المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الواقعي والمتخيل في نص (نافذة) لهادية العبدالله



فيصل عبد الوهاب
04/02/2009, 07:11 PM
نافـذة ..
هادية العبدالله


مرّة أخرى..أنهض إلى الرقص
أحلّ ضفيرتي
وأقتطف من عنقود السماء..
تفاحة
أشّمها
ثمّ أدحرجها بين الأقدام...
وأركل الهواء بخاصرتي..
وأرقص..!
/
كعروس الوقت..
أتمايل بين يديه عارية..كالصمت
وهو بصدغيه الهائجين
يلتقط من طرف حلقومي..أسراري الحمراء
ليمضغها..بهدوء

/

أعرف أنّ هذا الضوء العابث
كان يتلصص عليّ من كوّة نافذتي الموصدة..
وأنه كان يتقاسم معي كل لحظات سعادتي

التقت عينانا في المرآة يوما..
مثل عشين خاويين..
فرمقني بخبث..ودقّ جرس القلب..وهرب!
/
أذكر أيضا عندما تزحلق مرة على نافذتي
وامتصّ بلسانه البارد..ما تبقى من قارورة عطري
وكيف انتظر الليل ليأتي
وتسلّل عبر أشيائي
أغلق أهداب مرآتي الكسولة
واقتلع القنديل المزعج من ساقه
ثمّ حملني كالجنازة الصامتة..
الى..
الى حمّام البخار الدائخ
لنرخي هنا كأناقتنا
حتى..وقت متأخر من الضباب..!

كنت أعرف أيضاً..
أنني سأبقى أرقص مع أعمدة الوهم
وأن أناملي الخمس ستبقى تعزف فوق جسد الهواء
عندما تركله خاصرتي..
بوداعة هذه المرة..
لأنه وحده كان المتأمل الأنيق..
ووحده من مشّط ضفيرتي..على كتفي الأيمن..برفق
وأنّه وحده من غادر نافذتي..بلباقة..
/
هكذا..
لفرط امتلائي بك..سأجهضك..
حتى لو تفسّخت عليّ ثياب العرس..
و لطّخت رقصتي..بالشمع الأحمر
/

هذه المرة..سأرقص دونك..
سأعيد ترتيب نافذتي
لأطال منها السماء فقط..
ستكون مكرّرة..مملوءة بالشمس
بعيدة عن فصول الجفاف..الباهتة
سأقطف من عنقها تفاحة..خضراء..
وأكسرها..
كحلم أخرق
وأرمي ببذورها فوق امرأة..مكفّنة بالانتظار
علّها تسترجع نضارتها بعدك..
وترقص هي أيضا..
دونك من جديد




المعنى التقليدي لرمز (النافذة) نجده في نهاية هذا النص (الإنتظار) ولكن الرمز هنا ينفتح ويتسع ليصل إلى مديات بعيدة لكل ما في الحياة من عمق واتساع. يبدأ النص بطرح رمز آخر له عمقه الديني والتاريخي (التفاحة) تلك الفاكهة المحرمة المرتبطة جذورها بالسماء والمتدلية إلى متناول المرأة في هذا النص:


مرّة أخرى..أنهض إلى الرقص
أحلّ ضفيرتي
وأقتطف من عنقود السماء..
تفاحة
أشّمها
ثمّ أدحرجها بين الأقدام...
وأركل الهواء بخاصرتي..
وأرقص..!

يختلط الواقعي بالمتخيل بمستويين في هذا النص تجبرنا على التعامل معهما كشيئين منفصلين تارة وكشئ واحد تارة أخرى.فعلى المستوى الواقعي تقع المرأة هنا في دائرة الفعل المحرم ولكن المرأة هنا لا تقر بالإنعكاسات الاجتماعية لفعلها حيث (تركل الهواء بخاصرتها وترقص).أما المستوى المتخيل فانه يتجلى بتماهي المرأة في هذا النص بحواء الأولى في تمردها على شروطها الدينية والإخلاص لأنوثتها وجبلتها التي فطرها عليها الخالق العظيم في التوق إلى التوحد مع حبيبها وندها في الوقت ذاته (آدم).
ويمتد المتخيل مثلما -الواقعي - إلى المقطع الثاني من النص حيث يتم الفعل ويلتقط آدم أو الحبيب أسرار المرأة الحمراء ويمضغها:


كعروس الوقت..
أتمايل بين يديه عارية..كالصمت
وهو بصدغيه الهائجين
يلتقط من طرف حلقومي..أسراري الحمراء
ليمضغها..بهدوء



والمجاز هنا يوحي بعدوانية الرجل ووحشيته وخبثه..فهو يستمتع بوجبته السرية الموغلة بالدماء بصمت وهدوء. وتجرنا كلمة (خبث) في المقطع الثالث إلى المتخيل حيث (الضوء العابث) الذي يتلصص على المرأة عبر النافذة.والضوء هنا يرمز لآدم في المتخيل ولكن اقترانه بالعبث يجرنا إلى الواقعي (الحبيب) الذي يتسم بالخبث حيث يحقق رغبته ويهرب:

أعرف أنّ هذا الضوء العابث
كان يتلصص عليّ من كوّة نافذتي الموصدة..
وأنه كان يتقاسم معي كل لحظات سعادتي

التقت عينانا في المرآة يوما..
مثل عشين خاويين..
فرمقني بخبث..ودقّ جرس القلب..وهرب!


إن مجاز (الضوء العابث) يوحي لنا بجملة من المعاني نختصر منها ما تعنيه الكلمات المتضادة التي تعني النقيضين في أن معا والتي يصطلح عليها في اللغة الإنكليزية(ambivalent ) فالحب والكره يتجليان بوضوح في هذا المجاز. ولكن الرمز العظيم (الضوء) يحيلنا إلى معان أخرى ربما تتصل بمضمون هذا النص كالمعرفة ولكن المعرفة هنا متصلة بالشر لا بالمعرفة المطلقة. والجزء الأول من المقطع الثالث تكرار منوع للفعل المحرم كان بالإمكان الإستغناء عنه.أما الجزء الثاني من المقطع الثالث فيحيلنا إلى المتخيل بإشارته إلى (أعمدة الوهم) التي ترقص معها المرأة في النص ، فلم يكن ذلك الرجل الحبيب إلا حلما أو شيئا أشبه بالوهم ، أما المستوى الواقعي فربما يكون شخصا حقيقيا جاء لفترة ما ومضى إلى حال سبيله كالحلم:


أذكر أيضا عندما تزحلق مرة على نافذتي
وامتصّ بلسانه البارد..ما تبقى من قارورة عطري
وكيف انتظر الليل ليأتي
وتسلّل عبر أشيائي
أغلق أهداب مرآتي الكسولة
واقتلع القنديل المزعج من ساقه
ثمّ حملني كالجنازة الصامتة..
الى..
الى حمّام البخار الدائخ
لنرخي هنا كأناقتنا
حتى..وقت متأخر من الضباب..!

كنت أعرف أيضاً..
أنني سأبقى أرقص مع أعمدة الوهم
وأن أناملي الخمس ستبقى تعزف فوق جسد الهواء
عندما تركله خاصرتي..
بوداعة هذه المرة..
لأنه وحده كان المتأمل الأنيق..
ووحده من مشّط ضفيرتي..على كتفي الأيمن..برفق
وأنّه وحده من غادر نافذتي..بلباقة..


والنافذه هنا ترمز لحياة المرأة التي يغادرها ذلك الرجل بلباقة ملحوظة حيث ترك أثرا طيبا في ذاكرتها.
وفي المقطع الرابع توظف الشاعرة تقنية الإلتفات حيث يتحول الخطاب السردي من الشخص الثالث الى الشخص الثاني أو المخاطب بعدما غادر المرأة حبيبها بوداعة لأسباب لا نعلمها ربما ترضي تلك المرأة ولكن لا تقنعها تماما حيث تتحول إلى لغة هجومية وعدائية تجاهه:


هكذا..
لفرط امتلائي بك..سأجهضك..
حتى لو تفسّخت عليّ ثياب العرس..
و لطّخت رقصتي..بالشمع الأحمر


وتتزاحم الصور الموحية في هذا المقطع الثري فالمرأة ممتلئة بحب هذا الرجل ومن فرط امتلائها فانها مضطرة على اجهاض هذا الحب الوليد ومجبرة عليه بفعل الهجران الذي سببه ذلك الحبيب ولطخ رقصتها باللون الأحمر (أو لطخ بدلة عرسها باللون الأحمر) دلالة على انتصارها لكرامتها المهدورة ورفضها لذلك الحب الذي لم يدم بختم تلك العلاقة بالشمع الأحمر.
ويتم التحول النهائي للمرأة في المقطع الأخير من النص وتحدث القطيعة التامة مع الرجل باتجاهها إلى سماء بلا شجرة تحمل تلك الثمرة المحرمة عبر نافذة الحياة:

هذه المرة..سأرقص دونك..
سأعيد ترتيب نافذتي
لأطال منها السماء فقط..
ستكون مكرّرة..مملوءة بالشمس
بعيدة عن فصول الجفاف..الباهتة
سأقطف من عنقها تفاحة..خضراء..
وأكسرها..
كحلم أخرق
وأرمي ببذورها فوق امرأة..مكفّنة بالانتظار
علّها تسترجع نضارتها بعدك..
وترقص هي أيضا..
دونك من جديد

ولكن هذه المرأة لا تيأس تماما بل تعدنا بانها ستقطف تفاحة خضراء وتنثر بذورها - لترمز للأمل الأخضر باستمرارية الحياة - فوقها بانتظار أن ترقص مع حبيب جديد يعيد لها نضارة الحياة.