المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المثل والحكمة في الرسائل الفنية الأندلسية



د لقمان شطناوي
05/02/2009, 08:37 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
تراث اندلسي د لقمان شطناوي
المثل والحكمة في الرسائل الفنية الأندلسية
" رسائل ابن شرف القيرواني نموذجاً "


مدخل...

تتناول هذه الدراسة المثل والحكمة في الرسائل الأدبية الأندلسية ، وقد جعلت من ابي الفضل جعفر بن شرف القيرواني نموذجا تستمد من حكمه وامثاله ، والقيرواني يعد بهذه الحكم والأمثال شاهدا على ما وصل اليه الاندلسيون من رقي فكري وثقافي كما انه يعد مثالا يمكن ان يشير الى الحكم والامثال التي ظهرت في القرن الخامس الهجري ، وهي حكم تدل على مقدرة الاندلسيين على استلهام التجارب والخبرات واعادة صياغتها بقوالب فنية مفعمة بالحس الشعري تناولوا فيها صورا من احوال المجتمع ، وقد ظهرت مؤلفات عديدة احتوت حكما وامثالا اندلسية منها كتاب " بهجة المجالس وانس المجالس " لابن عبدالبر وهو من مؤلفات القرن الخامس وقد سبقه ابن عبد ربه في "العقد الفريد " وقد جمع فيه عددا من الامثال المشرقية والاندلسية كما ظهر عدد من الكتاب الذين برعوا في وضع وكتابة الحكم والامثال منهم ابو محمد بن حزم وابو عبدالله بن ابي الخصال وابو عبدالله بن شرف وابو الفضل بن شرف القيرواني ، وحكم هذا الأخير هي المحور الذي تركزت حوله هذه الدراسة .









ابو الفضل جعفر بن شرف القيرواني ، حياته وأدبه :...

هو جعفر بن محمد بن سعيد بن احمد بن شرف الجذامي القيرواني (1) والده ايو عبدالله وهو اديب شاعر كاتب ولد بالقيروان وعاش في الاندلس متنقلا في بلادها(2).
ولد ابو الفضل بن شرف في القيروان سنة اربع واربعين واربعمائة (3) وخرج به والده عند اشتداد فتنة العرب عليها متجها الى الندلس وهو لا يزال في سن صغيرة كما ذكرت المصادر العربية (4)فابن بسام يذكر ذلك في الذخيرة فيقول " وطرأ ابوه على جزيرة الاندلس من بلدة القيروان ، وابو الفضل هذا لم يصب قطره ولا خرج من الكمامة زهره"(5)فاستقر المقام بهم في برجة(6) من ناحية المرية وفيها قد علا ذكره وسطع نجمه فكان من جلة الادباء وكبار الشعراء وكان شاعر وقته غير مدافع (7) >
وقد برع في النظم كما في النثر ، شهد له علماء عصره بالمقدرة والتفوق ؛ صاحب الذخيرة يقول عنه بأنه " ذو مرة لا تناقض وعارضة لا تعارض"(8) ويترجم له الفتح بن خاقان في القلائد فيقول " الحكيم الاديب ابو الفضل بن شرف الناظم الناثر ٍٍٍالكثير المعالي والمآثر الذي لا يدرك باعه ولا يترك اقتفاؤه واتباعه ان نثر رأيت البحر يزخر وان نظم قلد الاجياد درا تباهى به وتفخر "(9) وكل هذه الاقوال تؤكد قيمته الادبية .
وما وصلنا من نثره وشعره من النزر بحيث يشير الى ضياع جزء كبير من هذا الادب ومن ذلك رسالة له باسم "سر البرّ"(10) لم يصلنا منها الا ما اثبته ابن عاصم في كتابه "جنة الرضا" وله رجز باسم "نجح النصح" .
وقد مال ابو الفضل الى الحكمة والوعظ في جل كتابته ، ويظهر ذلك فيما ورد في جنة الرضا من هذه الرسالة (11) وحكمه اما تفصح عن معرفة ودراية وقدرة على استلهام التجارب والخبرات ثم محاولته للتعبير عنها بما يصلح ان يتمثل به.
كل ذلك باسلوب رصين حكم جعل معاصريه ومن جاء بعده من العلماء يشهد ببراعته وغزير علمه .
وقد اشار ابن بسام الى اهمية شعره وما يحتويه من قيمة فيقول " ولم اظفر من شعره الا بما لا يكاد يفي بقدره وقد اثبته على نزره لئلا يخل بكتابي اهمال ذكره "(12) وكانت وفاته –رحمه الله- في حوالي سنة اربع وثلاثين وخمسمائة ود اناف على المائة عام(13).



في الفرق بين المثل والحكمة :-

اختلف القدماء وبعض المحدثين في التفريق بين المثل والحكمة فرأى البعض ان هنالك فرقا بينا بين المثل والحكمة ويجعل لكل منهما خصائص مميزة تستقل به عن الآخر ورأى آخرون ان المثل والحكمة ينتميان الى جنس ادبي واحد وانهما انما يحملان المدلول نفسه وينهلان من معين واحد .
اولئك الذين يفرقون بين المثل والحكمة يعرفون المثل بانه قول موجز يعبر عن حادثة او قصة وقعت فيقال في حوادث مشابهة للحوادث الاصلية التي تستدعيها الذاكرة ويمتاز المثل بالشيوع والذيوع على السنة الناس(14).
اما الحكمة فانها في اللغة من حكمه وهي حديدة تعترض اللجام (15) ثم صارت تدل على ما يمنع العقل من الضلال ، والحكمة قول موجز يحمل توجيهات انسانية تستهدف الخير والسداد ، وهي تصدر عن طبقة خاصة من الناس ما نطقت الا عن عمق تجربة واعمال للعقل(16)
وهذا التحديد لا ينفي ان ثمة خصائص مشتركة تجمع بينهما فهما وان لم يوضعا في الاصل للغاية ذاتها الا ان غايتهما المعلومة ان يقدما جوابا للسائل عما يعترضه او ردودا على مواق معينة .
بيد ان هذين التعريفين يحتاجان الى اعادة نظر لازالة ما قد يعلق في ذهن المرء من لبس يتعلق بمسألة التفرقيق بينهما.
فالشيوع يعد من اول الشروط التي ينبغي ان يتسم المثل بها . فالحكمة لا تسير سير المثل ولا تشيع شيوعه . ويرى العسكري في جمهرة الامثال ان الحكمة اذا ذاعت واشتهرت فانها تصير مثلا يقول " ثم جعل كل حكمة سائرة مثلا ، وقد يأتي القائل بما يحسن ان يتمثل به على انه لا يتفق ان يسير فلا يكون مثلا "(17)
والناظر في قول العسكري يجد انه لم يفرق بين المثل والحكمة ولم يجعل المثل مرهونا بحادثة معينة وانما جعل الشيوع معيارا لذلك ، ولعل في هذا القول ما يميط اللثام عن ذلك الخلط الذي حصل بين المثل والحكمة ويفسر وجود عدد كبير من الامثال التي لا تعرف حكاياتها .
ويرى البعض ان الحكمة انما تصدر عن نظرة صادقة ومضمون صادق كذلك فهي وليدة التجربة والعقل المفكر (18) .
اما المثل فانه ربما لا يتضمن فكرة ثاقبة او رايا سديدا ؛ ذلك ان غايته تشبيه حالة راهنة بموقف سابق ومشتهر بالذيوع . ويكاد هذا القول يخرج الامثال عن غايتها التربوية ودورها في تقويم الاخلاق وارشاد الناس الى الطريق السليم ،وينفي عن الامثال ما توصف به من انها " من ابلغ الحكمة "(19) ، ويقول ابو عبيدة معمر بن المثنى " الامثال من حكمة العرب في الجاهلية والاسلام وبها كانت تعارض كلامها "(20) .
مما يفيد ان الامثال تمتاز بالحكمة وبانها من وسائل الوعظ والتوجيه كما ان العرب لم تكن ترى ان ثمة حدودا فاصلة بين المثل والحكمة.
والامثال ترجع الى ثلاثة مصادر هي الشعر والانشاء العالي ولغة العامة والعرب لم تكن تشترط الاعراب عند اطلاق المثل ، فتلجأ الى ايراده في لغته الاصليه التي جاء بها ؛ وما ذاك الا حرصا منهم على نسبة النص الى اصله فيعرف انه انما نقل من موضعه ، ثم لادراكهم ان هذه الامثال انما اكتسبت الشيوع بسبب ما تحويه من قوة بيان ودقة بناء وجودة رصف ، وان تغييرها عن طريق بنائها لمما يلحق بها الضعف فكيف اذا نقلنا معناها مجردا ، ثم ان في ايرادها بلغتها الاصلية اي بنائها اللغوي الاصلي ما يزيد من قدرتها على اللمح وبعد الاشارة والحكمة لا تكاد تختلف في خصائصها عن ذلك وان قيل انها تختلف عن المثل في انه يقصد اليها قصدا فيما يصدر المثل عن عفوية وعدم اعمال للعقل ؛ بكون الغرض منه هو التعليق على موقف ما او حكاية معينة ؛ فمن الذي جوّز ان الحكمة لا يمكن ان تصدر عن عفوية مطلقة وبديهة جاضرة وقدرة على استلهام الفكرة التي تعبر عن الحدث ، والشعر العربي الذي هو مصدر من مصادر الحكمة يعتبر موطنا للبديهة الحاضرة ثم من يمكن ان يجزم انه لا يقف وراء هذه الحكم حكايات ومواقف وان قائلها قد آثر عدم ذكر الحادثة او فضل تركها في نفسه .
والتعريف السابق للحكمة يرى انها تحمل توجيهات انسانية وهذا يعني انها انما وضعت لغايات الوعظ والتوجيه الانساني ؛ وهذا القول غير دقيق في معظمه ، فالحكمة كذلك قد تصدر عن تجربة فردية وهي معنية بقضايا خاصة وحالات فردية خاصة .
وقد تحمل الحكمة معناً سلبيا حين يعمد واضعها على اقحام تجربته الشخصية وجعلها نموذجا يقاس عليه ومن ذلك ان يرافق المرء السلطان ثم لا يتفق ان يتوافقا ويسرع الخلاف الى نبذ الالفة بينهما ، مما يدفعه الى تحذير الناس من مرافقة اصحاب السلطان وعدم الاطمئنان لهم ، او ان يحب الرجل امرأة ما لكنها تهجره فهو يدعو الناس الى ترك ذكر النساء لانهن لا يحفظن عهدا وان عهودهن كمواعيد عرقوب او كريح الصبا .
وغير ذلك من الحكم التي تصدر في اغلبها عن تجربة ذاتية ومواقف شخصية لم توضع في اصولها لغايات الوعظ والتوجيهات الانسانية.
ان ذلك لمما يشير الى ان الفروق التي وضعت بين المثل والحكمة هي فروق ضيقة ، ولقد فطن القدماء الى هذه المسألة فكانت التداوين والتصانيف التي افردت لتناول الحكم والامثال لا تتناولهما كمصطلحين مختلفين بل تجمع بينهما دون الاشارة الى اي منهما بانه مثل او حكمة، ويقول الكلاعي في كتابه "احكام صنعة الكلام " وتحت عنوان (الحكم المرتجلة والامثال السائرة) " الحكم والامثال على ضربين فمنها ما روي باثناء الخطب والرسائل ومنها ما يأتي جوابا مرتجلا للسائل تقدمه القرائح دون روية وتنتجه الطبائع دون كلفة "(21)، وفهو بالاضافة الى كونه لا يفصل بينهما بشكل بين فهو كذلك لا يشترط ان يكون انشاء الحكم محتاجا الى اعمال للعقل وروية .
لقد تناول القدماء موضوع المثل والحكمة موضوعا واحدا متشعب الاطراف لكن دون ذكر لفروق تفصل بينهما وانما جاءت مسالة الفصل في مرحلة لاحقة حينما زادت العناية بالحكم فحاول الكتاب وضع قواعد واصول للحكم ثم ظهرت الحكم المصنوعة كما صنعت الامثال واخترع البعض لها الحكايات التي توافقها ولتزيد من علوقها في الذهن.
ان كان ثمة فرق بين المثل والحكمة فهو مرتبط بمقدار الشيوع والنتشار من جانب والايجاز والاختصار الذي يشترط في المثل ولا يشترط في الحكمة.


• حكم ابن شرف وامثاله ....1- المضامين

كان ابو الفضل بن شرف القيرواني واحدا من ابرز كتاب عصر الطوائف والمرابطين ممن جعلوا الاهتمام بالحكمة جل همهم فبرعوا في ذلك وحاولوا ان يضعوا قواعد واصولا حكمية مما تعلموه في حياتهم(22) وتظهر النصوص التي تحمل جملة حكمه وامثاله مدى الفهم الدقيق للحياة واستيعاب شؤون النفس الانسانية وتصوير علاقات الناس واساليب تعاملهم لا سيما وقد جمع مع ذلك جمال صياغة وسلامة فكرة فكان بذلك كمعظم اعلام البيئة الاندلسية الذين اصطبغوا بسلامة الفطرة ونفاذ البصيرة ومطاوعة اساليب القول في سبيل ايصال الفكرة .
ولبراعة ابن شرف سماه معاصروه بالاديب الحكيم(23) وكانت له تواليف حسان في الامثال(24) وتصانيف في الحكم الف منها ما الف وتقدم فيها وما تخلف (25) وبالرغم من ان هذه المؤلفات لم تصلنا الا ان النصوص التي اوردتها الكتب تفصح عن مكانة ابن شرف الادبية وعن قيمة هذه الحكم والامثال من خلال تصويرها لبعض جوانب الحياة وقدرتها على التغلغل في اعماق النفس البشرية ووضع القواعد والموازين لتقويمها.
وتتناول المضامين الحكمية جوانب مختلة اذ نجد حكما في السياسة وحكما في الحث على طلب العلم وفي الحث على الفضائل والاخلاق الحميدة,
وتظهر هذه المضامين من خلال الاساليب المختلفة التي تتنوع بين التحذير والاغراء والاقوال العامة التي تمثل بها الناس(26).
ومعظم هذه الحكم مما يحتاج الى اناة وروية وتدبر فهي تحمل رؤى وابعادا متعددة وهي تراوح بين المباشرة والوضوح وبين المعاني التي لا يمكن الوصول اليها الا باعمال للعقل وتودة وصبر وتدبر للنصوص.
فمن حكمه في السياسة قوله " الملتبس بمال السلطان كالسفينة في البحر ان ادخلت بعضه في جوفيها دخل جميعه في جوفه"(27).
ويحمل هذا القول توجيها للحث على عدم الاقتارب من مال الحاكم واستباحة اكله لانه مال الرعية والدولة باسرها ، فمن سمح لنفسه بالاستيلاء عليه كانما اباح لنفسه الوقوع في الزلل والابتعاد عن الحق والصواب ، ولا بد ان يقوده ذلك في النهاية الى الهلاك او نيل الجزاء الذي يستحق .
وقد يبدو هذا التفسير مقبولا لولا ان نسأل عن هذه الخصوصية في الحديث عن مال السلطان ، وهل يجوز ان يكون مال السلطان هو مال الشعب بالضرورة ، وهل يكون اراد من وراء هذا الحديث ان يحذر من الالتباس بالسلطان والاخذ من ماله ، انه انما يدعو الى عدم طلب العطاء من الملوك ومدحهم والقرب منهم بقصد التكسب لانك ان داهنته وصانعته اليوم لتكسب وده وكرمه اضطررت الى موافقته في كل شأن حتى تكون شريكا له في الاثم والظلم ، ومما يوافق هذا المعنى قول ابن المعتز " من شارك السلطان في عز الدنيا شركه في ذل الاخرة"(28)، وقولهم في المثل " من تحسى مرقة السلطان احرقت شفتاه بعد حين"(29) ، ثم ان العرب في امثالها قد الفت تشبيه السلطان بالبحر وقرنه به وقد حمل هذا الاقتران في اغلب الاحيان مدلولا سلبيا فقد ورد في حكمهم " لا تلبسن بالسلطان في وقت التباس الامور عليه واضطرابها ، فان البحر لا يكاد يسلم راكبه في حال سكونه فكيف عند اختلاف رياحه واضطراب امواجه"(30).
وقالوا كذلك "ثلاثة لا امان لهم :السلطان والبحر والزمان"(31)، ومن الامثال التي ترد في التحذير من ملابسة السلطان " ان كان البحر كثير الماء فانه بعيد المهوى" (32).
وغير هذه الامثلة الكثير مما وقع في كلام العرب واشعارهم فهل يبقى بعد ذلك مجال للتاويل في ان نص ابي الفضل يحمل دلالات ايجابية وفقما يرى احد الباحثين المعاصرين(33).
وهذه الحكمة التي صدرت عن ابي الفضل بن شرف انما تضع المرء امام ضرورة التروي لئلا يقع في مضنة الضلال والتلبس بالظلم فالتروي فضيلة ورب عجلة ساقت الندامة لصاحبها ويقول ابو الفضل في ذلك "الحازم من شك فروى وايقن فبادر"(34).فا لتاني من شروط الحزم وينبغي للعاقل ان يقدر العواقب ويتحرى الاسباب التي تضمن له النجاح لئلا يوقع نفسه فيما لايحب او يسارع الى اهلاك نفسه، والعرب تقول قي امثالها " قد احزم لو اعزم"(35).
ويؤكد ابو الفضل نفسه على هذا المعنى فيقول "رصد فقصد"(36).و"احتشد فتحرى الرشد"
(37). فما من قاصد الى امر الا ويحتشد له كل ما من شأنه ان يتمه على احسن وجه ،ولئلا ينصرف الذهن الى ان المقصود من التروي هو التباطؤ والتراخي في العمل فهو يقرنه بالشك ولو تحول الشك الى يقين فما من حاجة الى الروية لانها تعد حينئذ تقاعساََ ويقول في ذلك "هلا حلبت ما در وطب"(38) وطبعت والطين رطب "(39)،والطبع ابتداء صنعة الشئ ،فانت غير قادر على ان تصير الطين فخارا ان لم تبادر الى تشكيله وهو لا يزال رطبا لانك لا تنتفع به بعد جفافه ، والجزء الأول من هذه الحكمة هو دعوة الى ضرورة ان يكون ثمة ناتج لعملك مهما كان هذا الناتج قليلا.
ومن الموضوعات الاخرى التي عالجها ابن شرف القيرواني الحث على العلم والصفات التي ينبغي ان يتحلى بها طالب العلم .
فابن شرف يتناول العالم والمثقف الحريص على العلم والمعرة ومكانته في نفسه ثم في الناس وما هي الصورة التي يجدر ان توصل اليها هذه المكانة فيقول " العالم مع العلم كالناظر للبحر يستعظم ما يرى وما غاب عنه اكثر "(40). فعلاقة العالم مع العلم هي محبة واخلاص فكلما ازداد العالم محبة لعلمه زاد معرفة وادراكا وسعيا لكشف المسائل الغامضة وليوقن ان بحر العلم واسع وان الاحاطة بصنوفه امر لا يكون ولعل الفوائد التي تعود على العالم من هذا الفهم كثيرة ذلك انها تجعله اكثر تواضعا فهو لم يحط من العلم الا ما يسر الله له وان ابوابا كثيرة لا تزال مغلقة امامه كما ان لذلك اثرا في استقامة الشخصية وقوة اليقين والبعد عن الوساوس والهواجس.
وفي علاقة التعليم بالاستعداد النفسي والعقلي يقول ابو الفضل " التعليم فلاحة الاذهان وليست كل ارض منبتة "(41).
وفي ذلك اشارة الى ان التعليم وسيلة لا غاية فهو الاداة التي يستعين بها المرء لينتج ويثمرفكما ان الارض تفلح لتعطي الثمر فكذلك يستعين المرء بالعلم لينتج ويثمرفمن لم يملك الاستعداد العقلي ولم تكن له ي العلم رغبة فلن يمكنه ذلك من الانتاج والاستفادة مما يتلقاه من معلومات.
والنصيحة التي هي جزء من العلم اذا القيت في غير ارض مخصبة فانها لا تعطي اكلها ولا يستفيد منها متلقيها لذا فان من تعطى له هذه النصيحة ولا يأخذ بها انما هو المحروم كما يرى ابو الفضل " ليس المحروم من سأل فلم يعط وانما المحروم من اعطي فلم ياخذ"(42) ، وفي هذا المعنى يقول ايضا " رب سامح بالعطاء على باخل بالقبول"(43)وليس هذا العطاء الا ما يقدمه العالم من فرض النصح وليس هو العطاء المادي والا فان المعنى سيأتي مباشرا ليس فيه اشارة او تلميح.
وفي هذه الحكمة توجيه بضرورة اعطاء النصيحة لمن يستحقها ولمن تجد عنده الاصغاء والرعاية .
وقد اشارابو الفضل الى ضرورة ان يوضع الناس كل في منزلته بحسب ما يستحق فوضع العاقل في مكانه الذي يليق به انص له وادوم لنفعه ، وكذلك بالنسبة للجاهل فهو يوضع في مكانه الذي يستحق، يقول "اعلم ان الفاضل الذكي لا يرتفع امره او يظهر قدره كالسراج لا تظهر انواره ما لم يرفع مناره، والناقص الدنيء لا يبلغ لنفعه الا بوضعه كهوجل السفينة(44) لا ينتفع بضبطه الا بعد الغاية من حطه"(45) .
وهو اذ يتحدث عن مكانة العلم والعلماء وما ينبغي ان تكون عليه النظرة اليهم فانه كذلك يتحدث عما يجدر بالعالم ان يتحلى به من كريم الصفات التي تنهض به وبعلمه ويحذره من مسائل تزري به وتنقص من قدره ومن ذلك التسويف والمماطلة في الرد فيقول " لولا التسويف(46) لكثر العلم"(47)، وانما يكون التسويف عن عجز وكسل وعن طبع يميل الى الركون والراحة وكثرة التسويف انما تنتقص من قدر العالم وتذهب هيبته.
ويتناول ابو الفضل جوانب من السلوك الانساني الذي ينبغي للمرء التمسك به ، فمما يندرج في اطار العلاقات الاجتماعية الدعوة الى وجوب شيوع المحبة بين الناس ونبذ الخلافات والبغضاء واستبدال ذلك بالمحبة والمودة والالفة فمن يزرع الشوك لا يحصد به عنبا والعداوة لا تجر الا العداوة وانما قوام العلاقات الانسانية في رأي ابي الفضل هو السعي لاكتساب الناس لا انتظار المحبة دون تقديم شيء في سبيل ذلك يقول " لا محبة مع البغض ولا ألفة مع فقد الاحبة ومن لا ألفة له فهو وحيد مع الكثرة "(48) .
ولا غرو في ان البغض يجر الكثير من المعايب وهو آفة تجر الأذى لصاحبها ومن نقائصه أنه سبب في التحاسد والزراية والظلمتجر الأذى لصاحبها ومن نقائصه أنه سبب في التحاسد والزراية والظلم.
ويعمد ابو الفضل الى هذه النقائص فيكشف عن الآثار التي تخلفها وحديثه فيها حديث المجرب الذي ينطق عن تجربة انسانية يقول ي الحديث عن الظلم " اعلم ان البغي اعجل الذنوب عقوبة في الدنيا ، والباغي مصروع"(49)، وقد جاء في اشعار العرب ما يربط بين البغض والظلم فالظلم وكما يرى الشاعر هو من نتائج الظلم وكل من البغض والظلم يزل بصاحبه في الردى والهلاك
قضى الله ان البغي يصرع اهله وان على الباغي تدور الدوائر(50)
والظلم مكروه مستقبح وليس اشد من ان يسلط المرء نفسه سيفا على رقاب الناس ، وفي الحديث عن الحسد والابانة عن مجامع القبائح التي اشتملت عليها هذه الخلة المذمومة يقول " اعلم ان كل عدو يحتاج معه الى مجاهدة واستعداد للمدافعة الا من عاداك من حسد ، فانه قد كفاك جل امره وتولى دونك حرب نفسه لأن الحسود مغلول اليد مشغول بالكمد وهو ككاتم النار تحته ان خفضها احرقته وان رفعها فضحته"(51).
وذلك ان نار الحسد كاوية لحاملها وهي محرقة للحاسد في كل حالاته فهو ان جهر بالكره جر العداوة والبغضاء لنفسه ، وان صمت فلم يفصح عما يسر اكله الكمد فهو في الحالين سوء ونوء.
وفي التحذير من السخرية والزراية يجعل الزراية باب كل العيوب فيقول "واياك وعادة الزراية
فانها مجمعة العيوب وذلك ان الزراية نتيجة التيه ،والتيه نتيجة الكبر ،والكبر نتيجة الاعجاب ، والاعجاب نتيجة الجهل"(52).
وانما ينبغي للمرء كما يرى ان يعود الى نفسه فينظر الى ما فيها من نقص فلعل ذلك يدفعه الى تجنب الزراية والبعد عن مظاهرها التي تستمد اصولها من الجهل ،جهل الانسان بذاته وجهله بالنفس الانسانية التي لم ترزق الحظ من الكمال ،وربما سد الجهل مسالك البصيرة ليرى الانسان النقص في غيره ولا يراه في نفسه ،ويحذر ابو الفضل من ان يدرك المرء مثل هذا الاحساس لانه كسواه مقصر مرتكب للذنب وانما ينبغي ان يلوم نفسه قبل ان يلوم غيره وان يسعى لاصلاحها قبل ان يطلب الاصلاح لغيره ،يقول "يا ابن ادم تذم اهل زمانك وانت واحد منهم كان جميعهم الجريء وانت وحدك البريء كلا بل جنيت عليك فذكرت ما لديهم ونسيت ما لديك "(53)
وكما ان الزراية مجمعة العيوب كما يقول فان نيل انواع السيئات انما يرجع الى الهوى وهو ان لاصق المرء قاده الى اجتراح النواهي والمكاره وتسبب في المعاصي والاثام ،وما الخير كل الخير الا في ترك الهو ومجاهدة النفس فيقول " الهوى مهواة بصاحبه ومزلة براكبه ونيل انواع السيئات انما يرجع الى الهوى كما يرجع الناس الى قبائلهم ، ولو جاهد الناس اهواءهم ما احتاجوا الى شيء اخر ولو عصى الناس اهواءهم لقل اهل النار "(54) .
وفي الحث على القيم النبيلة تراه يحث على الصدق ويدعو اليه ويحذر من الكذب فيقول "اعلم ان الصدق امانة وعز والكذب مهانة وذلة والصدق انفة وقوة والكذب ضعف وخسة "(55)
ويرى ان الصد دليل الاصالة ونبل الاخلاق فيقول "قول الحق من كرم العنصر كالمرآة كلما كرم حديدها ارتك حقائق الصفات "(56)، فالصدق ميزان الاخلاق الكريمة وهو مصدر القوة وارفعة والانفة .
وفي باب الرضا بما قسمه الله للانسان يرى ان على الانسان ان يكون قنوعا راضيا بنصيبه من الدنيا ، فهذه القناعة تبعد عنه البغضاء والحسد الذي يجده في نفسه فيقول " لتكن بقليلك اغبط منك بكثير غيرك فان الي برجليه وهما ثنتان اقوى من الميت على اقدام الحملة وهي ثمان"(57)، فقليل الانسان الذي ينتفع به خير له من كثير لا يصله نفعه وربما كان هذا القليل على نزره اعم فائدة للناس من كثير لا ترجى فائدته .
بيد ان ابا الفضل الذي دعا الى القناعة والرضا كان يصل الى درجة من اليأس يتصور فيها ان كل اعماله وان اعد العدة لها لا تاتي كما يحب ويشتهي يقول " مثلي فبي عناء بلا غناء كما خض الماء زبده الزبد ووعده الابد"(58)،ويقول " ما استهديت بغير منار ولا اقتدحت بغير عفار،(59) ولكن حرمت الدر والضرع حافل "(60).
وهذه الحكم اذا نظرنا في مصدرها نجدها مبثوثة في رقعة بعث بها ابو الفضل الى رجل كان يكنى بابي عبدالله (61)، وفيها لوم وعتاب وهو يمهد لهذا القنوط الذي اصابه بقوله " بل لا والله واستغفر الله .. ما استظأت لغير منار .."(62).
فهو غير شاك بقضاء الله بل هو موقن به ، وليس يقصد من قوله اليأس من الفرج بل ان المتأمل لجملة حكمه يراها تنبثق عن عقيدة صافية وهي تستمد جملة اصولها من الدين وهي تحمل مجموعة من القيم والمثل العليا التي ينبغي التمسك بها والاهتداء بهديها.
وله في الحديث عن فضل الصمت واهميته ، فهو كما يرى وفي احيان عديدة يكون فاعلا فاعلية الكلام قادرا على انتزاع الحق ونيل السلامة فيقول " عجبت لمن يقدر على الغنيمة بالكلام كيف لم يقدر على السلامة بالسكوت "(63).
وبعد النظر في هذه المضامين نلاحظ انها قد حوت قدرا كبيرا من التصوير لجوانب حياة الناس والمجتمع بمختلف مظاهرها السياسية والثقافية والاجتماعية وبما يدل على اطلاع واسع وقدرة على استلهام التجارب واستخلاص العبر ، كل ذلك في قالب وعظي تتجلى فيه مظاهر الثقافة الدينية بصور متعددة .









خصائص البناء الفني..
عند الوقوف على الحكم والامثال التي صدرت عن ابي الفضل نجدها نصوصا مفعمة بالشعرية بمعناها الأدبي الواسع، فالألفاظلديه تحمل ايحاءات شعرية، كذلك فان بناء الجملة فهو يقوم على تجانس وانسجام وهو مفعم بالصور الشعرية .
وسنحاول ان نقف على طريقة بناء الجملة على مستوى التركيب والدلالة ثم تبين أهم الخصائص الفنية التي تميز هذه الحكم والامثال.
تمتازلغة الحكم والامثال بان اللفظة فيها منتقاة بعناية فهو حريص في استخدام ألفاظه يعمد الى تجويدها وتنميقها ، والجملة بوجه عام تميل الى الايجاز والتكثيف وجمال الصياغة.
ويبدو الحرص على جمال اليباجة لا في حسن اختيار الالفاظ ايقاعها وجودتها فحسب بل في المناسبة بين الفكرة والالفاظ ، وتلاحظ الدقة في استخدام المفردة والتي تجعل لكل مفردة معنى بذاته بعيدا عن الترادف الامر الذي يدل على تلك المعرفة الواسعة التي احاط بها ابن شرف والتي مكنته من التعمق في ميدان اللغة وادراك لاسرارها ومعرفة الفروق الدقيقة بين مترادفاتها ، من ذلك قوله " ..ان الزراية نتيجة التيه والتيه نتيجة الكبر والكبر نتيجة الاعجاب.."(64)، فالفروق بين التيه والكبر والاعجاب فروق دقيقة ، التيهيعني الصلف والكبر (65)فيما يدل الكبر على الاثم والبطر في الحق(66) ، والاعجاب يعني الزهو والمعجب هو الانسان المزهو بنفسه (67) .
وهو يستعمل الكلمات بمعانيها المجازية كقوله "هوجل السفينة"(68) ، وهو استعمال مجازي لم تألف العرب استخدامه.
من الملاحظ على هذه الحكم انها تبدأ في معظمها بقوله "اعلم ان ..."(69)، وخاصة تلك التي اجتزئت من رسالته " سر البر" ويفيد هذا الخطاب ان هذه الرسالة انما كانت موجهة الى شخص ما بقصد النصح والتوجيه ، كما انها تشي بالوصول الى خلاصة التجربة حديث الواثق مما يقول ، كما تتنوع هذه الاستهلالات في اساليب مختلفة كالتحذير والاغراء والاساليب الانشائية من نهي وامر وتعجب.
ثم ان هذه الحكم تحوي قدرا من المحسنات البديعية كالجناس والطباق والمقابلة والسجع.
فالجناس يظهر في كلمتي "ادباره وابداره" في قوله "..فالقمر آخر ابداره اول ادباره"(70) ،وفي كلمتي "رصد وقصد" وقوله "العتب الى العتبى ذريعة"(71)، وجميعها من امثلة الجناس الناقص ، اما المقابلة فهي لا ترد في الجمل فحسب بل ان ثمة بناء كاملا للصورة يمكن ان تتم فيه المقابلة ومن امثلة ذلك قوله " لتكن بقليلك اغبط منك بكثير غيرك فان الحي برجليه وهما ثنتان اقوى من الميت على اقدام الحملة وهي ثمان "(72) فهو يقابل بين صورة الحي الذي تحمله قدماه وصورة الميت الذي تحمله اقدام ثمانية هي اقدام الحملة .
وتظهر المقابلة كذلك في قوله " لتكن بالحال المتزايدة اغبط منك يالحال المتناهية فالقمر آخر ابداره اول ادباره"(73) ،فهو يقابل بين صورتين وحالين مختلفين كما ان الرؤية التي يطرحها تشكل تقابلا كذلك ففي الحال الاولى "الحال المتزايدة " يبدو الزمن اكثر بطئاوالموقف اشد وضوحا فيما تشي الحال الثانية "الحال المتناهية "بان الايقاع الزمني آخذ بالتسريع ففي التناهي يتم كل شيء بصورة سريعة ، وعلى الرغم من ان ابا الفضل يحاول ان يعبر عن هذه الفكرة بما يعززها من تشبيه وتمثيل الا ان هذا المثال يخفق في تحقيق التماثل التام بين جانبي الصورة ومن امثلة التقابل التي وردت في نصوصه قوله "... ان ادخلت بعضه في جوفها دخل جميعا في جوفه"، و"حرمت الدر والضرع حافل".
اما الطباق فانه من اكثر المحسنات شيوعا ومن امثلته (الحي والميت) و (المتزايدة والمتناهية )وكلمتي (شك و ايقن ) و ( روى وبادر)في قوله "الحازم من شك فروى وايقن فبادر "(74).
والسجع يظهر في قوله " توصل الهمم كتوسل الذمم"(75) وقوله "رصد فقصد" و " مثلي في عناء بلا غناء كما خض الماء زبده الزبد ووعده الابد "(76).


الصورة الفنية : .....
يظهر التشبيه بانواعه واضحا في حكم ابن شرف القيرواني وهو سمة بارزة لها ويستخدمه الكاتب وسيلة يستعين بها على تقريب الصورة وتوضيحها بشكل يجليها ويزيدها قدرة على حمل الايحاءات المختلفة .
ويتضح التشبيه المفرد في قوله " العالم مع العلم كالناظر للبحر .." فلعلم بحر وهذا تشبيه مألوف يشير الى علو مكانة العلم وسعته التي تماثل سعة البحر ، ومن التشبيهات قوله " الفاضل في الزمان السوء كالمصباح في البراح قد كان يضيء لو تركته الرياح "، فالفاضل كالمصباح في النور الذي يصدر عن كليهما (نور الفضيلة ونور الاضاءة) ولكنه يرى كذلك انهما يشتركان في انعدام الفاعلية المصباح في البراح مع الرياح كالفاضل في زمان السوء كلاهما لا يعطي الفائدة منه ، فهل يتساوى التشبيه بين عنصر مادي لا يملك الحول بوجود الرياح مع عنصر بشري هو الفاضل الذي ينتظر منه الفعل في زمان السوء .
ومن تشبيهاته كذلك "الملتبس بمال السلطان كالسفينة في البحر ..."، وقوله " الفاضل الذكي ..كالسراج .. والناقص الدنيء كهوجل السفينة".
وتتعد انواع الصور في حكمه فتظهر الصورالبصرية المتمثلة بالصور اللونية والصور الحركية ، فترصد الدراسة تكرارا للالوان الصادرة عن الضوء والاشعاع وتظهر في التشبيهلت الايجابية على نحو ( كالمصباح ، كالمرآة ، القمر ، كالسراج ، انوار ، منار ) ، اما اذا اراد تصوير حالة سلبية فان مفردات التشبيه تصدر عن الضوء والاشعاع ولكنها ترتبط بالنار ومن ذلك ( اقتدحت ، النار ، احرقته ، عفار ).
اما الصور الحركية فتظهر في قوله " الملتبس بمال السلطان كالسفينة في البحر ، ان ادخلت بعضه في جوفها دخل جميعها في جوفه"(77)، ويعطي هذا الوصف تصويرا رائعا للحالة فيبدأ المشهد بدخول الماء في جوف السفينة ثم لا يلبث ان ينقلب الوضع فتدخل السفينة الى الماء وهو مشهد مفعم بالحركة والاثارة .
وفي الحديث عن الحسد يشبه الحسود بكاتم النار تحتهفيقول "... وهو ككاتم النار تحته ان خفضها احرقته وان رفعته فضحته"(78)، ولئن كان تشبيه الحسد بالنار يبدو مألوفا في الادب العربي ، الا ان هذه الصورة التي جاء بها ابن شر ف جديدة من حيث تجليات الحركة فيها ، فالحسد كالنار التي يخفيها المرء تحته ، واثر الحسد يبدو قاسيا على صاحبه في حالي اخفائه واظهاره ، وتشكيل الصورة وفق هذه الرؤيا يبدو جميلا ومفعما بالشعرية على الرغم من قسوة الوصف الذي تبرزه الصورة .

مصادر الصورة : ...

من ابرز الخصائص الفنية التي تظهر في امثال ابي الفضل وحكمه ان مصادر الصورة فيها تنهل من معين البيئة الاندلسية ، ومن يطالع هذه الامثال والحكم يجد انها تفصح عن الجو العلمي والثقافي الذي كانت تعيشه الاندلس ويظهر ذلك من نوع التوجيهات التي تطرحها ، ومن ناحية احصائية نجد ان اغلب المضامين تناولت الحديث عن العلم واهميته ومن المفردات التي وردت في ذلك ( العالم ، العلم ، الفاضل ، التعليم ، الاذهان، الذكي ).

اما المفردات التي ترتبط بالبيئة فقد تناولت هذه المفردات جملة البيئات الاندلسية ، البيئة البحرية وتظهر من خلال الالفاظ التالية ( البحر ،السفينة ، الهوجل (المرساة) ، الزبد ).
اما البيئة الريفية فتظهر في قوله ( التعليم فلاحة الاذهان وليست كل ارض منبتة ) و (طبعت والطين رطب ) .
ةتظهر الصحراء والبيئة الرعوية من خلال المفردات (البراح ، عفار ) ، وقوله ( كما خض الماء زبده الزبد )، وكذلك ( حرمت الدر والضرع حافل ) و ( هلا خلبت ما در وطب ...) .
ومعظم الصور التي جاءت في حكمه كانت تنهل من ثقافة دينية وأدبية وتظهر الثقافة الدينية في جملة حكمه وامثاله من خلال ما تحويه من مضامين ومفردات، ومن هذه المضامين القناعة والرضا بما قسمة الله ، ومن مفرداته ما يرد في مثل حديثه عن اتباع الهوى حيث يقول " اعلم بان الهوى مهواة بصاحبه ومزلة براكبه ونيل انواع السيئات انما يرجع الى الهوى كما يرجع الناس الى قبائلهم ، ولو جاهد الناس اهواءهم ما احتاجوا الى شيء اخر ولو عصى الناس اهواءهم لقل اهل النار ". اذ ترد المفردات التالية ( السيئات ، جاهد، عصى ، اهل النار ) ، وهذه المفردات ترتبط بثافته الدينية ، والمعنى الذي تتضمنه هذه الحكمة يستمد اصوله من قوله تعالى (( ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى نمن الله ))( 79) ، وقوله تعالى (( أفرأيت من اتخذ الهه هواه واضله الله على "(80) ، وتقوده هذه الثقافة أحيانا الى المبالغة في اطلاق الاحكام التي لايقصد منها الا الى معناها العميق ومن ذلك قوله " ذم المقصر حد من حدود الله "(81) .
أما ثقافته الادبية فهي بارزة كذلك ، وهي تنهل من معين الأدب بمختلف أصنافه فمن تأثر بالشعر الى تأثر بالحكم والامثال المأثورة .
في قوله "اعلم ان البغي اعجل الذنوب عقوبة في الدنيا والباغي مصروع " فان هذه المقولة قد استفادت من قول الشاعر :
قضى الله ان البغي يصرع اهله وان على الباغي تدور الدوائر(82)
وتقول العرب في امثالها " ظلم المرء يصرعه ".


اما في حديثه عن الحسد فهو يقول " ....كل عدو يحتاج معه الى مجاهدة ... الا من عاداك من حسد ..." وذلك قريب من قول الشاعر
كل العداوة قد ترجى اماتتها الا عداوة من عاداك من حسد ( 83)

اما قوله " عجبت لمن يقدر على الغنيمة بالكلام كيف لم يقدر على السلامة بالسكوت"، فان هذا القول يتوافق في الفاظه مع ما جاء في المثل العربي القائل "ان غلبت على القول لم تغلب على السكوت"(84).
وفي الحديث عن الصدق يقول " اعلم ان الصدق أمانة وعز والكذب مهانة وذل والصدق انفة وقوة والكذب ضعف وخسة "، وهو في هذه المقولة يصدر عما جاء في قول علي بن ابي طالب في حديثه عن الصدق " الصدق عز والكذب مذلة ومن عرف بالصدق جاز كذبه ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه "(85).
والملاحظ على حكمه انها تستمد اصولها من الحكم والامثال المشرقية او العربية وانها تفصح عن مخزون فكري وثقافي استطاع ابو الفضل بن شرف ان يعبر عنه من خلال تنوع المضامين والاساليب .


*** الحكم والامثال الواردة في نثر ابن شرف القيرواني : ...

1- " الملتبس بمال السلطان كالسفينة في البحر ان ادخلت بعضه في جوفها دخل جميعه في جوفه".
2 - " ذم المقصر حد من حدود الله
3 - " اعلم بان الهوى مهواة بصاحبه ومزلة براكبه ونيل انواع السيئات انما يرجع الى الهوى كما يرجع الناس الى قبائلهم ، ولو جاهد الناس اهواءهم ما احتاجوا الى شيء اخر ولو عصى الناس اهواءهم لقل اهل النار ".
4 - " مثلي في عناء بلا غناء كما خض الماء زبده الزبد ووعده الابد ".
5 - " توصل الهمم كتوسل الذمم"
6 - " لتكن بقليلك اغبط منك بكثير غيرك فان الحي برجليه وهما ثنتان اقوى من الميت على اقدام الحملة وهي ثمان "
7 - " لتكن بالحال المتزايدة اغبط منك يالحال المتناهية فالقمر آخر ابداره اول ادباره"
8 - " ما استهديت بغير منار ولا اقتدحت بغير عفار"
9 - " الفاضل في الزمان السوء كالمصباح في البراح قد كان يضيء لو تركته الرياح"
10 - "الملام حيث الذمام ، والعتاب من خلق الكرام وكف الملام قطيعة الارحام"
11 -" اعلم ان البغي اعجل الذنوب عقوبة في الدنيا ، والباغي مصروع"
12 -" عجبت لمن يقدر على الغنيمة بالكلام كيف لم يقدر على السلامة بالسكوت "
.13 - " حرمت الدر والضرع حافل "
14- "اعلم ان الصدق امانة وعزة والكذب مهانة وذلة والصدق انفة وقوة والكذب ضعف وخسة "
15- "قول الحق من كرم العنصر كالمرآة كلما كرم حديدها ارتك حقائق الصفات "
16- " لا محبة مع البغض ولا ألفة مع فقد الاحبة ومن لا ألفة له فهو وحيد مع الكثرة "
17 - " العتب الى العتبى ذريعة"
18- " اعلم ان كل عدو يحتاج معه الى مجاهدة واستعداد للمدافعة الا من عاداك من حسد ، فانه قد كفاك جل امره وتولى دونك حرب نفسه لأن الحسود مغلول اليد مشغول بالكمد وهو ككاتم النار تحته ان خفضها احرقته وان رفعها فضحته"
19 - "اياك وعادة الزراية فانها مجمعة العيوب وذلك ان الزراية نتيجة التيه، والتيه نتيجة الكبر ،والكبر نتيجة الاعجاب، والاعجاب نتيجة الجهل"
20 - "يا ابن ادم تذم اهل زمانك وانت واحد منهم كان جميعهم الجريء وانت وحدك البريء كلا بل جنيت وجني عليك فذكرت ما لديهم ونسيت ما لديك "
21 - "اعلم ان الفاضل الذكي لا يرتفع امره او يظهر قدره، كالسراج لا تظهر انواره ما لم يرفع مناره، والناقص الدنيء لا يبلغ لنفعه الا بوضعه، كهوجل السفينة لا ينتفع بضبطه الا بعد الغاية من حطه"
22- "
23- "الحازم من شك فروى وايقن فبادر"
24 - "رصد فقصد"
25-"احتشد فتحرى الرشد"
26- "هلا حلبت ما در وطب وطبعت والطين رطب "
27- " العالم مع العلم كالناظر للبحر يستعظم ما يرى وما غاب عنه اكثر "
28 -" التعليم فلاحة الاذهان وليست كل ارض منبتة "
29 - " ليس المحروم من سأل فلم يعط وانما المحروم من اعطي فلم ياخذ"
30 - " رب سامح بالعطاء على باخل بالقبول"
31" لولا التسويف لكثر العلم "
32 - " رب راق بوسيلة ذي اشتياق واستباق الى فضيلة"
33 - " ليس على عاشق الفضل جناح "
34 - " وضعت ليلا وارضعت غيلا "
35 " ان اهل البلاء يتأسى بعضهم ببعض "

غازية منصور
15/06/2009, 09:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

د لقمان شطناوي بحث قيم ، فمن لايعرف الماضي لاعلاقة له بالحاضر

مصافحة أولى لهذه المثل والحكم في الرسائل الفنية الأندلسية

ولي عودة بعد القراءة الثانية.


شكراً لهذا التميز مع خالص التقدير

د لقمان شطناوي
16/06/2009, 07:06 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
د لقمان شطناوي بحث قيم ، فمن لايعرف الماضي لاعلاقة له بالحاضر
مصافحة أولى لهذه المثل والحكم في الرسائل الفنية الأندلسية
ولي عودة بعد القراءة الثانية.
شكراً لهذا التميز مع خالص التقدير

الأستاذة والأديبة المبدعة غازية منصور
لقد زينت هذا البحث بقراءتك له ،أشكرك على هذا المرور، ودمت متالقة مدهشة في شعرك ونثرك.