ابراهيم درغوثي
04/02/2009, 08:47 PM
المغني/02
الجزء الثاني
قصة قصيرة
ابراهيم درغوثي / تونس
ظللت أقرأ القرآن . أرتّله للمؤدّب وأغنّيه للنّساء إلى أن حفظت الستّين ولم أبلغ الخامسة عشرة من عمري فقال لي المُقرئ يوم « الِختمة »* :
- الآن أتمّ عليك الربّ نعمته فغادرْ هذا المكان يا ولدي وابحثْ لك عن طريق أخرى توصلك إلى وجه الله !
وعرفت طريقي .
هِمت في دروب الصّحراء . أخرج كلّ صباح بعد صلاة الصّبح أطرق أبوب المجدبة الكبرى . دليلي قلب تسْطع منه أضواء تقود خطاي إلى ظِلّ أشجار الطّلح والنّخيل . أتدبّر طعامي وشرابي من رُعيان الماعز والبُعران . أكرّر السّور صبْحا ومساء حتّى لا أنساها فينطفئ في قلبي النّور الذّي يهديني سواء السّبيل. وأغنّي ليلا في أعراس البادية. أغنّي للمخمورين والمجانين فتنفتح في وجهي أبواب السّماء.
في الخريف أوصلني أبي إلى جامع الفرْكوس(1). أجلسني جانب سارية وذهب. لم أتألّم كثيرا لضياع خطاه وراء الباب. ولم أتألّم لأنّ أمّي لم تدسّ في زوّادتي جبن الماعز. ولكنّني تألّمت لأنّني سأفقد همس المجانين في أذني، وصرير الجنادب، وثغاء الجديان، ونكت الهميان .
وجاء رجل بعد صلاة العشاء إلى ساريتي، طلبني، فقمت أسعى وراءه . قاد عصاي إلى بيت وقال :
- هذا سكنك يا ابن شيخ بني عامر. ستجد أكلك في ركن البيت الأيمن، وكُوز الماء في الرّكن الأيسر، وفراشك فوق الدِكّة. ووضع يدي على دكّة، قستها، فوجدتها ترتفع على سطح الأرض شبْران وبضعة أصابع فاطمأنّ قلبي .
الختمة : طقس احتفالي يُقام على شكل عرس في منزل من حفظ كامل القرآن تُذبح فيه الذّبائح ويُطعم المساكين وأبناء السّبيل ويُكرّم حافظ القرآن بلقب “طالب علم ” ويُشْهر اسمه في مضارب البدو ومداشر الحضر على طول الصّحراء وعرضها.
(1) فرع جامعة الزيتونة في الجريد .
الجزء الثاني
قصة قصيرة
ابراهيم درغوثي / تونس
ظللت أقرأ القرآن . أرتّله للمؤدّب وأغنّيه للنّساء إلى أن حفظت الستّين ولم أبلغ الخامسة عشرة من عمري فقال لي المُقرئ يوم « الِختمة »* :
- الآن أتمّ عليك الربّ نعمته فغادرْ هذا المكان يا ولدي وابحثْ لك عن طريق أخرى توصلك إلى وجه الله !
وعرفت طريقي .
هِمت في دروب الصّحراء . أخرج كلّ صباح بعد صلاة الصّبح أطرق أبوب المجدبة الكبرى . دليلي قلب تسْطع منه أضواء تقود خطاي إلى ظِلّ أشجار الطّلح والنّخيل . أتدبّر طعامي وشرابي من رُعيان الماعز والبُعران . أكرّر السّور صبْحا ومساء حتّى لا أنساها فينطفئ في قلبي النّور الذّي يهديني سواء السّبيل. وأغنّي ليلا في أعراس البادية. أغنّي للمخمورين والمجانين فتنفتح في وجهي أبواب السّماء.
في الخريف أوصلني أبي إلى جامع الفرْكوس(1). أجلسني جانب سارية وذهب. لم أتألّم كثيرا لضياع خطاه وراء الباب. ولم أتألّم لأنّ أمّي لم تدسّ في زوّادتي جبن الماعز. ولكنّني تألّمت لأنّني سأفقد همس المجانين في أذني، وصرير الجنادب، وثغاء الجديان، ونكت الهميان .
وجاء رجل بعد صلاة العشاء إلى ساريتي، طلبني، فقمت أسعى وراءه . قاد عصاي إلى بيت وقال :
- هذا سكنك يا ابن شيخ بني عامر. ستجد أكلك في ركن البيت الأيمن، وكُوز الماء في الرّكن الأيسر، وفراشك فوق الدِكّة. ووضع يدي على دكّة، قستها، فوجدتها ترتفع على سطح الأرض شبْران وبضعة أصابع فاطمأنّ قلبي .
الختمة : طقس احتفالي يُقام على شكل عرس في منزل من حفظ كامل القرآن تُذبح فيه الذّبائح ويُطعم المساكين وأبناء السّبيل ويُكرّم حافظ القرآن بلقب “طالب علم ” ويُشْهر اسمه في مضارب البدو ومداشر الحضر على طول الصّحراء وعرضها.
(1) فرع جامعة الزيتونة في الجريد .