المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أجواء اليوم العشرين للمحرقة..(استدعاء الذاكرة)



أمين الوائلي
17/01/2009, 03:36 AM
أجواء اليوم العشرين للمحرقة..(استدعاء الذاكرة)



"خبزةً واحدة، وصحن واحد، وشربة واحدة.. وين بدنا نروح يعني"؟
كانت السيدة الغزاوية تحدث مراسل "المنار" وإلى جوارها ثلاث أسر من أطفال ونساء وكبار السن من الرجال.. جميعهم تحلقوا حول مائدة واحدة يتقاسمون ما تيسر من الطعام على مائدة الغذاء.. تحت القصف المدفعي والصاروخي الكثيف الذي يتواصل في مدينة غزة.. الصامدة.
وفي الخارج.. وعلى مقربة من المنزل الصغير الذي تجمعت بداخله ثلاث أسر غزاوية.. كان المقر الرئيسي للأونروا يتعرض للقصف المركز من قبل طائرات الأباتشي الصهيونية، والتي ألقت ثلاث قنابل فسفورية ألحقت الدمار بالمقر الرئيسي للمنظمة الدولية الوحيدة التي تعمل داخل القطاع المنكوب والمحروق، وتصيب ثلاثة من موظفيها، وتشتعل النيران الهائلة في مستودعات الأونروا، وبالتالي فإن مخزون القمح الوحيد، على قلته وندرته، والذي تعمل الأونروا على توزيعه للأسر بكميات متواضعة تبقيهم على مشارف الحياة المهددة بالموت جوعاً وقصفاً وتدميراً.. يكون قد تعرض للإتلاف والقصف المباشر..
في الجهة الأخرى.. وتحديداً في القدس المحتلة كان "بان كي مون" أمين عام الأمم المتحدة يعقد مؤتمراً صحفياً مع وزيرة خارجية إسرائيل ويتوسل إليها بأن تضمن سلامة الأونروا وطواقمها، قائلاً: بأن "فرصة جيدة" لوقف إطلاق النار باتت متاحة الآن إذا سمحت الإدارة الإسرائيلية، لترد ليفني بأن "إسرائيل تراعي كافة المتطلبات القانونية والإنسانية في غزة وتقاسم الأمين العام قلقه حيال المدنيين" مضيفة بأن إسرائيل" تدافع عن نفسها: ضد الإرهاب الذي أدانه المجتمع الدولي"؟
وأبعد من هذا أعادت القول بأن إسرائيل لا تخدم نفسها فقط، بل إنها تزيل عقبات حقيقية أمام السلطة الفلسطينية وعدد من الدول الشريكة في السعي إلى السلام في المنطقة!!؟
وفي الوقت نفسه.. وفي منطقة تل الهوى كانت الطائرات الإسرائيلية تدمر عشرات المنازل وتقصف برجاً يستخدمه عدد كبير من الصحفيين في غزة، وتصيب بعضهم، وعشرات الأسر الغزاوية تفر من المنازل بحثاً عن أمن يفر منهم تحت وابل النيران والقصف الوحشي المتواصل منذ سبعة عشر ساعة على المنطقة بصورة مركزة في الجولة العدوانية الأخيرة لا غير..
وصوت سيدة على قناة الجزيرة وعبر الهاتف من غزة.. من تل الهوى ومن منزلها المحاصر تصرخ بحرقة وقهر: إنهم يقصفوننا ويقتلوننا بوحشية.. وما أحد من القادة العرب يعمل شيء ولا يحرك ساكن، في أطفال صغار هون أنا شفتهم مقطعين ونساء حوامل مقتولين.. وتستدرك: نحن لا نراهن على القادة العرب اللي خذلونا وخلوا اليهود يذبحوا فينا ليلاً ونهارا.. ما معنا غير الله.. ورحمته!!!
وفي قلب حي الزيتون كانت الطائرات الحربية الصهيونية الـ إف 16، والأباتشي تمطر المنازل والسكان المدنيين موتاً فسفورياً برائحة الدخان الأبيض.. وقلب مدينة غزة يستقبل المزيد من الطعنات النارية القادمة من الجو والبر والبحر.. ومخيمات "بيت لاهيا" و" البريج" و "دير البلح" و"جباليا" و"بيت حانون" شمال ووسط وشرق وجنوب وغرب قطاع غزة جميعها تتعرض للقصف الصاروخي والمدفعي من الدبابات والطائرات والزوارق البحرية الحربية الإسرائيلية، والأخبار تتحدث عن تصاعد أعداد الضحايا، وصل عدد الشهداء إلى مشارف المائة بعد الألف، والعشرات من الضحايا والشهداء لا يزالون تحت الأنقاض، بينما ستة آلاف جريح.. عدد قابل للتزايد ومفتوح على التضاعف، ولا تزال ليفني وبان كي مون في المؤتمر الصحفي، وهي تؤكد "نحن نراعي حياة وسلامة المدنيين ونحارب من أجلهم"!!
في هذه الأثناء.. الطائرات الإسرائيلية تقصف مقر الهلال الأحمر الفلسطيني بمن فيه، وتدمر مستشفى القدس التابع له وبداخله أكثر من (500) شخص بين جريح ومرضى وطواقم طبية..
وفي هذه الأثناء القوات الصهيونية تحاصر أكثر من خمسمائة فلسطيني من المدنيين والأطفال والنساء في أحد الطوابق وتستخدمهم دروعاً بشرية في مواجهة المقاومة وقنص كل ما يتحرك على الأرض انطلاقاً من الطابق الثاني في المبنى السكني -البرج- الذي قُصفت الطوابق العليا منه للتو..
وفي هذه الأثناء - كما هو الحال دائماً- الأنظمة العربية تفشل في الاتفاق على انعقاد قمة طارئة في الدوحة.. ووزير عربي يتحدث بحماس وغبطة حول ما أسماه سعادته "فرصاً حقيقية للسلام العادل في المنطقة"..
ليظهر أمير قطر على شاشة الجزيرة في تسجيل من ليلة سابقة، ويقول بحرقة وتأسف: "حسبي الله ونعم الوكيل.. كلما اكتمل النصاب عاد إلى التناقص"!!
وفي الشريط الإخباري يمر الخبر اللافت "والمهم": "أبو مازن: بوادر إيجابية جداً للوصول إلى تهدئة ووقف متبادل لإطلاق النار"!!
وفي الشريط نفسه وعقب هذا الخبر المكتوب مباشرة يرد خبر آخر و"مهم" أيضاً" باراك: العمليات العسكرية ستتواصل وإسرائيل ماضية في الحرب على الإرهاب"!!
إلى ذلك لا يزال القادة العرب ينددون.. ويحشدون "المجتمع الدولي" للتنديد بإسرائيل وعدوانها، ولا يزال الضحايا يتساقطون.. والمبادرة المصرية تتقدم.. ولكن إلى أين؟.
فيما بوليفيا وفنزويلا تطردان السفيرين الإسرائيليين وتقرران قطع العلاقات الدبلوماسية معها (..) وتنديدات أخرى تتوالى من قيادات عربية أخرى تمارس حقها في التنديد للمرة الألف (!!)
وإلى هذا " الجامعة العربية" ترفض مجدداً العدوان على غزة، والدعوة مفتوحة للجمهور العربي ليفرح ويصفق ويهتف بهذه المواقف البطولية!!
والجامعة العربية تقول -مجدداً- إن السلام العادل والشامل خيار عربي ومبدأي (!!) ولا أذكر منْ مِن المتحدثين كان ساعتها على شاشة تلفزيون "الجديد" يتحدث عن "مزبلة التاريخ"!!