتشريعات التي ثبت زيفها وفشلها في صياغة منهج واقعي يحقق الشعارات المطروحة. فمجلس الأمن "اللاديمقراطي" غدا بما صمم للأقوياء فيه من "فيتو" سيفاً مشرعاً على رقاب الشعوب ضارباً باسم الشرعية الدولية العمياء المزعومة ومناصراً لزمر الأقوياء والمدلّلين الذين ما انفكوا يرون أنفسهم فوق القانون؛ وهيئة الأمم قاصرة عن إنصاف المنخرطين تحت عباءتها المهترئة، ومجالس حقوق الإنسان كثيراً ما تعصف في أروقتها السياسات العالمية فلا تطال الأقوياء، ومنظمة المؤتمر الإسلامي لم تزل كيانا هزيلاً قاصراً على العواطف والمواقف الشفهية، والجامعة العربية تحولت إلى منتدىً يلتقي فيه القادة العرب لقاءً مثخناً بالشكوك والاتهامات في أجتماع صوريٍ غير قادر على القرار الملزم بدعوى المصلحة والسيادة القطرية...
وفي ظلّ هذا الواقع المؤلم تبرز الحاجة بقوة إلى تحالف استراتيجي بين دول العالم الإسلامي يمد جسور التآزر بصرف النظر عن كل ما يفرق من نظرات مذهبية أو طائفية تجمعهم كلمة واحدة هي "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ؛ عسى أن تفتح باب الأمل نحو مخرج من حالة الضعف المزمن الذي ألمّ بالعالم الإسلامي . وإن كان المجتمع الدولي قد رأى في نهايات الشطر الأول من القرن الماضي حاجة مُلِحّة إلى إعادة النظر في تركيبة "عصبة الأمم" التي لم تتمكن من تحقيق الأهداف والشعارات المطروحة؛ فأعاد الصياغة في الشكل الحالي للمنظمة الدُوَلية؛ فقد آن الأوان كي يعاد النظر أيضاً في التركيبة الحالية غير المتوازنة للمنظومة الدُوَلية كي تصبح أكثر قدرة على تحقيق العدالة بين الشعوب الساعية نحو العيش بسلام ونكامل حقيقي لا يزيفه الأقوياء...*‏الثلاثاء‏، 13‏ كانون الثاني‏، 2009