المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير التاريخ الإسلامي



نبيل الجلبي
08/02/2009, 12:51 AM
تفسير التاريخ الإسلامي

د. ماجد عرسان الكيلاني

كل بحث في التاريخ الإسلامي لابد أن يسبقه وعي تام وإحاطة كاملة بفلسفة هذا التاريخ واستراتيجياته التي غذت نشاطاته ووجهت مسيرته . وفقدان هذه الفلسفة والإستراتيجية فتح الباب- وما زال مفتوحاً – ليكتب هذا التاريخ في ضوء فلسفات غير إسلامية ، وهي كتابات غير علمية ولا موضوعية لأنها خالفت ابسط قواعد التاريخ ومناهج البحث التاريخي التي تشترط استنباط فلسفة تاريخ أي مجتمع من العقيدة التي قام عليها وشكلت منجزاته وغذت تطبيقاته ومنحتها سماتها المميزة في ميادين النشاط المختلفة وهي كتابات لإتراعي وحدة الظاهرة التاريخية ولا تعي دور السنن الإلهية التي تنطق عن نفسها بدون لسان وتخبرنا أن سوابق العزائم لاتخرق أسوار هذه السنن التي توجه وقائع التاريخ وتحدد مساراته.
لقد قام المجتمع الإسلامي على عقيدة الإسلام التي اعتبرت الأمة الإسلامية مسئولة عن تحرير الشعوب والأمم الأخرى من الجاهليات ونقلها إلى حياة تترجم فيها نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية إلى تطبيقات وأعمال ومشاعر وأخلاق وأوضاع وأنظمة .ولقد أوضح القران الكريم طبيعة هذه الوظيفة بقوله تعالى : ( كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ).سورة آل عمران آية 110
فقيام الرسول صلى الله عليه وسلم إذن بتبليغ الدعوة الإسلامية للعرب وإعدادهم إعدادا إسلاميا لم يكن هدفه بناء الأمة العربية ثم إخراجها ليستبدل الناس حكم فارس والرومان بحكم عدنان وقحطان ،وإنما كان وسيلة لغاية هي خروج العرب برسالة الإسلام وتطبيقها في حياة الناس . ولم يكن هذا الهدف مجرد شعار وإنما كان إستراتيجية تبناها الرسول صلى الله عليه وسلم والتزامها الخلفاء والقادة والمفاوضون الإسلاميون في كل المواقف .من ذلك وفود المفاوضين الذين أرسلهم عليه السلام إلى حكام الدول المعاصرة آنذاك .ومنها ما ورد على لسان ربعي بن عامر احد المفاوضين الذين بعثهم سعد بن أبي وقاص قبل القادسية إلى رستم . فقد سأله رستم ما الذي جاء بكم ؟ فأجاب ربعي بن عامر : الله ابعتثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ,ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا و الآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام . وتذكر المصادر الإسلامية مفاوضا آخر هو المغيرة بن شعبة الذي فصل هذا الهدف وشدد عليه حتى ضاق به رستم وأرسل يطلب مفاوضا غيره ،فبعث له سعد وفدا أجرى مع رستم حديثا طويلا تخللته عروض مادية وهبات عينية تكفل رستم بدفعها للجيش العربي الإسلامي إلا أن جواب الوفد كان : ( أتيناكم بأمر ربنا ،نجاهد في سبيله وننفذ لأمره وننتجز موعوده ،وندعوكم إلى الإسلام وحكمه فإن أجبتمونا تركناكم ورجعنا وخلفنا فيكم كتاب الله ، وان ابيتم لم يحل لنا إلا أن نعاطيكم القتال أو تفتدوا بالجزية ، فان فعلتم وإلا فأن الله قد أورثنا أرضكم وأبناءكم وأموالكم . فأقبلوا نصيحتنا ، فوا لله لإسلامكم أحب إلينا من غنائمكم ) (الطبري ،تاريخ الرسل والملوك ،ج3( دار المعارف بمصر1962 ) ص 520-528
والباحث في القران والسنة يرى تشديد ا كبيرا على قيام المسلمين بهذه الوظيفة وان بقاء الأمة وسيادتها مرهون بقيامها بهذه الو ظيفة العظيمة ( وان تتولوا يستبدل قوما غيركم )سورة محمد آية 38
والمناخ الأخلاقي الذي يشترطه الإسلام لأداء هذه الوظيفة مناخ تتجسد فيه مبادئ العبودية والأخوة الإنسانية ، فهو يجرد الطليعة القائمة بهذا الواجب من كل انجاز ويسد الباب أمام إفرازات العزة القومية والتعالي اللذين قد ينتجان عن أداء الدور الحضاري المشار إليه بين الشعوب . فإذا انجزت الأمة أي نصر عسكري للإسلام ، وإذا فتحت قلوب الشعوب لمبادئه وحضاراته فان رد الفعل الذي يجب أن يكون بين المسلمين هو الحذر من الفخر والاستغفار من كل فلتة لسان تخالف ذلك وممارسة التواضع والتبري من كل حول ( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا ) سورة النصر
والانحراف عن هذا السلوك معناه عزل الأمة عن هذا الدور وهو ما وضحه صلى الله عليه وسلم بقوله : ( إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمها أبناء فارس والروم سلط الله قلوب بعضهم ببعض ) الترمذي ، السنن ،ج1 تحقيق عزة التاريخ الدعاس 0 حمص : 1967-1387هـ ) ص39 الغزالي الإحياء ،ج4 ، ( القاهرة : المكتبة التجارية الكبرى ) ص 339 نقلا عن الترمذي وابن حبان.
واستنادا إلى هذه القواعد خرجت جيوش الفتح وبعوثه الفكرية لتعيد تخطيط حياة الشعوب على أسس إسلامية خالصة وطبقا لإستراتيجية مرحلية واضحة.
استراتيجيات الفتح الإسلامي
اعتمدت حركة الفتح الإسلامي في كل بلد وصلت إليه على إستراتيجية محددة راعت قوانين الاجتماع وطبائع الأمم والأفراد وأحوال البلدان المختلفة وهذه الإستراتيجية تقسم إلى مراحل أربع هي :-
أولا - مرحلة دعوة الحكام وقادة الشعوب للأخذ بمبادئ الإسلام وتزكية شعوبهم من الجاهليات وقد بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المرحلة بعد أن ثبت دعائم دولته الجديدة في جزيرة العرب . فأخذ في السنة السادسة للهجرة في إرسال رسل من قبله إلى أمراء النواحي وملوك الدول المعاصرة يعرض عليهم دعوة الإسلام وان يسمحوا لدعاته بحرية القول والنشر . وقد سار الخلفاء فيما بعد على هذه السنة وشروطهم الثلاثة التي اشتهرت في التاريخ معروفة وهي الإسلام أوالجزية أو القتال .
ثانياً - مرحلة الجهاد العسكري وغاية هذه المرحلة التصدي لقوى البغي والعدوان التي تحارب الدعوة الإسلامية وتقيم العوائق في طريقها وتتآمر على الإسلام والمسلمين لإزالة الحواجز التي وقفت في طريق الدعوة الإسلامية وهي لازمة في حالة عدم فاعلية المرحلة الأولى . ولذلك كان لابد من التصدي لمن يعادي الدعوة ويقف حاجزا في سبيلها وحاميا للشرك والفساد والظلم والاستعباد . ومن هذا المنطلق خرجت جيوش الفتح الإسلامي للقيام بهذه المهمة الجليلة.
ثالثا – مرحلة إخراج الشعوب من الجاهليات وإعدادها إعدادا إسلاميا كانت جيوش الفتح الإسلامي تتألف من قسمين فرق الجهاد العسكري عملها القضاء على الطبقات الحاكمة المتسلطة، وبعوث ثقافية عملها إحداث التغيير في العقائد والقيم والعادات والتقاليد وتوجيه الطاقات الفكرية والإنتاجية وجهتها الصحيحة . وقادة هذه الجيوش من أمثال عبدا لله ابن مسعود وأبي موسى إلا شعري في العراق ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء في الشام وعبد الله بن عمرو بن العاص في مصر. وتطبيق هذه المرحلة كان يتم على خطوات فكان المسلمون إذا فتحوا بلدا سارعوا إلى تجفيف منابع الفساد والانحراف السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديني وما شابه ذلك ثم تأتي الخطوة التالية في إقامة حواضر إسلامية حيث تؤسس المساجد والمدارس وكلها كانت قواعد فكرية تعرف الناس بمبادئ الإسلام، ومراكز تدريبية تدربهم على العيش طبقا للنموذج الذي تطرحه قيم الحياة الإسلامية.
لم تتم هذه المرحلة دون مضاعفات وتكاليف إذ لم تكن إلا مواجهة طويلة بين رسالة الإسلام وبين الجاهليات السابقة في كل بلد وصل إليه الفتح الإسلامي . فقامت مواجهات تسلحت بالاغتيال السياسي تارة وبالفكر والعقيدة والثقافة تارة أخرى وظهرت نحل وأحزاب رفعت لواء هذه المواجهة وتذرعت بذرائع مختلفة ولكن الحضارة العربية الإسلامية خرجت منتصرة من هذه المواجهات وهضمت شعوبا وأمما تخلت عن عقائدها وقيمها وأوضاعها السابقة واستبدلت بها عقيدة الإسلام وقيمه ونظمه والأمثلة على ذلك كثيرة فنحن نقرأ في كتب التاريخ إن بروز الطابع الإسلامي ظهر واضحا في مصر عام 239 هـ في حين أن الفتح العسكري حدث قبل ذلك بقرنين ونيف ، وقل مثل ذلك في الشام والعراق والمغرب العربي وفارس وتركستان وأفغانستان وغيرها ، فجميعها كانت المسافة طويلة بين الانتصار العسكري والفتح الحضاري ولذا لايمكننا القول أن سعد بن أبي وقاص هو فاتح العراق ولا عمروا بن العاص هو فاتح مصر ولا غيرهما من القادة العسكريين فحسب وإنما الذين قاموا بالدور الأكبر من الفتح في كل بلد دخله المد الإسلامي هم أولئك الذين قضوا على إلا وضاع الدينية والثقافية والاجتماعية السابقة واحلوا محلها أوضاعا إسلامية جديدة.
ووقوفنا على طبيعة هذه المواجهة يفيد الباحثين في مجالات كثيرة فهو يكشف عن العبء الذي حمله العرب المسلمون في سبيل رد الإنسانية إلى الفطرة الصحيحة والصراط القويم . ويجعلنا لا نستغرب حين تطالعنا بعض الظواهر السلبية خلال هذه المرحلة فنظن أنها تنال من الصورة المشرقة لهذا التاريخ أو نظنها دليلا – كما يحلوا للبعض أن يصور – بأن الإسلام لم يطبق إلا في عهود الراشدين ، لقد واجه المد الإسلامي في الأقطار التي وصل إليها ركاما من الجاهليات المتباينة والأوضاع الشاذة . ولم يكن من المعقول أن يقضي عليها دفعة واحدة وإنما دخل معها في معركة طويلة الأمد . معركة تفوق المعركة التي خاضها مع الجاهلية العربية في الجزيرة عشرات المرات ومن هنا ليس غريبا أن يكون من أثار هذه الظواهر والمعارك منها اغتيال الخلفاء الراشدين الثلاثة: عمر وعثمان وعلي،وأمثال هذه التضحيات الجسام، وانما المهم هو الانتصار على الأوضاع الشاذة وإقرار منهج الحضارة الإسلامية دون النيل من صفاء أصولها وهو ما حدث بالفعل.
رابعا :- مرحلة نضوج الشعوب وإسهامها في نشر الإسلام وتحرير الشعوب الأخرى من الجاهليات .
حرصت الإستراتيجية الإسلامية على امتصاص العناصر الحيوية في كل شعب بعد أن يكتمل إعداده إعدادا إسلاميا كما مر في المرحلة السابقة كما حرصت على توزيع الأدوار فقد اعد الرسول صلى الله عليه وسلم عرب الجزيرة مقدار ثلاث وعشرين سنة يهذب نفوسهم ويحرر عقولهم ويدربهم على معاني القيادة الصالحة التي تبلغ رسالة الله حتى إذا نضجوا حملوا لواء الإصلاح العالمي ومضوا يجاهدون مقدار قرن من الزمان ويعملون على إعداد الشعب في كل من العراق وفارس والشام ومصر حتى إذ اكتمل إعداد هذه الشعوب في الأقطار المذكورة تسلمت الراية ودخلت ميدان العمل وساهمت في نشر الدعوة الإسلامية ثم شاركت في إشادة الحضارة الإسلامية وهكذا طوال عصور التاريخ الإسلامي .
والواقع انه يصعب تقدير الحكمة التي اتصف بها هذا المخطط فبالإضافة إلى انه يمد الرسالة الإسلامية بعناصر حيوية متجددة فانه يلائم الطبيعة الجغرافية للأقطار التي دخلها الفتح الإسلامي . فالعرب سكان صحارى وقطاعات سهلية حملوا الدعوة حتى مشارف القطاعات الجبلية والبحرية حيث توقفوا وسلموا الراية للشعوب المسلمة في فارس وإفريقيا بعد نضوجها . ولذلك لم تقف هذه العوائق الطبيعية أمام هذه العناصر الجديدة لأنها الفتها واعتادت عليها .
والمخطط المذكور يلائم الناحية البشرية كذلك لان طبيعة الحوار بين الشعوب والأمم يجعل بينها من العلاقات البشرية والتجارية والثقافية وأحيانا يقيم جسورا للاتصال والتفاهم الأمر الذي يسهل عملية التفاعل الفكري والاجتماعي .
وهو مخطط يلائم الإستراتيجية العسكرية فحين يقوم شعب بقيادة الفتح الإسلامي إلى منطقة مجاورة فان قواعده العسكرية والتموينية تكون قريبة ومأمونة الاتصال كما تحاط هذه المراكز والقواعد بالمشاركة الوجدانية والتعبئة العامة التي تحيل الشعب جميعه إلى جيش مجاهد ومعين للجند لا ينضب.
والخروج على هذا المخطط ساهم في فشل المد الإسلامي في المناطق التي شاهدت هذا الخروج، ومن ذلك ما حدث في الأندلس . فقد اندفعت الجيوش العربية الإسلامية فيما وراء البرانس ولكنها لم تستطع اختراقهم لأنها لم تالف مثل هذه التضاريس وأثارت أوروبا للتحفز واليقظة في الوقت الذي أهملت فيه إعداد الشعب أعدادا إسلاميا . لقد كان الواجب على قادة المد الإسلامي في الأندلس أن يتوقفوا فيها ليركزوا جهودهم لإعداد الشعب الإسباني إعدادا إسلاميا حتى إذا نضج حمل الراية واندفع في قلب أوروبا ولو تم ذلك لتغير وجه التاريخ .
ووقوفنا على طبيعة هده المرحلة يجعلنا قادرين على تفسير عدة أمور تتعلق بالتاريخ الإسلامي الأول ـ لماذا انفرد العرب المسلمون بقيادة الفتح الإسلامي والإدارة الإسلامية زمن الراشدين والأمويين . وذلك لأن العرب المسلمين كانوا هم الناضجون في مجال الإعداد الإسلامي دون غيرهم . ومن الغريب أن كثيرا من المؤرخين أساءوا فهم هذه الظاهرة فنسبوا إلى القيادة الأموية تهمة التعصب للعرب دون غيرهم مستندين إلى ما قامت به القيادة من تعريب للدواوين والإدارة واللغة والقيادة وغيرذلك . والواقع أن هذا الرأي يتجاهل ـأو هو لا يعرف ـ الإستراتيجية الإسلامية، ذلك أن القيادة الأموية لم تعرب القيادة والإدارة وإنما هو أمر انحدر إليها من القيادة الراشدة وله أسبابه العقائدية
وأما اللغة العربية فهي إنجاز إسلامي بالدرجة الأولى ، والإسلام هو الذي رفعها لتصبح لغة بعد أن كانت لهجة من اللهجات المنتشرة في الجزيرة ،وبدونها لن تستطيع الشعوب التي دخلت ضمن نطاق المد الإسلامي أن تتصل بمصادر الدين الجديد وخاصة القرآن الكريم صانع اللغة العربية . ولذلك كان تعريب الدواوين واللغة أمرا يأتي في صلب الإستراتيجية الإسلامية .
والأمر الثاني هو ارتباط مخطط المد الإسلامي بمدى توفير المناخ الأخلاقي وهيمنة الروح الإسلامية على الفاتحين ذلك إن مراحله وخاصة مرحلة العمل على إخراج الشعوب من الجاهليات تقتضي تجرد العناصر الفاتحة من رؤية الذات والإخلاص للمبادئ الإسلامية وإلا فقدت حركة الفتح الإسلامي ميزاتها التي تفردت بها بين حركات المد العسكرية أو الحضارية التي شاهدها التاريخ وأصبح تقبل الشعوب الجديدة للعقيدة الإسلامية أمرا صعبا للغاية وهو الأمر الذي أهمل في الأندلس حيث شغل الفاتحون بالتمتع بخيرات البلاد المفتوحة ومشوا المطيطاء وخدمهم أبناء الروم ـ كما يقرر الحديث النبوي فضرب الله قلوبهم بعضها ببعض وظلت تنال منهم العصبيات القبلية والعرقية وظلوا عناصر غريبة في المجتمع الجديد لم يتذوقهم ولم يهضموه إلى أن تم إخراجهم نهائيا .
والأمر الثالث أن المد الإسلامي ارتبط ارتباطا كبيرا بحيوية البعوث الفكرية وبقائها ناضجة محيطة بمهام
رسالتها محتفظة بمكانتها حيث الفكر يوجه السياسة فالعصور الإسلامية التي شاهدت قيادات فكرية ناضجة
محتفظة بمكانتها و البلاد التي دخلتها بعوث إسلامية ناضجة العناصر كذلك رسخت خلالها وفيها الصبغة الإسلامية وطبعت بطابع جديد في العقيدة والاجتماع وودعت ماضيها الجاهلي إلى غير رجعة أو ضعفت علاقتها بالماضي ضعفا شديدا ،بل أن بلاد لم يدخلها سوى البعوث الإسلامية مثل شرق آسيا ووسط أفريقيا رسخ بها الإسلام وضمها داخل إطاره
والأمر الرابع:إن تعاقب الشعوب الإسلامية في عمليات الإعداد الإسلامي والنضوج وحمل الرسالة، قد أمد حركة الفتوحات الإسلامية على الدوام بعناصر بشرية متجددة الحيوية والطاقات وأتاح لكل من هذه الشعوب الإسلامية أن تتساوى في بناء الحضارة الإسلامية وشرف حمل الرسالة.
فالعرب المسلمون قد حملوا مسؤولية حمل الرسالة ابتداءً من عهد الرسول حتى النصف الأول من القرن الثاني الهجري، وعندما نضبت جهودهم خلفهم الإيرانيون المسلمون وكانوا قد نضجوا إسلاميا فتسلموا القيادة العسكرية والعلمية والثقافية, ثم خلفهم الأتراك المسلمون من السلاجقة، ثم خلفهم التركمان والأكراد الذين أنجبوا قيادات عسكرية وعلمية من أمثال نور الدين وصلاح الدين، وابن الصلاح وابن تيمية وابن الذهبي. ثم خلفهم العثمانيون. وجميع هذه الشعوب أسهمت في حمل الرسالة وشاركوا في بناء الحضارة الإسلامية كل حسب طاقاته وإمكاناته.
وفي العصر الحاضر(عصر اغتراب المسلمين وانتقاص الذات الإسلامية) يعمل المكر الأوروبي والأمريكي على تقديم هذه الأخوة الحضارية بين الشعوب الإسلامية بصورة انقلابات وفتن مذهبية أو عنصرية ويريدونها أدوات لتدمير طاقات المسلمين وتفتيت شعوبهم بحجة أنها أخطار تهدد بعضها بعضا.
والتأكيد على هذه الأمور الأربعة لا يعني أن التاريخ الإسلامي كان معصوما من الأخطاء مبرأً من الانحرافات وإنما يعني أن التاريخ الإسلامي كان يتصف في هذا المجال بصفات ثلاث هي:
الصفة الأولى: أن درجة اقتراف السوء والفواحش لم تصل فيه إلى المدى الذي يلبس هذه الممارسات الخاطئة بالأدلة العلمية والنظر الفلسفي كما هو في الحضارة المعاصرة.
الصفة الثانية:انه كان لديه المعيار الذي يقيس به درجة انحراف الإفراد والجماعات عن (المثل الأعلى) الذي تقدمه له العقيدة الإسلامية.
الصفة الثالثة انه كان يعترف بأخطائه فيراجعها ويمارس الإصلاح والتجديد للتوبة منها.
وليس من قبيل المبالغة أن نقول أن النقطة الأولى من خط الانحراف في مسيرة التاريخ الإسلامي بدأت في القرن الأول الهجري عند التحول من فكرة الشورى في الحكم إلى فكرة( الملك العضوض) كما يقول ابن تيمية ولكن أثار هذا الانحراف تأخرت لتبرز بعد ذلك بقرون والسبب هو مراعاة العدل في المجتمع الإسلامي والاستمرار. في حمل الرسالة الإسلامية إلى الشعوب الأخرى.
على أن ابرز مضاعفات هذا التحول في المسيرة التاريخية هوان الفكر صار يدور في فلك (السياسة) وليس العكس الآمر الذي اضعف من انطلاقة الفتح الإسلامي في البلاد المفتوحة . ولم تنجح المحاولات التي أرادت تصحيح مسار التاريخ الإسلامي بأساليب مختلفة تجسد بعضها في سلوك العلماء اللذين يستعصون على الأمراء كما حدث من سلوك سعيد بن جبير مع الحجاج الثقفي ، وسفيان الثوري مع أبي جعفر المنصور، بينما اتخذ بعضها شكل الثورات المسلحة كما تمثل في ثورة كل من الحسين بن علي ،وعبد الله ابن الزبير ضدا لأمويين .
ثم مضت مسيرة التاريخ الإسلامي عبر القرون الثالث والرابع والخامس فترسخ دوران الفكر الإسلامي في فلك السياسة فانقطع الفكر الإسلامي عن القران والسنة واختفت مهارة الاجتهاد وحل محله ظاهرة الإتباع .
ثم مضت مسيرة التاريخ الإسلامي وزاد الانفراج بين ضلعي زاوية الانحراف وانفرد الساسة والحكام في صنع التاريخ ، فجعلوا من رجال الفكر مجرد العاب ووسائل وظيفتها تبرير ممارسات السلاطين والأمراء والقادة وكانت نتيجة ذلك أن انتقل الفكر الإسلامي من حالة الاجتهاد إلى حالة ( الإتباع) ، وكان من مضاعفات ذلك ركود المجتمع الإسلامي وبداية جموده .
والجمود حالة سكون اجتماعي توقفت فيه الحضارة الإسلامية عن الاجتهاد واقتصروا على اجترار ماضي الآباء . وفترة الركود مرض حضاري لا تستمر طويلا فأما أن تستأنف مسيرة الإصلاح والتجديد وإما أن يدلف إلى حالة الموت ويبدأ بالانحسار وهذا ما حصل في التاريخ الإسلامي حيث بدأ المد الإسلامي بالانحسار والواقع أن انحسار المد الإسلامي بدأ قبل ذلك بكثير ولكنه ظهر واضحا في القرن الثامن الهجري حين انتقلت قيادة الأمة الإسلامية إلى سلاطين المماليك وأمرائهم .والمماليك عناصر عسكرية كانت بداية أمرهم حين جلبهم التجار المسلمين إلى أسواق الشام والعراق ومصر وباعوهم للعمل للخدمة في البيوت . وكان المماليك اللذين يبلغون الخامسة والعشرون يمنحهم سادتهم الحرية ليلتحقوا بالجيش الإسلامي حتى أصبحوا غالبية عناصره زمن الأيوبيين وحين انقضى عهد الأيوبيين تسلم المماليك القيادة في العالم الإسلامي . وكان من أثار ذلك انتقال المجتمعات الإسلامية إلى الجمود بشكل واسع وبدأت الحضارة الإسلامية بالانحسار وهذه ظاهر واضحة في الفكر الإسلامي الذي مضى في جموده ولم تنفع معه محاولات ابن تيمية والعز بن عبد السلام في المحا فظة على تماسك اللغة العربية والدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية .
وهكذا يتضح أن صحة الفتوحات الإسلامية وعافيتها تتحقق حين تضم جيوش الفتح الإسلامي قيادات فكرية واعية بأهداف الفتح أما البلاد التي لم يدخلها بعوث فكرية إسلامية فقد ظلت رواسب الجاهليات قائمة فيها تنتظر الفرصة للنمو والانتعاش ويمثل هذه الحالة ما حدث في شرق أوروبا والبلقان.
أما العصور التي شهدت ضعفا في القيادات الفكرية وصارت السياسة توجه الفكر والبلاد التي لم يبعثوا لها بعوث فكرية إسلامية ناضجة التكوين فقد بقيت رواسب الجاهليات كافية فيها تنتظر الفرصة للنمو والانتعاش ، كما حدث في شرق أوروبا والبلقان .
فالعثمانيون الذين قدر لهم أن يتسلموا قيادات الإسلام قبل مرحلة النضوج الإسلامي كانوا عناصر عسكرية لم يقدروا قيمة البعوث الفكرية في فتوحاتهم ولذا لم يكن تخطيطهم أصيلا لإعداد شعوب شرق أوروبا إعدادا إسلاميا سوى ما كان من تأثر بعض الجيوب في شرق أوروبا في الحياة الإسلامية عامة . وذلك عندما نضبت جهود العثمانيين لم يخلفهم شعب ناضج في قيادة الحركة الإسلامية فسقط العثمانيون وبقي مكانهم فارغا مما مهد لعودة الغزو الأوروبي وامتداده مرة ثانية على بقاع كثيرة من العالم . والضعف الذي انتاب ألأمور الثلاثة السابقة يحدد نقطة التحول في تاريخ الإسلام من المد إلى الركود ومن الركود إلي الجمود الأمر الذي أدى إلى توقف الفتوحات الإسلامية واتخاذها طابع الدفاع والى جمود الحياة العقلية وإلى فساد الحياة الاجتماعية وظهور الأمراض الاجتماعية المختلفة وقيام الفتن والاضطرابات التي ظلت تعمل عملها وتوجه قابلية الهزائم أمام الأخطار الخارجية مثل الخطرين الكبيرين :الخطر الصليبي في الغرب والخطر المغولي في الشرق. ولكن المجتمع الإسلامي لم يكن ليذعن في مسار الجمود و يستسلم لعوامل الضعف ومظاهر الانحطاط السالفة الذكر ولم يكن لينهار أمام الهجمات الخارجية بسبب ما كان يتردد خلال تاريخه الطويل من حركات في التجديد والإصلاح .ويعتمد التجديد والإصلاح في تاريخ الإسلام على قاعدة معينة وهي أن الإسلام يقوم على عقائد شاملة بحقائق خالدة توفر له من الحيوية والمرونة ما يجعله صالحا لمعالجة التطورات في العصور المتتالية ولقد كان لهذه الخاصية أثر كبير في صلابة المجتمع الإسلامي أمام الأخطار والمشكلات العديدة التي واجهها مند فجر الرسالة والحركات التي مثلت هذا التجديد و الإصلاح عديدة متناثرة خلال فترات التاريخ الإسلامي وهي متوازية مع مظاهر التخلف التي استدعتها ومن أمثلتها في عصور المد الإسلامي دور الحسن البصري في التجديد الاجتماعي ودور عمر بن عبد العزيز في التجديد والإصلاح السياسي ودور أبو الحسن الأشعري في التجديد والإصلاح العقائدي.
أما في عصور الركود والتخلف فقد تمثل التجديد و الإصلاح بحركات لعبت دورا بارزا في دفع التحديات الخارجية ولعل أوضح مثل لذلك حركتي التجديد والإصلاح خلال فترتي الحروب الصليبية والغزو المغولي. ونبدأ بالأولى التي رافقت الحملات الصليبية فقد اعتادت المؤلفات الحديثة التي تناولت هذا الموضوع أن تروي هزائم الجيل المسلم الذي عاصر بداية الحملات الصليبية ثم نقفز مدة نصف قرن من الزمان لنتحدث عن حركة الجهاد التي قادها كل من نور الدين وصلاح الدين والتي انتهت بتحرير البلاد وتطهير المقدسات. والسؤال الذي نطرحه في هذا المجال: ما الذي حدث خلال مدة نصف القرن الممتدة بين هزيمة المسلمين أمام طلائع الحملات الصليبية وبين ظهور عماد الدين ونور الدين وصلاح الدين ؟ وهل كانت حركتهم جهودا فردية ابتدعوها أم كانت ثمرة مقدمات سبقتها وتجديد وإصلاح شمل المجتمع فغير ما بأنفس القوم من قيم وتصورات وتقاليد وعادات فغير الله ما بهم من ضعف وتخلف بما أجرى على أيديهم من إنجازات.المصادر التاريخية التي أرخت للأحدث تبين بوضوح أن كل من عماد الدين ونور الدين وصلاح الدين لم يكن سوى طليعة جيل أخرجته حركة تجديد وإصلاح عملت في مجتمع شاعت فيه قبل ذلك عوامل الاضطراب السياسي والفكري والاجتماعي وكان طابع الإنسان فيه_ كما وصفه المؤرخ أبو شامة_ كالجاهلية همة أحدهم بطنه وفرجه لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا ولقد زار ابن جبير بلاد الشام والعراق ومصر آنذاك ووصف ما أسماه بالجهات المشرقية فذكر أنهم أهل (أهواء وبدع وفرق ضالة وشيع إلا من عصم الله من أهلها) (ابن جبير,الرحلة،بيروت،دار صادر،ص55-56). وأولو الفضل من الأدباء والمؤرخين والشعراء والكتاب الذين عاصروا هزائم المسلمين أمام الصليبيين يجأرون بالشكوى من تبلد ذلك الجيل أمام الاعتداءات الإفرنجية على مقدسات الإسلام وأعراض المسلمين وممتلكاتهم كما رد ابن الجوزي وابن كثير وابن تغري بردي وغيرهم .
في هذه الظروف برزت حركتان إسلاميتان الأولى الأشاعرة الذين أنجبوا في هذه الفترة الغزالي وقطب الدين النيسابوري فكان لها دورها في بعث الروح في المجتمع الإسلامي آنذاك، وفي محا ضنها التربوية نشأ البيت الزنكي وتربى عماد الدين وابنه نور الدين .
ولم تخرج حركة التجديد والإصلاح التي رافقت الغزو المغولي عن هذه المنطلقات دائما شابهتها في المنطلق والأساليب . والجماعة الثانية هي الحركة القادرية التي أسسها الشيخ عبد القادر الكيلاني والتي ركزت على نصرة العامة والفقراء من جهة ،وعلى التعليم من جهة أخرى،وخصت أبناء الهاربين أمام الغزو الصليبي بصفاتها،فكانت تحضر من أسمتهم ب(أبناء المقادسة) وتعلمهم وتعدهم إعدادا إسلاميا ثم يعيدهم إلى مناطق المواجهة.ثم كان المنعطف التاريخي عام 545هـ بعد فتح نور الدين لدمشق حيث بدأ التحالف بينه وبين القادرية فتعاون معه دعاتها وخريجو المدرسة ا لقادرية في التعليم والتوجيه،وعلى يد أحد دعاتها المسمى علي بن إبراهيم بن نجا الواعظ كان التحول في شخصية صلاح الدين عام 564هـ وكان قبل ذلك شابا مولعا بركوب الخيل ولعب الكرة وبشرب الخمر(ابن شداد،المحاسن اليوسفية،سيرة صلاح الدين،ص40) ولقد ترتب على هذا الالتقاء بين نور الدين والقادرية أن توحدت جهود حركتي الأشاعرة والقادرية فوجه هدا التجمع اهتمامه نحو مصر وبث الدعاة فيها وعلى رأسهم ابن نجا حتى إذ خرجت حملة أسد الدين وصلاح الدين كان الرأي العام المصري قد تهيأ لاستقبالها تماما.ولقد ظلت الحركتان ترعيان حركة التجديد وتسهمان مع نور الدين وصلاح الدين في جميع الميادين العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية (ماجد عرسان الكيلاني نشأة القادرية:رسالة ماجستير مقدمة لقسم التاريخ بالجامعة الأميركية ببيروت).
غير أن هناك فارق أساسي بين تجربة المسلمين مع الصليبين وتجربتهم مع الغزو المغولي رغم الضجيج التاريخي الذي أحاط بالأولى ومنحها احتراما أكثر من الثانية: فقد كان تغلب المسلمين على الصليبين لا يعدو عن كونه نصرا عسكريا في جولة محددة لم يصحبها فتح فكري وإنما انسحب الصليبيون إلى بلادهم واعتادوا تنظيم صفوفهم ثم أعادوا الكرة في الأندلس وشمال أفريقيا وجنوب الجزيرة وبلاد الشام وتركيا والهند خلال القرون الخمسة التالية
أما تجربة المسلمين مع المغول فقد بدأت بانتصار عسكري في جالوت ثم تبعه فتح فكرى ( قضى على خطر المغول نهائيا) أحال بهم للإسلام نفسه وأقاموا دولة للإسلام في قارة الهند ظلت قائمة حتى قضى عليها الاستعمار البريطاني .وهناك فارق مميز بين حركات التجديد والإصلاح في عصور المد الإسلامي وبين مثيلاتها في عصور الركود والتخلف،وهو أن الحركات التجديدية الأخيرة وان منحت المجتمع الإسلامي قسطا من العافية التي مكنته من دفع الأخطار التي داهمته من الخارج إلا أنها لم تحدث فيه التغيير الذي يِؤهله لانطلاق حضاري يعيده إلى مرتبة القيادة الإنسانية كما أنها لم تخرج أي شعب مسلم الإخراج الذي يواصله إلى مكانة التوجيه العالمي.لقد كان المطلوب منها أن تغير سلم الأفكار والتعاليم التي اضطربت في عصور الركود والتخلف أولى حلقات هذا السلم أن يصبح (الفكر موجها للسياسة) بدل الاختلال الذي أصاب المجتمع الإسلامي حين عدت السياسة على الفكر وصارت توجهه_ لقد حاول ابن تيميه أن يغلب هذا الدور وان يعمقه في حياة المسلمين وهو محتوى السلفية التي دعا إليها، وما كان تصرفه في دمشق والقاهرة وعين جالوت إلا انطلاقا من هذا الدور الذي جاهد في سبيله، ولكن صلابة الران الفكري والقيمي الذي عم الحياة الفكرية من حوله كان أقوى من جهوده فاصطدم نتيجة لذلك بالعلماء والحكام سواء ،أثار حنقهم حتى سجنوه في البئر سنتين لم يخرج منه آلا بعد أن توفاه الله .
ولم تخرج الحركات الإسلامية المعاصرة وتلك التي تلت ابن تيميه عن هذا الإطار لأنها لم تنجح في بلورة الأساليب والوسائل التي تمكنها من تصحيح القاعدة الفكرية التي تحدد العلاقة بين الفكر والسياسة ويصبح(الفكر مواجها للسياسية ).وهي وان كانت تحس بضرورة هذا التصحيح إلا انه بقي مجرد إحساس يحتاج إلى أن يتطور إلى مرتبة الوعي الذي يسهم في تحديد الوسائل والأساليب وينظم العلاقة بين الفكر والسياسية.ويحسن الوصول إلى الهدف .
ثم كانت الصدمة النفسية الكبرى التي فاجأت الأمة المسلمة حينما دوّت مدافع نابليون في سماء مصر وظن الناس أن اسرافيل قد نفخ الصور لينذر بقيامة الساعة كما يقول عبد الرحمن الجبرتي مؤرخ تلك الفترة فهرع المؤذنون يدعون الناس إلى التوبة ثم تلا صوت المدافع الفرنسية منشورات نابليون التي طبعت بالمطبعة الحديثة فازدادت دهشة الناس وأصيبت القيادات المصرية بصدمة نفسية نقلتهم من مرحلة الجمود الحضاري إلى مرحلة الاغتراب وانتقاص الذات النفسية وهي صدمة ما زال يعاني منها العرب والمسلمون يعانون منها إذ صار الإنسان الغربي والمجتمع الغربي والحضارة الغربية هي المثل الأعلى الذي يتحمل حرمان الإصلاح لتحقيقه في ميادين الحياة المختلفة إذ لم يكد أسطول الحملة الفرنسية يقلع من مصر حتى وجد محمد علي حاكم مصر يرسل أفواج البعثات العلمية والعسكرية وعلى رأسها الشيخ رفعت الطنطاوي الذي لم ينجُ هو نفسه من مرض ( الاغتراب وانتقاص الذات ) . واستمر سيل الدارسين يتدفق من الأقطار العربية والإسلامية إلى الغرب الأوروبي ثم الأمريكي . وأدرك الغرب خطورة الانبعاث الدراسي إلى معاهده خاصة في الميادين العسكرية فاستبدل البعثات التي تنفقها أقطار العالم الإسلامي بمنح دراسية يختارها خبراء الغرب الأوروبي والأمريكي من أوائل الطلبة ثم تتعهد هم في الظواهر والبواطن وتحيلهم إلى مندوبي مبيعات فكرية وتربوية في أقطارهم التي نشئوا فيها في الوقت الذي يجهلون تراثهم وقدرات الأمة التي ولدوا فيها .
بعد هذا الاستعراض الموجز لتفسير التاريخ الإسلامي فأنه يحتاج إلى تحويله إلى مشروعات مناهج دراسية ليسهم في مساعدة العاملين لكتابة هذا التاريخ على أسس سليمة .

مشروع لمنهاج التاريخ العربي الإسلامي
أولا العالم في العصر الجاهلي :
1 - معنى الجاهلية في المفهوم الإسلامي
2- العرب في العصر الجاهلي
أ - الحياة الدينية
ب- الحياة السياسية
ج- الحياة الاجتماعية
د- الحياة الاقتصادية
3- الروم في العصر الجاهلي
أ- الحياة الدينية
ب- الحياة السياسية
ج- الحياة الاجتماعية
د- الحياة الاقتصادية
4- الفرس في العصر الجاهلي
أ- الحياة الدينية
ب- الحياة السياسية
ج- الحياة الاجتماعية
د- الحياة الاقتصادية
5- الهند والصين في العصر الجاهلي
أ- الحياة الدينية
ب- الحياة السياسية
ج- الحياة الاجتماعية
د- الحياة الاقتصادية
6- مصر وليبيا وشمال إفريقيا
أ- الحياة الدينية
ب- الحياة السياسية
ج- الحياة الاجتماعية
د- الحياة الاقتصادية
7- حاجة العالم إلى الإصلاح
ثانياً: الإسلام على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
1- محمد الرسول : نشأته وتوافقها مع رسالته المنتظرة من نزول الوحي
2- الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة
3- اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة لتكون نواة الدولة الإسلامية ، بيعة العقبة
4- الأسس التي قام عليها المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة ، الإيمان بالله ، التحرر العقلي ، والوجداني ( التحرر من الوهم والخوف والشهوات ) المساواة الإنسانية ، التكافل الاجتماعي ، العالمية
5- طريقة الرسول في إعداد المسلمين نفسياً وفكريا وعسكرياً
6- جهاد الرسول في سبيل الدعوة الإسلامية : غزوات بدر ، واحد والخندق ، وصلح الحديبية وفتح مكة ، وحنين
7- إعداد الرسول للعرب إعدادا إسلاميا، إرسال الدعاة إلى مختلف نواحي الجزيرة ، عام الوفود ، تنظيم الإدارة ، وضع أسس السياسة الخارجية الإسلامية ( إرسال الرسائل إلى الملوك ورؤساء الدول ، إرسال جيش مؤتة ، وجيش أسامة ) انتقاله إلى الرفيق الأعلى .
8- موقف اليهود من الدعوة الإسلامية على عهد الرسول .
أ‌- لمحة عن وضع اليهود في الجزيرة العربية قبل الإسلام ، لاشتغالهم بالربا واستغلال المقدرات الاقتصادية ، إثارة الفتن بين العرب .
ب‌- موقفهم من الدعوة الإسلامية ، نقض العهود مع الرسول ، التأمر مع قريش على الإسلام ، إثارة الشبهات حول الإسلام والتشكيك بالرسالة .
ثالثا: المد الإسلامي
(من القرن الأول الهجري ( السابع الميلادي ) حتى نهاية القرن الرابع الهجري ( العاشر الميلادي )
1- طبيعة المد الإسلامي : أهدافه ، المبدأ الذي ارتكز عليه المد الإسلامي ( نشر الدعوة الإسلامية وتحرير الشعوب من الجاهليات )
2- مراحل المد الإسلامي :
أ‌- مرحلة دعوة الحكام للأخذ بمبادئ الإسلام وتحرير شعوبهم من الجاهليات ( الرسائل التي أرسلها الرسول إلى الحكام ، خطبة الخليفة أبو بكر ، أقوال وفود المفاوضين ).
ب‌- مرحلة الجهاد العسكري لإزالة الحواجز التي وقفت في طريق للإسلام . إنفاذ جيوش الفتح الإسلامي ، المعارك التي خاضتها ، وهزيمة العناصر الحاكمة المتسلطة .
ج- مرحلة إخراج الشعوب من الحياة الجاهلية وإعدادها إعدادا إسلاميا : مثل : إزالة مؤسسات الفساد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي ، تنظيم الأمور العامة ، بناء الحواضر والمدارس والمساجد ، إرسال الدعاة والبعوث الثقافية ودورهم في إعداد الشعوب ، تعريب الدواوين ونشر الثقافة .( يراجع حلية الأولياء للأصفهاني وطبقات الصحابة لأبن سعد ، والإصابة في تمييز الصحابة لأبن حجر وأمثالها للتعرف على أعضاء البعوث الثقافية) .
د- نضوج الشعوب إسلاميا وانطلاقها لنشر الإسلام وتحرير الشعوب التي تليها ، ظهور قادة إسلاميين وفقهاء من الشعوب الجديدة في مختلف الميادين .
(1)المد الإسلامي في بلاد الشام
1- إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم رسائل إلى هرقل وأمراء الغسساسنة يدعوهم إلى الإسلام ، عدم استجابتهم للدعوة والاستمرار في الكيد للمسلمين
2- إرسال الخليفة أبي بكر الجيوش ، خطبته ووصيته للقادة ، المعارك الأولى ، معركة اليرموك وانهزام الروم
3- تطهير حياة الشاميين من الظلم والفساد وإعدادهم الشعب الشامي إعدادا إسلاميا مثل : إقامة المساجد وإنشاء كتاتيب القران ، قدوم الجيوش الثقافية مثل معاذ بن جبل ، أبو الدر داء ، بلال الحبشي .
4- نضج الشعب الشامي نضجا إسلاميا وحملهم رسالة الإسلام إلى تخوم آسيا الصغرى وشرق البحر المتوسط ، ظهور علماء جدد من أبناء الشعب . ( اختيار أمثلة من كتاب حلية الأولياء- للأصفهاني )
(2)المد الإسلامي في العراق وفارس
1- إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم رسائل إلى كسرى فارس وأمراء المناذرة ، رفض كسرى للدعوة وقتله لمن حمل رسالة الرسول
2- إرسال الخليفة أبو بكر ثم عمر بن الخطاب بالجيوش والمعارك التي خاضتها ، معركة القادسية ونهاوند
3- تزكية الشعب وإعداده إعدادا إسلاميا ، القضاء على الفساد والظلم ، بناء كتاتيب القران ، قدوم الجيوش الثقافية من أمثال علي بن أبي طالب ، عبد الله بن عباس ، عبد الله بن مسعود ، وآخرون. ( يعاد لكتاب حلية الأولياء لانتقاء نماذج العلماء الجدد من أبناء المنطقة مثل سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك)
4- نضوج الشعب الفارسي وحمله الرسالة الإسلامية إلى شرق إيران وبلاد ما وراء النهر ، ظهور عدد كبير من العلماء في مختلف الميادين
(3) المد الإسلامي في مصر وليبيا
1- إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم رسالة إلى المقوقس يدعوه إلى الإسلام ، إرسال المقوقس هدية إلى الرسول استجابة لدعوته .
2- إرسال الخليفة عمر بن الخطاب جيشا بقيادة عمر بن العاص وهزيمة الرومان فيها
3- تطهير حياة الشعب المصري من الظلم والفساد ، قدوم البعوث الثقافية مثل عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب , وآخرون
4- نضوج الشعب المصري وحمل الرسالة إلى شمال إفريقيا والمغرب العربي , تسليم راية العرب إلى سكان المغرب العربي
(4) المد الإسلامي في اسبانيا والأندلس
1- استنجاد شعوب اسبانيا والأندلس بالمسلمين لتخليصهم من مظالم حكامهم
2- عبور جيوش الإسلام وغالبها من المغرب العربي بقيادة موسى بن نصير وطارق بن زياد ، المعارك التي خاضوها ، معركة الزلاقة
3- عدم انتظار الجيش الإسلامي الفاتح لأعداد الشعب الاسباني ، الاندفاع إلى ما وراء جبال البرانس نحو فرنسا ، هزيمة الجيش الإسلامي في معركة بلاط الشهداء ، عدم مراعاة إعداد الشعوب إعدادا إسلاميا ، التهاء المسلمين بنعيم الدنيا ومتع الحياة في اسبانيا
4- عدم نضوج الشعب الاسباني إسلاميا ، انقسام المسلمين إلى دويلات ضعيفة ، إخراجهم من الأندلس إلى شمال إفريقيا .
3- اثأر المواجهة بين المد الإسلامي والجاهليات المختلفة :
أ- المواجهة بين الإسلام والتيارات العقائدية والثقافية المختلفة
ب- لجوء العناصر المتأله المنهارة إلى محاربة الإسلام فكريا بعد فشلها عسكريا
ج- التستر بالتشيع : الفرق بين الشيعة المعتدلين والمتسترين بالتشيع
د- الشعوبية والفرق التي مثلتها
هـ- ظهور المعتزلة وتأثرهم بالفكر الفلسفي اليوناني ، عقائدهم وخلافاتهم مع فقهاء السنة
4ـ موقف اليهود من الدعوة الإسلامية خلال مرحلة المد الإسلامي
ت‌- الاشتراك في اغتيال الخليفة عمر بن الخطاب
ث‌- إثارة الفتنة الكبرى زمن عثمان وعلي
ج – الدس على الفكر الإسلامي : ووضعهم الإسرائيليات والأحاديث المكذوبة
د- إثرهم في نشأة الفرق الموالية والهدامة .
4- التجديد والتطور في مرحلة المد الإسلامي :
أ- مفهوم الإصلاح والتجديد في الإسلام :
ب- أمثلة للمجددين في مرحلة المد الإسلامي
-دور عمر بن عبد العزيز في الميدان السياسي ، إصلاحاته في نظم الحكم والإدارة ، توجيه سياسة الدولة للدعوة للإسلام ، إحياء السنن النبوية ، إصلاحاته الاجتماعية والاقتصادية
- دور الحسن البصري في الميدان الاجتماعي ، طبيعة عصره ( ظهور الأجناس المختلفة كثرة الآماء وانتشار الترف واللهو .
دوره في الإصلاح : مقاومة التيار المادي والترف رد الروح الإسلامية للمجتمع انتقاد الحكام ، أثره العام
- دور أبي الحسن الأشعري في الميدان الفكري
رابعاً ركود المد الإسلامي
منذ أوائل القرن السادس الهجري – الثالث عشر الميلادي
أ‌- عوامل ركود المد الإسلامي :
1- ضعف التمسك بالعقيدة الإسلامية
2- سيطرة العناصر العسكرية على القيادة وضعف القيادات الفكرية (مثل سيطرة البويهيين والسلاجقة في بغداد)
3- تسرب الشعوبيين إلى صفوف القيادة وعملهم على إضعاف الدولة ( الإشارة إلى أصولها ومؤامراتها وإثارتها للفتن مثل مؤامرة البرابكة زمن الرشيد وإثارة الفتنة بين الأمين والمأمون ، مؤامرة الافشين وبابك الخرمي في زمن المعتصم )
4- عدم بلورة نظام الخلافة وعدم كفاءة الخلفاء القيادية وإهمال أهداف الدعوة الإسلامية ، انصرافهم إلى الترف واللهو ، ضعف الحياة الثقافية
5- انشغال المسلمين بمسائل فلسفية خلافية استنفذت طاقة الدولة وفتحت المجال لذوي الأغراض ومثيري الفتن
6- ظهور الحركات الانفصالية مثل الأمويين في الأندلس والدولة الطولونية والإخشيدية في مصر والسامانية في الشرق الإيراني
7- ركود الإنتاج الفكري الإسلامي وإهمال البحث العلمي في العصور المتأخرة
8- تعرض الدولة لهجمات خارجية وقوى معادية مثل المغول والتتار
ب‌- مظاهر ركود المد الإسلامي:
1- توقف الفتوحات الإسلامية واتخاذها الطابع الدفاعي ، الجهل برسالة الأمة وتحول الحياة العسكرية إلى مهنة من المهن , ضعف المسلمين إمام الهجمات الصليبية , انهيار الخلافة في بغداد وبعثرة وحدة العالم الإسلامي ، الفتن الداخلية .
2- فساد الحياة الاجتماعية وفساد الأخلاق , انتشار الترف ، ضعف الروح الإسلامية , الجمود وعدم الانفتاح على الآخرين ، العصبيات المذهبية ، انتشار الآبائية وعدم التجديد .
ج- التجديد والإصلاح في مرحلة ركود المد الإسلامي:
1- ريادة الإمام أبي حامد الغزالي في الميدان الفكري ومشروعه الإصلاحي .
2- دور عبد القادر الكيلاني ومدارس الإصلاح التي قامت بالحركة الإصلاحية التي أخرجت جيل صلاح الدين ( راجع كتاب هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس )
3- جهاد المسلمين ضد الصليبيين
(5)جمود المد الإسلامي
1- مقدمة عن نشأة المماليك وأثارها النفسية عندما انتقلت إليهم قيادة الدولة .
2- الانقسامات السياسية .
3- جمود الفكر الإسلامي وانتشار الآبائية والتقليد .
4- شيوع الدروشة والانسحاب من الحياة الدنيوية وانتظار الموت والآخرة .
5- ابن تيمية والدعوة السلفية ، إصلاحاته في الميدان الفكري , فتح باب الاجتهاد ، عدم ظهور قادة سياسيين يتابعون رسالة ابن تيمية ، استمرار التدهور السياسي وحدوث فراغ قيادي ملأه العثمانيون القادمون من المشرق الإسلامي.
6- الطابع العسكري للخلافة العثمانية وضعفهم إمام القوة الغربية المهاجمة
(6) الاغتراب وانتقاص الذات
ا- معنى الاغتراب وانتقاص الذات
ب- مظاهر الاغتراب :
1- اثر حملة نابليون في الهزيمة النفسية عند المسلمين
2- محمد علي حاكم مصر وتبني نظام التعليم الغربي
3- انتقال التعليم إلى غير المسلمين
4- استيراد نظم الحياة والإدارة من الخارج
5- الغزو الأوروبي للأقطار الإسلامية وأثاره في ميادين الحياة المختلفة .
(7) النظم الإسلامية
1- النظم السياسية
2- النظم الإدارية
3- النظم الاقتصادية
4- النظم الاجتماعية
5- النظم العسكرية
6- العمران والفنون
7- الحركة العلمية
8- اثر الحضارة الإسلامية في الحضارة الإنسانية

عن موقع أدباء الشام