المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأدب النسائى



أحمد عبد الجواد
22/01/2009, 03:33 PM
يعد مصطلح "الأدب النسائى" واحد من المفاهيم التى انتشرت فى الأوساط الثقافية والأدب النسائي هو الذي يشمل نوعين من الكتابات:
1 ـ الكتابة النسائية: وهي الكتابة التي تتجه نحو مواجهة سلطة المجتمع الذكورى.
2 ـ كتابة الأنثى: وتحيلنا هذه الكتابة إلى الخاصية البيولوجية للأنثى: فهي كتابة أنثوية، يغلب عليها التحدث بحس غاية فى الرهافة وشئ من الارتباك، وهذا ليس تعميمًا، لأن من طبيعة الأنثى عدم المواجهة كما جاء فى سورة الزخرف " أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)".
ولنا أن نقول أن الكتابة النسائية ما هو إلا مصطلح قام بتعميمه بعض الأصوات وأفردت له المؤسسات مساحة واسعة فى محاولة لتعديل كفة الميزان بين كتابة الرجل وكتابة المرأة لكنه مصطلح لا يجب تعميمه لأن الصوت النسائى لا يشكل وحدة منفصلة فى الاتجاه الأدبى وفى تشكيل النص المكتوب، ومن الصعب أن تحدده بمجموعة من الصفات الأدبية الخاصة به أو تقول أن له مميزات ورؤية مختلفة، فلو قرأت نصًا ما لأنثى يتحدث عن حب الله، وقرأت نصًا لرجل فى نفس الاتجاه، فمن الصعب التحديد أيهما الرجل وأيهما المرأة سواء على مستوى الحكى الشعرى الوقتى أو الكتابة المستقرة فى الذهن والمعدة مسبقًا.
فعلى مستوى الكتابة المستقرة والمعدة مسبقًا نجد فى الأغانى أن نابغة بني ذبيان كان تضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ يجتمع إليه فيها الشعراء؛ فدخل إليه حسان بن ثابت وعنده الأعشى وقد أنشده شعره وأنشدته الخنساء قولها:
وإن صخراً لتأتم الهداة به ... كأنه علمٌ في رأسه ثار
وإن صخراً لمولانا وسيدنا ... وإن صخراً إذا نشتو لنحار
فقال: لولا أن أبا بصيرٍ أنشدني قبلك لقلت: إنك أشعر الناس ! أنت والله أشعر من كل ذات مثانة.
فقال حسان: أنا والله أشعر منك ومنها. قال: حيث تقول ماذا؟ قال: حيث أقول:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دما
ولدنا بني العنقاء وابني محرقٍ ... فأكرم بنا خالاً وأكرم بنا ابنما
فقال: إنك لشاعر لولا أنك قللت عدد جفانك وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك.
فالتشكيل الجمالى هنا بين الخنساء وحسان متقارب ولكن الغلبة للخنساء، باعتبار أن حالتها النفسية وهى تنشد وتكتب قصائدها مرتبطة بفجيعتها على أخيها صخر، وقد جملت هذا بقدرة عالية على التعبير، بينما حسان وفى الأغلب أنه كان حديث السن فى هذه الواقعة اعتمد على فورة الشباب فقام بالفخر والأفضل التروى فى أمر يتم فيه المفاضلة بين شاعر وآخر، وهذا لا يعتمد على الفرق البيولوجى بين حسان والخنساء أكثر ما يعتمد على القدرة التعبيرية الأقوى لدى الخنساء.
أما على مستوى الحكى الشعرى الوقتى وأقصد به الموقف العادى الذى يفضل فيه الأديب أن ينشد شعرًا وفى الأغلب لا يكون معدًا سلفًا، لنتفكر فى تلك القصة التى قابل فيها ذو النون المصرى رابعة العدوية:
عن سعيد بن عثمان. قال: كنت مع ذي النون في تيه بني إسرائيل فبينما نحن نسير إذا بشخص قد أقبل فقلت: أستاذ شخص، فقال لي: أنظر فإنه لا يضع قدمه في هذا المكان إلا صديق. فنظرت فإذا امرأة، فقلت: إنها امرأة، فقال: صديقة ورب الكعبة. فابتدر إليها وسلم عليها فردت السلام ثم قالت: ما للرجل ومخاطبة النساء؟ فقال لها: إني أخوك ذو النون ولست من أهل التهم. فقالت: مرحباً حياك الله بالسلام. فقال لها: ما حملك على الدخول إلى هذا الموضع؟ فقالت: آية في كتاب الله تعالى: " ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها " " النساء 97 " . فكلما دخلت إلى موضع يعصى فيه لم يهنني القرار فيه بقلب قد أبهته شدة محبته، وهام بالشوق إلى رؤيته. فقال لها: صفي لي فقالت: يا سبحان الله! أنت عارف تكلم بلسان المعرفة تسألني؟ فقال يحق للسائل الجواب. فقالت: نعم، المحبة عندي لها أول وآخر، فأولها لهج القلب بذكر المحبوب، والحزن الدائم، والتشوق اللازم، فإذا صاروا إلى أعلاها شغلهم وجدان الخلوات عن كثير من أعمال الطاعات. ثم أخذت في الزفير والشهيق وأنشأت تقول:
أحبك حبين حب الهوى وحباً لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوى ... فشغلي بذكرك عمن سواكا
وأما الذي أنت أهل له ... فكشفك لي الحجب حتى أراكا
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي ... ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
هذا تعبير رابعة، وانظر إلى تعبير ذى النون وهو يحكى عن رجل صالح فى مدينة شاهرت:
وصف لي رجل بشاهرت فقصدته فأقمت على بابه أربعين يوماً، فلما كان بعد ذلك رأيته، فلما رآني هرب مني، فقلت له: سألتك بمعبودك إلا وقفت علي وقفة. فقلت: سألتك بالله بم عرفت الله، وبأي شيء تعرف إليك حتى عرفته. فقال لي: نعم، رأيت لي حبيباً إذا قربت منه قربني وأدناني، وإذا بعدت صوتي عنه ناداني، وإذا قمت بالفترة رغبني ومناني، وإذا عملت بالطاعة زادني وأعطاني، وإذا عملت بالمعصية صبر علي وتأناني، فهل رأيت حبيباً مثل هذا؟ انصرف ولا تشغلني ثم ولى وهو يقول:
حسب المحبين في الدنيا بأن لهم ... من ربهم سبباً يدني إلى سبب
قوم جسومهم في الأرض سارية ... نعم وأرواحهم تختال في الحجب
لهفي علي خلوة منه تسددني ... إذا تضرعت بالإشفاق والرغب
يا رب يا رب أنت الله معتمدي ... متى أراك جهاراً غير محتجب
هل تستطيع أن تفرق بين الأبيات أيهم لرابعة وأيهم للرجل الصالح، هذا هو المبتغى، فالفن يوصف بكونه فنًا عند وجود القدرة على التشكيل الجمالى لما تريد قوله ووعيك بالقالب الذى تكتب من خلاله وليس على مستوى التفريق البيولوجى لأن هذا التفريق يتضح فى أقل الخصائص للأنثى مثل طبيعة التفكير والاتجاهات والميول وسيادة العاطفة، وقد حاول البعض أن يتخلص من المفهوم الجنسانى للفرق بين الرجل والمرأة وبدأت منظمة العمل الدولية فى استخدام مفهوم "الجندر" الذى يعتمد التفريق بين الرجل والمرأة على اساس الأدوار الاجتماعية والمسؤليات والحاجات الخاصة فى سياقها الاجتماعى والاقتصادى، فهو يتعلق بديناميكية الفعل وتحقيق الذات، وهذا مما يتوقف المرء أمامه قليلاً لنرى أن ديناميكية الأدب الأنثوى فاعلة بقدر ما عند مواجهتها بديناميكية الأدب الذكورى، لأن واقع الخريطة الثقافية يقول أن عدد الأدباء الذكور أكبر بكثير من عدد الأديبات النساء، وبالتالى فالتفاعل والتلاقى الأدبى الذكورى أشد حماسًا وتطورًا -هذا لو قمنا بعملية الفصل بين الأدبين- ونحن لا نفصل بين الإثنين وإنما نشير إلى أن مصطلح الجندر ما هو إلا خطوة فى طريق تحقيق مساواة غريبة تبخس كل فرد فى الخريطة الحياتية حقه، فلولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، وسيظل الأدب مرهون بالقدرة الجمالية وعبور الكاتب بالمتلقى من منطقة العادى أو المتعارف عليه إلى مناطق بكر لم يدنسها الواقع بمشاكله وشروره.