ياسمين ابن زرافة
14/02/2009, 02:15 PM
~
ولِيــمَةٌ عَلَى شَرَف الأَمِيرَة ~
وصَادَفَ، أنْ نَزَلَ على السُّلْطَان ضُيُوفٌ مِنْ مَمالِك أخرى ذاك النهار، وحِينَ اصْطَحَبَهُم إلى الحَمّام تَفَاجَأَ بغِياب خَادِمِه، فأَرْسَلَ في طَلَبِهِ مِرارًا ولَكنَّه كان في كل مرة يَرْفُضُ الانْقِيَادَ لأَوامِرِهِ، فاغْتاظَ السُّلْطَانُ كَثِيرًا وسَلَّ سَيْفَهُ، وَقَصَدَ الكُوخَ وهُوَ مُقْسِمٌ علَى عَدَمِ العَوْدَة مِنْ دُونِ رَأْسِ الحَمامْجي ليَكُونَ عِبْرَةً لمَنْ يَحْذُو حَذْوَهُ.
ولمَّا وَصَلَ واسْتَفْسَرَ مِنْهُ عَنْ سَبَبِ عِصْيانِهِ قَصَّ عَلَيْهِ الحَمَامْجِيُّ قِصَّتَه، فَرَقَّ قَلْبُهُ، وأَشْفَقَ عَلَى شمْس الَّتي ما إِنْ رَآها حَتىَّ تَذَكَّرَ اليومَ الذي زارَ فيه مَمْلَكَةَ والِدِهَا وأَحْسَنَتْ اسْتِقْبَالَهُ، وأَقامَ على شَرَفِهَا وَلِيمَةً كَبِيرَةً، فأَكَلَتْ ثمَّ أَكَلَتْ، وعَادَتْ مُحَمَّلَةً بالأَطْعِمَةِ التي تُغْنِيهَا عن السُّؤال مُجَدَّدًا، وأَكْمَلَتْ شُهورَ حَمْلِها في الكُوخ الذي لمْ يَهُنْ عَلَيْها اسْتِبْدالُه بجَناحٍ كبير في قَصْرِ السُّلْطان رغْمَ إِصْرارِه...
ومَضَت الأيَّامُ سَريعَةً وحانَ مَوْعِدُ الوَضْع ..وداهَمَهَا المَخَاضُ لَيْلاً، فاحْتارَ الحَمَامْجِي كَيْفَ يَصِلُ إلى القَصْر لِطَلَبِ المُساعَدَة، وكيف يَقْطَعُ النَّهْرَ إلى الضِّفَّة الأُخْرَى ومِياهُهُ تَفِيضُ على جَانِبَيْه، وأَمْواجُهُ تَكادُ تَبْلُغُ عَنَانَ السَّماءِ..، فاتَّخَذَ من جِذْع إحْدَى الأشجار -التي كان يَستعمِلها- طَوْفًا، ومن أغْصانِها المَتِينَة مَجَادِف، ومَضَى..، باحِثًا عن مُنْقِذٍ، مُجَازِفًا بحَيَاتِه، مُتَحَدِّيًا الجَوَّ العَاصِف والسَّماءَ المُبْرِقَة المُرْعِدَةَ المُمْطِرَة، في سَبِيلِ إنْقاذِ حياة شمْس..،
فِيمَا ظَلَّتْ هي وَحيِدَةً تُصارِعُ الآلامَ، وتَدْعُو اللهَ أَنْ يُغِيثَهَا، وَيُكَافِئَ صَبْرَها بِجَزِيلِ العَطَاءِ.
~ هِباتُ الحُورِيـَّات النُّورانِيـَّة ~
وَفِيمَا هي كَذَلِكَ..إِذَا بِنُورٍ سَاطِعٍ يَنْبَثِقُ مِنْ أَحَدِ الأَرْكَانِِ، وإِذاَ ثَلاَثُ حُورِيَّاتٍ نُورَانِيَّةٍ يَظْهَرْنَ مِنْ خِلاَلِهِ، فَسَاعَدْنَ 'شَمْسًا' عَلَى الوَضْعِ، وَ لَفَفْنَ المَوْلُودَةَ في قِمَاط رَهِيفٍ مِنَ القُطْنِ، ثُمَّ جَلَسَتْ إِحْدَاهُنَّ عِنْدَ رَأْسِ شَمْسٍ، والأُخْرَى عِنْدَ قَدَمَيهَا.
فَقالَت الأُولَى:
-" زَمَنُ الإِظْلاَمِ وَلَّى وَالصُّبْحُ بَـانَ وَلاَحْ
وَهَديَّتِي لِبُنَيَّـتي مَاسٌ وَيَاقُوتٌ نَفِيسْ
مِنْ عَيْنِهَا عِنْدَ النُّوَاحْ " وَضَرَبَتْ بِعَصَاهَا عَلَى أَعْيُنِ الصَّغِيرَةِ.
وَقَالَت الثَّانيَة:
" في رَوْضَتِي وَرْدٌ وَ فُلّْ مِنْ خَيْرِ أَزْهَارِ الرَّبِيعْ
فَإِذَا مَشَتْ سِتُّ الحِسَانْ بالعِطْرِ أُفْعِمَتِ الرُّبُوعْ "
وَ ضَرَبَتْ بِعَصَاهَا هِيَ الأُخْرَى عَلىَ قَدَمَيِّ الصَّغِيرَةِ.
وَتَوَسَّطَتْهُمَا الثَّالِثَةُ وَقَالَتْ:
" الأَمْرُ أَمْرُ اللهْ، وَالرُّوحُ سَـــارِيَة
مَا دَامَتِ الأَوْرَاقْ، في المَاءِ بَـــاقِيَة "
ثمَّ نَاوَلَتْ الأُمَّ كَأْسًا بها مَاءٌ وَتمََائِم وَأَحْجِبَةٌ، وَأمَرَتْهَا بِالحِرْصِ عَلَى إبْقَائِهَا في المَاءِ مَا دَامَتْ حَيَّةً وإلاَّ مَاتَتْ ابْنَتُهَا.
وَفي لمَْحِ البَصَرِ انْبَثَقَ النُّورُ القَوِيُّ ثَانيَةً مِنْ رُكْنِ الكُوخِ، فَدَخَلَتْ الحُورِيَّاتُ مِنْ حَيْثُ خَرَجْنَ وَاخْتَفَيْنَ كَأَنَّهُنَّ لمْ يـظْهَرْنَ أَبَدًا.
وَفي تِلْكَ الأَثْنَاءِ دَخَلَ الحَمَامْجِي رفْقَةَ عَجُوزٍ مُسِنَّةٍ، فَوَجَدَ زَوْجَهُ مُغْمًى عَلَيْهَا في فِرَاشِهَا وَهِيَ تَحْتَضِنُ طِفْلَةً بَهِيَّةَ المُحَيّا..بَدَتْ لهُ تَحْتَ نُورِ الشَّمْعَدَانِ كَنَجْمَةِ الصُّبْحِ أو 'كَفِلْقَة' القَمَرِ، وَكَانَت الأَحْجَارُ الكَرِيمَةُ تَسَّاقَطُ مِنْ أَعْيُنِهَا كُلََّمَا بَكَتْ بَدَلاً عَن الدُّمُوع، فَكَادَ يُغْشَى عَلَيْهِ بِدَوْرِهِ مِنَ الصَّدْمَة، وَحِينَ اسْتَفَاقَتْ شمْس قَصَّتْ عَلَيْهِ قِصَّتَهَا مَعَ الحُورِيَّات، وَحَدَّثَتْهُ عَنْ الهِبَاتِ والكَرَامَات الَّتي أَوْرَثْنَهَا للصَّغِيرَة، فَشَكَرَ اللهَ كثيرا عَلَى نِعْمَتِهِ، وَأَسْمَيَا الطِّفْلَة "صُبْحاً" تَبَرُّكًا بالصُّبْحِ الَّذي بَزَغَ عَلَيْهِمَا بِمَِوْلِدِها، ومُنْذُ ذَلكَ اليَوْم قُلِبَتْ حَيَاتُهُمَا رَأْسًا عَلَى عَقِب، وَ أَشْرَعَ لَهُمَا الثَّرَاءُ وَاسِعَ أَبْوَابه..
ولِيــمَةٌ عَلَى شَرَف الأَمِيرَة ~
وصَادَفَ، أنْ نَزَلَ على السُّلْطَان ضُيُوفٌ مِنْ مَمالِك أخرى ذاك النهار، وحِينَ اصْطَحَبَهُم إلى الحَمّام تَفَاجَأَ بغِياب خَادِمِه، فأَرْسَلَ في طَلَبِهِ مِرارًا ولَكنَّه كان في كل مرة يَرْفُضُ الانْقِيَادَ لأَوامِرِهِ، فاغْتاظَ السُّلْطَانُ كَثِيرًا وسَلَّ سَيْفَهُ، وَقَصَدَ الكُوخَ وهُوَ مُقْسِمٌ علَى عَدَمِ العَوْدَة مِنْ دُونِ رَأْسِ الحَمامْجي ليَكُونَ عِبْرَةً لمَنْ يَحْذُو حَذْوَهُ.
ولمَّا وَصَلَ واسْتَفْسَرَ مِنْهُ عَنْ سَبَبِ عِصْيانِهِ قَصَّ عَلَيْهِ الحَمَامْجِيُّ قِصَّتَه، فَرَقَّ قَلْبُهُ، وأَشْفَقَ عَلَى شمْس الَّتي ما إِنْ رَآها حَتىَّ تَذَكَّرَ اليومَ الذي زارَ فيه مَمْلَكَةَ والِدِهَا وأَحْسَنَتْ اسْتِقْبَالَهُ، وأَقامَ على شَرَفِهَا وَلِيمَةً كَبِيرَةً، فأَكَلَتْ ثمَّ أَكَلَتْ، وعَادَتْ مُحَمَّلَةً بالأَطْعِمَةِ التي تُغْنِيهَا عن السُّؤال مُجَدَّدًا، وأَكْمَلَتْ شُهورَ حَمْلِها في الكُوخ الذي لمْ يَهُنْ عَلَيْها اسْتِبْدالُه بجَناحٍ كبير في قَصْرِ السُّلْطان رغْمَ إِصْرارِه...
ومَضَت الأيَّامُ سَريعَةً وحانَ مَوْعِدُ الوَضْع ..وداهَمَهَا المَخَاضُ لَيْلاً، فاحْتارَ الحَمَامْجِي كَيْفَ يَصِلُ إلى القَصْر لِطَلَبِ المُساعَدَة، وكيف يَقْطَعُ النَّهْرَ إلى الضِّفَّة الأُخْرَى ومِياهُهُ تَفِيضُ على جَانِبَيْه، وأَمْواجُهُ تَكادُ تَبْلُغُ عَنَانَ السَّماءِ..، فاتَّخَذَ من جِذْع إحْدَى الأشجار -التي كان يَستعمِلها- طَوْفًا، ومن أغْصانِها المَتِينَة مَجَادِف، ومَضَى..، باحِثًا عن مُنْقِذٍ، مُجَازِفًا بحَيَاتِه، مُتَحَدِّيًا الجَوَّ العَاصِف والسَّماءَ المُبْرِقَة المُرْعِدَةَ المُمْطِرَة، في سَبِيلِ إنْقاذِ حياة شمْس..،
فِيمَا ظَلَّتْ هي وَحيِدَةً تُصارِعُ الآلامَ، وتَدْعُو اللهَ أَنْ يُغِيثَهَا، وَيُكَافِئَ صَبْرَها بِجَزِيلِ العَطَاءِ.
~ هِباتُ الحُورِيـَّات النُّورانِيـَّة ~
وَفِيمَا هي كَذَلِكَ..إِذَا بِنُورٍ سَاطِعٍ يَنْبَثِقُ مِنْ أَحَدِ الأَرْكَانِِ، وإِذاَ ثَلاَثُ حُورِيَّاتٍ نُورَانِيَّةٍ يَظْهَرْنَ مِنْ خِلاَلِهِ، فَسَاعَدْنَ 'شَمْسًا' عَلَى الوَضْعِ، وَ لَفَفْنَ المَوْلُودَةَ في قِمَاط رَهِيفٍ مِنَ القُطْنِ، ثُمَّ جَلَسَتْ إِحْدَاهُنَّ عِنْدَ رَأْسِ شَمْسٍ، والأُخْرَى عِنْدَ قَدَمَيهَا.
فَقالَت الأُولَى:
-" زَمَنُ الإِظْلاَمِ وَلَّى وَالصُّبْحُ بَـانَ وَلاَحْ
وَهَديَّتِي لِبُنَيَّـتي مَاسٌ وَيَاقُوتٌ نَفِيسْ
مِنْ عَيْنِهَا عِنْدَ النُّوَاحْ " وَضَرَبَتْ بِعَصَاهَا عَلَى أَعْيُنِ الصَّغِيرَةِ.
وَقَالَت الثَّانيَة:
" في رَوْضَتِي وَرْدٌ وَ فُلّْ مِنْ خَيْرِ أَزْهَارِ الرَّبِيعْ
فَإِذَا مَشَتْ سِتُّ الحِسَانْ بالعِطْرِ أُفْعِمَتِ الرُّبُوعْ "
وَ ضَرَبَتْ بِعَصَاهَا هِيَ الأُخْرَى عَلىَ قَدَمَيِّ الصَّغِيرَةِ.
وَتَوَسَّطَتْهُمَا الثَّالِثَةُ وَقَالَتْ:
" الأَمْرُ أَمْرُ اللهْ، وَالرُّوحُ سَـــارِيَة
مَا دَامَتِ الأَوْرَاقْ، في المَاءِ بَـــاقِيَة "
ثمَّ نَاوَلَتْ الأُمَّ كَأْسًا بها مَاءٌ وَتمََائِم وَأَحْجِبَةٌ، وَأمَرَتْهَا بِالحِرْصِ عَلَى إبْقَائِهَا في المَاءِ مَا دَامَتْ حَيَّةً وإلاَّ مَاتَتْ ابْنَتُهَا.
وَفي لمَْحِ البَصَرِ انْبَثَقَ النُّورُ القَوِيُّ ثَانيَةً مِنْ رُكْنِ الكُوخِ، فَدَخَلَتْ الحُورِيَّاتُ مِنْ حَيْثُ خَرَجْنَ وَاخْتَفَيْنَ كَأَنَّهُنَّ لمْ يـظْهَرْنَ أَبَدًا.
وَفي تِلْكَ الأَثْنَاءِ دَخَلَ الحَمَامْجِي رفْقَةَ عَجُوزٍ مُسِنَّةٍ، فَوَجَدَ زَوْجَهُ مُغْمًى عَلَيْهَا في فِرَاشِهَا وَهِيَ تَحْتَضِنُ طِفْلَةً بَهِيَّةَ المُحَيّا..بَدَتْ لهُ تَحْتَ نُورِ الشَّمْعَدَانِ كَنَجْمَةِ الصُّبْحِ أو 'كَفِلْقَة' القَمَرِ، وَكَانَت الأَحْجَارُ الكَرِيمَةُ تَسَّاقَطُ مِنْ أَعْيُنِهَا كُلََّمَا بَكَتْ بَدَلاً عَن الدُّمُوع، فَكَادَ يُغْشَى عَلَيْهِ بِدَوْرِهِ مِنَ الصَّدْمَة، وَحِينَ اسْتَفَاقَتْ شمْس قَصَّتْ عَلَيْهِ قِصَّتَهَا مَعَ الحُورِيَّات، وَحَدَّثَتْهُ عَنْ الهِبَاتِ والكَرَامَات الَّتي أَوْرَثْنَهَا للصَّغِيرَة، فَشَكَرَ اللهَ كثيرا عَلَى نِعْمَتِهِ، وَأَسْمَيَا الطِّفْلَة "صُبْحاً" تَبَرُّكًا بالصُّبْحِ الَّذي بَزَغَ عَلَيْهِمَا بِمَِوْلِدِها، ومُنْذُ ذَلكَ اليَوْم قُلِبَتْ حَيَاتُهُمَا رَأْسًا عَلَى عَقِب، وَ أَشْرَعَ لَهُمَا الثَّرَاءُ وَاسِعَ أَبْوَابه..