المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شركة " ‬لـذة " المصرية زودت الجيش الإسرائيلي بالغذاء خلال عدوانه على ‬غزة



فخري الدويك
30/01/2009, 06:06 PM
فضيحة جديدة للمطبعين تبدأ في مدينة السادات وتنتهي داخل معسكرات العدو

‬شركة مصرية زودت الجيش الإسرائيلي بالغذاء خلال عدوانه على ‬غزة

تحقيق كتبه :‬ أكرم خميس


http://www.elaosboa.com/elosboa/issues/615/images/eshtebak.jpg


لا تجعل صدمة العنوان، ‬تنسيك أن شعب مصر هو الذي قدم أروع أشكال التضامن مع أشقائه في ‬غزة طوال أيام العدوان الإسرائيلي، ‬وعليك أن تتذكر، ‬وأنت تقرأ تفاصيل هذه الفضيحة المثيرة، ‬أن ظاهرة تجار الحروب وسماسرة الموت ليست جديدة ولا ‬غريبة، ‬فقد عرفها العالم في كل صراعاته، ‬بما في ذلك الخفية منها.. مثل هؤلاء التجار يمارسون حرفتهم الملعونة بأشكال عدة، ‬فمنهم من يستغل الحروب للسمسرة في السلاح، ‬ومنهم من يوظف الدماء علي جبهات القتال للتأثير علي حركة الأسواق بما يخدم مصالح الجهات التي يخدمها، ‬فيما يقوم البعض بالمتاجرة بالبشر بتجنيدهم إما لخوض المعارك كمرتزقة، ‬أو لجمع المعلومات كجواسيس.

أما أخطر هؤلاء التجار، ‬فهو من يزود عدوه باحتياجاته الغذائية والعسكرية خلال القتال، ‬مفضلا تحقيق ربح مادي لنفسه علي حساب دماء أهله، ‬ومستقبل أمته.‬.

وتدخل الفضيحة التي تنفرد '‬الأسبوع' ‬بنشر تفاصيلها في إطار النوع الأخير من المتاجرة بالحروب، ‬فبينما كانت مصر كلها تنتفض حزنا علي ما يحدث لغزة، ‬والدعاة والائمة والقساوسة يتوجهون لله بالدعوات لنصرة الأبرياء الجائعين في القطاع المحاصر، ‬كان جنود العدو يتزودون بأغذية مصرية اسمها '‬لـذة'‬، ‬تنتجها شركة '‬الاتحاد الدولي للصناعات الغذائية المتكاملة' ‬في مصانعها بالمنطقة الصناعية في مدينة السادات . ‬أما التفاصيل نفسها فتتضمن الكثير من الأسماء والأرقام والمستندات الصادمة لكل ذي كرامة..‬

• • •

الصدمة الأولي ‬

في العاشر من شهر يوليو الماضي سحب الضابط هشام خلاف رخصة السائق محمد محمد إسماعيل، ‬ثم منحه إيصالا ذكر فيه ان الرخصة سحبت لأن صاحبها خالف القانون حين سار بشاحنته في يسار طريق مصر - ‬الإسماعيلية. ‬لحظتها لم يكترث السائق كثيرا بالمخالفة، ‬فقد ‬كان همه الحقيقي هو إكمال الرحلة، ‬دون شوشرة من أي نوع. ‬

كانت الشاحنة تحمل حوالي ‬20 ‬طنا من المواد الغذائية مرسلة من طرف الشركة المصرية إلي شركة '‬تشانل فوود' ‬الإسرائيلية لتقوم الأخيرة بتزويد جيش الاحتلال بها. ‬

ورغم أن السائق، ‬كان علي دراية بان أحدا لا يستطيع منعه من إكمال الرحلة، ‬إلا إن خوفه من تسرب سر حمولته لأي من الواقفين في كمين لجنة المرور، ‬جعله يتسلم الإيصال من يد الضابط بسرعة، ‬قبل أن يطويه ويضعه دون أن يقرأه، ‬داخل حافظة ألقاها أمامه، ‬ثم تحرك بشاحنته جهة الشرق.. وقبل أن يصل محمد الذي يقطن بعرب جهينة التابعة لمركز شبين القناطر إلي معبر العوجة، ‬كان زميله عادل محمد حنفي (‬50 ‬عاما) ‬يقف بشاحنة ثانية رقمها ‬195507 (‬نقل القاهرة) ‬أمام مصانع الشركة بمدينة السادات، ‬منتظرا أمين المخازن محمد السيد كي يتسلم منه ‬18 ‬طنا من الفاصوليا المتجهة لنفس المكان الذي اعتاد علي الذهاب إليه منذ التحق بالعمل لدي الشركة... ‬إسرائيل.

كان عادل قد دخل دولة العدو مرات عدة قبل ذلك، ‬لكنه كان يخفي ذلك ‬عن أقاربه، ‬وكذا جيرانه بحارة البدري في مدينة السلام، ‬مكتفيا بإبلاغ ‬من يسأله بأنه ينقل منتجات الشركة لدول عربية، ‬أو إلي موانئ بعيدة كسفاجا والسويس، ‬وحينما قام ضابط المرور أحمد عبدالهادي من مرور البحر الأحمر يوم ‬31 ‬مايو الماضي بسحب رخصة المقطورة التي تجرها شاحنته، ‬استغل ‬عادل الفرصة، ‬فحول الإيصال إلي دليل يثبت صحة مزاعمه. ‬

أما داخل الشركة، ‬فكان عادل ومحمد وزملاء لهما خاضوا نفس التجربة يبررون قبولهم لهذه المهام، ‬بضغوط أصحاب الشركة وعدم وجود بديل يحقق لهم نفس العائد المادي.

‬وفي بعض الأحيان كان السائقون ينزعون قناع الخجل، ‬ويقولون لمن يسألهم: ‬إن الشركة تطبع مع إسرائيل منذ سنوات، ‬فلماذا لم يتخذ أي من الاداريين أو الفنيين موقفا شجاعا؟! ‬

لقد بدا نجاح الشركة في الحفاظ علي سرها الكبير أمرا مذهلا.. ‬تخيلوا أن اسم هذه الشركة التي تتعامل مع إسرائيل ليل نهار لم يظهر في أي من قوائم المطبعين التي نشرت من قبل، ‬وكانت تركز علي شركات، ‬مثل '‬أجرولاند' ‬التي تقوم بتسويق وإنتاج البذور والمخصبات الزراعية الصهيونية والمبيدات وبذور الطماطم‬، ‬و'سيف أجريت' ‬التي تعمل كوكيل لشركة '‬تتانيم' ‬الإسرائيلية المتخصصة في عمليات الري بالتنقيط، ‬وشركة '‬ستار سيدس إيجبت' ‬التي تقوم باستيراد الفلفل والطماطم من إسرائيل وشركة '‬بيكو' ‬التي تقوم بزراعة شتلات الفاكهة والخضار الإسرائيلية. ‬

• • •

الصدمة الثانية ‬

بينما كانت مصر الرسمية ترفض بعناد فتح معبر رفح أمام المعونات الاغاثية المقدمة لأهالي ‬غزة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير عليهم، ‬كانت الشاحنات المحملة بمنتجات '‬الاتحاد الدولي' ‬تمر من معبر العوجة إلي داخل دولة العدو بسلاسة كي تفرغ ‬حمولتها الضخمة من المواد الغذائية داخل معسكرات جيش الاحتلال. ‬

حدث ذلك في أول أيام العدوان، ‬واستمر خلاله، ‬بل إنه ما زال يحدث حتي كتابة هذه السطور، ‬وكأن المتورطين فيه لم يقرأوا صحيفة، ‬أو يتابعوا شاشة أو يدخلوا مسجدا أو كنيسة كي يعرفوا أن من يتم تزويدهم بتلك الأغذية هم أنفسهم من يلقون بالأسلحة المحرمة علي أجساد الأبرياء في القطاع المحاصر، ‬وهم من يقتل الأطفال ويمزقون الأشلاء ويهدمون بيوت الله..‬

تخيلوا، ‬كانت ‬غزة تحترق والدماء فيها بحور، ‬بينما أسطول شاحنات مصري يتحرك ذهابا وإيابا ‬علي الطريق الممتد من مدينة السادات حتي معبر العوجة أقصي شرق مصر، ‬ليسلم منتجات شركة '‬الاتحاد الدولي للصناعات الغذائية لشركة' '‬تشانل فوود' ‬الإسرائيلية لتقوم بتوريده إلي جيش الاحتلال. ‬

عادل نفسه الذي يحمل رخصة قيادة درجة أولي صادرة عن وحدة مرور شبرا برقم ‬95985، ‬كان - للمفارقة - ‬قائد أول شاحنة أغذية تتحرك من مخازن الشركة في مدينة السادات باتجاه إسرائيل بعد أقل من ‬24 ‬ساعة فقط من بدء العدوان، ‬بينما كان زميله إسماعيل كامل إسماعيل (‬40 ‬عاما - ‬يحمل الرخصة رقم ‬216098 - ‬مرور عبود) ‬قائدا للشاحنة الثانية، ‬وكلتاهما كانت تحمل فاصوليا خضراء. ‬

تقريبا كان العمال ينقلون الكمية الخاصة بالشاحنتين ‬وهي ‬17 ‬طنا و 820 ‬ كجم للشاحنة الأولي ورقمها ‬95507، ‬ومثلها بالضبط للشاحنة الثانية التي تحمل الرقم ‬158068 (‬ نقل جيزة)‬، ‬بينما كانت الفضائيات تنقل أخبارا تقول: ‬إن الطائرات الإسرائيلية المزودة بأحدث القنابل قد ألقت بحممها علي عدد من أحياء ‬غزة وتسببت في قتل العشرات وإصابة المئات من المدنيين، ‬ما رفع عدد الشهداء حينها إلي ‬350 ‬والجرحى إلى حوالي 1900 .‬

وحسب ما قاله مصدر بالشركة لـ ' الأسبوع '‬ ، ‬فإن العمال كانوا ‬غاضبين ‬لما يتعرض له أهل ‬غزة، ‬لكن أحدا منهم لم يتوقف عن حمل الأغذية التي وضعت في عبوات مدون عليها تاريخ الإنتاج وفترة الصلاحية باللغة ‬العبرية. ‬ويضيف المصدر: ‬مستوي المرتبات في الشركة متدن بالمقارنة بشركات مجاورة، ‬حيث يبدأ أجر العامل الحاصل علي دبلوم فني ب360 ‬جنيها فقط، ‬ومع ذلك لا أحد يريد المغامرة، ‬خصوصا أن الإدارة لوحت مؤخرا برغبتها في تخفيض عدد العمال لمواجهة آثار الأزمة العالمية.

• • •

الصدمة الثالثة ‬

لدواع كثيرة، ‬انحاز قطاع شعبي لا يستهان به للموقف الرسمي المصري من العدوان، ‬إلا أن هذا الانحياز لم يكن عفويا في أوساط مالية معينة، ‬وبالذات بين المطبعين مع إسرائيل، ‬فقد شعر هؤلاء بأن علاقاتهم بشركائهم الإسرائيليين ستتعرض للتدهور، ‬خلافا لما كان متوقعا اثر الزيادة الملحوظة في حجم التبادل التجاري بين البلدين الذي وصل خلال عام ‬2008 ‬إلي ‬4 ‬مليارات دولار بخلاف صادرات الغاز والنفط.‬

وبالنسبة ل '‬شركة الاتحاد الدولي' ‬تحديدا، ‬كان الخوف مضاعفا، ‬أولا ‬لأن العدوان قد أحيا الحملة الشعبية الداعية لقطع جميع العلاقات مع إسرائيل، ‬وثانيا لشعور الإدارة بأنها ستتعرض لحملة شعبية واسعة إذا تسرب أي خبر عن قيامها بتصدير الأغذية لجيش الاحتلال.. ‬لذلك كثفت الإدارة - بمجرد بدء الحرب - ‬من رقابتها علي تحركات العمال واتصالاتهم حتي يبقي السر الخطير طي الكتمان. ‬

ونتيجة لهذه المخاوف حظي عادل وإسماعيل وزملاؤهما السائقون بنصيب وافر من الرقابة، ‬لكنهم لم يفقدوا وضعهم المتميز، ‬الذي اكتسبوه، ‬وحسب ما قيل لهم مرات عدة، ‬من تصديهم للمهمة الأصعب داخل الشركة، ‬وهي نقل المنتجات إلي مستهلكيها بأمان وسرية. ‬

وعلى ما ذكر المصدر، ‬الذي رفض ذكر اسمه، ‬فقد حظي عادل وإسماعيل بعد عودتهما من رحلة ‬29 ‬ديسمبر، ‬بتقدير خاص من ‬الإدارة، ‬التي قررت أن توكل اليهما القيام بمعظم الرحلات التالية.. ‬عادل هو الذي حمل بشاحنته يوم ‬10 ‬يناير، حين وصل عدد الشهداء إلي 830 ‬والجرحي إلي2350 ‬، ‬19 ‬طنا و800 ‬ كجم من البازلاء والفول الأخضر، ‬ومعها ‬56 ‬كيسا من عدة أصناف كهدايا لرجال الجمارك، ‬ثم عاد ليحمل بتاريخ ‬14 ‬يناير (‬أي مع وصول عدد الشهداء إلي أكثر من ألف) ‬12 ‬طنا و250 ‬ كجم من البامية المجمدة، ‬إضافة إلي ‬72 ‬كيسا من مختلف المنتجات كهدايا لرجال الجمارك. ‬أما إسماعيل فأوصل بشاحنته في نفس اليوم ‬19 ‬طنا و800 ‬ كجم من الفول إلي داخل إسرائيل، ‬كما قام بنقل ‬18 ‬كيسا ودوىن في أذون الصرف عبارة أمامها '‬هدايا الحاج أحمد'. ‬

• • •

الصدمة الرابعة ‬

الحاج أحمد هو نفسه رجل الأعمال أحمد الشناوي رئيس مجلس الإدارة، ‬والذي اعتاد هو وشقيقه إبراهيم علي ‬إرسال هدايا لرجال الجمارك لتسهيل دخول الشاحنات إلي داخل إسرائيل. ‬

لكن العادة الأخطر التي يصر الرجلان عليها - وكما قالت مصادر الأسبوع - هي وضع ‬منتجات الشركة في عبوات بلاستيكية ‬مكتوبة بياناتها باللغة العبرية لتكون جاهزة للتوزيع المباشر بمجرد وصولها إلي داخل إسرائيل.. ‬أحد مصادر الأسبوع قال: ‬إنه سال عن السبب وراء الإصرار علي هذه العادة المدهشة، ‬فأخبر بان الشركة الإسرائيلية المستوردة هي التي طلبت ذلك حتي تتمكن من توصيل المواد الغذائية ‬بسرعة إلي هدفها الأخير. ‬أما الملصقات التي توضع علي كل كرتونة، ‬وهي أيضا مكتوبة بالعبرية، ‬فتحدد نوعية المنتج داخلها، ‬وبلد الإنتاج، ‬فضلا عن إشارة تقليدية لطمأنة المتدينين اليهود بأن هذا الغذاء مطابق تماما لعقيدتهم. ‬

وعلي الرغم من جرأتها في استخدام هذه الملصقات، ‬إلا أن إدارة الشركة تفرض طوقا مشددا حول مكان تخزين الأكياس والملصقات والكراتين الفارغة، ‬وهي لا تسمح لأي من العمال أو الموظفين بالاقتراب منها، ‬وغالبا ما يتم تفتيش من يتعامل مع هذه المواد لحظة مغادرته الشركة. ‬

أحد العمال قال ل'الأسبوع': ‬إنه يشعر بالغثيان كلما شاهد أوراقا مكتوبة بالعبرية، ‬لكنه لا يستطيع فعل شيء، ‬في حين ذكر موظف قريب من حركة البضائع الخارجة من المخازن: ‬إن إدارة الشركة أقدمت منذ شهرين علي تصرف ‬غريب، ‬هو تغيير نموذج إذن الصرف الذي يتم التعامل به بين المخازن وسائقي الشاحنات، ‬حيث تم وضع اسم إسرائيل بشكل صريح، ‬بينما كانت في النموذج السابق تذكر فقط اسم شركة '‬تشانل فوود'. ‬ويضيف المصدر نفسه: '‬النموذج السابق كان يحمل اسم العائلة المالكة للشركة، ‬لكنهم قرروا حذفه فجأة ودون ذكر أسباب'. ‬

وعلي سبيل التخمين، ‬قال الموظف نفسه: '‬اعتقد أن الشركة أصبحت تتعامل بشكل مباشر مع الحكومة الإسرائيلية ولم تعد بحاجة لوسيط'.‬




المصدر : جريدة الأسبوع - الصفحة الأولى

23 / 1 / 2009 م - 26 من محرم ه - العدد رقم 615 - السنة 12

http://www.elaosboa.com/elosboa/issues/615/010015.asp