المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العرب عنصر فائض في نظر الغرب



عزت السيد أحمد
23/01/2009, 07:38 PM
العرب عنصر فائض في نظر الغرب
الدكتور عزت السيد أحمد
عندما صنف ماندلييف العناصر الطبيعية وجد بعض المساحات الفارغة فافترض وجود عناصر غير مكتشفة من عناصر الطبيعة ويوماً بعد يوم اكتشفت هذه العناصر عنصراً فآخر حَتَّى وصل الأمر إِلى تركيب عناصر جديدة، ووصل بعده إِلى اللعب بتركيب العناصر وتحويلها من عنصر إِلى آخر.
ما افترضه ماندلييف منطقيٌّ، وبالمنطق تابع العلماء عندما راحوا يبحثون عن العناصر التي افترض ماندلييف وجودها، وتجاوز الأمر المنطق عندما راح العلماء يركبون عناصر جديدة، ولكنهم خدموا البشريَّة من خلال هذه الاختراعات، فتحول الوثب فوق المنطق إِلى منطق عندما أدركنا أنَّ هذا الإيمان بعدم كفاية العناصر الطبيعيَّة كان عاملاً حاسماً من عوامل تطور البشريَّة، وكذلك الأمر كان في الوثب الثاني فوق المنطق الذي سعى العلماء، وما زالوا، إِلى اللعب بتركيب العناصر الطبيعيَّة.
العلماء يؤمنون أنَّ عناصر الطبيعة على تنوعها وكثرتها وغناها وكفايتها غير كافية لري ظمأ الإنسان للفعل والتغيير والتبديل والتعديل والتحديث والتطوير... ولذلك راحوا يزيدون هذه العناصر ويولدون منها العناصر الجديدة التي لم تخطر قبل في البال.
هذا العقل الإنساني ذاته يغني الطبيعة والوجود يعمى فجأة ويتناقض مع ذاته وطبيعته تناقضاً عجيباً يصدع الرأس بل بشقه نصفين لو وعى ما دار ضمنه ولو بعد دهر. فهذا العقل الذي آمن بعدم كفاية عناصر الطبيعة وراح يزيدها ويزيدها ويولد منها العجيب الغريب، ويستنسخ من البشر جنساً جديداً وهوية جدية وعنصراً جديداً يتعامل مع العرب خاصَّةً ومعهم المسلمون في أكثر الأحيان على أنهم عنصر فائض لا قيمة له إن وجد، ولا قيمة له إن غاب، بل يتعاملون مع العرب على أنهم عنصر يجب التعود على الاستغناء عنه، ربما بقصد إزالته من الوجود في إما بالتدريج أو في أوَّل فرصةٍ تتاح لحذف هذا العنصر من الوجود.
لو كان العرب أمَّة نافلة، أو طارئة على الحضارة، أو غريبة على التاريخ، لو كان العرب جنساً بشريًّا ولكنه مفارق بشكله أَو لونه أَو تركيبته الفيزيولوجية... لكان في الأمر ما يمكن أن ينظر فيه، وإن كان من العار على العقل البشري قبول التفكير في مثل هذا الأمر؛ أمر حذف أمة من البشر من الوجود مهما كان العذر أَو الذريعة. ومع ذلك نقول لو كان العرب عرقاً نشازاً في شيء لسرنا في أمر التفكير في هذه الرغبة الغربية وحاولنا أن نفهمه. بل لو أنَّ العرب مثل معظم أمم الأرض أو الشعوب ظلت عالةً على البشرية منذ نشأت، أو أَنَّهَا لم تقدم للبشرية شيئاً لقبلنا أيضاً أنَّ نفكر في هذه الرغبة الغربية في النظر إِلى العرب على أَنَّهُ عنصر فائض يجب التخلص منه. ولكن العرب من أعرق الأمم على الأرض، ومن أكثر أمم الأرض خدمة للبشرية، ومن أكثر أمم الأرض إنسانيَّة في التعامل مع الخصوم والأعداء، ومن أكثر أمم الأرض مروءة وشهامة على الرَّغْمِ من أنف الجاحدين، حسبنا أنَّ المنصفين من الغرب هم الذي أخرجوا هذه الحقائق وأعلنوها قبل أن يدعيها العرب لأنفسهم.
العرب أمَّةٌ يقترب عدد سكانها من نحو خمس سكان الأرض أَو أقلَّ قليلاً، وهي في المرتبة الرابعة أو الخامسة بَيْنَ الأمم من ناحية عدد السكان، فيما هناك مئات الأمم التي تليهم من ناحية عدد السكان، وهم يقفون بجدارة في طليعة الأمم التي خدمت البشرية، فمن بين أصابعهم خرج التاريخ ونبع العلم وفاض الفن وظهرت الأبجدية... وعلى أكتاف علماء العرب وأعلامهم استند جزءٌ غير قليل من حضارة الغرب قديماً أيَّام اليونان والرومان، وحديثاً في عصر النهضة الأوروبية، واليوم في أوروبا وأمريكا....
لماذا ينظر الغرب إلى العرب على أَنَّهُ عنصر فائض، أو شيء فائض يجب التخلص منه؟
لا نبالغ أبداً في هذه الوصف، فكل السلوك الغربي تجاه العرب في مختلف المشكلات والقضايا، وفي كل الأقطار العربية؛ من مراكش إِلى عمان، يدل على أنَّ الغرب يتمنى لو ينتفي وجود العرب من العالم، بل الشواهد تؤكِّد أنَّ الغرب عامَّة، مع مراعاة الاستثناءات، يسعى إِلى إلغاء الوجود العربي، إِلى حذفه مثل ملف في الحاسوب لم يعد له قيمة، وقل من لا يعلم ما وصل إليه حال تهميش العرب وإخراجهم من التاريخ على طريق إخراجهم من الجغرافيا...
مجازر يباعد فيها العشرات والمئات من العرب لا ينظر إليها الغرب، ولا ينتبه لها، بل يعدها حقًّا له، وواجب عليه، فيما خدش حياء غربي من قبل عربي جريمة شنعاء تجيش الجيوش لأجلها!!
الغرب ينهب ثرواتنا وخيارتنا ويعد ذلك حقٌّ له، بل واجب عليه، فيما يمنع العرب من امتلاك أيِّ تقانة من المستوى العاشر في أيِّ ميدان من الميادين!!
من عادة الغربيين منذ القديم أن يقتلوا الحصان إذا شاخ أَو لم يعد قادراً على العطاء، وليس هذا من طبع العرب ولا من عاداتهم، ولم تزل هذه العادة موجودة عند الغربيين فإنهم إذا فرغوا من اللعبة دمروها، وإذا انتهى غرضهم من الآلة دمروها، وإذا صار مردود أيِّ شيء أقل من تكلفته أجره صار إعدامه محتوماً، وما زالوا إذا هرم الحصان أو لم يعد قادراً على العطاء يطلقون على رأسه رصاصة الرحمة! تخيلوا اسمها: رصاصة الرحمة، أو بمعنى آخر هي كلمة الشُّكر، بل هي مكافأة نهاية الخدمة؛ مكافأة نهاية الخدمة طلقة في الرأس!!
هل يريد الغربيون حذف الوجود العربي من باب طلقة الرحمة أو مكافأة نهاية الخدمة؟
لو كان الغرب معترفاً بفضل العرب وتاريخهم وعطائهم للحضارة البشرية لأمكننا على مضض لا يطاق أن نقبل التَّفكير في الظنِّ في أنهم يطلقون على الرأس العرب طلقة الرحمة، أو مكافأة نهاية الخدمة. ولكنهم لا يرون للعرب أي فضل أو دور أو قيمة لا اليوم ولا فيما مضى، ولذلك لا يمكن الظنُّ أنَّ الغرب ينظر إِلى العرب على أنَّهُم عنصر فائض من باب طلقة الرحمة أَو مكافأة نهاية الخدمة.
لا نريد أن نطيل التحليل، سنقول باختصار: هذه هي عادة الغربيين في المنافسة. سمَّاها كارل ماركس طبيعة الرأسمالي، أو طبيعة النظام الرأسمالي، ولو أراد الصواب لكان سَمَّاها طبيعة العقل الغربي؛ لا يقبل أن ينافسه الخصم، ولذلك لا يسعى فقط إِلى إقصائه بل إِلى محوه من الوجود منافساً.
هذا إذا كان المنافس غربيًّا مثله، أما العلاقة مع العرب خاصَّةً والشرق عامَّةً فلها شأن آخر، وأشجان أخرى، يكفي حَتَّى نفتح باب فهمها أن نتذكر كيف يعامل الغربيُّ الغربيَّ المنافس له وفق مفهوم كارل ماركس الذي أشرنا إليه. ولننظر فيما مضى من التاريخ فإنَّ من لا يقرأ التاريخ لا يفهم الحاضر.
مع تحياتي
عزت السيد أحمد