المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاحزاب الدينية...فرسان هذا الزمن



مروان المواذنة
01/02/2009, 12:02 AM
ان المفارقة في الاحتلال الامريكي والتي قد يعتري البعض هاجس الغرابة أزائها هو اسلوب اعتماده وتقبله لمبدأ واسلوب الحكم الديني في العراق وهذا شيء لو نظر اليه عن كثب يشوبه التعجب،لان الولايات المتحدة دولة ذات طابع علماني بعيدة كل البعد شكلا ومضمونا عن اسلوب الحكم الديني،ولكن لو نظر للامر بتلسكوب معرفي تحت اطار نظرية المؤامرة التي تسير عجلة العالم اليوم،فان الامر لم يكن محض صدفة او رمية نرد او تبجح بحق ديمقراطي كما ادعى ساسة البيت الابيض.
ان ايصال الاحزاب الدينية الى سدة الحكم في العراق واهدائها زمام السلطة عاد على الولايات المتحدة بالنفع الكبير بالرغم مما ألم بها من خسائر مادية (قابلة للتعويض) نتيجة احتلالها للعراق وافغانستان.
فالعراق- من المنطلق الوطني- حالة خاصة لايمكن ان يحكم الا باسلوب وقوانين الدولة العلمانية وهو بهذه الخارطة مادام على هذه الشاكلة،وان تغيرت خارطته السياسية فستكون خارطته الجغرافية اول التابعين لها.وبالتعريج قليلا كما ذكر كثيرا ان الاطر الديني للنظامين الاداري والسياسي اوصل وسيوصل البلد الى نتيجة اقل مايقال عنها انها كارثية،وهي تصب اولا وآخرا في مصلحة الاحتلالين الايراني والامريكي واللذان ان اختلفا في امر فانهما يلتقيان بامور.
ان الولايات المتحدة تدرك يقينا ان دوام بقائها في العراق بدوام الصراع العراقي الداخلي باعتباره حجة قوية لتجديد الدعوة للحماية والمراقبة لئلا ينفتل حبل الامان الهش المزعوم وتنسل اعواد العش الهين في مهب الريح،وهذا ماهو مطروح بواقع الحال. فالغالبية العظمى من ابناء العراق لايرغبون- حتى هذه اللحظة- بان تغادر قوات الاحتلال الامريكي الوطن،بعد ان اغدى العراق بلدا ضعيفا هزيلا تعتريه الصراعات والانشقاقات وكثرة الربان حتى ضمن الاسرة الواحدة.
في الوقت ذاته ينحى بعض الساسة والمفكرين منحى اخر يتمثل بربط العراق بحبال تعاون اقتصادي بعيد المدى كما فعلت الكثير من دول الاحتلال في مستعمراتها وغادرت تلك الاراضي بتلك الشروط والمعاهدات.ولكن الامر يختلف هنا عما هو عليه هناك، فالولايات المتحدة لاتستطيع الرحيل في ظل وجود جوار قوي وفعال على الساحة السياسية والشعبية والدينية واهمها الاقتصادية يعمل كـَنـَد قوي وراس كبيرة يحاول نزع اللقمة من فم الاسد الامريكي او مشاركته فيها ان اضطره الامر،انها بالتاكيد ايران.
قد يرى البعض امرا مخالفا في الفائدة التي يحققها الامريكيون جراء تلك السياسة لاسيما انهم تكبدوا خسائر جسيمة نتيجة ضربات المقاومة، ولكن يجب ان لايـُغفل بان تغيير فكر المجتمعات وتوجيه عواطفها ومعتقداتها نحو التقسيم الذي يصب في مجرى المصالح الامريكية يحتاج الى تضحية ووقت يعقبه للتنفيذ وهذا ما خطط له الامريكان منذ البداية.
حيث نلاحظ ان الوقت الذي اعقب تشكيل مجلس الحكم على اساس طائفي لحين ساعة الصفر للحرب الاهلية كان تعتري خلاله الشارع العراقي حالة من الاحتقان والشحن ضد المكونات الاخرى نتيجة الاعلام الطائفي طيلة الفترة الماضية التي سبقت تفجير مرقد سامراء باعتباره الشرارة التي اشعلت فتيل الحرب الاهلية، وماكانت الخسائر الامريكية الا أضاحي تمهيدا لتلك اللحظة،وهذا واضح في تصريحات مسؤليهم التي تحاول دوما المناورة والمماطلة في عدم الاعلان عن خسائر الشعب العراقي وتكتفي بالاعلان عما يفقدونه من جنود جاءوا عبر الاطلسي ليقتلوا (ثمنا للحرية).
ان الصراع الطائفي الذي عصف بالعراق مازال قائما ولكنه في طور سبات ومن الممكن اشعال فتيل القنبلة في أي وقت ترتئيه القوى المسيطرة على مفاصله،لان كل مقومات الصراع ماتزال موجودة وفاعلة ولكن تقارب المصالح مابين النقائض ساهم في كبح جماحه.فامريكا وايران والاحزاب الدينية والقومية الكردية والاعلام الطائفي ماتزال هي نفسها تلك الشخوص التي تمثل الوجه السياسي في الساحة العراقية ولم يتغير شيء ، بل الادهى من ذلك ان نفس الرموز والشخوص التي كان لها دور قيادي وفكري في الصراع ماتزال فاعلة ومساهمة في العملية السياسية دون أي مسائلة او استفهام..!
لقد أينع الصراع المذكور حالة من عدم الثقة والائتمان والرغبة بالثار لدى الكثيرين ممن طالتهم عاصفة الموت والقت بركامها في نفوس الآخرين داخليا وخارجيا حتى صار السؤال في الغربة قبل الوطن انت سني ام شيعي؟ ومن يتابع الاخبار اكثر يسالك انت كردي ام عربي؟
بالتاكيد ان اصل البلاء هو الاحتلال فهو الذي نسج الخيوط الاولى في هندام السياسة،ولايخفى خبرا ان الشكل السياسي الذي يحكم بلد ما سيخلق- قطعا- نماذج مصغرة وعلى كل المستويات ترتبط به ايجابا او سلبا وتسربله نفس المسميات ولكن بوجوه اخرى،وهذا ماحدث حتى على صعيد المعارضة،فالمقاومة مثلا توشحت بالهيئة والمحتوى الاسلامي تبعه كذلك شكل العنف والاضطهاد والارهاب...
فلو كان الاطر الحاكم للدولة يستند على اساس الكفاءة العلمية والانتماء الوطني لما آلت الامور لما آلت عليه آنفا،ولاعتبرها الشعب العراقي جسما غريبا عن نسيجه ونهجه،ولكن ماحصل جاء نتيجة لسبب ووسيلة لغاية نقطف حاليا احد اعفن ثمارها الا وهي الثمرة الطائفية.
ان الانزلاق الى حرب الطوائف والقوميات في العراق ساهم كثيرا في ترسيخ قاعدة الاحزاب الدينية على العكس تماما مما يتصوره البعض،وما يذكر عن المقت والتـأفؤف من قادة تلك الاحزب كانت حصيلة للممارسات الخاطئة وسوء استخدام السلطة وعدم توفير الخدمات ليس الا وليس حزنا على موت الالاف من الطائفة او القومية الاخرى.
وهذا ملاحظ بمجرد التحدث الى أي شخص لانه سرعان ماسيخبرك:والله ماسوولنه شي..ماكو كهرباء..ماكو شغل..البنزين غالي.....ماكو امان...امراض.. سلب نهب........الخ
مجرد شكوى من قلة الخدمات. ولكن الاقتناع بتلك الاحزاب راسخ عقائديا ولايمكن مسحه من العقول الا بابادة تلك العقول وهذا امر غير ممكن بتاتا، لذلك فبمجرد ان يشهد العراق استقرارا امنيا ورخاء اقتصاديا وخدميا سوف تبقى تلك الوجوه على تلك الكراسي لاسيما اذا ماتغيرت موازين القوى الدولية ببزوغ الشعاع الايراني وتراجع المارد الامريكي الى ثكنة الدفاع وقبول الشراكة مقابل حماية المصالح المشتركة.
ان العقلية التي تسير المنهاج الانساني في العراق تتصف بالسذاجة لاغلب العوام وخاصة في جنوب العراق ذو الغالبية الشيعية،وهذا لايعني ان طبيعة المجتمعات الاقليمية المحيطة تختلف كثيرا.
لاننسى ان طبيعة المعتقد تلعب دورا اساسيا في سلوك الفرد والمجتمع وتحدد تصرفاته واخلاقياته،فاذا مااقررنا ان المذهب الشيعي يبجل ويحترم رجل الدين لدرجة كبيرة قد تصل احيانا الى مستوى العصمة مع زخم الرموز والمسميات والشعارات التي تضخ على مرائ ومسمع الجماهير الشيعية سنكون حينئذ امام واقع متجسد للاحزاب الدينية المتجذرة اذا ماحققت ولو جزءا يسيرا من الخدمات لناخبيها البسطاء،اما على صعيد المكون الاخر المتمثل بالاكراد فالقومية متاصلة في معتقداتهم وطاغية على أي معتقد اخر،بالرغم من انتمائهم المذهبي المشابه لمجاورهيم من اهل السنة وهؤلاء لايرون برجل الدين اهمية كبرى وما التوجه الى انتخاب احزابا اسلامية الا ردة فعل ضد الطائفة الاخرى او طمعا في منصب ولكن الغالبية منهم لديها منهج علماني واضح وصريح وهذا مانستقراه في اغلب الكتل السياسية الممثلة لهم وحتى الحزب الاسلامي لديه مناهج قريبة الى العلمانية السياسية وبعيدة عن اية صيغة للتشدد الديني.
واخيرا لازم نرضى بهذوله الساسة لان ماشفنه غيرهم ولاراح نشوف...الا اذا جاءت دبابة اخرى وعلى ظهرها فرسان زمن اخر.

مروان لدوسري