مـفـتـي تـحـت الـطـلـب

[حسين مصطفى مقصوص]

مـفـتـي تـحـت الـطـلـب...بقلم : جو غانم



إنْ أردنـا الـتـعـاطـي مـع رجـال الـديـن مـن نفس الـنـبـع الـذي يـأخذون منه الحكمة و الـعـلـم و المعرفة و ينهلون مـنـه قـوانـيـن حياتـهـم كـي يـفـوزوا في اّخـرتـهـم فـلا شـكّ أنّ كـل رجـال الـديـن المسلمين يـحـفـظـون الاّيـة الكريمة الـتـي تـقـول : ( أتـأمـرون الـنـاس بالـبـرّ وتـنـسـون أنـفـسـكـم و أنـتـم تـتـلـون الـكـتـاب أفـلا تـعـقـلـون ) البقرة 44...و لا شـكّ أيـضـاً أن كـلّ رجـال الدين المسيحيين يـحـفـظـون قـول الـسـيـد المسيح : ( الـويـل لـكـم يـا مـعـلـّـمـي الشريعة , و الـفـريـسـيـّـون الـمـراؤون , تــُـغلقون مـلـكـوت السماء في وجـوه الـنـاس , فـلا أنـتـم دخـلـتـم , و لا تـركـتـم الـداخـلـيـن يـدخـلـون ) .




حـين بـدأت الـهـجـمـة الـبـربـريــّـة الصهيونية الأخيرة على أهلنا في غـزّة , تـذكـّرت البيانات العسكرية الـتـي كـان يـطـلـقـهـا السيد محمد علي الجوزو مـفـتـي جبل لبنان كـل يـوم مـن على مـنـبـر تـلـفـزيـون المستقبل يــُـحـرّض فيها على المقاومة باعتبارها فصيل طـائـفـي لـيـس أكـثـر , و أنها تعطي الـعـدو الـحـجـّة لـتـدمـيـر الـبـلـد , لأنها تـريـد السيطرة على هـذا البلد , و تـذكـّـرت خـطـابـاتـه أيـام مـعـارك نـهـر الـبـارد و فـي أيـار حـيـن دافعـت المقاومة عـن نفسها عـنـدمـا أراد البعض طعنها في الصدر بـعـد أن طعنوها في الظهر , و تـذكـرت ظهورات المفتي قـبـانـي على نفس الشاشة كـلّ يـوم و إمـامـتـه للصلاة في مـحـراب السنيورة بـاعـتـبـاره الـمـقـاوم الأوّل وحـامي حـمـى الـديـن و الـوطـن . تـذكـّـرت كل التصريحات و التلميحات , بـأنّ لا عـدو لكم أيها الناس , سـوى هـذه المقاومة , و الـحـجـّـة , طـائـفـيـّـة جـاهـزة , و يمكن التعويل عليها لـدى ضـعـاف الـنـفـوس و لـدى تـجـار الـديـن و الأوطـان .


و أعـترف الاّن أني كـنـت مـتـفـائلاً , بـأن العدو أعـطـانا الفرصة للـتوحـّد من جـديـد و لـرؤيـة وجـهـه الـقـبـيـح بشكل لا لـبـس فيه عند هؤلاء , لـنـعـود إلـى خـطــّـنـا الأساسي و الصحيح صـفــّـاً واحـداً , لـكـن هـيـهـات هـيـهـات . فـقـد قـالـهـا الـقـراّن لـلـذيـن لا يعـقـلون كـمـا قالها المسيح لـمـن لـهم الـويـل .


لم أسـمـع أيّ بـيـان إفـتـائـيّ عسكري لـلـجـوزو حـتـى هـذه اللحظة , فـهـو غـائـب عـن السمع بـاعـتـبـار أن حـفـلـة الـدم هـذه تـجـري لـمــسلـمـيـن ( سـنــّـة ) في غـزّة , و لا يـمـكـن عـزف أيّ لـحـن طـائـفـي , و الـجـوزو لا يـجـيـد سـوى هـذا الـنـوع مـن الأغـانـي ...لـكـن و الـحـقّ يــُـقـال , رأيـت الـمـفـتـى قـبـّـانـي قـبـل يـومـيـن يـهـلـّـل للنصر الرسمي العربي في مجلس الأمـن بـاقـتـنـاص ذاك الـقـرار الـذي لـم تـكـلــّـف اسرائيل نفسها قـراءة بـنـوده . و يـشـكـر الـمـقـاومـيـن العرب في مبنى الأمم المتحدة لأنهم أتـوا بـأسـبـاب الـنـصـر . وصـحـيـح أنّ سماحة المفتي بـدا مـتـلعثماً و هـو يـلـقـي بـيانـه الصحفي , لـكـنـي لـم أكـن أتـخـيـّـل أبـداً أن يصل الأمـر بـه لـرفض مـقـابـلـة وفـد حـمـاس الـذي طـلـب الـلـقـاء مـعـه .


حـيـن صـافـح شـيـخ الأزهـر, شمعون بيريز , قـال أنـه لـم يـعـرفـه , وأردت يومها أن أصـدّق , لـكـنـي لـم أسـتـطـع و لـن أستطيع , كـمـا أنــّـي لـن أستطيع الاّن أن أصـدّق أنّ المفتي قـبــّانـي مـشـغـول بـأحـوال الأمـة و لا يستطيع استقبال وفـد يــُـمـثـل تـلـك المقاومة الصامدة في غـزّة , و أولئك الأهـل الـذي يـُـذبـحـون هـنـاك و تـجـري بـحـقـّـهـم مـجـازر لم تعرف البشرية لها مثيلاً .


يـبـدو الأمـر واضـحـاً تمـامـاً , و يـبـدو أنّ بـعـض رجال الـديـن مـا عـــادوا يـأخـذوا عليماتهم من الكتب السماوية , بـل مـن كـتـب السلطان الـذي بـيـده مـفـاتـيـح دار الإفتاء لا مـفـاتـيـح الـجـنــّـة , لـكـنّ الـعـزاء أن وفـد حـمـاس يستطيع دخول كـلّ بيت في بيروت و سـيـكـون بـيـتـاً لـهـم , و أهـلـه عـونـاً لأهلهم في غـزّة , و سـيـلاقيهم الشيخ فتحي يـكـن و الشيخ مـاهـر حـمـّود و معظم مشايخ و علماء السـنـّـة الأجلاّء في لبنان و كـل الأحرار الـذيـن لا زال باستطاعتهم رؤيـة خـيـط الـحـقّ الأبيض و تـمـيـيـزه عـن خـيـط الباطل الأسود . و قـد سـمـعـنـا وزيـر خـارجـيـّـة فـنـزويـلا قبل يومين يقول بـأنّـهـم في فنزويلا حين سيلـتـقـون أحـداً من حماس , سـيـأخـذونه بالأحصان وسيسـتـقـبلونه كـأخ ٍ و مقاوم و مـنـاضل , وصـاحـب حـقّ .


أمـّا سماحة المفتي , فــسـأصـدّقـه إن اتـبـع حـجـّـة شيـخ الأزهر نفسها و قال لـوفـد حـمـاس بـأنـه لـم يـعـرفـهـم , و سـأصدّقـه بشكل نهائي الاّن إن قال لـهـم الحقيقة بـوضـوح كـمـا قـالها ذاك الـمـِـروزي الـذي أنـكـر صاحبه كـي لا يـكـرمـه و كـي لا يقوم بـواجـبـه إذ نـزع الصاحب عمامته عـن رأسه كـي يـبـدو وجـهـه واضـحـاً أكـثـر , فـقـال المروزي :( حـتـى لـو خـرجـت مـن جـلـدك لـن أعـرفــك ) .

شام برس