المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حَظْر الأحزاب الدينية!



جواد البشيتي
27/12/2006, 12:57 PM
حَظْر الأحزاب الدينية!

جواد البشيتي

ليس في مصر (ولا في سائر الدول العربية) من حياة سياسية حزبية إلا ما يؤكِّد سيادة "الموات السياسي الحزبي". وليس فيها من "التداول السلمي الديمقراطي الدستوري للسلطة" إلا ما يؤكِّد أنَّ "الحلال" في الاقتصاد، وهو التداول.. التداول الحر للنقود، "حرام" في السياسة إذا كان تداولا للسلطة. الحزب الحاكم في مصر يدعى "الحزب الوطني الديمقراطي"، فلو أمعنا النظر فيه، وفي عمله ومهماته، لتعذَّر علينا العثور فيه على المعنى العالمي الديمقراطي لـ "الحزب" و"الحزبية السياسية"، ففئة ضئيلة من أعضائه هم الذين يقودون ويقرِّرون، يحكمون ويتحكمون. وهم لم يملكوا السلطة الحزبية إلا لكونهم من ذوي النفوذ والسلطة والتأثير في خارج "الحزب"، وقبل أن يجيئوا إليه.

هذا "الحزب"، وفي معناه هذا، ليس من قوة سياسية في مصر في مقدورها تحدِّي سلطته ونفوذه غير جماعة الإخوان المسلمين، التي لا يمكنني فهم نفوذها الكبير والمتَّسِع في الحياة السياسية (والثقافية والاجتماعية) المصرية إلا على أنه الثمرة المرة لـ "جَدْب الحياة الديمقراطية" في مصر، فمِنَ "الموات السياسي الحزبي والديمقراطي" تَسْتَمِدُّ الجماعات السياسية ـ الدينية، أي الجماعات التي تمعن في تسييس الدين، حياةً وقوةً.

الآن، شرع الحزب الحاكم يُعِدُّ العدَّة للانتخابات الرئاسية المقبلة (سنة 2011). والمهمة الكبرى التي يتوفَّر على إنجازها هي إخراج وطرد جماعة الإخوان المسلمين من الحياة السياسية الدستورية، أي أنَّ هذه الجماعة يجب أن تغدو في عجز دستوري عن دخول المعترَك الانتخابي البرلماني والرئاسي. وأحسب أنَّ العام المقبل سيَدْخَل التاريخ السياسي المصري بصفة كونه "عام الإصلاحات الدستورية" التي تُعْجِز دستوريا جماعة الإخوان المسلمين عن تحدِّي مرشَّحي الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية، وانتخابات الرئاسة.

إلى المادة 40 من الدستور المصري ستُضاف فقرة ثالثة، يُحْظَر بموجبها كل "حزب سياسي ـ ديني"، أي كل حزب يتَّخِذ الدين فكراً وعملاً سياسيين، أي جماعة الإخوان المسلمين. وحتى يصبح ممكنا منع تلك الجماعة من "تهريب" نفوذها السياسي إلى "مجلس الشعب" عَبْر "مرشَّحين مستقلين"، ينوي الحزب الحاكم تعديل النظام الانتخابي بما يسمح بإجراء الانتخابات البرلمانية وِفْق نظام القائمة النسبية فحسب، أو في المقام الأول، فلا يترشَّح، بالتالي، إلا أعضاء الأحزاب. "الجماعة" لن تصبح حزبا؛ لأنها غير مستوفية لشرط "الحزبية اللا دينية"، وليس في مقدورها استيفاءه. ولن يُسمح لها بامتطاء حصان "المرشَّحين المستقلين"؛ لأنَّ الأخذ بنظام القائمة النسبية يمنعها من ذلك. إنَّها تعديلات دستورية نرى فيها الآن النتائج النهائية للانتخابات المقبلة من برلمانية ورئاسية!

إنني أقفُ مع الحظر الدستوري لـ "الحزب السياسي ـ الديني"، على أن يأتي هذا الحظر عَبْر استفتاء شعبي حر وديمقراطي، يدلي عبره الشعب، أي من يحق لهم الاقتراع من الشعب، برأيه في "دستور جديد". وأقف معه إذا كان جزءا من "العَلْمنة الشاملة"، فما معنى أن نفصل بين "الحزب السياسي" و"الدين" من غير أن نفصل، في الوقت نفسه، بين "الدولة" و"الدين"؟!

إنَّ "المشرِّع" في مصر (وفي سائر البلاد العربية) لا يحق له أن يدعو جماعة الإخوان المسلمين إلى الأخذ بـ "الحزبية اللا دينية" إذا لم يَدْعُ، في الوقت عينه، إلى الأخذ بـ "الدولة اللا دينية"، فالاستخدام السياسي للدين يجب أن يُحْظَر على مستوى الأحزاب وعلى مستوى الدولة، التي تَفْهَم "العلمانية" على أنَّها تحرير ترفضه للدين من قبضة الدولة، فالدولة عندنا يحق لها ما لا يحق للأحزاب، وكأن الاستخدام السياسي للدين هو حق لها وحدها!

وعلى الدولة عندنا، قبل أن تدعو، وحتى يحق لها أن تدعو، إلى حظر كل حزب سياسي يقوم على الدين أن تجيب عن السؤال الآتي: هل "السياسة" بُعدٌ من أبعاد الدين الإسلامي؟ إذا أجابت قائلةً، إنَّ للدين الإسلامي وجهة نظر حتى في الشأن السياسي على رحبه واتساعه فلا يحق لها، عندئذٍ، أن تدعو إلى حظر "الحزب السياسي ـ الديني"، فالدعوة تغدو مروقا من الدين!

أمَّا الكيل بمكيالين في أمر العلاقة بين الدين والسياسة فهو رجس من عمل الشيطان السياسي الداخلي (والخارجي). لقد حان للدولة عندنا حسم الأمر، فلا يحق لها أن تُزوِّج السياسة بالدين عندما تقضي مصلحتها بهذا الزواج، وأن تُطلِّقها منه عندما تقضي مصلحتها بهذا الطلاق.. فقليلاً من النفاق!