المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حول شعر العامية



أحمد عبد الجواد
22/01/2009, 03:32 PM
يعد شعر العامية واحد من أجلّ الفنون وأكثرها انتشارًا بين الأوساط الأدبية بداية من تطوره من فن الموشحات حتى وصوله إلى تلك المرتبة العالية التي يتمتع بها اليوم مما يدعونا للتوقف أمام هذا الفن المعبر عن الصدى الشعبي لمحاولة سبر أغواره واستكشاف المتعة فيه . إن أول ما نلحظه في شعر العامية هو التطور المتلاحق الأنفاس ، منذ نشوء الموشحات الأندلسية وفن الزجل عن طريق الشعراء الجوالين في الأندلس وهم طائفة من الشعراء كانوا يطوفون على الملوك والأمراء يستجدون منهم بترديد الأبيات الشعرية التي يحفظونها وأغلب الظن أن شعر العامية تطور من هذه الطائفة لانتشارها واختلاطها بالعامة مما بهرهم بالموشحات وبالنظام النسقي واللحني الخاص بها وبتكوينها السهل والمميز في الوقت ذاته من أغصان وأسماط وأوزان اختلفت عن شعر العرب لاختلاف البيئة والثقافة مما أدى لاختلاف الرؤية الشعرية ومحاولة وضعها في نمط مختلف يستسيغه الناس فبدأ العامة يتمثلوا الموشحات لكن بلغة عامية وإن كانت تقترب من الفصحى في باديء الأمر لعدم وجود هوة بين الفصحى والعامية في ذلك الوقت ومع انتشار العامية مع الوقت بدأت تأخذ شكل المربعات أو فن الواو ومن أقدم ما وصل إلينا في هذا الفن هو مربعات ابن عروس تلك الشخصية التي تحدث عنها الكثير ما بين الحقيقة باعتباره شخصية عاشت بين الناس ورددوا شعره وبين من اعتبره شخصية أسطورية من نسج الخيال الشعبي لمن يريد أن يعبر عن نفسه دون توريطه في محاجة أدبية أو نزاع مع سلطان أو ملك وهي تيمة شعبية قديمة معروفة منذ الأزل سواء عند بيدبا الفيلسوف الذي ألف للملك كليلة ودمنة وأعطاه ما يريد قوله على لسان الحيوانات ومثل مبدأ التقية عند الشيعة المهم أن ابن عروس له العديد من المربعات المتشابهة في البناء والشكل الحكمي مما يدعونا إلى القول أن الرجل شخصية حقيقية لها تأثيرها المهم في شعر العامية المصرية ومن مربعاته :
ولابد من يـوم معلـوم
تترد فيـه المظـالم
أبيض على كل مظلـوم
واسـود على كل ظـالم

مسكين من يطبخ الفـاس
ويريد المـرق من حـديده
مسكين من يعاشر النـاس
ويـريـد من لا يـريـده

وقد ظل ذلك الشكل الحكمي هو المسيطر على العامية حتى بدأ الشكل الثوري أو الكتابة المتلاحقة الأنفاس أو السرد المتدافع كلها أنماط شعرية عملت على إشعال الثورة في النفوس وتنامت مع ظهور عبد الله النديم ذلك الشاعر المتخفي الهارب دائمًا من مكان لآخر والمحرك الروحي للثورة العرابية مع أنه كتب بالفصحى إلا أن شعره اقترب من كل طبقات المجتمع لعله كان يكتب لغة وسطية المهم أنه ألهم الشعراء الحماسة وأخذ الراية من بعده بيرم التونسي الذي يتميز بالنقد البناء و الساخر في ذات الوقت ولكن لم يلتفت في محاولاته التأريخية للمجتمع إلى جماليات القصيدة الممتعة فلم يهتم بتنميق الصورة والبحث عن تجديدها وإعطائها الشكل الجمالي المطلوب لجذب الناس إلى الذائقة الشعرية ومدى الاستمتاع الذي يعتمل النفس عند التّماس مع الصورة المدهشة للعقل والممتعة للنفس ليؤدي الشعر دوره الكوني في تفاعله مع الإنسان ، وهذا ما حاول صلاح جاهين الوصول إليه من خلال رباعياته والتي لا يختلف على حكْميّتها أحد ولا على محاولته المستمرة للوصول بالصورة إلى غاية الكمال وأعتقد أن هذا هو مشروع صلاح الشعري وإن أخره حزنه وانكساره عن إتمامه فالمتابع لشعره مع بداية الثورة يجد فيه بساطة الواقع دون محاولة الدخول إلى أبعاد تأويلية ومع تطوره بدأ الدخول إلى تنظير الكون وكان مدخله هو الرباعيات والتي تسير على نسق واحد ومحدد مثل النسق الكوني وبداخلها محاولة للوصول إلى إجابات عن تساؤلات مطروحة مسبقًا أو محاولة طرح تساؤلات جديدة تتعلق بالحياة والموت :

في يوم صحيت شاعر براحة وصفا
الهم زال والحزن راح واختفى
خدنى العجب وسألت روحي سؤال
أنا مت؟؟ ولا وصلت للفلسفة؟؟
عجبي !!!!!
ولكن صلاح مع انكساره بعد تحطيم آماله في الثورة والانكسار للحلم العربي في التجمع والوحدة والوقوف صفًا واحدًا ضد أي مواجهة وصل إلى حالة من تشويش الرؤية لأن المغذي الرئيسي لأحلامه توقف وتعطل فتعطلت معه رؤيته ومشروعه، أما حداد فقد آثر العودة إلى الروح والتعامل مع الشعر من منطقة الحضرة الشريفة بدلاً من الألغاز والأحجيات التي كان يحاول من خلالها إعطاء الشعر شكلاً متميزًا ومفارقًا لشعر العامية لكن لم يصل للناس إلا الشعر البسيط المعبر عن أحوالهم ولعل الحضرة الشريفة لما فيها من حس صوفي عالي وصوت إيماني قوي وصلت إلى الناس بشكل أعمق لأنها تماست مع الشعور الإيماني المتغلغل في النفس البشرية فالنفس تجنح ناحية الروحي دائمًا وتتعامل معه من منظور شفاف لأنه يخرج بها إلى عالم بعيد وممتع في ذات الوقت، وهذا هو الشكل الجميل للقصيدة العامية والتي يجب أن يتنبه إليه شعراء العامية في هذا الوقت ، وأنا لا أهدم باقي الأشكال وإنما ألقي الضوء على شكل هام وغير منتشر الآن، فالقصيدة إذا تعاملت مع إدخال المتلقي في حالة وجدانية عالية سواء من الناحية الدينية بالتعامل مع المقدس المكمل للشخصية أو بالتجاوب مع الموروث الديني في تاريخه وشخصياته بدلاًًً من الموروث الغربي لكان هذا أدعى لاكتمال الشخصية العربية ومجادلتها لقيَّمها المتأصلة في النفس فيما مضى، أما الآن فقد أضحت هذه القيم في الكتب.
إذًا القصيدة العامية بما أنها من أفضل الطرق للتواصل بين الشاعر والناس على مختلف مستوياتهم وبين الناس وبعضهم لسهولة تلقي اللغة العامية دون معارف سابقة أو ثقافة لغوية معينة تعد المدخل الطبيعي لتوعية الناس وتفاعلهم مع القصيدة هو تفاعل مع الحياة فهمًا واستمتاعًا وهذا هو المعيار الثاني لشكل القصيدة العامية ، فالوعي بالحياة وما يتوجب علينا فعله اتجاهها للوصول إلى أفضل معيشة مستقرة ومتوازنة مع الكون هو هدف القصيدة دون الدخول إلى معترك التقييم الأخلاقي أو الخطابية بل التأثير الشفاف للشعر بما يفعله في النفس من تأثير قائم على التجلي الشعري لمخاطبة النفس كما قالوا قديمًا ثلاثة قادرون على تفكيك الكون وإعادة تركيبه بشكل مختلف " النبي والفيلسوف والشاعر" وأنا أعتقد أن تجربتي وجيل من الشعراء – ليس كلهم – يحاول التعامل من هذا المنطلق القائم على الجدال مع الموروث لفهمه ومحاولة تنميق القصيدة بأصدائه وقيمه وذلك بسبر أغوار الكون من منظور واعي ومفارق لمن سبقه لاختلاف التجربة خاصة سالم الشهباني في ديوانه شباك على السما ومحاولته تقديم رؤية جديدة للكون
" للكون جهات أربع
إنتي اتجاه خامس"
ولعل ذلك الاختلاف كائن حي يعيش بالشعراء ويتنفس شعرهم لأن منظومة الحياة إبان صلاح وحداد ومن سبقوهم من معايشة الاحتلال الفعلي والقمع والثورة اختلفت الآن من ظهور للعولمة والدنيا التي أصبحت قرية والأحداث المتلاحقة والتغيير في الذوق مما يحتاج رصد آخر ليس المجال له الآن المهم أن ذلك الكائن المختلف الذي يحيا بالشعر الآن من الواجب علينا أن نعطيه غذاءًا صحيًا حتى ينمو ويصبح كائن صحي ومهم وظاهر بدلاً من الكائنات الأخرى الناشرة للعدوى فهل من مؤكل .

مرسى حسن محمد
22/05/2009, 05:59 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

أحييكَ، سيدى، على هذه الإطلالة القيِّمة و على هذه الرحلة الشيِّقة التى أخذتَنا فيها من عالمٍ إلى آخر، نتتبَّع فى محطاتها ملامحَ نشأة الشعر العامىّ. أحييكَ، و لا أجد ما ينقص مقالكَ إلا تطعيمه بنماذج أكثر و لا سيما إذا كانت من شعركَ أنتَ كمثالٍ على ما وصل إليه الشعر العامىّ.

أتمنى أن تضيف إلى المقال بعض رباعياتكَ، إن كنتَ تكتبها - كما أظن أنا أنكَ تفعل لما أجده من شغفٍ لديكَ بهذا القالب و الذى بدى فى توقفكَ عند نماذج عمِّنا صلاح جاهين. و أنا مثلكَ أجد نفسى - و أنا أكتب الشعر الفصحى - و قد جذبتنى هذه العفوية المُجهِدة بما فيها من تخطيطٍ لا تعوزه الدقة، هذه العقوية التى تأخذكَ منذ أول كلمة تقرؤها لعمِّنا مبدع العامية المصرية و مؤسس الرباعية المصرية الحقيقى - عمٍّنا صلاح جاهين. و أنا أنوى - إن شاء الله - أن أكتب عن رباعياته فى ساحتنا الواتوية العزيزة لأعرض لرأى العملاق يحيى حقى فيه و لأفنِّدَ تحليله المبدئى لنسق الرباعية الجاهينية. و إلى أن أفعل، أتوجه إليكَ بالشكر على مقالكَ، و أهديكَ هذه الرباعية:


"الموت ده عيِّل أوى . . . بس أحنا مش عارفين
لمَّا خطر لى اندهه . . . قال لى أجرى مش لاعبين
و من ورايا استخبى . . . و قال لى: "حذّر فين؟"
أتاريه خطف لعبتى . . . و أصحابى . . . و الغاليين !"
و عجبى !!
مرسى حسن محمد - باحث و معيد فى الجامعة و مترجم حرّ و شاعر (لم يقرأ له إلا الأصدقاء:)

تحياتى!