حسان محمد السيد
27/01/2009, 05:17 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
(بناء على ما تحدثنا فيه حول سؤال الاستاذ حمزة فقيه - ايها القوميون,ما منعكم ان تكونوا اسلاميين,وكما وعدت الاخ الفاضل,اضع بين يديه وايدي النبلاء تصوري الشخصي حول الفكر القومي العربي,راجيا المعذرة اذا لم استطع الرد على الجميع نظرا لظروف شخصية غير قابلة للشرح والتفصيل في هذا الموقع,علما أنني سأحتفظ بحقي بعدم الرد بتاتا على المواضيع والتعليقات التي تخرج عن أدب الحوار ولب الموضوع.للتذكير فقط,احب أن أنوه ان الموضوع تشعب من هذا الرابط...
http://arabswata.org/forums/showthread.php?p=320764&posted=1#post320764
شكرا لكم).
إن اللغة العربية,لغة القرآن الكريم,هي تجسيد فعلي واقعي لوحدة المتكلمين بها,مهما اختلفت لهجات الشعب العربي,فهو يتواصل فيما بينه بسهولة وتقرب,تطفو عليهما المودة والشعور بالرابط الوثيق.فالعراقي لا يفهم لهجة اليمني,والمغربي لا يفهم لهجة بلاد الشام,والمصري لا يفهم لهجة إبن الجزيرة العربية,لكن اللسان العربي الفصيح يجمعهم في بوتقة لغوية واحدة,لا لبس فيها ولا إختلاف,في عماد من أهم الأعمدة في بناء اي أمة ووطن.فاللغة التي وصلت القلوب وأثبتت الجذور,هي نفسها التي تكتب التاريخ المشترك ووحدة المصير,في عالم عربي تنعدم فيه بجلاء ووضوح المعوقات الجغرافية بين أطرافه,مما يميزه تميزا عينيا في تضاريسه عما سواه,فلا جبال شاهقة الإرتفاع تفصل بين أرضه,ولا بحار كبيرة ولا أنهر عريضة هادرة تمنع وحدة ترابه.إنه الوطن الأكبر الخلاب المدد على خارطة الدنيا,منى القلب وقرة العين ومبتغى الأحرار.
العرب قبل الإسلام وفي ظل الإمبراطورية الرومانية
عندما إنتشرت المسيحية في القرون الثلاثة الأولى,كان العرب الشرقيين أكبر حماتها ومبشريها,ردا على ظلم الإمبراطورية الرومانية وتعسفها,لاقت رواجا في الوطن العربي الذي ولدت فيه,وبين صفوف العبيد والمستضعفين في روما.لكن,عندما تحولت الإمبراطورية الى دولة مسيحية,أيام الإمبراطور قسطنطين,ظهر الإنقسام بين الكنيستين,الشرقية والأوروبية,فالأولى كانت تعرف بالبساطة والزهد,بينما الثانية عرفت بالترف والغلو والإستكبار والنظام الإداري المعقد والموالي لسياسة روما الإستعمارية,إلى أن تطور الخلاف بعد ذلك وأصبح خلافا عقائديا,كون الكنيسة الشرقية نزحت الى عقيدة التوحيد,بينما الغربية قالت بالتثليث والتعددية الربوبية,ومزجت أفكارها بأفكار فلسفية لمفكري وفلاسفة روما القدماء.وقف مسيحيوا الشرق في موقع مخالف للكنيسة الأوروبية,وتراصوا ضدها في خندق الدفاع عن بلادهم وعقيدتهم,مثال على ذلك,بطريرك الإسكندرية أريوس 250م - 336م ,صاحب آراء ودراسات عن المسيح عليه السلام,مختلفة كليا عن مفهوم روما وكنيستها,لاقت قبولا وثناءا بين المؤمنين ورجال الدين الشرقيين,أدت الى استدعائه من قبل الإمبراطور قسطنطين يومها,وعقدت له محاكمة إتهم بعدها بالهرطقة وسجن في القسطنطينية ومات فيها.إستمرت الخلافات الحادة بين الكنيستين طيلة القرون الرابعة والخامسة والسادسة,غير ان الإضطهاد القوي من قبل جحافل روما,قلص نفوذ المسيحيين الشرقيين وأتباعهم,وتعرض لمعتقداتهم بقسوة ووحشية,حتى أن كبير أساقفة الشرق في بلاد الشام عشية بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام,بوردانة,كان مطلوبا وملاحقا من الإمبراطورية الرومانية,التي خصصت مبالغا مالية طائلة لمن يأتي به حيا أم ميتا.هذا التنافس والإضطهاد,بين الشرقيين والغربيين,كان ممتدا من الشمال الأفريقي الى الشرق الآسيوي العربي,بما فيه العراق وصولا الى حدود تركيا الحالية.
وإذا ما عدنا الى ما قبل الإسلام,نجد أن العرب ممن لم يعتنقوا المسيحية,إتفقوا على وجود إله واحد للكون,واختلفوا في الربوبية وأحقية الخالق ان يكون إلها وربا لا يعبد غيره وسواه.كان للعرب آلهة عدة,منها الأصنام ومنها الشمس والنجوم والقمر وغيرها,لكن إسم الجلالة (الله) كان حاضرا في عقولهم ويومياتهم,نذكر على سبيل المثال رسول الله محمد عليه وآله الصلاة والسلام,كان إسم والده عبد الله في دليل على معرفة العرب بالله عز وجل,وإن كانت معرفة خاطئة,وبرهان على أنهم كانوا على نوع من الوحدة,إيمانيا بمعرفة الله والحج الى الكعبة,وتراثيا باللغة وبعض العادات.
جاء الإسلام بازغا من جزيرة العرب موحدا ومبشرا,خلص الناس من براثن الشرك وضغائن الجاهلية,حررهم من العبودية,رقا كانت ام استعمارا,وراح مع التبشير والهداية يطرد الغازي الغربي المتبرقع بثوب المسيحية,والفارسي المستكبر صلفا وغرورا وكفرا من أرض العرب,لتكون الفتوحات بعد ذلك زخما ودفعا حضاريا وإنسانيا مكللا برسالة التوحيد في مختلف أوجهها,كرد على الوحشية والكفر والإلحاد.بمجئ الإسلام,تحررالمسيحيون من ظلم الرومان,ووقف العديد منهم مع دولة الخلافة,مشاركين في بناء النسيج القومي والوطني للدولة,وبرزوا في دفاعهم عن اللغة العربية,وفي تصديهم للحملات (التبشيرية) الأوروبية ذات المضمون الإستعماري التقسيمي,كما حصل مع البابا كيرلس في مصر,الذي واجه الفاتيكان بطبع منشورات تهدف الى التوعية والتنبيه لأخطار سياسة الكنيسة الغربية,وعرف عنه مساندته للثورة العرابية ضد الخديوي توفيق والإنجليز.من هنا,لم تكن القومية العربية بدعة ولم تأت من فراغ او دون سبب,بل هي متأصلة في هذا الشعب وتاريخه,ومشروع حضاري نهضوي,يذود ويردع,يبني ويزرع,مشيدة مجتمعا صلبا متماسكا في وجه غزاة الأمة,اذا ما حاولوا بإسم الدين إحتلالها وتركيعها وإستعبادها,او تحت شعارات ومسميات اخرى.لقد إحتمى المسيحي بحراب العروبة وقلاعها دفاعا عن أرضه وعقيدته وإستقلاله وكرامته,ضد المستعمر الذي جاء مسرفا وباطشا باسم الدين والكنيسة,كذلك فعل العربي المسلم أيام التتريك لاحقا,ضد من امتهنوا كرامته وثروته تحت علم الخلافة الإسلامية.
القومية العربية والإسلام
يبدو لمن رفض التعمق تاريخيا في الموضوع,ان هناك تنافس او تضاد بين الفكرتين,وهو أمر مغالط للمنطق والروح التي تربطهما.لقد حولت بعض التنظيمات السياسية,خطأ او انحرافا,دينية كانت أم قومية,العلاقة الى خلاف إنتمائي,كأننا امام هويتين,بيد ان الحقيقة هي عكس ذلك,لأن الطرح القومي لم يكن حديثا أو دخيلا,لكنه عاد يبرز بقوة ردا على تعسف إستعماري إضطهادي قاتل,مارسه الأتراك تحت عباءة الخلافة الإسلامية,التي لم تعرف طيلة عهدها خليفة عربيا واحدا,ولا منطقتنا إزدهارا ثقافيا او علميا او حضاريا في تلك الفترة,وهنا أدعوا كل من يخالفني الرأي للعودة الى التاريخ والنظر الى وضع العرب عشية الغزو العثماني لبلادنا,دخلوها يوم كنا مصدرا للعلم والرياضيات والهندسة والطب وغيرها من العلوم,كانت أوروبا وقتها تعيش عصور الجهل والأمية والتخلف,تكوي المريض بالنار لإعتقادهم انه مس من الشيطان,تشرب الدماء وتسبي النساء وتصلب العلماء والمفكرين,بينما العرب في تطور وإبداع في كافة المجالات.إبداع ما كان ليحصل لولا الإسلام,وإسلام منتصر مؤزر ما كان ليحدث لولا أن الله سبحانه اختار العرب ليحملوا الرسالة فكرا وجهدا,(الله أعلم حيث يجعل رسالته) الأنعام (124),إلا أن وضعهم السياسي كان هشا في أواخر عهد الدولة العباسية,مما أدى الى سقوطها وتقطيع أوصال الأمة,وبعد قرون,خرج الأتراك من بلادنا وهي في أوهن حال وأسوأ صورة يمكن للعقل البشري ان يعرفها,سلموا بلادنا إلى فرنسا وبريطانيا,تعاونوا مع الصهيونية العالمية على إحتلال فلسطين,وتركوا العرب شعوبا وقبائلا متخلفة عن المسار الحضاري للأمم,بعدما كانوا قادة العالم وأعلامه.
قامت القومية العربية ابتغاء الخلاص والتحرر من إستعمار غش الناس وأضلهم سالبا أغلى ما عندهم بحجة الإسلام والخلافة,نهضت القومية العربية ردا على القومية التركية المتعالية المجحفة,والتفريق الطائفي والأحقاد المذهبية المفتتة المقيتة والفقر,غيرمختلفة عن النهضة الإسلامية التي نشأت ردا على الغزوات الصليبية الكاسرة المتوحشة,فالعروبة لم تكن يوما عداءا او استعلاءا أوإضطهادا لعرق دون الآخر,بل اعتبرت كل من ينطق العربية هو عربي,(انما العربية هي اللسان) كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام,والمقصود بهذا الحديث الشريف هو الإنتماء والمواطنة والمسكن والتاريخ المشترك والتراث,لا النطق بالعربية فقط,ولم تقم أبدا بطرد او ذبح قومية اخرى او استعمارها وحرمانها من حقها في الوجود والمواطنة,كما أن النهضة الإسلامية كانت ذودا عن أرض ومقدسات,حفظت حقوق الأديان والمعتقدات وصانتها وكرمتها خير تكريم,ناشرة بذورالعلم والحرية والعدالة والمساواة والانعتاق اينما حلت,فالنداء الإسلامي جاء تعبيرا عن عقيدة حاول الإستعمار الغربي محوها والقضاء عليها,دينا وأتباعا,محتمة الدعوة الى الجهاد والتمسك بالتعاليم الإسلامية ضرورة للوجود والإستمرارية والمقاومة,والنداء القومي انبعث ردا على الغزو الذي كبل الشعب بهوية دينية وأحكام – شرعية – تحرم عليه المطالبة بحقه في الوجود تحت حجة (الخروج عن السلطان المسلم وولي الأمر),مستنكرة عليه طرق ابواب الحرية والحق,وزادت حضورا بعد احتلال فلسطين نتيجة التباعد العربي الذي ادى الى ضعف فكري وهزالة روحية,في بيئة فقيرة مرتهنة مظلومة.فلا القومية العربية جاءت من خارج الرحم الإسلامي ونادت بما هو ضد هذه الأرض التي هي منها,ولا الإسلام الذي انتشر بأيدي العرب وفصاحتهم جاء ليقتل هذا المولود الذي بلغ أشده مع فجر الإسلام,فيوم حمل العرب راية الإسلام,وحدوا بين الفارسي والأذري والعربي والتركي والمنغولي وغيرهم من الشعوب التي اعتنقت الدين الجديد,فكان سلمان الفارسي رضي الله عنه (منا آل البيت),وكان الفضل في الدرجات بين عربي واعجمي هي التقوى ( لا فضل لعربي على اعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى),بينما نرى انه حين حمل غير العرب- رسالة الإسلام و دولة الخلافة-,كان الأمر عرقيا عنصريا ضيقا ومقيتا,وليس صعبا علينا التحقق من ذلك في يومنا هذا,حيث أراض عربية محتلة من دول تدعي الإسلام,نهبت الأرض واستعبدت العباد الذين وقعوا تحت بطشها,شاركت وستظل اعداء الأمة على نخرها واحتلالها وسلب ثرواتها وزرع الفتنة بين أبنائها,بما لا يتفق مع عدالة الإسلام وروحه.
في قراءة لبعض أبحاث الدكتور محمد عمارة في هذا الصدد,نجده يقول ان للإسلام جوانبه الروحية التي تستعصي وضعها في الإطار القومي العربي المحدد والمحدود,لكن تطبيق هذا الدين في الحياة العربية,وما أثمره من حضارة وهيكل سياسي بين العرب,حدث ونجح بسمات وقسمات قومية عربية لا يمكن اخفاؤها وتجاوزها,اذا شئنا البحث عن الجذور الحقيقة والتاريخية للقومية العربية في التاريخ والتراث,فكما كان التوحيد جوهر الإسلام,كانت وحدة الشخصية العربية سياسيا وقوميا,ووحدة الدولة إداريا وعسكريا,الوجه الآخر لذات الجوهر,فكان توحيد الدين في وحدة الدولة والهوية والقومية,وتحولت القبيلة داخل الدولة الى لبنة في البناء الجديد,إنتقل العرب من تمزق ديني,سياسي,اجتماعي,الى توحد سياسي حضاري قومي تحت راية التوحيد الديني.فالدين الإسلامي ككل الأديان,ذات طابع إنساني وعالمي,لكننا لا نستطيع علميا غض النظر عن الدور العربي في فهم هذا الدين وشعائره وفقهه وأحكامه والإجتهاد فيه,والذود عنه وانتشاره,مما جعل لهذا الدين طابعا قوميا في محيطه العربي,فأصبح الشرق ممثلا في العرب في مواجهة الغرب وغزواته,فالعرب هم الذين قاموا بقتال الرومان في مؤتة,وهم الذين طردوهم في اليرموك وغيرها من المواقع,وغزوة بدر كانت أول معركة بين الإسلام والوثنية,وأول معركة تخوضها الدولة العربية الموحدة بفضل الإسلام.للتقريب اكثر,يستطرد الدكتور محمد عمارة في تشخيصه لأسس هذه الدولة العربية الإسلامية,ذاكرا ان البيعة التي حدثت بين الرسول عليه الصلاة والسلام وبين مندوبي يثرب من الأوس والخزرج (بيعة العقبة),لم تطمس على السمات والقسمات العربية ازاء الدوافع الدينية,بدليل ان العباس بن عبد المطلب حضر العقد قبل إسلامه,مستوثقا للنبي عليه الصلاة والسلام من ممثلي يثرب شراكتهم في تأسيس الكيان السياسي الجديد الذي أتى به الرسول عليه الصلاة و السلام,وان الدافع للأوس والخزرج,دافع قومي تجاه الخطر اليهودي في المدينة,والتهديد الدائم لهم بقتلهم وسبيهم حين كانوا يقولون للعرب,( لقد أظل زمان نبي,سوف نتبعه ونقتلكم قتل عاد وإرم...),واستوثق الأوس والخزرج الرسول عليه الصلاة والسلام ان تبقى المدينة عاصمة الدولة الجديدة حتى بعد دخول مكة وقريش الإسلام,وكان دستور المدينة – الصحيفة - واضحا بأن الدولة الجديدة لم تكن فقط لرعاية أتباع الإسلام,بل لكل من انضم إليها وناصرها وساهم في بنائها,وكان العرب على رأسهم الرسول عليه السلام هم قادة هذه الدولة وحماتها.
بعد وفاة النبي عليه وآله الصلاة والسلام,وحفاظا على الوحدة السياسية القومية للدولة,حارب أبو بكر الصديق رضي الله عنه القبائل التي رفضت الإعتراف بوحدة الدولة عبر إمتناعها عن دفع الزكاة للخلافة,رغم بقائها على ملة الإسلام,كانت محاربتهم تأكيدا على التوحيد الديني المرتبط بالوحدة السياسية والقومية للدولة.بل انه في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه,شاركت القبائل العربية غير المسلمة في القتال ضد الروم والفرس,لما كان لعظمة الأحداث من طابع قومي كبير بغض النظر عن الطابع الديني.أما العناصر غير العربية وقتذاك,غالبيتها من العبيد المعتقين والأسرى المحررين,جرى دمجهم في القبائل العربية لاعتبارها اللبنة والوحدة الأولى في المجتمع,لهم ما لغيرهم من حقوق وواجبات بحكم علاقة الولاء,التي شرعها المصلح الأكبر,الرسول العربي محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام بقوله (الولاء لحمة كلحمة النسب) و(مولى القوم منهم),وحتى لا يلتبس على أحد هذا النظام العظيم,وكي يكون واضحا وجليا في عدله ورقيه وردعه أي تعال أو تمييز,حدد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أسس ومقومات الإنتماء للدولة قائلا,( ايها الناس,ليست العربية بأحدكم من أب وأم,وانما هي اللسان ).القومية العربية اذن,هي تبلور للشخصية العربية المندمجة والمنصهرة وفق طابع قومي وحضاري,ونظام اجتماعي موحد,لا العرق ولا القبيلة ولا الإستكبار والعصبية,هي قوانين إنسانية متقدمة مبدعة,جذبت الجماعات التي دخلت أرضها سلما بالقدوة الحسنة والمساواة,وفي هذا الطريق,سارت الى حد ما دول الغرب,فهي تمنح الجنسية الى المهاجر,دون التطرق الى دينه وعرقه,فيصبح مواطنا امريكيا او فرنسيا او بريطانيا الخ... ويبقى على دينه واصله,فهذا النظام في الغرب يسميه البعض تقدما,أما القومية العربية التي كانت السباقة في هذا الرابط الحضاري,يعتبرونها تخلفا وعصبية وكفرا!!.
أما من يخلط غباءا أم عن سبق إصرار وترصد بين عصبية بعض سلاطين بني أمية واخطائهم الفادحة وبين القومية العربية,فهو يتجنى ويشرد بعيدا عن لب الموضوع,ويبث سموما لا أصل لها ولا ارتباط بما نسوقه,مكرسا آفات جهد الإسلام والصحابة على تقويمها ومحوها,علما أن أبرز من أعجبوا بانحراف بعض أمراء الدولة الأموية وشجعوهم عليها,هم من دخلوا قالبا لا قلبا في الإسلام,لأنهم كانوا يبغون اثارة العداء للعرب وعدم الإندماج بدولتهم,وكانت أخطاء السلاطين يومها خير مركب لأهدافهم الآيلة الى إسقاط دولة الإسلام والإنتقام منه,عبر القضاء على حامليه وحماته ونواته.
من نتائج الإستعمار التركي والأنجلو - فرنسي
ضمن ما بثته الدعاية المضللة والمخالفة للتاريخ,ان تركيا كانت حامية للمقدسات الإسلامية والأرض العربية,وأن السلطان عبد الحميد كان يرفض رفضا تاما توطين اليهود في فلسطين,من هنا,أرى واجبا العودة لبعض فقرات من التاريخ,تكلم عنها الدكتور ابراهيم علوش عبر الوثائق,مبينا أن السلطان عبد الحميد تفاوض مع تيودورهرتزل لجدولة الديون العثمانية,وسمح خلال عهده بقيام أول ثلاثة مستوطنات يهودية على أرض فلسطين وهي...
(زخرون يعقوب) في قرية زمارين,(بتاح تكفا) في قرية ملبس,(ريشون ليتسيون) في قارة.وتابع يقول...
ان السلطان عبد الحميد (سمح بالهجرة اليهودية إلى فلسطين,وقد جاءت موجة الهجرة اليهودية الأولى إلى فلسطين عام 1882,وبدأت موجة الهجرة اليهودية الثانية حوالي عام 1895,حسب معظم المراجع التاريخية,منها مثلا كتاب الدكتورعبد الوهاب الكيالي (تاريخ فلسطين الحديث الفصل الثاني).أي أن تينك الهجرتين جاءتا في فترة حكم السلطان عبد الحميد الواقعة ما بين عامي 1876 و1909,وخلالها بدأ تأسيس المستعمرات اليهودية الأولى,وخلالها أيضا عادت الهجرة الصهيونية إلى الإشتداد عام 1905,واستمرت حتى عام 1914.وساء الأمر بالتأكيد بعد وصول جماعة تركيا الفتاة,الصهيونية النزعة,إلى الحكم في عام 1908.سمح لليهود بتملك الأراضي في فلسطين,ويشار في هذا الصدد أن كل جهود الحركة الصهيونية حتى عام 1948 لم تسفر عن السيطرة على أكثر من 5,6 بالمائة من أرض فلسطين التي تزيد عن 27 ألف كيلومتر مربع بقليل,لكن سجلات الطابو تظهر حسب أكثر من مرجع,منها كتاب ناجي علوش (الحركة الوطنية الفلسطينية أمام اليهود والصهيونية),أن ما بين 420 ألف و650 ألف دونم من الأراضي العربية في فلسطين سيطر اليهود عليها خلال فترة الإحتلال العثماني.يشار إلى أن وجهاء القدس قاموا في 24/6/1891 ,أي في ظل عبد الحميد,بتقديم عريضة لرئيس الوزارة العثمانية (الصدر الأعظم) طالبوا فيها بمنع هجرة اليهود الروس إلى فلسطين وتحريم استملاكهم للأراضي فيها,(عبد الوهاب الكيالي,تاريخ فلسطين الحديث,الطبعة التاسعة ص 42).وأثبت التاريخ أن الدولة العثمانية خلال القرن التاسع عشر كانت حاجزا جغرافيا سياسيا بريطانيا,لمنع تمدد النفوذ الروسي القيصري جنوبا ولمنع الوحدة العربية...
ففي عام 1801 عاونت القوات البريطانية العثمانيين على إخراج الفرنسيين من مصر,و خلال تأسيس الدولة العربية الحديثة على يد محمد علي باشا في مصر بين عامي 1831 – 1840,عاونت بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى العثمانيين على إخراج محمد علي من سوريا,وقامت بريطانيا بإنزال بري على الساحل السوري,قصفت بحريتها البحرية المصرية,وأعادت سوريا والمناطق الواقعة تحت حكم محمد علي للعثمانيين,وقال – بالمرستون- وقتها، وكان وزير خارجية بريطانية آنذاك,في رسالة إلى سفير بلاده في نابولي بتاريخ 21 آذار 1833 ...(إن هدف محمد علي الحقيقي هو إقامة مملكة عربية تضم جميع البلاد التي تتكلم العربية,وقد لا يحوي هذا المشروع ضررا ما في حد ذاته,لكنه سيؤدي إلى تقطيع أوصال تركيا وهذا ما لا نرضى عنه,وفضلاً عن ذلك,لا نرى سببا يبرر إحلال ملك عربي محل تركيا في السيطرة على طريق الهند),وقد تبنت بريطانيا فكرة تأسيس دولة يهودية في فلسطين على خلفية تجربة محمد علي الوحدوية.وحول رعاية بريطانيا لتركيا العثمانية في مواجهة روسيا القيصرية تقول دراسة أعدها موقع - قدس نت- أن ذلك ظهر في مناسبتين...
ففي المناسبة الأولى,عرفت بحرب (القرم),هزمت في بدايتها روسيا القيصرية الإمبراطورية العثمانية,فاقتحمت بريطانيا ومعها فرنسا وسردينيا وبروسيا ميدان المعركة وقلبت نصر روسيا القيصرية هزيمة وعقد مؤتمر باريس عام 1856 وقرر (تمامية السلطنة العثمانية) وتكامل أراضيها.
أما في المناسبة الثانية فهزم روسيا القيصرية للإمبراطورية العثمانية عام 1876 لم يؤد إلى تدخل عسكري واستطاعت روسيا القيصرية أن تفرض على الإمبراطورية العثمانية معاهدة سان ستيفانو,إلا أن بريطانيا نجحت في أن تجند دول أوروبا الكبرى وأن تفرض على روسيا القيصرية الإشتراك في مؤتمر برلين والقبول بنتائجه وأهمها إعادة الولايات التي احتلتها روسيا القيصرية إلى الإمبراطورية العثمانية).
كما يلحظ انه بعد قيام الثورة الفرنسية,اعترف العثمانيون بها وزادوا من تعاونهم مع نابليون بونابرت,الذي قاد حملة على مصر سنة 1798,وفي سنة 1830 احتلت فرنسا الجزائر,واحتلت بريطانيا عدن سنة 1839 والشواطئ الجنوبية لشبه الجزيرة العربية,وفي سنة 1882 احتلت السودان ومصر,واحتلت فرنسا تونس في العام نفسه.كانت الكارثة الكبرى بعد انتهاء الحكم العثماني,أن قسمت الإمبراطوريتين الكبرتين وقتذاك,فرنسا وبريطانيا,الوطن العربي عبر المعاهدة المشؤومة المعروفة بسايكس – بيكو,مجزأة الوطن الواحد الى دويلات قطرية منعزلة على نفسها,في كل قطر تيارات فكرية تتحارب فيما بينها,مع ادخال ثقافة التعلق والتشدق بالغير البعيد,ونبذ وازدراء كل ما يبت بصلة الى التراث العربي بتاريخه وحضارته المجيدين,ومع تقادم الأيام والسنين,وصعود الإستعمار الأمريكي,بات النسيج الإجتماعي العربي منقسما الى يسار ويمين وفرق دينية طائفية,بين كل طرف وآخر,معوقات وعداوة وبغضاء.يجدر الذكر أن الحساسية بين التيارين,القومي والإسلامي,ظهرت في فترة المد القومي,حين كان العرب يقارعون الإستعمار محاولين بناء كيان مستقل متقدم ومتين,لا مكان فيه للطائفية ولا للتمييز,أدخلت الناس في صراع عقيم حول الهوية النهائية للأوطان المختلقة والطارئة,دون النظر الى الدخيل الخطير في جسم الأمة,الكيان الصهيوني,الذي لا علاقة له بهذه الأرض,لا قوميا ولا دينيا,وبدل ان يكونوا جسدا واحدا لمجابهة هذا السرطان,راحت الأطراف تتصارع على النسب وهم أبناء رحم واحد,ناسين واجبهم في توحيد البلاد المتنازع عليها.
أخيرا,هل لغى الإسلام الهوية والقوميات
ان البعض يعترض قائلا بأن الإسلام هو الهوية النهائية للناس,وبذلك يظلم الإسلام ظلما كبيرا,من هنا نسأل,ما معنى قول الله في القرآن الكريم,(ومن آياته خلق السماوات والأرض وإختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين)؟,معناها ان القوميات هي واقع مادي ملموس,موجودة بعاداتها ولغاتها وإختلافها,وأما الإستشهاد بالآية الكريمة,(إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون),يجب النظر الى مصطلح أمة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة,علاوة على انها خطاب للأنبياء عليهم السلام,لأنهم جميعا ينتمون الى التوحيد الذي جاء من مصدر واحد,الله رب العالمين,وإنني في توحدي الطبيعي مع أخي العربي,لا أنبذ أخي المسلم الذي يعيش في دولة أخرى مع اخيه في المواطنة بعيدا عني آلاف الكيلومترات.لننظر الى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم,نرى ان سلمانا ظل يعرف ب (سلمان الفارسي),وصهيبا ب (صهيب الرومي),وبلالا ب (بلال الحبشي),أي أن الإسلام لم يسقط عنهم هويتهم أو ألقابهم القومية,وجمعهم في إطارعقائدي واحد,ذلك الإطار الذي إحتوى على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة,وفي الحالتين,كانت اللغة العربية هي الأساس في الفهم والنقل والإجتهاد والتفسير,والوضع العربي القائم,هو المقياس في التعامل من جهة التصويب والتفاعل,مقوما ما كان عوجا,مبقيا على ما كان سليما. (إنما بعثت لأتمم مكارم الأحلاق).سأل الصحابي واثلة ابن الأسقع الرسول صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله,أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ فأجابه عليه السلام,لا,ولكن من العصبية أن ينصرالرجل قومه على الظلم).فما الضير إن تكافلنا وانصهرنا في أمة عربية واحدة,قوية عزيزة متقدمة رائدة,واين الضرر اذا أحببت قومي وحلمت بعزهم ورفعتهم ومناعتهم,أين الظلم في هذا الحلم المحق؟.سؤال آخر يأبى السكوت,موجه تحديدا الى الأحزاب الإسلامية الحالمة بخلافة راشدة,كيف يكون ذلك دون المرور ببلاد العرب,كيف يمكن لإبن بلاد الشام ان يتوحد مع النائي عنه في أرخبيلات أندونيسيا,في حين أنه وابن الجزيرة,او حتى ابن بلاد الشام ذاتها في شقاق وانقسام ومعارك كر وفر وتخلف؟.
إننا عندما ندعوا الى القومية العربية,نرفع صوتنا بوجه الجهل والحنين الى التخلف ومستنقعات الدماء,للوثوب الى رابط نزيه كريم رفيع القدر وعظيم الغاية,إننا ندعوا لنكون أخوة كما قدر الله لنا,وننهض ببلادنا التي تخلفت عن ركب الأمم وصارت في ذيل الذيل بل أردى,إننا لا ندعوا الى تفضيل عرق على آخر,ولا لمحو قومية وإضطهادها,ففي ظل الدولة العربية عاشت الأديان المختلفة والقوميات المتعددة بحرية واحترام,لهم حقوقهم المصونة وواجباتهم المعلومة.إن أعداء العرب هم ذاتهم أعداء الإسلام,من قاتلونا في اليرموك والقادسية وحطين وعين جالوت وفلسطين وبورسعيد وغيرها من المواقع والحروب,كان حديثها وليس آخرها,الغزو العالمي للعراق,وتكالب الأمم الإستعمارية,غربية وشرقية,تحت رايات دينية ولاهوتية ما أنزل الله بها من سلطان.إننا حينما نؤمن بالقومية العربية لا ندافع عن نظام رفع رايتها هنا او آخر هناك,لأنها ليست حكرا على فئة او أنظمة,إنما هي جلدتنا جمعيا,وليست مسؤولة عن أخطاء أحد,وعندما نقف بوجه أي عدوان على بقعة عربية,لا نقف دفاعا عن نهج او زعيم,إنما نقف وقفة الأبي دفاعا عن أرضه,والعصامي الطاهر النقي دفاعا عن عرضه,والإنسان المؤمن دفاعا عن أمانة استودعها الله فيه وكلفه,لنرد كيد القتلة والمجرمين والشياطين في نحرهم,الذين يسعون ليلهم ونهارهم لمنع اي وحدة عربية,أمثال جون كيلي,مساعد وزير الخارجية الأمريكية في عهد بوش الأب,الذي قال في الأسبوع الأخير لحرب الخليج الثانية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق سنة 1992...(لقد ولى زمن العرب,انتهى العرب تماما,وبات على كل عربي يريد المحافظة على رأسه أن يمر من بوابة وحيدة هي التخلي عن عروبته),وبعد نحو سنة,تحديدا في حزيران 1993,كتب برنارد لويس, المستشرق الصهيوني الأمريكي ذو النفوذ الكبيرعلى الإدارات الأمريكية في مقالة بمجلة الشؤون الخارجية,قائلا...(على العرب التخلي النهائي الصريح والعلني عن الحلم القومي العربي وعن الوحدة العربية,وحتى عن كتلة عربية سياسية تنسق عملا مشتركا).يريدوننا التخلي عن حق لنا,ونحن نؤازرهم ونعينهم على ذبحنا,طالما ظلت لغة التطاول على المعتقد هي السائدة,وطالما ظل تقييم الإنسان العربي لأخيه العربي على مبدأ المذهبية الضيقة المقيتة,والبديل عن القومية العربية كما تبين وظهر للعلن,هو التقسيم الطائفي والمذابح الهمجية.برنارد لويس,أب النظرية القائلة بأن الإسلام هو العدو الذي حل مكان الشيوعية,ومرشد صموئيل هينتنغتون القائل بصدام الحضارات,والمرجعية الأولى للمتطرفين والمحافظين في أمريكا وما يسمى بإسرائيل,وأوروبا,قال في كتابه,الشرق الأوسط,(القومية العربية تلقت ضربة قاضية في حرب 1967,وهي لن تقوى على القيام مرة أخرى,إلا اذا ما ارتكبت اسرائيل وامريكا أخطاءا جسيمة في المنطقة)...
إنها البغضاء التي بدت من أفواههم وما تخفي صدورهم أوقح وأخطر,إنها الحروب التي شنت على مصر,أبرزها وأخطرها حرب 1967,تقر بأنها حروب على القومية العربية المنادية بكل ما يتعارض مع أعداء هذه الأمة,فالحديث الطائفي وحملات التهجم عليها على يد صعاليك رخاص,ليس غيرتطبيق وتنسيق وإشاعة لما أراده برنارد لويس,صموئيل هينتغتون,ومن سبقهم ولحقهم بكره ومكر وحقد الى يوم الدين.إن كل من يكتب حرفا مهينا ضد العرب ودينهم ووحدتهم,هو عدو لهذه الأمة وشيطان مريد ولو تعلق بستار الكعبة.إن كل عصابة تسلخ بطشا وعدوانا بقعة عربية تحت غطاء المستعمر وحمايته,بغض النظر عما تظهره من إيمان مزعوم وتاريخ مخادع مشبوه,هي عصابة صهيونية معادية لله والحق وكل أعراف التعامل الإنساني الحضاري.
إن يقيني بصلاح وطهارة القومية العربية,ينبع من إيماني بالله عز وجل القائل في محكم كتابه العزيز,(واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا),فالدين الذي يوصي بالإحسان الى الجار الأقرب فالأقرب حتى تتوسع دائرة التعاضد والتكافل كإحسانك لوالديك,لا يقبل ان يفسر على أهواء المرضى والظلاميين والمأجورين,وإن الرسول الذي ما زال يوصي بالجار خيرا حتى ظن صحابته انه من أهل الميراث,لا يقبل ان يزج باسمه في معارك وفتن وتباعد وتفكك وضغينة,فالإسلام ونبيه عليه السلام يرفضان نبذ اي وحدة ومحاربتها,ثم الجلوس في لوم وحسرة وأمية وديون وقهر وتخلف وهزائم بانتظار خلافة وهمية مستحيلة.
إن القومية العربية هي الأمل الباقي,وسفينة النجاة في هذا المحيط العاصف الملئ بالحيتان المفترسة,وطريقنا الأوحد نحو خلع العبودية وغسل وجه أمتنا من الدماء والدموع واليأس والمذلة,وهي السبيل الى الصرح العربي الشامخ والثابت,مزينا بالعدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروة,وما ينتج عنهم من مناعة وكرامة وعلم ومجد عظيم.والله جل وعلا ولي التوفيق
المراجع
الاستاذ منيف الرزاز- الاستاذ محمد مورو- الدكتور مخلص الصيادي-الدكتورمحمد عمارة- الدكتور ابراهيم علوش- الدكتور محمد جابر الانصاري-الدكتور عبد الغني الماني
(بناء على ما تحدثنا فيه حول سؤال الاستاذ حمزة فقيه - ايها القوميون,ما منعكم ان تكونوا اسلاميين,وكما وعدت الاخ الفاضل,اضع بين يديه وايدي النبلاء تصوري الشخصي حول الفكر القومي العربي,راجيا المعذرة اذا لم استطع الرد على الجميع نظرا لظروف شخصية غير قابلة للشرح والتفصيل في هذا الموقع,علما أنني سأحتفظ بحقي بعدم الرد بتاتا على المواضيع والتعليقات التي تخرج عن أدب الحوار ولب الموضوع.للتذكير فقط,احب أن أنوه ان الموضوع تشعب من هذا الرابط...
http://arabswata.org/forums/showthread.php?p=320764&posted=1#post320764
شكرا لكم).
إن اللغة العربية,لغة القرآن الكريم,هي تجسيد فعلي واقعي لوحدة المتكلمين بها,مهما اختلفت لهجات الشعب العربي,فهو يتواصل فيما بينه بسهولة وتقرب,تطفو عليهما المودة والشعور بالرابط الوثيق.فالعراقي لا يفهم لهجة اليمني,والمغربي لا يفهم لهجة بلاد الشام,والمصري لا يفهم لهجة إبن الجزيرة العربية,لكن اللسان العربي الفصيح يجمعهم في بوتقة لغوية واحدة,لا لبس فيها ولا إختلاف,في عماد من أهم الأعمدة في بناء اي أمة ووطن.فاللغة التي وصلت القلوب وأثبتت الجذور,هي نفسها التي تكتب التاريخ المشترك ووحدة المصير,في عالم عربي تنعدم فيه بجلاء ووضوح المعوقات الجغرافية بين أطرافه,مما يميزه تميزا عينيا في تضاريسه عما سواه,فلا جبال شاهقة الإرتفاع تفصل بين أرضه,ولا بحار كبيرة ولا أنهر عريضة هادرة تمنع وحدة ترابه.إنه الوطن الأكبر الخلاب المدد على خارطة الدنيا,منى القلب وقرة العين ومبتغى الأحرار.
العرب قبل الإسلام وفي ظل الإمبراطورية الرومانية
عندما إنتشرت المسيحية في القرون الثلاثة الأولى,كان العرب الشرقيين أكبر حماتها ومبشريها,ردا على ظلم الإمبراطورية الرومانية وتعسفها,لاقت رواجا في الوطن العربي الذي ولدت فيه,وبين صفوف العبيد والمستضعفين في روما.لكن,عندما تحولت الإمبراطورية الى دولة مسيحية,أيام الإمبراطور قسطنطين,ظهر الإنقسام بين الكنيستين,الشرقية والأوروبية,فالأولى كانت تعرف بالبساطة والزهد,بينما الثانية عرفت بالترف والغلو والإستكبار والنظام الإداري المعقد والموالي لسياسة روما الإستعمارية,إلى أن تطور الخلاف بعد ذلك وأصبح خلافا عقائديا,كون الكنيسة الشرقية نزحت الى عقيدة التوحيد,بينما الغربية قالت بالتثليث والتعددية الربوبية,ومزجت أفكارها بأفكار فلسفية لمفكري وفلاسفة روما القدماء.وقف مسيحيوا الشرق في موقع مخالف للكنيسة الأوروبية,وتراصوا ضدها في خندق الدفاع عن بلادهم وعقيدتهم,مثال على ذلك,بطريرك الإسكندرية أريوس 250م - 336م ,صاحب آراء ودراسات عن المسيح عليه السلام,مختلفة كليا عن مفهوم روما وكنيستها,لاقت قبولا وثناءا بين المؤمنين ورجال الدين الشرقيين,أدت الى استدعائه من قبل الإمبراطور قسطنطين يومها,وعقدت له محاكمة إتهم بعدها بالهرطقة وسجن في القسطنطينية ومات فيها.إستمرت الخلافات الحادة بين الكنيستين طيلة القرون الرابعة والخامسة والسادسة,غير ان الإضطهاد القوي من قبل جحافل روما,قلص نفوذ المسيحيين الشرقيين وأتباعهم,وتعرض لمعتقداتهم بقسوة ووحشية,حتى أن كبير أساقفة الشرق في بلاد الشام عشية بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام,بوردانة,كان مطلوبا وملاحقا من الإمبراطورية الرومانية,التي خصصت مبالغا مالية طائلة لمن يأتي به حيا أم ميتا.هذا التنافس والإضطهاد,بين الشرقيين والغربيين,كان ممتدا من الشمال الأفريقي الى الشرق الآسيوي العربي,بما فيه العراق وصولا الى حدود تركيا الحالية.
وإذا ما عدنا الى ما قبل الإسلام,نجد أن العرب ممن لم يعتنقوا المسيحية,إتفقوا على وجود إله واحد للكون,واختلفوا في الربوبية وأحقية الخالق ان يكون إلها وربا لا يعبد غيره وسواه.كان للعرب آلهة عدة,منها الأصنام ومنها الشمس والنجوم والقمر وغيرها,لكن إسم الجلالة (الله) كان حاضرا في عقولهم ويومياتهم,نذكر على سبيل المثال رسول الله محمد عليه وآله الصلاة والسلام,كان إسم والده عبد الله في دليل على معرفة العرب بالله عز وجل,وإن كانت معرفة خاطئة,وبرهان على أنهم كانوا على نوع من الوحدة,إيمانيا بمعرفة الله والحج الى الكعبة,وتراثيا باللغة وبعض العادات.
جاء الإسلام بازغا من جزيرة العرب موحدا ومبشرا,خلص الناس من براثن الشرك وضغائن الجاهلية,حررهم من العبودية,رقا كانت ام استعمارا,وراح مع التبشير والهداية يطرد الغازي الغربي المتبرقع بثوب المسيحية,والفارسي المستكبر صلفا وغرورا وكفرا من أرض العرب,لتكون الفتوحات بعد ذلك زخما ودفعا حضاريا وإنسانيا مكللا برسالة التوحيد في مختلف أوجهها,كرد على الوحشية والكفر والإلحاد.بمجئ الإسلام,تحررالمسيحيون من ظلم الرومان,ووقف العديد منهم مع دولة الخلافة,مشاركين في بناء النسيج القومي والوطني للدولة,وبرزوا في دفاعهم عن اللغة العربية,وفي تصديهم للحملات (التبشيرية) الأوروبية ذات المضمون الإستعماري التقسيمي,كما حصل مع البابا كيرلس في مصر,الذي واجه الفاتيكان بطبع منشورات تهدف الى التوعية والتنبيه لأخطار سياسة الكنيسة الغربية,وعرف عنه مساندته للثورة العرابية ضد الخديوي توفيق والإنجليز.من هنا,لم تكن القومية العربية بدعة ولم تأت من فراغ او دون سبب,بل هي متأصلة في هذا الشعب وتاريخه,ومشروع حضاري نهضوي,يذود ويردع,يبني ويزرع,مشيدة مجتمعا صلبا متماسكا في وجه غزاة الأمة,اذا ما حاولوا بإسم الدين إحتلالها وتركيعها وإستعبادها,او تحت شعارات ومسميات اخرى.لقد إحتمى المسيحي بحراب العروبة وقلاعها دفاعا عن أرضه وعقيدته وإستقلاله وكرامته,ضد المستعمر الذي جاء مسرفا وباطشا باسم الدين والكنيسة,كذلك فعل العربي المسلم أيام التتريك لاحقا,ضد من امتهنوا كرامته وثروته تحت علم الخلافة الإسلامية.
القومية العربية والإسلام
يبدو لمن رفض التعمق تاريخيا في الموضوع,ان هناك تنافس او تضاد بين الفكرتين,وهو أمر مغالط للمنطق والروح التي تربطهما.لقد حولت بعض التنظيمات السياسية,خطأ او انحرافا,دينية كانت أم قومية,العلاقة الى خلاف إنتمائي,كأننا امام هويتين,بيد ان الحقيقة هي عكس ذلك,لأن الطرح القومي لم يكن حديثا أو دخيلا,لكنه عاد يبرز بقوة ردا على تعسف إستعماري إضطهادي قاتل,مارسه الأتراك تحت عباءة الخلافة الإسلامية,التي لم تعرف طيلة عهدها خليفة عربيا واحدا,ولا منطقتنا إزدهارا ثقافيا او علميا او حضاريا في تلك الفترة,وهنا أدعوا كل من يخالفني الرأي للعودة الى التاريخ والنظر الى وضع العرب عشية الغزو العثماني لبلادنا,دخلوها يوم كنا مصدرا للعلم والرياضيات والهندسة والطب وغيرها من العلوم,كانت أوروبا وقتها تعيش عصور الجهل والأمية والتخلف,تكوي المريض بالنار لإعتقادهم انه مس من الشيطان,تشرب الدماء وتسبي النساء وتصلب العلماء والمفكرين,بينما العرب في تطور وإبداع في كافة المجالات.إبداع ما كان ليحصل لولا الإسلام,وإسلام منتصر مؤزر ما كان ليحدث لولا أن الله سبحانه اختار العرب ليحملوا الرسالة فكرا وجهدا,(الله أعلم حيث يجعل رسالته) الأنعام (124),إلا أن وضعهم السياسي كان هشا في أواخر عهد الدولة العباسية,مما أدى الى سقوطها وتقطيع أوصال الأمة,وبعد قرون,خرج الأتراك من بلادنا وهي في أوهن حال وأسوأ صورة يمكن للعقل البشري ان يعرفها,سلموا بلادنا إلى فرنسا وبريطانيا,تعاونوا مع الصهيونية العالمية على إحتلال فلسطين,وتركوا العرب شعوبا وقبائلا متخلفة عن المسار الحضاري للأمم,بعدما كانوا قادة العالم وأعلامه.
قامت القومية العربية ابتغاء الخلاص والتحرر من إستعمار غش الناس وأضلهم سالبا أغلى ما عندهم بحجة الإسلام والخلافة,نهضت القومية العربية ردا على القومية التركية المتعالية المجحفة,والتفريق الطائفي والأحقاد المذهبية المفتتة المقيتة والفقر,غيرمختلفة عن النهضة الإسلامية التي نشأت ردا على الغزوات الصليبية الكاسرة المتوحشة,فالعروبة لم تكن يوما عداءا او استعلاءا أوإضطهادا لعرق دون الآخر,بل اعتبرت كل من ينطق العربية هو عربي,(انما العربية هي اللسان) كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام,والمقصود بهذا الحديث الشريف هو الإنتماء والمواطنة والمسكن والتاريخ المشترك والتراث,لا النطق بالعربية فقط,ولم تقم أبدا بطرد او ذبح قومية اخرى او استعمارها وحرمانها من حقها في الوجود والمواطنة,كما أن النهضة الإسلامية كانت ذودا عن أرض ومقدسات,حفظت حقوق الأديان والمعتقدات وصانتها وكرمتها خير تكريم,ناشرة بذورالعلم والحرية والعدالة والمساواة والانعتاق اينما حلت,فالنداء الإسلامي جاء تعبيرا عن عقيدة حاول الإستعمار الغربي محوها والقضاء عليها,دينا وأتباعا,محتمة الدعوة الى الجهاد والتمسك بالتعاليم الإسلامية ضرورة للوجود والإستمرارية والمقاومة,والنداء القومي انبعث ردا على الغزو الذي كبل الشعب بهوية دينية وأحكام – شرعية – تحرم عليه المطالبة بحقه في الوجود تحت حجة (الخروج عن السلطان المسلم وولي الأمر),مستنكرة عليه طرق ابواب الحرية والحق,وزادت حضورا بعد احتلال فلسطين نتيجة التباعد العربي الذي ادى الى ضعف فكري وهزالة روحية,في بيئة فقيرة مرتهنة مظلومة.فلا القومية العربية جاءت من خارج الرحم الإسلامي ونادت بما هو ضد هذه الأرض التي هي منها,ولا الإسلام الذي انتشر بأيدي العرب وفصاحتهم جاء ليقتل هذا المولود الذي بلغ أشده مع فجر الإسلام,فيوم حمل العرب راية الإسلام,وحدوا بين الفارسي والأذري والعربي والتركي والمنغولي وغيرهم من الشعوب التي اعتنقت الدين الجديد,فكان سلمان الفارسي رضي الله عنه (منا آل البيت),وكان الفضل في الدرجات بين عربي واعجمي هي التقوى ( لا فضل لعربي على اعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى),بينما نرى انه حين حمل غير العرب- رسالة الإسلام و دولة الخلافة-,كان الأمر عرقيا عنصريا ضيقا ومقيتا,وليس صعبا علينا التحقق من ذلك في يومنا هذا,حيث أراض عربية محتلة من دول تدعي الإسلام,نهبت الأرض واستعبدت العباد الذين وقعوا تحت بطشها,شاركت وستظل اعداء الأمة على نخرها واحتلالها وسلب ثرواتها وزرع الفتنة بين أبنائها,بما لا يتفق مع عدالة الإسلام وروحه.
في قراءة لبعض أبحاث الدكتور محمد عمارة في هذا الصدد,نجده يقول ان للإسلام جوانبه الروحية التي تستعصي وضعها في الإطار القومي العربي المحدد والمحدود,لكن تطبيق هذا الدين في الحياة العربية,وما أثمره من حضارة وهيكل سياسي بين العرب,حدث ونجح بسمات وقسمات قومية عربية لا يمكن اخفاؤها وتجاوزها,اذا شئنا البحث عن الجذور الحقيقة والتاريخية للقومية العربية في التاريخ والتراث,فكما كان التوحيد جوهر الإسلام,كانت وحدة الشخصية العربية سياسيا وقوميا,ووحدة الدولة إداريا وعسكريا,الوجه الآخر لذات الجوهر,فكان توحيد الدين في وحدة الدولة والهوية والقومية,وتحولت القبيلة داخل الدولة الى لبنة في البناء الجديد,إنتقل العرب من تمزق ديني,سياسي,اجتماعي,الى توحد سياسي حضاري قومي تحت راية التوحيد الديني.فالدين الإسلامي ككل الأديان,ذات طابع إنساني وعالمي,لكننا لا نستطيع علميا غض النظر عن الدور العربي في فهم هذا الدين وشعائره وفقهه وأحكامه والإجتهاد فيه,والذود عنه وانتشاره,مما جعل لهذا الدين طابعا قوميا في محيطه العربي,فأصبح الشرق ممثلا في العرب في مواجهة الغرب وغزواته,فالعرب هم الذين قاموا بقتال الرومان في مؤتة,وهم الذين طردوهم في اليرموك وغيرها من المواقع,وغزوة بدر كانت أول معركة بين الإسلام والوثنية,وأول معركة تخوضها الدولة العربية الموحدة بفضل الإسلام.للتقريب اكثر,يستطرد الدكتور محمد عمارة في تشخيصه لأسس هذه الدولة العربية الإسلامية,ذاكرا ان البيعة التي حدثت بين الرسول عليه الصلاة والسلام وبين مندوبي يثرب من الأوس والخزرج (بيعة العقبة),لم تطمس على السمات والقسمات العربية ازاء الدوافع الدينية,بدليل ان العباس بن عبد المطلب حضر العقد قبل إسلامه,مستوثقا للنبي عليه الصلاة والسلام من ممثلي يثرب شراكتهم في تأسيس الكيان السياسي الجديد الذي أتى به الرسول عليه الصلاة و السلام,وان الدافع للأوس والخزرج,دافع قومي تجاه الخطر اليهودي في المدينة,والتهديد الدائم لهم بقتلهم وسبيهم حين كانوا يقولون للعرب,( لقد أظل زمان نبي,سوف نتبعه ونقتلكم قتل عاد وإرم...),واستوثق الأوس والخزرج الرسول عليه الصلاة والسلام ان تبقى المدينة عاصمة الدولة الجديدة حتى بعد دخول مكة وقريش الإسلام,وكان دستور المدينة – الصحيفة - واضحا بأن الدولة الجديدة لم تكن فقط لرعاية أتباع الإسلام,بل لكل من انضم إليها وناصرها وساهم في بنائها,وكان العرب على رأسهم الرسول عليه السلام هم قادة هذه الدولة وحماتها.
بعد وفاة النبي عليه وآله الصلاة والسلام,وحفاظا على الوحدة السياسية القومية للدولة,حارب أبو بكر الصديق رضي الله عنه القبائل التي رفضت الإعتراف بوحدة الدولة عبر إمتناعها عن دفع الزكاة للخلافة,رغم بقائها على ملة الإسلام,كانت محاربتهم تأكيدا على التوحيد الديني المرتبط بالوحدة السياسية والقومية للدولة.بل انه في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه,شاركت القبائل العربية غير المسلمة في القتال ضد الروم والفرس,لما كان لعظمة الأحداث من طابع قومي كبير بغض النظر عن الطابع الديني.أما العناصر غير العربية وقتذاك,غالبيتها من العبيد المعتقين والأسرى المحررين,جرى دمجهم في القبائل العربية لاعتبارها اللبنة والوحدة الأولى في المجتمع,لهم ما لغيرهم من حقوق وواجبات بحكم علاقة الولاء,التي شرعها المصلح الأكبر,الرسول العربي محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام بقوله (الولاء لحمة كلحمة النسب) و(مولى القوم منهم),وحتى لا يلتبس على أحد هذا النظام العظيم,وكي يكون واضحا وجليا في عدله ورقيه وردعه أي تعال أو تمييز,حدد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أسس ومقومات الإنتماء للدولة قائلا,( ايها الناس,ليست العربية بأحدكم من أب وأم,وانما هي اللسان ).القومية العربية اذن,هي تبلور للشخصية العربية المندمجة والمنصهرة وفق طابع قومي وحضاري,ونظام اجتماعي موحد,لا العرق ولا القبيلة ولا الإستكبار والعصبية,هي قوانين إنسانية متقدمة مبدعة,جذبت الجماعات التي دخلت أرضها سلما بالقدوة الحسنة والمساواة,وفي هذا الطريق,سارت الى حد ما دول الغرب,فهي تمنح الجنسية الى المهاجر,دون التطرق الى دينه وعرقه,فيصبح مواطنا امريكيا او فرنسيا او بريطانيا الخ... ويبقى على دينه واصله,فهذا النظام في الغرب يسميه البعض تقدما,أما القومية العربية التي كانت السباقة في هذا الرابط الحضاري,يعتبرونها تخلفا وعصبية وكفرا!!.
أما من يخلط غباءا أم عن سبق إصرار وترصد بين عصبية بعض سلاطين بني أمية واخطائهم الفادحة وبين القومية العربية,فهو يتجنى ويشرد بعيدا عن لب الموضوع,ويبث سموما لا أصل لها ولا ارتباط بما نسوقه,مكرسا آفات جهد الإسلام والصحابة على تقويمها ومحوها,علما أن أبرز من أعجبوا بانحراف بعض أمراء الدولة الأموية وشجعوهم عليها,هم من دخلوا قالبا لا قلبا في الإسلام,لأنهم كانوا يبغون اثارة العداء للعرب وعدم الإندماج بدولتهم,وكانت أخطاء السلاطين يومها خير مركب لأهدافهم الآيلة الى إسقاط دولة الإسلام والإنتقام منه,عبر القضاء على حامليه وحماته ونواته.
من نتائج الإستعمار التركي والأنجلو - فرنسي
ضمن ما بثته الدعاية المضللة والمخالفة للتاريخ,ان تركيا كانت حامية للمقدسات الإسلامية والأرض العربية,وأن السلطان عبد الحميد كان يرفض رفضا تاما توطين اليهود في فلسطين,من هنا,أرى واجبا العودة لبعض فقرات من التاريخ,تكلم عنها الدكتور ابراهيم علوش عبر الوثائق,مبينا أن السلطان عبد الحميد تفاوض مع تيودورهرتزل لجدولة الديون العثمانية,وسمح خلال عهده بقيام أول ثلاثة مستوطنات يهودية على أرض فلسطين وهي...
(زخرون يعقوب) في قرية زمارين,(بتاح تكفا) في قرية ملبس,(ريشون ليتسيون) في قارة.وتابع يقول...
ان السلطان عبد الحميد (سمح بالهجرة اليهودية إلى فلسطين,وقد جاءت موجة الهجرة اليهودية الأولى إلى فلسطين عام 1882,وبدأت موجة الهجرة اليهودية الثانية حوالي عام 1895,حسب معظم المراجع التاريخية,منها مثلا كتاب الدكتورعبد الوهاب الكيالي (تاريخ فلسطين الحديث الفصل الثاني).أي أن تينك الهجرتين جاءتا في فترة حكم السلطان عبد الحميد الواقعة ما بين عامي 1876 و1909,وخلالها بدأ تأسيس المستعمرات اليهودية الأولى,وخلالها أيضا عادت الهجرة الصهيونية إلى الإشتداد عام 1905,واستمرت حتى عام 1914.وساء الأمر بالتأكيد بعد وصول جماعة تركيا الفتاة,الصهيونية النزعة,إلى الحكم في عام 1908.سمح لليهود بتملك الأراضي في فلسطين,ويشار في هذا الصدد أن كل جهود الحركة الصهيونية حتى عام 1948 لم تسفر عن السيطرة على أكثر من 5,6 بالمائة من أرض فلسطين التي تزيد عن 27 ألف كيلومتر مربع بقليل,لكن سجلات الطابو تظهر حسب أكثر من مرجع,منها كتاب ناجي علوش (الحركة الوطنية الفلسطينية أمام اليهود والصهيونية),أن ما بين 420 ألف و650 ألف دونم من الأراضي العربية في فلسطين سيطر اليهود عليها خلال فترة الإحتلال العثماني.يشار إلى أن وجهاء القدس قاموا في 24/6/1891 ,أي في ظل عبد الحميد,بتقديم عريضة لرئيس الوزارة العثمانية (الصدر الأعظم) طالبوا فيها بمنع هجرة اليهود الروس إلى فلسطين وتحريم استملاكهم للأراضي فيها,(عبد الوهاب الكيالي,تاريخ فلسطين الحديث,الطبعة التاسعة ص 42).وأثبت التاريخ أن الدولة العثمانية خلال القرن التاسع عشر كانت حاجزا جغرافيا سياسيا بريطانيا,لمنع تمدد النفوذ الروسي القيصري جنوبا ولمنع الوحدة العربية...
ففي عام 1801 عاونت القوات البريطانية العثمانيين على إخراج الفرنسيين من مصر,و خلال تأسيس الدولة العربية الحديثة على يد محمد علي باشا في مصر بين عامي 1831 – 1840,عاونت بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى العثمانيين على إخراج محمد علي من سوريا,وقامت بريطانيا بإنزال بري على الساحل السوري,قصفت بحريتها البحرية المصرية,وأعادت سوريا والمناطق الواقعة تحت حكم محمد علي للعثمانيين,وقال – بالمرستون- وقتها، وكان وزير خارجية بريطانية آنذاك,في رسالة إلى سفير بلاده في نابولي بتاريخ 21 آذار 1833 ...(إن هدف محمد علي الحقيقي هو إقامة مملكة عربية تضم جميع البلاد التي تتكلم العربية,وقد لا يحوي هذا المشروع ضررا ما في حد ذاته,لكنه سيؤدي إلى تقطيع أوصال تركيا وهذا ما لا نرضى عنه,وفضلاً عن ذلك,لا نرى سببا يبرر إحلال ملك عربي محل تركيا في السيطرة على طريق الهند),وقد تبنت بريطانيا فكرة تأسيس دولة يهودية في فلسطين على خلفية تجربة محمد علي الوحدوية.وحول رعاية بريطانيا لتركيا العثمانية في مواجهة روسيا القيصرية تقول دراسة أعدها موقع - قدس نت- أن ذلك ظهر في مناسبتين...
ففي المناسبة الأولى,عرفت بحرب (القرم),هزمت في بدايتها روسيا القيصرية الإمبراطورية العثمانية,فاقتحمت بريطانيا ومعها فرنسا وسردينيا وبروسيا ميدان المعركة وقلبت نصر روسيا القيصرية هزيمة وعقد مؤتمر باريس عام 1856 وقرر (تمامية السلطنة العثمانية) وتكامل أراضيها.
أما في المناسبة الثانية فهزم روسيا القيصرية للإمبراطورية العثمانية عام 1876 لم يؤد إلى تدخل عسكري واستطاعت روسيا القيصرية أن تفرض على الإمبراطورية العثمانية معاهدة سان ستيفانو,إلا أن بريطانيا نجحت في أن تجند دول أوروبا الكبرى وأن تفرض على روسيا القيصرية الإشتراك في مؤتمر برلين والقبول بنتائجه وأهمها إعادة الولايات التي احتلتها روسيا القيصرية إلى الإمبراطورية العثمانية).
كما يلحظ انه بعد قيام الثورة الفرنسية,اعترف العثمانيون بها وزادوا من تعاونهم مع نابليون بونابرت,الذي قاد حملة على مصر سنة 1798,وفي سنة 1830 احتلت فرنسا الجزائر,واحتلت بريطانيا عدن سنة 1839 والشواطئ الجنوبية لشبه الجزيرة العربية,وفي سنة 1882 احتلت السودان ومصر,واحتلت فرنسا تونس في العام نفسه.كانت الكارثة الكبرى بعد انتهاء الحكم العثماني,أن قسمت الإمبراطوريتين الكبرتين وقتذاك,فرنسا وبريطانيا,الوطن العربي عبر المعاهدة المشؤومة المعروفة بسايكس – بيكو,مجزأة الوطن الواحد الى دويلات قطرية منعزلة على نفسها,في كل قطر تيارات فكرية تتحارب فيما بينها,مع ادخال ثقافة التعلق والتشدق بالغير البعيد,ونبذ وازدراء كل ما يبت بصلة الى التراث العربي بتاريخه وحضارته المجيدين,ومع تقادم الأيام والسنين,وصعود الإستعمار الأمريكي,بات النسيج الإجتماعي العربي منقسما الى يسار ويمين وفرق دينية طائفية,بين كل طرف وآخر,معوقات وعداوة وبغضاء.يجدر الذكر أن الحساسية بين التيارين,القومي والإسلامي,ظهرت في فترة المد القومي,حين كان العرب يقارعون الإستعمار محاولين بناء كيان مستقل متقدم ومتين,لا مكان فيه للطائفية ولا للتمييز,أدخلت الناس في صراع عقيم حول الهوية النهائية للأوطان المختلقة والطارئة,دون النظر الى الدخيل الخطير في جسم الأمة,الكيان الصهيوني,الذي لا علاقة له بهذه الأرض,لا قوميا ولا دينيا,وبدل ان يكونوا جسدا واحدا لمجابهة هذا السرطان,راحت الأطراف تتصارع على النسب وهم أبناء رحم واحد,ناسين واجبهم في توحيد البلاد المتنازع عليها.
أخيرا,هل لغى الإسلام الهوية والقوميات
ان البعض يعترض قائلا بأن الإسلام هو الهوية النهائية للناس,وبذلك يظلم الإسلام ظلما كبيرا,من هنا نسأل,ما معنى قول الله في القرآن الكريم,(ومن آياته خلق السماوات والأرض وإختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين)؟,معناها ان القوميات هي واقع مادي ملموس,موجودة بعاداتها ولغاتها وإختلافها,وأما الإستشهاد بالآية الكريمة,(إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون),يجب النظر الى مصطلح أمة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة,علاوة على انها خطاب للأنبياء عليهم السلام,لأنهم جميعا ينتمون الى التوحيد الذي جاء من مصدر واحد,الله رب العالمين,وإنني في توحدي الطبيعي مع أخي العربي,لا أنبذ أخي المسلم الذي يعيش في دولة أخرى مع اخيه في المواطنة بعيدا عني آلاف الكيلومترات.لننظر الى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم,نرى ان سلمانا ظل يعرف ب (سلمان الفارسي),وصهيبا ب (صهيب الرومي),وبلالا ب (بلال الحبشي),أي أن الإسلام لم يسقط عنهم هويتهم أو ألقابهم القومية,وجمعهم في إطارعقائدي واحد,ذلك الإطار الذي إحتوى على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة,وفي الحالتين,كانت اللغة العربية هي الأساس في الفهم والنقل والإجتهاد والتفسير,والوضع العربي القائم,هو المقياس في التعامل من جهة التصويب والتفاعل,مقوما ما كان عوجا,مبقيا على ما كان سليما. (إنما بعثت لأتمم مكارم الأحلاق).سأل الصحابي واثلة ابن الأسقع الرسول صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله,أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ فأجابه عليه السلام,لا,ولكن من العصبية أن ينصرالرجل قومه على الظلم).فما الضير إن تكافلنا وانصهرنا في أمة عربية واحدة,قوية عزيزة متقدمة رائدة,واين الضرر اذا أحببت قومي وحلمت بعزهم ورفعتهم ومناعتهم,أين الظلم في هذا الحلم المحق؟.سؤال آخر يأبى السكوت,موجه تحديدا الى الأحزاب الإسلامية الحالمة بخلافة راشدة,كيف يكون ذلك دون المرور ببلاد العرب,كيف يمكن لإبن بلاد الشام ان يتوحد مع النائي عنه في أرخبيلات أندونيسيا,في حين أنه وابن الجزيرة,او حتى ابن بلاد الشام ذاتها في شقاق وانقسام ومعارك كر وفر وتخلف؟.
إننا عندما ندعوا الى القومية العربية,نرفع صوتنا بوجه الجهل والحنين الى التخلف ومستنقعات الدماء,للوثوب الى رابط نزيه كريم رفيع القدر وعظيم الغاية,إننا ندعوا لنكون أخوة كما قدر الله لنا,وننهض ببلادنا التي تخلفت عن ركب الأمم وصارت في ذيل الذيل بل أردى,إننا لا ندعوا الى تفضيل عرق على آخر,ولا لمحو قومية وإضطهادها,ففي ظل الدولة العربية عاشت الأديان المختلفة والقوميات المتعددة بحرية واحترام,لهم حقوقهم المصونة وواجباتهم المعلومة.إن أعداء العرب هم ذاتهم أعداء الإسلام,من قاتلونا في اليرموك والقادسية وحطين وعين جالوت وفلسطين وبورسعيد وغيرها من المواقع والحروب,كان حديثها وليس آخرها,الغزو العالمي للعراق,وتكالب الأمم الإستعمارية,غربية وشرقية,تحت رايات دينية ولاهوتية ما أنزل الله بها من سلطان.إننا حينما نؤمن بالقومية العربية لا ندافع عن نظام رفع رايتها هنا او آخر هناك,لأنها ليست حكرا على فئة او أنظمة,إنما هي جلدتنا جمعيا,وليست مسؤولة عن أخطاء أحد,وعندما نقف بوجه أي عدوان على بقعة عربية,لا نقف دفاعا عن نهج او زعيم,إنما نقف وقفة الأبي دفاعا عن أرضه,والعصامي الطاهر النقي دفاعا عن عرضه,والإنسان المؤمن دفاعا عن أمانة استودعها الله فيه وكلفه,لنرد كيد القتلة والمجرمين والشياطين في نحرهم,الذين يسعون ليلهم ونهارهم لمنع اي وحدة عربية,أمثال جون كيلي,مساعد وزير الخارجية الأمريكية في عهد بوش الأب,الذي قال في الأسبوع الأخير لحرب الخليج الثانية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق سنة 1992...(لقد ولى زمن العرب,انتهى العرب تماما,وبات على كل عربي يريد المحافظة على رأسه أن يمر من بوابة وحيدة هي التخلي عن عروبته),وبعد نحو سنة,تحديدا في حزيران 1993,كتب برنارد لويس, المستشرق الصهيوني الأمريكي ذو النفوذ الكبيرعلى الإدارات الأمريكية في مقالة بمجلة الشؤون الخارجية,قائلا...(على العرب التخلي النهائي الصريح والعلني عن الحلم القومي العربي وعن الوحدة العربية,وحتى عن كتلة عربية سياسية تنسق عملا مشتركا).يريدوننا التخلي عن حق لنا,ونحن نؤازرهم ونعينهم على ذبحنا,طالما ظلت لغة التطاول على المعتقد هي السائدة,وطالما ظل تقييم الإنسان العربي لأخيه العربي على مبدأ المذهبية الضيقة المقيتة,والبديل عن القومية العربية كما تبين وظهر للعلن,هو التقسيم الطائفي والمذابح الهمجية.برنارد لويس,أب النظرية القائلة بأن الإسلام هو العدو الذي حل مكان الشيوعية,ومرشد صموئيل هينتنغتون القائل بصدام الحضارات,والمرجعية الأولى للمتطرفين والمحافظين في أمريكا وما يسمى بإسرائيل,وأوروبا,قال في كتابه,الشرق الأوسط,(القومية العربية تلقت ضربة قاضية في حرب 1967,وهي لن تقوى على القيام مرة أخرى,إلا اذا ما ارتكبت اسرائيل وامريكا أخطاءا جسيمة في المنطقة)...
إنها البغضاء التي بدت من أفواههم وما تخفي صدورهم أوقح وأخطر,إنها الحروب التي شنت على مصر,أبرزها وأخطرها حرب 1967,تقر بأنها حروب على القومية العربية المنادية بكل ما يتعارض مع أعداء هذه الأمة,فالحديث الطائفي وحملات التهجم عليها على يد صعاليك رخاص,ليس غيرتطبيق وتنسيق وإشاعة لما أراده برنارد لويس,صموئيل هينتغتون,ومن سبقهم ولحقهم بكره ومكر وحقد الى يوم الدين.إن كل من يكتب حرفا مهينا ضد العرب ودينهم ووحدتهم,هو عدو لهذه الأمة وشيطان مريد ولو تعلق بستار الكعبة.إن كل عصابة تسلخ بطشا وعدوانا بقعة عربية تحت غطاء المستعمر وحمايته,بغض النظر عما تظهره من إيمان مزعوم وتاريخ مخادع مشبوه,هي عصابة صهيونية معادية لله والحق وكل أعراف التعامل الإنساني الحضاري.
إن يقيني بصلاح وطهارة القومية العربية,ينبع من إيماني بالله عز وجل القائل في محكم كتابه العزيز,(واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا),فالدين الذي يوصي بالإحسان الى الجار الأقرب فالأقرب حتى تتوسع دائرة التعاضد والتكافل كإحسانك لوالديك,لا يقبل ان يفسر على أهواء المرضى والظلاميين والمأجورين,وإن الرسول الذي ما زال يوصي بالجار خيرا حتى ظن صحابته انه من أهل الميراث,لا يقبل ان يزج باسمه في معارك وفتن وتباعد وتفكك وضغينة,فالإسلام ونبيه عليه السلام يرفضان نبذ اي وحدة ومحاربتها,ثم الجلوس في لوم وحسرة وأمية وديون وقهر وتخلف وهزائم بانتظار خلافة وهمية مستحيلة.
إن القومية العربية هي الأمل الباقي,وسفينة النجاة في هذا المحيط العاصف الملئ بالحيتان المفترسة,وطريقنا الأوحد نحو خلع العبودية وغسل وجه أمتنا من الدماء والدموع واليأس والمذلة,وهي السبيل الى الصرح العربي الشامخ والثابت,مزينا بالعدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروة,وما ينتج عنهم من مناعة وكرامة وعلم ومجد عظيم.والله جل وعلا ولي التوفيق
المراجع
الاستاذ منيف الرزاز- الاستاذ محمد مورو- الدكتور مخلص الصيادي-الدكتورمحمد عمارة- الدكتور ابراهيم علوش- الدكتور محمد جابر الانصاري-الدكتور عبد الغني الماني