المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القبلة- قصة



علاء الدين حسو
27/12/2006, 09:55 PM
القبلة..

كالحشرات، كالزواحف، كالحيوانات، التي تحس بأمر خطير، أو كارثة طبيعية..زلزال ، بركان ، فيضان..
شعرت صباح البارحة..ربما الحاسة السادسة أو اللاشعور نبهني إلى أنه سيحدث شيء سيحطم روتين حياتي..نمط حياتي ، سلوكي المستمر طوال عقدين من الزمن ..

الاستيقاظ في السابعة صباحا ، الإفطار إن كان هناك شهية، الذهاب إلى العمل الاول ، العودة من العمل الاول ، تناول الغداء إن كان هناك متسع من الوقت ، الذهاب إلى العمل الثاني، العودة قبل منتصف الليل بساعة إن لم يكن هناك عمل إضافي أو طلبيه كبيرة يجعلني امكث ساعات ،وربما حتى الصباح ..وتناول العشاء مع الزوجة شبه المستيقظة، ثم النوم هربا من الوظيفة الزوجية...

البارحة، كان الإحساس مختلفا، استيقظت في الخامسة صباحا..كمن نام عشرين ساعة، وشعرت بنشاط مراهق يكتشف رجولته لأول مرة..جسدي كله يرقص ..شهيتي للطعام غير معقولة، وأحسست بشبق أذهل زوجي مثلما أذهلها مغازلتي لها لأول مرة، مرددا أغنية عبد الحليم.."بحلم ببك أنا بحلم ببك وبأشواقي مستنيك"..ربما غنيتها لنفسي قبل ثلاثين عاما ..تحممت ،حلقت ذقني، تعطرت،واخترت أفضل ملابسي وانطلقت إلى عملي الاول..

كأني أرى الربيع لأول مرة ،كان الغيوم طيور بجع تستعد لاستقبالي، حفيف الأشجار جمهور يلقي التحية ، إما الأرض التي امشي عليها كبساط الريح يحملني إلى عملي الاول..

القلق ، هو الشيء الوحيد الذي لم يبارحني، ولكن القلق هذه المرة مختلف ..فأنا قلق لعدم قلقي من الأشياء التي كانت تسبب لي القلق..فقبل هذا اليوم كنت قلقا من مشاكل عملي الاول كموظف دولة ، الدوام ، التوقيع ، الانصراف، الرتبة، إعطاء سلف ، لجنة المشتريات، تأخري عن عملي الثاني الخاص كمحاسب عند بائع حلويات .. توسيع المنزل، البحث عن عمل أفضل، دراسة الأولاد، الأقارب..وكمن خدره الخمر كنت أسير إلى (مقر عملي) .وقد أنعشتني رائحة الربيع، وكأن الغيوم طيور بجع ترحب به، والأرض بساط ريح تنقلني بخفة إلى العمل..

دخلت المديرية واتجهت نحو الغرفة الذي أشارك فيه زملاء العمل منذ عقدين..وكان ممرا طويلا ..يتوزع على اطرافه غرف سميت غرف متابعة شؤون المواطنين وقبل أن أصل غرفتي ، خرجت حميدة من مكتب المدير وما أن رأتني حتى شخصت وجحظت كأنها تراني لأول مرة ودنت مني وهمست في إذني :
- حبيبي..
قالتها وقبلتني ولم تكتفي بهذا ، مدت يدها وقرصتني من وركي وتزامن ذلك مع غمزة من عينها اليسرى ..وابتعدت ... هرولت إلى الغرفة كمراهقة تهرب من شلة زعران وان أعجبها المعاكسة..ودلفت إلى الغرفة ، كان زملائي الأربعة كعادتهم يستعدون لتناول القهوة سريعا اتخذت موقعي ،حينها همس جاري:
- يبدو انك لم تغسل وجهك..؟
- وماذا في وجهي؟
- يبدو ليلة كانت عامرة..
اتبعها ببسمة لا تخلو من الخبث ..كأنه لدغني بسيجارة على خدي فأسرعت نحو الحمام أتفحص ما فعلته حميدة الفتاة الجميلة ..وحين نظرت إلى المرأة وجدت طبعة القبلة فغسلتها بسرعة وعدت إلى الغرفة، رمقني زميلي مستغربا وقال:
- جاءت سكرتيرة رئيس الدائرة وقالت انه يطلبك.
مسحت خدي واتجهت نحو مكتب رئيس الدائرة ، فاستقبلتني حميدة بوجه طلق :
- رئيسنا سيذهب بعثة إلى المانية وطلب مني أن أبلغك ستحل مكانه ريثما يعود..
ابتسمت وقد أسعدني الخبر ولم أتأكد سبب الفرحة ، غياب المدير أم إن حميدة ستصنع لي القهوة ..ولم يدم ذلك طويلا ما أن جلست على مقعد المدير دخلت حميدة تطلب مني أن أوقع على إذن إجازة لها وحين سألتها قالت:
- سأزور أختي في المانيا ..

عندها فقط أحسست بان القبلة وحين نظرت بالمرأة وجدت مكان القبلة تحول إلى بقعة زرقاء داكنة..

ايلول 2002

محمد ربيع
01/01/2007, 06:27 PM
" ..... وحين نظرت بالمرأة وجدت مكان القبلة تحول إلى بقعة زرقاء داكنة...." !!
أستاذي علاء حفظه الله
السلام عليكم وبعد :
فعلامة التعجب أعلاه هي دعم مني لبطل قصتك الرائعة ..
تحية إجلال وتقدير ومحبة ..